زادت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مشهد طرابلس الاقتصادي قتامة ومأسوية وسوادوية، بفعل سياسة النأي بالنفس إنماء وأمناً. وبات الشمال في عهدها في ذيل القائمة على مستوى الاستثمار مقارنة مع العاصمة بيروت ومحافظة جبل لبنان، وتراوح نسبة الاستثمار ما بين 5 الى 10%.
اللافت في المشهد أن 4 وزراء ورئيس حكومة من طرابلس، والاقتصاد الشمالي في تراجع واضح وخطير جداً، يترجمه ارتفاع نسبة البطالة والتسرب المدرسي وغياب الحوافز الجاذبة للاستثمار والرساميل، في بيئة جعلتها حكومة ميقاتي طاردة، تسهم في تهديد الأمن الاجتماعي، وهو ما تحدث عنه أكثر من خبير أو معني بالشأن الاقتصادي في العاصمة الثانية.
ويشعر الشماليون بقوة، لا سيما في هذه الأيام، بارتداد الهزة السياسية القائمة اليوم في الشارع، التي حدثت الأسبوع الماضي، في عاصمتهم، خصوصاً أن السلاح حل مكان الانتاج، والهزات الأمنية المتلاحقة التي تتدحرج من طرابلس الى عكار، بدلاً من المشاريع التي وعدت بها حكومة كلنا للوطن...كلنا للعمل.
وتتجلى هذه المشاعر في الجمود والركود في اسواق التجارة، وهرب الاستثمار وتوقف المشاريع، وعلى الخصوص في طرابلس العاصمة الثانية، حيث تراجعت حركة التجارة بنسبة قياسية بلغت 90% أو صفر بالمئة نمو.
على أن قرار بعض دول الخليج العربية، بسحب رعايا من لبنان ستكون له مضاعفاته أيضاً على طرابلس، سياحياً، واستمرار النأي بالنفس إزاء ما يحصل أيضاً سيضطر المغتربين أيضاً الى التفكير ملياً قبل المجيء، وهؤلاء يسهمون من خلال الانفاق في انعاش الاقتصاد الطرابلسي، ولو بالنذر اليسير.
وتوجد في الشمال نحو 18 الف مؤسسة تجارية، منها 10 آلاف في طرابلس، تعتاش منها أكثر من 20 الف عائلة، ولا يشكل الشمال أكثر من 15% من مجمل الحركة التجارية في لبنان، واستمرار الوضع غير المستقر امنياً سيدفع مؤسسات الى إشهار افلاسها، خصوصاً وان عملية استنهاض اقتصاد طرابلس يحتاج نحو 40 يوماً للنهوض، في ما لو حدثت عجيبة وأمّنت الاستقرار اليوم.
ففي باب التبانة وحدها نحو 400 مؤسسة تجارية ونحو 200 مؤسسة في بعل محسن، شل الانتاج فيها، بفعل الحروب الخيرة، وآلاف العمال الذين يعمل بشكل مياومين توقفوا قسرياً عن العمل، وهو ما يزيد بؤر التوتر في مناطق الفقراء.
كل هذا والناس تسأل، ماذا فعلت حكومة الميقاتي؟، فائض من الكلام عن المشاريع يقابله فائض من الفقر ومن انعدام الأمن، فهل هناك مؤامرة تبدأ بهز الاقتصاد وترهقه صعوداً الى حافة الهاوية، وهو من الاصل مهزوز؟.
ركود اقتصادي....يتبعه إفلاس
على أن التطورات الأمنية المتسارعة خلال الأسبوعين الأخيرين، أكلت ما تبقى من اقتصاد العاصمة الثانية. وقال أمين المال في غرفة طرابلس والشمال توفيق دبوسي، إن التطورات الأمنية التي حدثت في العاصمة سلبية، دفعت بالمؤشرات الاقتصادية والتجارية الى مرحلة سلبية جداً، تصل الى صفر بالمئة، وهو خطير جداً، إذ لن تكون الخزينة اللبنانية بمنأى عن تداعياتها، ولن تقتصر على طرابلس أو الشمال.
وأعرب دبوسي عن خشيته من تطور الأوضاع الأمنية، مع تسخين الوضع الأمني مجدداً في منطقة عكار. وقال في الأصل هناك تراجع، بيد أنه تدهور دراماتيكياً مع الأحداث التي بدأت قبل اسبوع في طرابلس، والآن حدث آخر من الممكن ان يفاقم الوضع الاقتصادي تأزّماً ولم يعد الأمر مقتصراً على طرابلس بل على عكار وطرابلس، اللتين لهما حضور على المسرح الاقتصادي والانتاجي في البلد، وعندما يشل القطاع الخاص الذي يرفد القطاع العام، فهو مؤشر بالغ الخطورة، يوصلنا الى مرحلة من الافلاسات وتوقف الاستثمارات.
واعتبر الدبوسي، أن الهدنة التي حصلت في طرابلس، تهتز بالخروقات شبه اليومية، وهو امر لا يؤسس الى استقرار يتطلبه الاقتصاد كقاعدة للبناء عليه. فخلال أسبوع الاضطراب الأمني، أقفلت المؤسسات التجارية والمصرفية والخاصة أبوابها، ولجأ الناس الى عملية تحوّط أو ادخار، أي عدم انفاق إلا على السلع الاستهلاكية الضرورية، وهذا يمكن تلمسه من خلال الركود الحاصل في المدينة وشكاوى التجار واصحاب المؤسسات.
وقال إن تراجع النمو على مستوى المدينة أكثر بكثير من 50%، لكنه أردف أن غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، ستبدأ من اليوم إحصاءات ميدانية لتبيان الخسائر، وهي ستعقد مع الهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني، اجتماعاً في نقابة المحامين قبل ظهر اليوم الاثنين، لتوجيه نداء من أجل ارساء الاستقرار ووقف النزف الاقتصادي.
كيف قلب الشمال معادلة اقتصادية؟
من جهته، قال الخبير محمد سعيد المصري، إن طرابلس كانت مزدهرة اقتصادياً، وباب التبانة الذي كان يعرف بباب الذهب ـ كونه كان سلّة الغذاء للشمال ولبنان ـ لم يعد كذلك، بفعل الأحداث التي تتابعت في الشمال وطرابلس وفي هذه المنطقة على وجه التحديد.
وأعرب عن خشيته من تفاقم الأوضاع الاقتصادية في العاصمة الثانية نحو الأسوأ. وقال إن نسبة البطالة اليوم في طرابلس بالنسبة للقوى العاملة تفوق الـ35%، فيما تجنح نسبة الفقر صعوداً الى 60%، وهو ما يعني أن طرابلس باتت الأفقر بين المناطق اللبنانية.
وسخر من المقولات الاقتصادية الشائعة التي تقول ان مناطق الشمال أغنى من مناطق الجنوب، بينما في الحال اللبنانية الوضع معكوس تماماً. فهناك ارتفاع في نسبة التسرب المدرسي تصل الى ما بين 25 و30% وفي نسبة البطالة التي ذكرناها، والهروب منها في الغالب يكون إما بتعاطي المخدرات أو باللجوء الى كنف الأجهزة الامنية والمخابراتية. ولفت الى أن ذلك مرده الى انعدام الانماء والتنمية وافتقار الشمال الى الاستثمارات شبه المعدومة. وقال إن الحل يكون بالاستقرار أولاً وبجعل طرابلس مدينة منزوعة السلاح، وثانياً بتحفيز المشاريع التي من شأنها أن تدفع المؤشرات السلبية الى التراجع الى حدودها الطبيعية.
وأشار المصري الى أنّ الوضع السوري أثّر بوضوح على اقتصاد طرابلس مع تقطع أوصال البلدين بسبب الوضع المتأزم في سوريا، لتأتي الأحداث الأخيرة في طرابلس كجرعة اضافية لتنهك الاقتصاد الشمالي عموماً واقتصاد طرابلس خصوصاً. وقال إنّ النأي بمشاريع عن العاصمة الثانية، فاقم المشهد الاقتصادي تعقيداً، لافتا الى ان المشاريع المخصصة للشمال وطرابلس قليلة وإنّ نفذت فهي تنفذ ببطء كبير، وعندما تنتهي الأعمال منها لا تكون بالجودة المطلوبة. ودعا الى امساك الدولة بيد من حديد ضد عمليات التخريب الأمني الحاصل ونزع السلاح، والالتفات الى انماء المدينة وإعادتها الى الخارطة الاقتصادية، كسائر المناطق المنتجة.
ورأى الا شيء في السجلات العقارية اسمه منطقة جبل محسن بل هي منطقة استولت عليها فئة واعطت هذا الطابع، وهي تتبع عقارياً الى باب التبانة، وحتى المؤسسات والمصانع التي بداخل هذه المنطقة تعيش على تكامل اقتصادي مع طرابلس، وإلا فإن دورتها الاقتصادية غير مكتملة، وقال إن نسبة الفقر في جيل محسن عالية ومرتفعة وهو ما يسهم أيضاً في تأزيم المشكلات الأمنية، التي تجد لها مرتعاً في صفوف المتبطلين من العمل. وقال إن اقتصاديي الشمالي طالبوا رئيس الحكومة الحالي قبل ان يتسلم الحكومة باعطاء الأولوية لانماء باب التبانة وتحويلها الى سوليدير، والغاء مسببات تحوّلها الى بؤرة امنية خطرة. ووصف المصري الموقف السياسي حيال العاصمة الثانية بأنه مايع.
إحراق الصيف...سياحياً واقتصادياً
ومن جهته، قال رئيس المنتدى الاقتصادي الشمالي صلاح الحلبي، إن الوضع الاقتصادي في العاصمة الثانية مأزوم من الأساس، زاد طينه بلّة الوضع الأمني الذي تفجّر مؤخراً في المدينة، وبعد أن كانت كطرابلس تعتمد على عكار كسند لوضعها الاقتصادي، حدث ما من شأنه أن يكمل سوداوية الصورة.
ولفت الحلبي، إن الاقتصاد الشمالي ينهار بفعل الضربات المتلاحقة على العاصمة الثانية، وهو ما يجعل طرابلس في حالة سبات وشلل كبيرين. وقال إن ما حدث لا يبشّر أيضاً بصيف واعد أبداً وهو ما يتكرر كل سنة، وكأنما الأمر بات مقصوداً، وقال عندما نتكلم عن الاقتصاد الطرابلسي فذلك يعني صفراً بالمئة، لافتاً الى أنه لوم حدث استقرار مفاجئ اليوم فإن الأمر يتطلب لاستنهاض الوضع التجاري ما لا يقل عن 40%.
الفقراء والحروب الناتئة في باب التبانة
وقالت عضو المجلس البلدي لمدينة طرابلس، إن للمدينة ثلاثة ابواب، تعتبر التبانة احد اهم ابوابها من الناحية التجارية ، وقد عرفت في الماضي ببوابة الذهب حيث كانت نقطة الانطلاق التجاري من والى خارج طرابلس بسبب تمركز المؤسسات التجارية والصناعية فيها، الا ان هذه البوابة قد تعرضت الى تراجع كبير على كافة الاصعدة ومنها الاقتصادية بفعل الاحداث التي شهدتها منذ الحرب اللبنانية حتى تاريخه، حيث جرى اقفال وتدمير المؤسسات، وجرى انتقال الحركة التجارية الى مناطق اخرى مما ادى الى ازدياد بؤر الفقر والحرمان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.