30 حزيران 2020 | 08:18

أخبار لبنان

استقالات المستشارين: دومينو الهروب أم تداعي ‏السيطرة؟‎ ‎

استقالات المستشارين: دومينو الهروب أم تداعي ‏السيطرة؟‎ ‎

المصدر:" النهار " 

‎إذا كانت تبريرات عدّة من تلك التي طرحها المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني لاستقالته بعد عقدين من توليه ‏هذا المنصب لم تشف غليل الكثيرين وربما لم تقنعهم بتوقيتها المتأخر للقول إنه لا يريد أن يكون شاهداً على ‏الإنهيار في فصوله السابقة والحالية واللاحقة، فإن ذلك لا يقلّل خطورة دلالات هذه الاستقالة ولا أيضاً مروحة ‏من الوقائع المالية التي أوردها في مؤتمره الصحافي الذي شرح فيه دوافع استقالته. ذلك أن بيفاني، بابرازه دفاعه ‏القوي عن الخطة المالية للحكومة والذي بدا من خلال هذا الدفاع كأنه العراب الفعلي وواضع الخطة بكل تفاصيلها ‏ومحاورها واتجاهاتها عكس في استقالته اتساع تداعيات الصراعات التي تمحورت على أرقام الخسائر التي ‏وردت في خطة الحكومة والتي استدعت تأليف لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من لجنة المال والموازنة النيابية التي ‏أنجزت تقريرها وسيقدمه غداً رئيس اللجنة النائب ابرهيم كنعان الى رئيس مجلس النواب نبيه بري‎.‎

الحرب الصامتة تارة والمعلنة طوراً بين الحكومة واللجنة التي دارت طوال الفترة السابقة في موازاة المفاوضات ‏الجارية بين الفريق اللبناني برئاسة وزير المال غازي وزني وفريق صندوق النقد الدولي لم تحط رحالها قط على ‏رغم "هدنات" متقطعة من دون التوصل الى حلّ جذري لتوحيد أرقام الخسائر المالية، مع أن صندوق النقد الدولي ‏كرّر أكثر من مرة تبنيه لأرقام الحكومة. لكن الجانب الآخر من تداعيات استقالة بيفاني التي يفترض أن يتخذ ‏مجلس الوزراء قراره اليوم بقبولها أو رفضها تتمثل في الخلفية الأخطر التي تتصل بتداعي إدارة الأزمة المالية ‏على يد الحكومة نفسها التي لم يوفرها بيفاني كما المصارف في انتقاداته وحملاته، علماً أن استقالته شكّلت المؤشر ‏الثاني تباعاًً لحال التفكك التي تحاصر الحكومة في هذا الملف بعدما سبق بيفاني الى الإستقالة قبل أسبوعين ‏المستشار في وزارة المال هنري شاوول وهو كان أيضاً أحد أعضاء الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي‎.‎

وما لن يكون سهلاً على الحكومة والسلطة كلاً أن تتجاهله بعد بدء مسار استقالات يصعب التكهن بنتائجه ‏المباشرة، هي الانطباعات القاتمة التي بدأت تتشكل لدى أوساط ديبلوماسية غربية كما لدى أوساط سياسية ‏واقتصادية محلية حيال الفقدان المتدرج لسيطرة الحكومة وقدرتها في الحدود الدنيا على احتواء الأزمة بحيث ‏صارت يوميات التدهور المالي تشكّل الإثبات الحي والأشد خطورة لصورتها وتماسكها، فيما يسجّل الدولار في ‏السوق السدوداء قفزات قياسية مطردة بلغت به أمس حدود الـ8300 ليرة. كما أن هذه الأوساط تتساءل عما إذا ‏كانت الاستقالات في "حكم المستشارين" تنم عن احتدام الصراعات بين المكونات السياسية للحكومة والسلطة، أم ‏أن هؤلاء يسارعون الى القفز من المركب المتهاوي لإدراكهم أنه يشارف الغرق؟

إذاً، تحت عنوان "أرفض أن أكون شريكاً في الانهيار" برّر بيفاني استقالته قائلاً: "بات من شبه المؤكد أن ‏المشروع الذي يُفرض على اللبنانيين واللبنانيات بمرور الوقت هو الذي سيأخذ منهم مرّة أخرى قدرتهم الشرائية ‏وقيمة ودائعهم والأملاك العامة التي هي ملكهم وثروتهم، في حين أنهم ينزلقون نحو المزيد من الفقر وتدهور ‏الأوضاع المعيشية وارتفاع البطالة وازدياد الانكماش الاقتصادي وتعمّقه(…) نحن اليوم مشرفون على مرحلة ‏جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة، مع نتيجة معروفة مسبقًا، وهي سحق الطبقة غير الميسورة، ‏وتحميل فئات الدخل الأدنى والمتوسط الأكلاف التكاليف، وتركها بين مطرقة عدم قدرتها على الحصول على ‏ودائعها وتدهور عملتها الناتج من عدم تلقّف برنامج إصلاحي جدي يسمح بإعادة تدفق الدولار باتجاه لبنان، وبين ‏سندان البطالة المستفحلة والتي سوف تتضاعف في حال الاستمرار في تأجيل الحلول وعدم امتصاص الخسائر ‏من قبل من يجب أن يساهم في امتصاصها". وأضاف: "تأكد أن ارقامنا صحيحة، وأن مقاربتنا صحيحة، لكن ‏تسرّع البعض بالخوف، تحت وطأة الحملة المجرمة التي ضلّلت الناس وشتمت وهدّدت، فارتعب الناس ‏والمسؤولون معًا، فانكروا الأرقام على الرغم من معرفة الجميع بصحتها، وحرّفوا الاجراءات لتظهر على غير ‏حقيقتها، فاستاء الصندوق والمانحون‎".‎

‎ ‎

واعتبر "أن مشكلتهم مع الخطة الحكومية أنها طرحت استعادة المال المنهوب والمال المهرّب والفوائد الفاحشة ‏وحمَّلت الخسائر بحسب القانون والمنطق للمساهمين قبل الدائنين. والدائنين قبل المودعين، وأنها كسرت المحرمات ‏وكشفت الوضع الفعلي لهذا النظام الفاشل وبيّنت ضرورة القيام بالإصلاحات بأقصى سرعة، خاصة قبل تدهور ‏سعر الصرف الذي قضى على كل الأسس‎".‎

حتي وشيا

في المقابل، بدت "أزمة" الحكم القضائي الذي أصدره قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح في طريقها ‏الى التبريد بعد لقاء وزير الخارجية ناصيف حتي والسفيرة الاميركية دوروثي شيا امس في وزارة الخارجية. ‏وأفادت المعلومات الرسمية عن اللقاء أن الوزير حتّي شدّد خلال اللقاء على "حرية الإعلام وحق التعبير، اللذين ‏هما حقان مقدسان. وكان نقاش صريح في المستجدات الحالية على الساحة المحلية جرى خلاله التطرّق الى ‏العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين والشعبين اللبناني والأميركي، وشدّدا على أهمية التعاون بين الحكومتين في ‏المجالات كافة وذلك دعما للبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها‎".‎

وبعد اللقاء صرحت السفيرة شيا: "لقد كان لقائي مع الوزير حتي إيجابياً حيث شدّدنا على ضرورة تقوية العلاقات ‏الثنائية، والمسألة الأبرز التي بحثناها فيها كانت القرار القضائي، وقد طوينا الصفحة على القرار المؤسف الذي ‏أرى فيه تحييداً للأنظار عن الأزمة الحقيقية المتمثلة بتدهور الوضع الاقتصادي في لبنان‎".‎

وأضافت: "الولايات المتحدة مستعدة وستواصل مساعدة الشعب اللبناني ما دامت الحكومة تتخذ الخطوات اللازمة ‏لمعالجة أسباب الازمة". وأوضحت أن بلادها "تقدر التعاون لتعزيز مصالحنا المشتركة العديدة وأهدافنا المتبادلة ‏في هذه الأوقات العصيبة بشكل خاص". وختمت: "أؤكد لكم أن علاقتنا الثنائية قوية وسنواصل تقديم كل ما يعود ‏بالنفع على شعبي بلدينا‎".‎

وفيما كان القاضي مازح أعلن أنه سيستقيل اليوم بعدما دعاه مجلس القضاء الأعلى في جلسته قبل الظهر، أفادت ‏معلومات مسائية أن القاضي قرّر أن يلبي دعوة مجلس القضاء الأعلى لإطلاعه على حيثيات قراره وأنه عدل عن ‏الاستقالة في ظل معطيات تستبعد اتخاذ أي إجراء في حقه‎.‎

وسط هذه الأجواء، يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم في قصر بعبدا لمناقشة الوضع المالي والاقتصادي. كما دعا ‏رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع الى اجتماع، قبيل جلسة مجلس الوزراء، للبحث في ‏الأوضاع الأمنية والتطورات الأخيرة على الحدود الجنوبية حيث قرّرت اسرائيل الشروع في التنقيب عن الغاز ‏والنفط في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، وحال التعبئة العامة‎.‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

30 حزيران 2020 08:18