لم يأتِ كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي قبل يومين، حول اتجاه البلد نحو انهيار اقتصادي من فراغ، بل هو مبنيٌّ على معطيات مؤكدة، تؤشر إليها جميع قطاعات الاقتصاد والانتاج والمال، التي أصبحت في وضع يرثى له، وهو ما لم يعد بالامكان السكوت عنه. لطالما يعيش البلد خضاتٍ متتالية لا يوقفها الى الآن، أيّ من دعوات الدعسة الناقصة، التي لا يستقيم معها حوارٌ ولا تسمن أو تغني من جوع، مع تشبث رئيس الحكومة الميقاتية ببرنامجه الحافل بالتناقضات، وهو ما أنتج كل هذه الاختلالات مع توليه لحكومة ولدت منذ لحظتها الأولى حكومة لتصريف الأعمال، بدليل تراجع مستويات النمو في 2011 والتوقعات بمستوى قياسي لهذا التراجع بوصوله الى 1 في المئة.
وليس بعيداً من هذا التشاؤم، القطاع السياحي، الذي تصدّر عناوين الصحف الأسبوع الماضي، وبات يحتل أحاديث الأروقة والمقاهي، والمنتديات الاقتصادية من أدنى الى أعلى، وهو ما أرغم وزير السياحة فادي عبود الى نفي موقت لحادثة اقفال فندق هيلتون متروبوليتان بالاس، واضعاً إياها في خانة السجال السياسي، لكن من يقرأ تصريحات المعني الأول بقطاع السياحة يعرف أنّ الوزير عبود، يذر الرماد في العيون، لأنّ نفي جزء لا يعني بالمطلق أنّ الكل في وضع سليم، والأرقام المتراجعة للقطاع إشغالاً ومالاً، تنفي نفي عبود، وعليه ألا يضع في أذنيه وقراً ليسمع الصرخات المتتالية، والتداعيات اليوم لقطاعي الفنادق والمطاعم والمقاهي.
بودا-بار، بداية مسلسل إنهيار القطاع الفندقي، وما الحديث عن اقفالات جزئية في لوغراي والمفاوضات لشراء موفنبيك وامكان اقفال فور سيزنز، إلا الدفعة الأولية، مما جنته حكومة إعفاء النفس على أهم مصدر مالي للخزينة بعد قطاعي المصارف والعقارات، نحو 10،5 مليارات دولار هي المداخيل المتأتية من هذا القطاع، والتي يتوقع تراجعها الى ما دون 3 مليارات دولار، مع النِعم التي تغدقها الحكومة، والتي سنرى منها الكثير فيما لو استمرت.
فقطاع السياحة تضرر بسبب الاحداث الامنية القائمة في لبنان، وخصوصاً جريمة اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن وتفجير الأشرفية، كانت لها تداعيات سلبية، فضلاً عما سبق من قطع طريق المطار وعمليات الخطف، مما أدّى الى تراجع الحركة السياحية، اضافة الى حظر دول الخليج زيارة لبنان على مواطنيها، الذين يشكلون نسبة كبيرة من الاستهلاك السياحي، فعدد الوافدين في الأشهر التسعة الأولى من العام 2012 يبلغ مليوناً و86 ألفا و319 زائراً، مقابل مليون و276 ألفاً و110 زوار في الفترة نفسها من العام الماضي، أي تبلغ نسبة التراجع 14,87 في المئة. أما مقارنة مع العام 2010، فتبلغ نسبة التراجع 35,89 في المئة، إذ وصل عدد الوافدين الإجمالي إلى مليون و694 ألفاً و662 زائراً. فيما لم تتخط الحجوزات الفندقية لعيد الأضحى 50 في المئة.
قبل أسبوع أقفل بودا-بار في بيروت بالتزامن مع افتتاح المستثمر انطوان رزق الله، فرعاً في لندن، يا للمفارقة!!، في بيروت أمّ الدنيا يقفل أشهر مربع ليلي، لأنّ الخسائر بلغت عتوّاً كبيراً بوصولها الى نحو 10 ملايين دولار، فيما هناك كارثة حقيقية لا تتعلق بالمسألة السياحية، بل بصرف العاطلين من العمل، 150 عاملاً تراوح أجورهم بين 800 الى 3000 دولار، باتوا يغردون في الشارع والبحث عند أبواب السفارات على سبل للعيش في الخارج، لأنّ لبنان الجنة يتصحّر سياحياً.
يقول رزق الله، السبب المباشر لاقفال بودا-بار، بالتأكيد تراجع الحركة الى ما دون مستوياتها، وأنا لا أرى أملاً بحل، ليس الأمر وليد اليوم بل نتيجة تراكم الأزمات وعدم اتخاذ قرار على المستوى الحكومي بمواجهته جدياً، فالدولة وضعت نصب أعينها أولويات غير تلك التي تهمنا كمواطنين، الانتخابات أولاً، السياحة تتأثر بالوضع السياسي ونحن نشهد سجالاً مرتفعاً وأحداثاً أمنية كبيرة ولا حل الى هذه اللحظة، فكيف يمكن البناء على أرضٍ غير مستقرة، نعم كل المؤسسات السياحية باتت في وضع الخاسر.
وتوقع رزق الله أن ينسحب اقفال بودا-بار على العديد من المؤسسات السياحية وعلى نطاق واسع، فهناك مشكلات نعانيها ولا خطة للمواجهة، المسألة لا تتخذ بقرارات يومية بل تحتاج الى استراتيجية طويلة الأمد، فالبلاد لا يمكن أن تمشي بالصدفة، فإذا كان هناك غير مؤهلين لادارة القطاع فهذه كارثة وإن كان هناك مؤهلون ولا يضعون خطة للمواجهة فهي كارثة أكبر.
يأسف رزق الله لاقفال بودا-بار لسببين الأول هو عدم قدرته على تحقيق أحلامه في المساهمة باعمار البلد من خلال الاستثمارات، أما الآخر الجد محزن أقفلنا ولم يتصل بنا أحد، وكأننا لسنا في البلد، ونحن نسأل لما أصبحنا في هذا الوضع المأسوي، بدلاً من استثمار ما وهبنا الله اياه في هذا البلد، مناخ وجمال وطبيعة. ويقول لدي الكثير من المصالح والاستثمارات في لبنان وخارجه، وايماني ببلدنا كبير جداً، ولدي أحلام لا حدود لها، لكن للأسف قتلوا أحلامنا، فنحن بوادٍ ودولتنا بوادٍ آخر، منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005 عشنا تراجعاً نتيجة التداعيات آنذاك للحدث الجلل لكن في أعقاب تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة عدنا الى وضعنا الأول النشط كما حدث عندما افتتحنا هذا المربع في العام 2004، مع بداية 2011 عدنا الى الانزلاق مجدداً واكتمل المشهد مع هذا العام، خسائرنا أكبر مما يتصوره عقل، كل المطاعم والمقاهي والفنادق بدأت تعد خسائرها بدلاً من أرباحها، فالوضع الاقتصادي جداً هش، والناس ليس لديها ملاءات مالية، فيما عكف السياح الخليجيون من المجيء الى لبنان، كله بسبب السياسات الموجودة.
وأشار الى أن الاستثمار، وخصوصاً الخارجي منه، ليس مسألةً ترتجل، بل تأتي وفقاً لدراسة جدوى اقتصادية، فأين هي هذه الدراسات التشجيعية والتحفيزية للاستثمار في القطاع السياحي؟، ليس لديهم اهتمام، رغم كل المعطيات التي تخولنا للاقلاع بالقطاع السياحي، فنحن بيئة تنافسية من المعيب أن نشعر أن قدرتنا التنافسية قد اصبحت ضعيفة بسبب هذا الاهمال، فأين هي الحوافز التي تشجع المستثمر والسائح، فإذا كانت الأرضية موجودة لما هذا الاهمال، لقد أصبحنا بوضع 100 تحت الصفر، فلا استقرار ولا ثقة، وهذا يحتاج لمعالجته وللأسف أزمنة، وليس مدة قصيرة.
وأبدى أسفه للعمال المصروفين، الذين حصلوا على حقوقهم، لكن عليهم أن يستمروا ليعيشوا، وقال لإن 150 عاملاً، ليس رقماً بسيطاً في ظل هذه الأوضاع، نساعد كثيرين منهم لتأمين عمل في الخارج، للأسف أصبحنا نسهّل الهجرة.
واعتبر رزق الله أن جزءاً من المشكلة مرتبط وبشكل واضح بقرار منع التدخين، الذي أنتجته الحكومة الحالية، وقال إن أي انسان حضاري وعاقل لا يمكنه الوقوف ضد قرار المنع، لكن عندما يكون عندنا سوق صغير جلّ رواده من المدخنين، لا يمكن السير بقانون ينعكس على وضع السوق بشكل كبير، ألم يكن عندهم 10 دقائق لانتاج قانون وسطي يوفق لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، نحن لسنا سوقاً كبيرة كأوروبا واميركا، للأسف عندما تكون السياحة بوضع كارثي ثم يأتي قانون من هذا النوع فمن المؤكد أن القرار سيصبح أصبح أكثر كارثية، نحن في العام 2012 ولا نعيش في القرون الوسطى، كيف نفسّر أن مستثمراً مثلاً يدخل السجن بسبب أن أحد الزبائن يدخن، يعني إذا كان أحدهم يملك سلسلة مطاعم أو مقاهي فسيقضي نصف عام في السجن، يعني سيدفع جزية عن استثماراته، (بعد 3 ثلاثة محاضر ضبط وآخرها الحبس)، القوانين خلقت من أجل العدالة وليس من أجل الظلم وتهشيل الاستثمارات، علينا أن نطبق ونستمد من الغرب القوانين الحضارية ولكن علينا مواءمتها مع بيئتنا.
الآن يعجُّ بودا-بار بيروت بالفراغ على مساحة تقارب ألف متر مربع، كل الأغراض في الطابق الأرضي والملهى الليلي، مجمّعة لترحيلها، ثمة 650 زبوناً، خسرهم هذا المربع العالمي، الذي بدأ نشاطه في وسط العاصمة، أواخر العام 2004، بعد باريس، وقبل دبي ونيويورك، منح ريمون فيزان، الذي يملك أيضاً في باريس الـبارفلاي والـباريو لاتينو، رخصة الاستثمار البيروتية للمربع الشهير، هذا الفراغ لن يملأه الكلام المطمئن لوزير السياحة، فثمّة انهيار لا تعالجه المرطبات الكلامية.
نحو أوروبا وأميركا هو التوجه الحالي للمستثمر أنطوان رزق الله، للشركة العالمية بودا-بار، يضحك كالطير مذبوحاً من الألمِ فيما كنا نقفل بودا-بار بيروت، كنّا نفتتح فرعاً لبودا-بار لندن!!!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.