8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اقتصاد طرابلس إلى الانهيار.. والحكومة الطرابلسية معتزلة

أعادت جولة العنف الجديدة التي تشهدها العاصمة الثانية، بين القوات التابعة لنظام بشار الأسد التي تتخذ من جبل محسن معقلاً لها وبين باب التبانة، الاقتصاد الشمالي عموماً والطرابلسي خصوصاً الى الحضيض، وهو ما يمكن ملاحظته بالعين المجرّدة من خلال التجوال في أسواق المدينة التي باتت خاوية على عروشها، ولا يؤمها إلا غربان الموت من فينة الى أخرى لا تفصل بينها أحياناً أيام، وهو ما يضع علامات استفهام كثيرة حول الحكومة الطرابلسية التي لم تقدّم إلا جرعات باندول للمدينة فيما المطلوب معالجة جذرية، وهل بات العجز هو العنوان الأفضل لوزراء المدينة، ألم يكن بالأمر تدارك ما حصل، خصوصاً وأن هذه الجولة هي الثانية عشرة منذ العام 2008، نفس المشهد يتكرر الموت يبحث عن ضحايا، فيما الوزراء ورئيس الحكومة أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصموا.
ومع التراجع الأخير للحركة التجارية والاقتصادية الى اكثر من 30 في المئة، فإنّ نحو 28 ألف مؤسسة تجارية في الشمال (10 آلاف منها في طرابلس)، باتت مهدّدة إمّا بالافلاس أو بالاقفال أو بعمليات صرف للموظفين، فيما هناك نحو 600 مؤسسة في منطقتي جبل محسن وباب التبانة مقفلة الآن، ليتوقف معها آلاف العمال المياومين قسراً، بانتظار حلِّ سحري قد لا يبدو حتى اللحظة متوفراً بدليل أن كل مساعي التهدئة باءت فشلاً.
وسأل ميرزا متلج وهو صاحب متجر في وسط المدينة أين المرجعيات السياسية والنقابات والجمعيات مما يحدث في طرابلس، العاصمة الثانية تمشي نحو الخراب، في ما كنّا ننتظر أن نسمع أصواتاً وردة فعل مستنكرة وفاعلة في آن، التنديد بوقف جولة العنف لا يكفي، طالما أن الرصاص لا يزال ينهمر في الليل والنهار، نحن نتجه للافلاس أصبحنا جزيرة معزولة عن سائر المناطق لا سيما عكار والضنية وزغرتا، جلُّ الزبائن من هذه المناطق، لا أحد يدخل الآن الى المدينة.
وأضافت جولات العنف المتكررة منذ بداية العام الجاري، مزيداً من الاحباط لدى التجار، بفعل الانكماش الاقتصادي الحاصل، نتيجة التضخم وتراجع القدرة الشرائية وخصصت الحكومة الميقاتية نحو 100 مليون دولار لانعاش اقتصاد العاصمة الثانية، إلا أنّ كثراً من التجار والمعنيين بالشأن الاقتصادي أعربوا عن خيبة أمل كبيرة من ضحالة المبلغ لعاصمة باتت نائية لا ثانية، بفعل سياسة النأي بالنفس عما تحتاجه المدينة فعلياً وهو يتطلب أضعافاً مضاعفة من هذا المبلغ، خصوصاً وأن طرابلس وجوارها بحاجة الى خطط إنمائية واسعة، باتت مطلباً ليس حيوياً وحسب وإنما هدفاً إنقاذياً لان هذه المدينة العريقة في التاريخ وحجمها ومكانتها، لا يمكن أن يبقى مستقبلها الإنمائي معلقاً، على طرق تعتمد اللف والدوران والمناورات التي لم تعد تنطلي على أحد، وربما هذه الأرقام وتلك الوعود وتلك الأعمال المبنية على الأوهام هي أقرب الى لعبة منوبولي التي يتلهى بها الأطفال. التي وإن دلّت على شيء فإنّما تدل على وهن وقعت به الطبقة السياسية المحلية التي تدعي انها تمتلك النفوذ والقدرات من خلال موقعها غير الفاعل على الصعيد السلطوي، فما تمر به العاصمة الثانية هي حالة الفقر المدقع وهي واقعياً مدينة منكوبة ومتروكة على باب الله، فالمئة مليون دولار التي رصدتها الحكومة لمنطقة التبانة وجوارها لا يمكن أن تقوم بإصلاح زجاج مكسور في منطقة لا تزال جولات الإقتتال المفتوحة على كل الخسائر في البشر والحجر، والعيب كل العيب بأن بتم الحشد الهائل لأبواق الشكر والإمتنان لـ100 مليون دولار، التي تصور هذه المدينة بأنها متسولة، فما تحتاجه طرابلس هو عدم النأي بالنفس والشروع جدياً في توفير بيئة مستقرة أمنياً وسياسياً وبالتالي ايجاد بيئة استثمار، متوفرة في طرابلس بشرط توفر الشرط الأول.
اقتصاد طرابلس في عيون تجارها
وقال كبير التجار في العاصمة الثانية فوّاز الحلوة، إن الوضع في المدينة لم يعد يطاق في طرابلس منذ نحو 4 سنوات، بوات للمدينة وضعية خاصة، فلم نعد نشهد لا حركة تجارية ولا إجر غريبة سيّاح، وكنّا نأمل أن تعوّض الحركة خلال الأعياد ما خسرناه خلال الشهر الكريم (رمضان)، لكن منذ الليلة الأولى للعيد، عاد الأمن الى حالة الاضطراب.
وأشار الحلوة الذي يرأس جمعية تجار طرابلس الى أنّ التجار يجرون اتصالات مكثّفة مع المراجع السياسية في المدينة، لأن الوضع أهلك التاجر والمواطن معاً، ولفت الى أن طرابلس تعيش وضعاً حرجاً، يتطلب تضافر الجهود من أجل انقاذها.
وقال أحد المعنيين بالشأن الاقتصادي الطرابلسي ترخي الأزمة الإقتصادية المتفاقمة بظلالها القاتمة على مجمل الأوضاع العامة في مدينة طرابلس وجوارها وهذا ما ذهب اليه عدد من المهتمين بالشأن الإقتصادي والإجتماعي من خبراء وباحثين ومتابعين. ومما يزيد من حدة هذه الأوضاع المتردية التأثيرات السلبية للإرتدادات السياسية التي تعكسها الأحداث الدموية التي تدور على نطاق بلدان الجوار وتثير القلق البديهي لدى المصدرين اللبنانيين في توجيه بضائعهم وسلعهم ومنتجاتهم بإتجاه أسواق العالم الأرحب، وإستحال إنسيابها وتدفقها عبر بوابات العبور البرية، بسبب الظروف التي تمرّ بها سوريا إستثنائياً في المرحلة الراهنة، لافتاً الى مظاهر الركود المتعاظم التي تتجلى ليس على مستوى إنخفاض منسوب الصادرات وحسب وإنما على مختلف المستويات حيث توقفت أعداد كبيرة من المشاريع، في وقت تسجل فيه الحركة التجارية المحلية تراجعاً تقارب نسبته درجة عالية من الإرتفاع بلغت الـ90 في المئة، وتزيد من المشهد الإقتصادي تردياً وتدهوراً وباتت نسبة الإستثمار في نفس السياق في أدنى مستوياته إذ تتحدث الأرقام عن نسبة متدنية مقارنة بمناطق لبنانية أخرى لا سيما في العاصمة بيروت ومحافظة جبل لبنان، إذ تتراوح نسبة الإستثمار في تلك المنطقة ما بين 5 الى 10%، إضافة الى مجموعة كبرى من المغتربين التي تفكر ملياً قبل أن تبادر الى المساهمة في إنعاش الإقتصاد الوطني. وحينما يتم الحد من تطلعات القطاع الخاص وتشل حركته التي تطال الآلاف من مؤسساته الإنتاجية بفعل الفلتان الأمني والمظاهر المؤذية التي لا ضابط لها ولا رادع هي مؤشرات بالغة الخطورة لا تؤسس لإستقرار تحتاجه الحركة التجارية بكافة مكوناتها من مؤسسات تجارية وإنتاجية ومصرفية وهو مؤشر بالغ الخطورة، باتت خشيتنا معه مشروعة أمام إحصاءات تستند على العلم الإجتماعي وتؤكد أن نسبة البطالة اليوم في طرابلس بالنسبة للقوى العاملة تفوق الـ35 في المئة، فيما تجنح نسبة الفقر صعوداً الى 60 في المئة، وهو ما يعني أنها الأفقر بين المناطق اللبنانية، وكذلك إرتفاع في نسبة التسرب المدرسي التي وصلت مؤخراً الى 30 في المئة، وسأل الحكومة عن كيفية الخروج بطرابلس وجوارها من هذه الدائرة المقفلة أمام مشهد اقتصادي يزداد تعقيداً بفعل الأحداث الأمنية المتوالية.
أين الدولة والحكومة الطرابلسية؟
ومن جهته، قال الخبير بالشأن الاقتصادي الطرابلسي محمد سعيد المصري، إنّ وضع المدينة يزداد سوءاً، مع كل انفلات أمني خصوصاً وأنه لم يعد هناك من رادع لهذا الانفلات، بدليل أن الأمر يتكرر، لافتاً الى أنّ معدلات الفقر والبطالة زادت بمعدلات كبيرة، خصوصاً مع عدم زيادة غلاء المعيشة واقرار سلسلة الرتب والرواتب. وقال إن الوضع المزري لا ينسحب على العاصمة الثانية بل على كل البلاد وبالتالي فإن المطلوب اليوم في ظل هذه الأجواء المشحونة على كل الصعد السياسية والطائفية والمذهبية، شخصية اعتدالية بوزن الرئيس سعد الحريري، وليس المطلوب شخص يلوّح باصبعه ويهدّد بإحداث الزلازل في لبنان والمنطقة. ووصف بطرابلس باليتيمة التي لا أبّ لها ولا أم، رغم أنّ الحكومة طرابلسية بامتياز.
وسخر المصري من عدم قدرة الدولة على ضبط الوضع في باب التبانة وجبل محسن، وقال ألا يستطيع الجيش الامساك بنحو 400 مسلّح من الطرفين يعطّلون حياة المدينة كلما سنح لهم الأمر؟.
ولخّص المصري، أفول الاقتصاد الطرابلسي على كافة محاوره:
-لا مشاريع لتحريك اليد العاملة المتنامية في طرابلس والشمال، وعدم توفير بيئة جاذبة للاستثمارات رغم أنّ طرابلس مؤهلة للعب هذا الدور، لكن الى الآن لا أجواء أمنية أو سياسية مستقرة لإحداث هذا النوع من الصدمات الايجابية.
-إزدياد معدّلات الفقر بشكل غير مسبوق، وهذه المعدّلات تزيد مع كل دورة عنف تشهدها العاصمة الثانية، فالفقر ارتفع من نسبة 40 الى 65 في المئة خلال فترة قصيرة، أضيف اليها معدل اللاجئين السوريين والذين تعدوا ال20 ألفاً، فيما ارتفعت معدلات البطالة بين القوى الشبابية القادرة على الانتاج من 30 الى 40 في المئة، وهي معدلات مخيفة وتنذر بشرٍ مستطير إن لم يتم استيعابها وتوفير فرص عمل لها، أمّا معدلات الفقر المدقع في المدينة فزادت الى نحو 15 في المئة بحسب تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية، يعني هناك 15 في المئة من سكان المدينة يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، وهو أمرٌ لا يبشر بالخير.
-هناك جمود في مشاريع العقار، ناتج من التخوف ودم الاتسقرار، وأي مستثمر يحتاج الى توفير ضمانات باعتبار أن الرأسمال جبّان ولا يمكنه أن يغامر في منطقة غير آمنة.
-لا معامل ولا مصانع، وإن كان هناك من معامل أو مصانع فهي تتجه نحو الاقفال بسبب الأوضاع الميؤوس من معالجتها، وهو ما يزيد من نسبة التبطّل من العمل.
-الاقتصاد الطرابلسي الذي يشكل نحو 20 في المئة من مجمل الاقتصاد الوطني لم يعد يشكل أكثر من 10 في المئة، بسبب الضربات الأمنية المتلاحقة منذ العام 2005 الى اليوم، ولا سيما خلال السنوات الأربع الأخيرة.
-إن طرابلس التي تشكل قطباً تجارياً جاذباً لعكار والضنية وزغرتا وكل المناطق المحيطة تراجع دورها، وهي لم تعد كذلك بسبب المناخ غير الايجابي.
-إن المئة مليون دولار التي خصصتها الحكومة لانماء طرابلس لا تزيد من اندفاعة العجلة الاقتصادية في المدينة، خصوصاً وأنها خصصت لمشاريع طرق كل شي زفت إلا الطرقات، وجسر وغير ذلك، مما لا يؤدي أي شيء على صعيد المناخ الاستثماري والتجاري والتنموي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00