8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إحراق الشارع بالتقنين والتعتيم

الكهرباء في عهد حكومة ميقاتي، أشبه بالعزف على آلةٍ موسيقية بلا وتر.. فلا هي تطورت، ولا بقيت على حالها، بل تراجعت لتتحول مع إدارة وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، خردةً. ولم يقتصر وضعها على ما وصلت اليه، بل تحولت الى صاعق جديد قابل للتفجير في الشارع، وفي المعارك على مستوى الطبقة السياسية الحليفة أو المناهضة، خصوصاً وأنّ باسيل اعتمد سياسة العزف المنفرد مستلهماً الأدبيات السياسية السلطوية أنا أو لا أحد.
هذه السياسة لم تجد في مقابلها إلا ضعفاً من رئيس حكومته نجيب ميقاتي مع اعتماده سياسة النأي بالنفس في ما عدا محطة واحدة، أثارت وراءها الكثير من غبار الشبهات وعلامات التورّط في مسألة استجرار البواخر من تركيا الى الموانئ اللبنانية. والسؤال الذي يطرح هو على اي أساس سيتم سداد المستحقات للبواخر؟ وهل ستضمن في موازنات الدولة وخلال كل المدة التي ستستجر بها الكهرباء من البواخر؟ وكيف سيعالج موضوع تعرفة الكهرباء للمستهلكين؟.
وعلى وقع الهذيان الحكومي في الملفات الحياتية والاقتصادية والاجتماعية كافة، ومنها تحديداً ملف الكهرباء، مع تشبث تكتل الاصلاح والتغيير بايلاء الملف الى باسيل، ارتفعت وتيرة التحرك الشارعي، ولم تسلم منطقة في البلد من قطع الطرق وإحراق الإطارات المطاطية، كترجمة انفعالية وعفوية لتزايد ساعات التقنين، التي ارتفعت من 12 ساعة الى 18، في أسوأ أزمة عرفتها البلاد منذ العام 1975.
ورغم انعدام الاستهلاك السياحي للطاقة، مع تصفير الحكومة أعداد الوافدين، بسبب انعدام الاستقرار السياسي والأمني، فإن الكهرباء ترزح تحت عبء كبير من العجز الانتاجي يقارب نحو 1200 ميغاوات قابل للارتفاع الى 1400 ميغاوات مع زيادة الاستهلاك في موسم الذروة. فمن اصل 2150 ميغاوات تنتجها المعامل الحرارية والمائية لا يرتفع الانتاج بأفضل حالاته الى 1400 ميغاوات، يقابله طلب يصل الى 1650 ميغاوات، وهو لا يجد جواباً إلا من خلال زيادة التقنين.
ويعوّض المواطنون اللبنانيون حاجتهم من هذه السلعة الحيوية والاستراتيجية من خلال شبكة من مولدات الكهرباء الخاصة، تنتشر كالفطريات في المناطق كلها، يصل حجم مواردها الى نحو 1700 مليار دولار، يضاف الى العجز الدائم لمؤسسة كهرباء لبنان، تعوّضها من خلال سلف خزينة وصلت خلال العام الجاري الى ما يزيد على ملياري دولار، وهو رقم يجدر التوقف عنده، خصوصاً وأنّ نحو 4 مليارات دولار غير منطقية لاشباع حاجة نحو 1،3 مليون مشترك، فالتقنين وبعده التعتيم هو عنوان يصلح للحكومة الميقاتية بامتياز، وكما تقول أغنية مصرية غرقان لشوشتي وما في مي.
وفي خطوة لا تنسجم مع الواقع المضطرب لقطاع الكهرباء، قام باسيل، بإيلاء أمر الجباة والتوزيع الى شركات مقدمي الخدمات (SP)، بطريقة لم تخل من الشبهة اتبعها ضد 2150 من المياومين وجباة الإكراء المتعاقدين مع مؤسسة كهرباء لبنان. وما كان من هؤلاء الا ان قاموا بحركة اعتصامات شلّت المؤسسة الأم، وأرغمت باسيل والمجموعة على القبول بالأمر الواقع وإقرار قانون تثبيتهم، خلال جلسة عامة في مجلس النواب. والمضحك أنّ باسيل اتبع سياسة وضع العربة أمام الحصان. فبدلاً من الذهاب الى تحرير الانتاج أو زيادته، لتخفيف استيراد المحروقات التي تكبد الدولة مبالغ طائلة سنوياً (نحو 2 ملياري دولار علما ان كل كيلوات ساعة يكبد الخزينة 18،5 سنتاً)، اتجه باسيل وفريقه المؤلف من نحو 44 مستشاراً نحو محاور التوزيع والجباية، في خطوة لا يمكن إدراجها ضمن الأولويات أو الضرورات الملحة، التي استدعى لها تجييشاً اعلامياً، أدارته الماكينة الاعلامية التابعة لتكتل الاصلاح والتغيير، وكأنّما المسألة هي مسألة حياة أو موت.
وعلى هذا الأساس، تكاد تكون مقاربة باسيل لملف الكهرباء تحتمل صيغة التوصيف، في وقت تجمع الطوائف والمناطق برمتها على أنّ إصلاح قطاع الكهرباء هو الأولوية التي ينبغي ايجاد حل لها، سواء جاء الانقاذ من هذه الجهة أو تلك، وأنه ينبغي لحكومة ميقاتي تحويل القطاع من ملتهم للخزينة الى رافد من روافد دعمها. لكن امل اللبنانيين خاب في هذا الملف ايضا.
يذكر ان الورقة التي أقرتها حكومة الرئيس سعد الحريري في حزيران 2010، تضمنت رؤية لزيادة الانتاج وبلوغ قدرة انتاج 4000 ميغاوات في 2014، و5000 ميغاوات في ما بعد. وابرز ما تضمنته لتغطية الانتاج الناقص:
امكان استئجار أو استجرار 250 ميغاوات (بواخر أو مولدات أو استيراد) في القريب العاجل، لسد النقص الحاد في صيف 2010، ولتأمين بديل على مدى سنتين او ثلاث سنوات لعملية تأهيل واستبدال المعامل القديمة.
ب- إضافة 600-700 ميغاوات بشكل عاجل وبتمويل من الدولة اللبنانية مع احتمال التمويل الخارجي أو الخاص اللاحق لمعامل CCGT و/أوRECIPROCATING ENGINE ، باحتمال توزيعها على 200-300 ميغاوات RECIPROCATING ENGINE، و400-500 ميغاوات (نهاية 2010 بداية 2011).
ج- تأهيل وإصلاح وإستبدال أو توسيع المعامل القديمة بما يؤمن إضافة قدرة انتاج نحو 245 ميغاوات.
د- البدء بعملية إنشاء معامل بقدرة 1500 ميغاوات الآن، ولاحقاً 1000 ميغاوات بعد 2014 على طريقة IPP وبالتعاون مع القطاع الخاص مع تمويل 20% من القروض الدولية كحد أدنى، عند توافر فعاليتها وجدواها الاقتصادية والتشغيلية وإعطائها كل فرص النجاح اللازمة. (اعتبار شراكة القطاعين العام والخاص كخيار أساسي لمشاريع من هذا النوع).
ه - زيادة الانتاج المائي عبر تصليح و/أو استبدال المعامل القديمة، وتوفير طاقات انتاج جديدة عن طريق الـBOT، بما يترافق مع بناء السدود في قطاع المياه (لا تقل عن 120 ميغاوات وفقاً لمسودة خطة كهرباء فرنسا).
و- إدخال الطاقة الهوائية عن طريق القطاع الخاص بانشاء مزارع الهواء (60-100 ميغاوات).
ز- تشجيع القطاع الخاص لتبني فرص الانتاج عبر النفايات (WASTE TO ENERGY) والتحقيق في الطاقة الحرارية الأرضية (GEOTHERMAL ENERGY). على أن تستكمل الوزارة مع كهرباء فرنسا (EDF) التصميم التوجيهي ليتكيف مع كل مراحل التنفيذ ونمو الطلب.
لكن كل هذه الرؤية لزيادة الانتاج، لم يفلح باسيل ومعه حكومة ميقاتي، إلا في الضرب بها عرض الحائط، بحيث تراجع الانتاج وبلغ حافة الهاوية، خصوصاً وأن معظم هذه المشاريع تتطلب تمويلاً لا يرهق الخزينة سواء بالاستدانة أو بالهبات، وهو ما رفضه باسيل من خلال إغلاق الباب أمام الصناديق العربية وغير العربية، مفضلاً الاستدانة من السوق المحلية بفوائد عالية محملاً بذلك الخزينة زيادة في العجز، وهو بخلاف الرؤية الحريرية من خلال الاعتماد على قروض طويلة الأمد وبفوائد مبسّطة من الصناديق المذكورة.
كل المؤشرات تقول، إن باسيل لن يصلح قطاع الكهرباء. فلا التقنين تراجع ولا العجز توقف ولا بواخر الأحلام وصلت الى موانئ لبنان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00