توقعت مصادر معنية بقطاع الكهرباء، ألا يكون الهدوء الذي حاولت اللجنة الوزارية المكلفة دراسة ملف استئجار البواخر، الايحاء به خلال اجتماعها الأخير، نهاية لجولة الخلافات بين أركانها، وان تظهر العقد بين لحظة وأخرى، ولنرَّ ما سيتمخض عن اللجنة الفنية المكلفة البحث في العروض المقدمة من الشركتين الاميركية (ولر مارين) والتركية (غاردنيز).
وما كشفت النقاب عنه المصادر كان أخطر من عملية استئجار البواخر، فهوـ بحسب ما قالت لـالمستقبل ـ يتعلق بـاستجرار الخلاف السوري ـ التركي على ضوء الأحداث في سوريا من هذا الباب الكهربائي.
هذه هي حقيقة الخلاف الناشئ بين أركان هذه الحكومة، وهو ما سيؤزم هذا الملف نظراً لتبعاته السياسية، تقول المصادر اياها.
المشهد المسرحي لا ينتهي هنا. فالمعلومات التي تكشفت، تشير الى فشل شخص قريب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ابرام الصفقة مع الشركة التركية رغم الاستقواء برئيس الحكومة لانجاحها والحصول في مقابلها على عمولات. إلا أنّ انهيار العلاقة التركية ـ السورية أبعد ميقاتي، حليف نظام دمشق، عن المشروع التركي، وبالتالي السير في اتجاه شركات أخرى، تعكس رغبة سورية في الانتقام من الأتراك.
ميقاتي والدور السوري
في التفاصيل، وبحسب مصدر قريب من عمليات التفاوض مع شركة KARADENIZ POWER SHIP COMPANY LTD التركية، فان تكلفة الانتاج لكل كيلوات ساعة هي 21،5 سنتاً (6،5 سنتات سعر ايجار وتشغيل وصيانة وأجور عمال على متن الباخرة يضاف اليها نحو 15 سنتاً تكلفة الفيول أويل لزوم الانتاج على متن البواخر.
ويتّهم المصدر ميقاتي بمحاباة السوريين في موضوع البواخر، ويقول ان فصول المسرحية التي شهدها مجلس الوزراء في هذا الصدد، هي صدىً لتردي العلاقة التركية ـ السورية، في ضوء الأحداث التي تشهدها سوريا وموقف أنقرة منها. اضاف إن السؤال المطروح هو استمرار استجرار الكهرباء من سوريا رغم أن تكلفتها لا تقل عن 26 سنتاً، علماً أن السوريين لا يمدون لبنان في ساعة الذروة بل ساعة لا يحتاجون فيها الى الكهرباء، وبالرغم من ذلك فإن الفاتورة الشهرية للسوريين تراوح بين 15 الى 20 مليون دولار شهرياً لنحو 150 ميغاوات.
وزاد المصدر، أن قريباً من ميقاتي وقبل توتر العلاقات التركية ـ السورية، كان زار أنقرة بغرض الحصول على المشروع لمصلحة ميقاتي كونه رئيس حكومة وبامكانه عقد الصفقة. إلا أنّ الأتراك لم يستسيغوا الموضوع. بالإضافة الى أن الوسيط القريب، طلب عمولةً وهو ما قوبل بالرفض التركي. وبعد الانتكاسة في العلاقات بين دمشق وأنقرة، استبعد الموضوع مع ميقاتي كونه مقرباً من نظام دمشق، وهو ما دفع ميقاتي الى تعقيد الأمور مع كارادينيز. ولفت المصدر الى أنّ قريب ميقاتي ذهب الى التفاوض مع الشركات الأميركية ومنها شركة ولر مارين.
وأوضح أن اللجنة الفنية التي عقدت اجتماعاً بالأمس، وهي تمثل اللجنة الوزارية المكلفة دراسة موضوع البواخر، تحاول أن تخرج بنتيجة لجهة الأسعار، التي طلب ميقاتي خفضها، متوقعاً الانتهاء من هذا الأمر خلال يومين كحد أقصى.
لكن مصادر رئيس الحكومة قالت لالمستقبل، إن ميقاتي ليس بصدد الرد على أحد ولا على الاتهامات الموجهة في هذا السياق، ونفت ما يتداوله الاعلام عن الخلافات بين أركان اللجنة الوزارية، بدليل أن اجتماعها (أول من أمس) ساده الهدوء والتفاهم، مشيرةً الى أن هناك اتفاقاً بين أركانها لعدم الحديث عن هذا الموضوع حتى يتم.
وأكدت مصادر رئيس الحكومة، أن اللجنة الفنية التي أنيط بها موضوع خفض الأسعار كما طلب ميقاتي، ستعقد اجتماعاً اليوم، لبحث منهجية التفاوض مع الشركتين الأميركية والتركية، وأن العملية تجري على قدم وساق للانتهاء من هذا الملف. وقالت إن ميقاتي شدد على ثابتتين في عملية التفاوض: الأولى الحرص على شفافية المناقصة، أمّا الثانية فهي تتعلق بالحفاظ على المال العام.
وفي ظل الأجواء المحمومة ـ المسمومة داخل مجلس الوزراء، نفت مصادر وزير المال محمد الصفدي أن يكون الاخير اتخذ موقفاً منسقاً مع وزير الطاقة جبران باسيل، للاتيان به رئيساً للحكومة، وأسفت لاتخاذ المسار الكهربائي مساراً سياسياً وإدخاله في بازار السمسرة، وقالت إن اتهام الصفدي بقبض شيكات عارٍ عن الصحة وهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وأشارت هذه المصادر الى خلاف الصفدي مع ميقاتي، كون الأخير اتخذ قراراً منفرداً في مجلس الوزراء وغير منسق مع أركان اللجنة الوزارية المخصصة لموضوع استئجار البواخر، موضحة أن استجرار البواخر سيخفض تكلفة النفقات على الكهرباء 15% على مدى ثلاث سنوات.
وبخلاف النظرة التفاؤلية التي يشيعها أنصار البواخر من أنصار ميقاتي وباسيل، في استقدام البواخر الى لبنان، قال الخبير الاقتصادي مروان اسكندر إن العملية برمتها هي عملية ترقيع وحتى لو كان بامكانها سد فجوة الوقت المطلوب لإجراء الصيانات المطلوبة على المعامل، إلا انها لا ترقى الى مستوى الاستراتيجية المطلوبة لسد الطلب المتنامي على استهلاك الكهرباء سنوياً. فلبنان بحاجة الى 3000 ميغاوات، وإذا نظرنا الى الخسارة السنوية ملياري دولار أي ما مجموعه 4 مليارات دولار على سنتين، يمكننا خلالها بدلاً من الاستئجار بناء معامل لاعطائنا الكميات التي يحتاجها البلد. وأضاف قائلاً لا أرى استراتيجية في نظرة الحكومة الى هذا الموضوع.
ومن المعروف أن معامل انتاج الطاقة في لبنان هي بقدرة 2150 ميغاوات اسمياً، إلا أنها فعلياً لا تنتج أكثر من 1350 ميغاوات. ويقدّر العجز الحالي في الانتاج بنحو 37% يضاف اليها طلب سنوي بنسبة 8%. لذا فإن العلاج بهذ الطريقة سيكون موجعاً ومرهقاً للخزينة، خصوصاً وأن الحكومة الميقاتية بكافة تلاوينها وأطيافها تسير بهذا الملف على مبدأ سياسة الهروب الى الأمام الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً!.
وإذا كان الفشل السياسي هو سمة الحكومة الميقاتية، فإنّ الفساد هو العنوان الأبرز لكافة الملفات الاقتصادية التي تديرها الحكومة. وبالتقاطع مع رائحة الفضائح والسمسرات التي رافقت وترافق ملف استئجار البواخر، فان مسألة شديدة الخطورة ترافقه، تتعلق بحجم الخسارة المدوية في ملف الكهرباء. إذ أنه بالإضافة الى احتساب تكلفة استئجار البواخر (نحو 130 الى 140 مليون دولار سنوياً مضافاً اليها ثمن الفيول أويل)، هناك عجز متوقع للعام الجاري في مؤسسة كهرباء لبنان بأكثر من ملياري دولار ونحو مليار ونصف مليار دولار على حساب أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة.
يمكن القول إنّ فائض النشاط الحكومي حول مسألة استئجار البواخر بين أركان الحكومة، لا يبتعد كثيراً عن تحقيق المجد الشخصي، من خلال سياسة الاستيراد بديلاً من الانتاج التي ينتهجها باسيل وأذعن رئيس الحكومة لها، بدلا من البناء على ما انجزه الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي تمكن من تأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة 24/24، وفي بيروت تحديداً.
وبدلاً من الذهاب في عملية تطوير بناء على ما أنجزه الرئيس الشهيد سابقاً، فإن الحكومة الميقاتية تدير حركتها الى الخلف، في أكبر فضيحة نوعية على مستوى الكهرباء. إذ ان 380 ميغاوات التي ستأتي على متن البواخر، لن تلغي عمليات التقنين واسعة النطاق خصوصاً مع العجز المتوقع على مستوى نحو 1000 ميغاوات، وهو ما يعني أن طبخة البحص الحكومية ستبقي عجز الانتاج بحجم 700 ميغاوات.
وهو ما يعني ايضا أن موضوع البواخر لن يحل موضوع الكهرباء سواء في شقه التقني (الانتاج عدا عن الاعتراضات البيئية)، ولا الوفر المالي سواء من خلال الاستئجار أو بتحميل الخزينة الأعباء المالية مع اضطرارها الى دعم الكهرباء البحرية وتحمّل الفارق السعري.
والسؤال هو كيف ستحقق الحكومة توازناً في موضوع الكهرباء؟ فتكلفة الانتاج الكهربائي، لم تتغير في لبنان منذ أواسط التسعينات. ولا يزال الانتاج يحتسب سعر برميل النفط على أساس يقل عن 20 دولاراً، وهو ما يتسبب بخسارة فادحة لمؤسسة الكهرباء وخزينة الدولة. فالمواطن يشتري كهرباء مدعومة، فكيف سيكون الوضع مع استئجار بوارج للطاقة، إذ أنه من غير المجدي على الاطلاق استئجار أو استجرار بتكلفة تفوق أضعاف الشطور الدنيا لمبيع الكيلوات ساعة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.