الالغام المطلبية يزيد عددها المزروع في طريق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول ما اذا كانت حكومة كلنا للعمل ـ ويفترض تسميتها كلنا على العمال ـ قادرة على وقف نزف الاضرابات التي بلغت مستوى قياسيا (اكثر من 15 اضرابا نقابيا وعماليا في اذار/مارس وحده).
الصرخة النقابية والعمالية تنذر بشرٍ مستطير. فالحكومة، بالتأكيد، ستكون عاجزة عن تلبية مطالب المواطنين، وهي حتى اليوم ما زالت عاجزة عن وضع موازنة يكون للتقديمات الاجتماعية فيها حيز مهم، وتفتقر لرؤية اقتصادية واضحة لها تكون بمثابة خارطة طريق لتحسين معيشة المواطن.
نعم، الحكومة ستكون عاجزة عن تلبية المطالب. فوزير المالية محمد الصفدي أصدر منذ ايام تعميما طالب فيه بالتقيد بسقف اعتمادات العام 2005، مما يعني استحالة توفير هذه المطالب وسط تساؤلات ما اذا كان الدولة ستكون حتى قادرة على سداد الرواتب والاجور مع هذا السقف.
وفي المقابل، فان مداخيل الدولة تشهد تراجعا مع تراجع نشاط القطاع التجاري والزراعي والصناعي، وغيرها من قطاعات الانتاج والخدمات، ما أدى إلى انخفاض النمو الاقتصادي العام بشكل دراماتيكي. صورة درامية مأسوية تظللها سياسة النأي عن النفس، التي يبدو انها تنسحب على كل الملفات، بدليل أن صرخة المواطنين لم تعد تتسرب من جدران الحكومة المتفسخة.
الاضرابات باتت تحتل صدارة المشهد اليومي بأقل تقدير والأسبوعي بأبعده، ولن يكون نيسان (أبريل) الجاري، موسماً للنقاهة الحكومية، بل إن هذه الاخيرة ستئن تحت وطأة الاضرابات المتنقلة من قطاع الى اخر ومن منطقة الى أخرى.
للتذكير فقط، فان أكثر من 15 إضراباً طبعت الشهر المنصرم منها: إضراب عمال مؤسسة كهرباء لبنان (في كل المناطق)، والأبرز كان حشد 5000 من أبناء زحلة احتجاجاً على سياسات وزير الطاقة جبران باسيل، إضراب القطاع النفطي (تجمع الشركات المستوردة والموزعة، أصحاب محطات المحروقات، وأصحاب الصهاريج)، إضراب المستأجرين، إضراب نقابة موظفي المصارف، إضراب عمال الرقابة على المصنفات الفنية، إضراب أصحاب المستشفيات، إضراب عمال مستشفى رفيق الحريري الحكومي، إضرابات المعلمين في التعليم الابتدائي والثانوي والمتعاقدين، إضراب لعمال البطاطا في عكار، إضرابات شبابية احتجاجاً على اللحوم الفاسدة، حملة ربيع طرابلس، إضراب الأطباء المتعاقدين مع صندوق الضمان الاجتماعي، إضراب المحامين، %\6\1\\(\ عمّال مصفاة طرابلس في البدّاوي،إلخ....
اللائحة تطول، ولن يكون آذار (مارس) الذي مضى، أهال التراب على هذه المطالب، بل إنّ المسكنات التي قدمتها الحكومة سينتهي مفعولها في نيسان (الجاري) مع افتضاح أمرها في أنها عاكفة على انجاز السمسرات والصفقات، الواحدة تلو الأخرى، من البواخر فاللحوم الفاسدة الى الأدوية والمازوت الأحمر.....
ومع تصاعد أبخرة الفضائح التي تحاصر الحكومة، والتي زكّمت أنوف اللبنانيين، لن يكون بامكان ميقاتي، أن يكم أفواه المواطنين المحاصرين في معيشتهم، باتصالات صباحية ومسائية بزعماء النقابات العمالية، وإغداق المزيد من المسكنات، وهو ما يفعله. فهو اضطر شخصيا الى رفع هاتفه الجوّال صباحا ليجول على النقابيين ويسأل خاطرهم بتنفيذ مطالبهم، شرط ان أوقفوا الاضرابات.
دولته يعلم أنّ الناتج المحلي بلغ 1،5 في المئة في 2011 بعد نمو لافت في سنوات 2007 ـ 2010، فيما توقعات العام 2012 رهن تطورات الاوضاع العامة ومنها وضع المالية العامة. اما نسبة التضخم مرجحة ان تزيد على 7 الى 8 في المئة. اما أسعار السلع فارتفعت في آذار (مارس) 3.4 في المئة، قابلها تراجع حاد في القدرة الشرائية، رغم أنّ الزيادات على الأجور تأكلت قبل أن تصبح من صلب الراتب.
وهذا يعني ان سياسة النأي عن النفس لن يكون بامكانها وقف زحف الاضرابات في نيسان (أبريل)، التي ستبدأ باضراب نقابات عمال المرفأ في الحادي عشر منه. وفي 19 الجاري، سيكون الوضع أسوأ مع الاضراب المقرر لنقابات واتحادات النقل البري، احتجاجاً على سياسة ارتفاع أسعار البنزين التي بلغت سقف الـ40000 ليرة.
أمّا الفضيحة فهي، ان صفيحة البنزين ارتفعت منذ 12 أسبوعاً، وبشكل متدرّج، 5 دولارات، اي بمعدل ربح يومي يقارب الـ1،25 مليون دولار تتأتّى من 1،7 مليون مركبة تعمل على مادة البنزين.
يذكر هنا انه بعد قرار وزيرة المالية السابقة ريّا الحسن دعم السائقين بـ 70 مليار ليرة لمدة 3 أشهر، توقف الدعم بدءاً من الشهر التاسع في 2011 واستلحاقاً في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وهو ما يعني أنّ لهؤلاء بذمة الدولة نحو 140 مليار ليرة متوجبات 6 أشهر.
الاضرابات والاعتصامات المقررة خلال الشهر الجاري، سيطبع اداء الحكومة المتعثّر اصلا، بعد انقضاء مفعول المسكنات الكلامية التي تفضحها المؤشرات السلبية للاقتصاد.
نقابي معروف يقول شكونا أمرنا الى أحد الوزراء، تفهّم مطالبنا لكنه فتح لنا مجلس عزاء، وقال لنا إنّ الأمر لو بات محصوراً به وحده لحقق ما نطالب به، لكنّ الأمر بيد الحكومة مجتمعة. أضاف النقابي الحكومة ليست مجتمعة إلا على الرسوم والضرائب ولملمة الفضائح المتوالية الواحدة بعد الأخرى. فهل من يسمع؟









يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.