8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حكومة ميقاتي تصفع الطبقة الوسطى مع توقعات بارتفاع التضخم 7%

الطبقة الوسطى في لبنان التي كانت تشكل ميزة الاقتصاد في لبنان والتي تلاشت بفعل الاحداث كانت بندا من بنود البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري الذي ادرك ان اعادة تكوينها تشكل دعامة اساسية من دعائم الاستقرار في لبنان، والذي حالت الظغوط التي مورست ضده من الوصول الى اهداف بيانه.
هذه الطبقة لا تزال غائبة بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تتبعها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وهو امر مرشح لان يبقى على هذا المنوال خصوصاً بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي يبدو الى الآن، أنّ مصادر تمويلها ستكون ضريبية بامتياز. اذ انه في العادة تقر قوانين الدخل والضرائب بهدف الحفاظ على تماسك الطبقة الوسطى وزيادة عوامل اتساعها، وهو ليس قائما هنا.
فلتمويل السلسلة سيكون هناك المزيد من الرسوم وزيادة كبيرة في معدلات الفوائد (وتقدر التكلفة الاجمالية لمشروع قانون السلسلة حسب فئات الموظفين والملاكات بنحو1595 مليار ليرة). ويعزّز هذه الفرضية ارتفاع مستويات التضخم والتي تقدر بـ7 في المئة مقابل تراجع النمو الاقتصادي الى 1 في المئة وربما أقل. وليس سرّاً أن معدل البطالة بلغ 34 في المئة في صفوف القوى الشبابية، والأهم أن حكومة ميقاتي عطّلت كل المسارات الإصلاحية التي كانت بدأت بها حكومات الرئيسين الحريري وفؤاد السنيورة.
40 في المئة هو حجم الطبقة المتوسطة أو الوسطى في لبنان، لكن الرقم يعود الى آخر احصاء أجرته وزارة الشؤون في 2004. وبالتأكيد فإن الرقم أدنى من هذا وفي كل يوم هناك حالة إفلاس وحالات فقر تتشعب كالفطريات ولا سيما في مناطق الأطراف، بينما يفترض أن تكون على الأقل 60 في المئة من المجتمع، ليكون مجتمعاً صحيحاً.
يقول الخبراء انه كلما ارتفعت نسبة الطبقة الوسطى تحسن الوضع الاقتصادي للمجتمع، لأن الطبقة الوسطى هي أساس الدورة الاقتصادية. فهي الفئة الاكثر سدادا للضرائب ـ الإيراد الأول إن لم يكن الوحيد لموارد الدولة ذات الاقتصاد الطبيعي. وستصبح عبئاً على الدولة في حال انتقالها من موقع الوسطى إلى الفقيرة.
يبلغ الراتب في الطبقة المتوسطة بين 1500 و4000 آلاف دولار، باعتباره الدخل المطلوب لسداد الحاجات الأساسية للعائلة. لكنه على الرغم من المداخيل المرتفعة التي يحصلها موظفو القطاعين العام والخاص، إلا أن الغلاء يبدد هذه المداخيل، مع ارتفاع المصاريف الشهرية على فواتير الكهرباء والماء والهاتف (الثابت والخلوي) والمدارس الخاصة واستخدام وسائل النقل والتغذية المتنوعة والترفيه بأنواعه والصحة. وعلى الرغم من الزيادة التي أعطتها الحكومة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب، فاللبناني ينفق أكثر مما يحصل، ويبيّن مؤشّر استهلاك السلع والخدمات الذي تعدّه إدارة الإحصاء المركزي ارتفاعاً تراكمياً في الأسعار.
ويظهر آخر تقرير، أن أسعار المواد الإستهلاكية في لبنان ارتفعت بنسبة 6،6 في المئة، ما بين تموز وحزيران من العام الجاري. وسجّل الرقم القياسي لأسعار الإستهلاك في لبنان لشهر تموز 2012 ارتفاعاً بنسبة 25.9 في المئة عن شهر الأساس الذي تعتمده إدارة الإحصاء المركزي الرسمية وهو كانون الأول العام 2007. وسجّل مستوى تضخّم الأسعار في لبنان بين تموز 2012 وتموز 2011 ارتفاعاً نسبته 8,9 في المئة، فيما سجّل مستوى تضخّم الأسعار بين تموز 2012 وحزيران 2012 ارتفاعاً ونسبته 6،6 في المئة.
الحريرية تعيد بناء الطبقة الوسطى
وفي هذا الإطار، يؤكد مستشار رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة، الخبير الاقتصادي مازن سويد، انحدار الطبقة المتوسطة من العام 1983 الى العام 1993، ولاحظنا أنه ما بين 1983 الى 1993 انهيارا في العملة مع ارتفاع التضخم، ولبنان بلد يستورد الكثير من حاجاته الاستهلاكية. اضاف بعد 1993 كانت هناك سياسة لإعادة الاستقرار الى سعر الصرف، ما أدى الى استقرار في العملة منذ 1995 على سعره الحالي، وانخفضت معه معدلات التضخم واعيدت بناء هذه الطبقة مترافقة مع تقديمات الاجتماعية وبناء بنى التحتية، وكان يمكن ان نعطي اكثر، لكن الرئيس الشهيد رفيق الحريري عمل في ظروف جداً ضاغطة ومن أهمها الوصاية السورية وفي ظل سيطرة امراء الحرب على مفاصل الدولة، الذين طالما نظروا اليها ولا يزالون ينظرون الى الدولة كبقرة حلوب وليس هدفا للاصلاح.
بين اعوام 1983 و1993، تقلصت الطبقة الوسطى في لبنان الى أدنى مستوى، حين اشترى لبنان سلاحاً من موجودات وودائع وضمانات بالعملة الصعبة وتقهقر سعر الليرة، وانتقلت هذه الطبقة الى المهجر وخصوصا البلدان النفطية، وأصبحت تعطي فائضا ميزان للخزينة اللبنانية. قبل الحرب اللبنانية كان نصف اللبنانيين من الطبقة الوسطى اذا اعتبرنا أن دخلها يراوح بين 15 و27 ألف دولار. إلا أن ثلثي اللبنانيين يعيشون على معاش أقل من 12 ألف دولار في السنة.
وبحسب آخر الاحصاءات التي أنجزتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي (وفقاً لدراسة ألأوضاع المعيشية للأسر 2004/2005)، يمكن استخلاص الآتي:
يقدر عدد سكان لبنان بـ3755034 شخصاً فيما يقدر متوسط حجم الأسرة بـ4،7 أفراد كحد أقصى، وتبلغ نسبة القوى العاملة الاجمالية الى اجمالي السكان المقيمين 32,2 في المئة.
وتمثل الطبقة الوسطى 40% من المجتمع اللبناني، 25 في المئة الاسر ذات الدخل المتدني و35 في المئة مرتفعة، وهذا ما يسبب ارتفاع الاسعار، وبعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب يتوقع ارتفاع السلسلة رفع نسبة التضخم الى 7 في المئة. ويبلغ عدد موظفي القطاع العام نحو 215 إلى 225 ألفاً (السلسلة وضعت على أساس 175 ألف موظف في القطاع العام) مع المتقاعدين البالغ عددهم نحو 45 ألفاً.
السياسة الميقاتية تشتري ديمومتها
يؤكد سويد أنّ أهمية وجود الطبقة الوسطى لا ينحصر في لبنان فحسب بل في كل المجتمعات، وانه يجب الحفاظ على هذه الطبقة من أجل إقامة هذا النوع من التوازن، وهي صمام الأمان لحفظ المجتمعات من الاختلالات التي تنتج عن الأوضاع الاقتصادية. ولفت الى ان معظم الثورات التي نشهدها اليوم في البلدان العربية (الربيع العربي) هي نتيجة لتحرك الطبقة الوسطى التي تناضل من أجل تصحيح هذه الاختلالات القائمة في تلك المجتمعات.
الطبقة الوسطى هي صمام الأمان وخصوصاً في لبنان، يقول سويد، ونحن ادركنا ذلك ولذا كانت واردة في البيانات الوزارية لحكوماتنا. لكن للأسف هي مفقودة اليوم مع سياسة الحكومة الحالية القائمة على شراء ديمومتها من خلال تقديمات تظن أنها للطبقة للوسطى من دون انتاجية، لكن هي تضرهم، وهذه بالنهاية سيؤدي الى تضخم وزيادة على الفوائد، يعني الذي سيأخذ قرضا من المصرف سيدفع فائدة أعلى نتيجة هذه السياسة.
ويوضح سويد، أنّ لبنان بحاجة الى العمل كثيراً لمقاربة موضوع لطبقة الوسطى، أولاً على صعيد خلق فرص العمل للخريجين من الجامعات، وبالتالي المحافظة على معدلات النمو الاقتصادية التي تحققت ما بين العامين 2007 الى العام 2010 وكانت بمعدل 8،5 في المئة وهذا يؤدي الى فرص عمل ويجعل نسبة الدين الى الناتج المحلي تنخفض.. وبالفعل انخفضت هذه النسبة من 180 الى 135 في المئة، ما يتيح ايضاً خفض الفوائد وتحفيز الاستثمار والحصول من الطبقة المتوسطة على قروض استهلاكية وعمل ودراسية وغيرها، بمعدلات فوائد أفضل عندما يكون الدين العام مرتفعاً بالنسبة للناتج المحلي. ولفت الى ان هذه الامور سببها معدلات النمو المرتفعة التي شهدها لبنان، الذي لم يستطع رغم هذا النمو أن يقارب الملف الاجتماعي بالطريقة الامثل، ورغم وجود خطة اجتماعية متكاملة أقرت في باريس ـ 3، من خلال اصلاح قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية. اضاف هذا الزخم في النمو لم يترجم في الملفات الاجتماعية حيث كانت حكومات ما قبل 2008 معطّلة وما بعدها بسبب العرقلة التي مارسها الفريق الذي يتولى السلطة اليوم في لبنان، وجاء الفريق هذا وحده وليس لديه حجة بأن أحداً يعرقله، لكننا فوجئنا بأننا لم نشهد تقدما على صعيد الملفات الاجتماعية.. بل على العكس فإن المشاريع التي تمثل إصلاحاً جدياً من خلال البطاقة الصحية تم التراجع عنه، واصلاح الضمان الاجتماعي وضمان الشيخوخة اختفيا، وايضا النمو الذي كان 8،5 في المئة الذي اوجد فسحة قضوا عليه رغم عدم وجود اصلاح. وفي العام 2011 وايضا في 2012 وفي ظل استمرار هذه الحكومة فان الوضع الاقتصادي مرشح للتفاقم، والتي تظن انها تشتري في الاقتصاد، وهي عاجزة عن الامن والاستقرار، وهي عاجزة عن الامور الاخرى وهي تسيء الى الاقتصاد اكثر من الامور الاخرى.
انهيار النمو الاقتصادي يأكل الطبقة الوسطى
ويرى سويد أنّه من أجل إعادة تكوين هذه الطبقة نحتاج الى معدل نمو مرتفع لسنوات عادة فوق 8 في بالمئة، ولمدة لا تقل عن 7 سنوات، حتى تزيد فرص الاستثمار وتزيد معها فرص العمل بطريقة متتالية، وهذا يحتاج الى استقرارين أمني وسياسي. وعندما يرتفع النمو، تكون موازنة الدولة مرنة، وبالتالي فإن الدولة حينها ستبدأ بالتقديمات، وتبدأ في الوقت نفسه عملية الاستثمار في البنى التحتية. وهذه تحتاج الى شراكة مع القطاع الخاص بالتزامن مع وجود هيئات منظمة رقابية شديدة القدرة، وغير مسيسة وذات كفاءة عالية متخصصة. واشار الى ان الفريق الحاكم لا يؤمن بالهيئات المنظمة ولا بالصناديق يريد أن يزيد التكاليف على الدولة ومن دون اصلاحات، وليست لديه سياسات اجتماعية ومغيبة عن سياستها الاقتصادية مما يزيد التكاليف على المستهلكين من خلال التضخم ومن خلال ارتفاع المالية العامة وهو ما يضر مباشرة بالطبقة الوسطى، التي تمر اليوم بظرف صعب وقد يكون الاسوأ منذ العام 1993، وسنشهد اذا استمرت هذه السياسة الاقتصادية انخفاض النسبة لهذه الطبقة وارتفاع لعدد الفقراء ذوي الدخل المتدني.
وبالمناسبة، فقد حقق الاقتصاد اللبناني مكاسب مثيرة للإعجاب منذ انطلاق أفق 2000. حيث أنفقت الحكومة في برنامج إعادة إعمار لبنان 20 مليار دولار في عام 1993. ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 8 في المئة في عام 1994 و 7 في المئة في عام 1995 قبل عملية عناقيد الغضب الإسرائيلية في نيسان 1996 حيث توقف النشاط الاقتصادي. ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي بلغ في المتوسط أقل من 3 في المئة سنويا لعامي 1997 و 1998، و 1 في المئة فقط في عام 1999.
ويبقى السؤال، هل تعالج هبات الدولة من دون إنفاق استثماري ومشاريع إصلاحية وإعادة بناء الشركات الصغرى والمتوسطة الحقيقية، موضوع إعادة تكوين الطبقة المتوسطة؟، ثمّة بحث عن تمويل الزيادات الأخيرة التي أقرّتها حكومة ميقاتي، وهو ما يدعو للتفكير ملياً إن كان بامكانها التمويل من غير الضرائب والرسوم.
الشّك مشروع بما أقدمت عليه الحكومة الميقاتية التي تريد النتيجة دون توفير الأسباب المناسبة لها،. فلا إصلاحات قامت ولا زاد النشاط الاقتصادي.....كل التوقعات تؤكد أن نسبة الفقراء في لبنان هي الى ازدياد وليست الى انحسار، وأنّ الطبقة الوسطى التي تحظى في معظم المجتمعات الإنسانية باحترام وتقدير كبيرين، لم تراعها الحكومة الحالية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00