طوابير من السيارات ازدحمت امس امام محطات الوقود معيدا للاذهان ذكريات الحرب اللبنانية الأليمة حين كان اللبنانيون ينتظرون بالدور للحصول على حاجاتهم.
بطل هذا المشهد كان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل الذي رفض حتى ساعات الظهر التوقيع على جدول تركيب اسعار المحروقات. وكانت الحصيلة الأولى لمعركة الوزير ضد القطاع النفطي (شركات النفط المستوردة والموزعة، ومحطات الوقود وأصحاب الصهاريج) ومعه وسائل النقل البري العام والخاص، اقفال 35% من محطات الوقود المنتشرة على البقاع اللبنانية كافة.
وفي ما كانت حركة الشارع من المحطات واليها لتعبئة خزانات الوقود لأكثر من 1،2 مليون مركبة تستخدم البنزين، كان الايقاع يتجه أكثر فأكثر نحو ما يشبه فرض حظر التجوال، مع توقف شركات النفط عن توزيع 5 ليترات بنزين (95 و98 أوكتان) تستهلكها السوق المحلية على مدى يومين. وفي الوقت نفسه، كانت توقعات أصحاب المحطات تؤشر الى أنه بحلول الاثنين المقبل ستقفل نحو 70% منها، في حال بقي باسيل متمنّعاً. وقالت مصادر ذات صلة بقطاع النفط إن محطات الوقود في مناطق الريف بدأت بالاقفال.
إلا أنّ باسيل، الذي استشعر فداحة الخسائر التي ترتبت على قراره، عاد مرغماً الى التوقيع بعد مشاهد أرتال السيارات، وبخطوة ناقصة عبر عنها بعدم ارسال جدول تركيب الأسعار الى الشركات الموزعة، وهو ما استهجنته مصادر هذه الشركات، بالقول إنّه لم يعد بالامكان معرفة لماذا لم يوقع باسيل ولماذا عاد فوقع.
وقال رئيس تجمع الشركات النفط مارون شمّاس، إنّ باسيل لم يمضِ الجدول لأسباب غير واضحة، وبدون سابق إنذار، وعلينا أن نفرق ما بين تحرك القطاع النفطي لجهة الأمور المطلبية المتعلقة بتصحيح الجعالة لمحطات الوقود والصهاريج، ومسألة التوقيع على الجدول الأسبوعي للمشتقات النفطية.
أضاف شماس لـالمستقبل، إذا كانت حجة الوزير هي عدم توقيعه لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار النفط العالمية، فإن المسألة لا تحل بعدم التوقيع بل تكون بخفض الرسوم والضرائب على صفيحة البنزين كما حدث خلال العام 2007، وبعدها خلال العام المنصرم عندما أزيلت 5000 ليرة من الضريبة المفروضة على صفيحة البنزين، لافتا الى ان المسألة تتعلق بـ820 ليرة.
ومنذ بداية العام 2012 يتذبذب سعر برميل النفط بين 100 و120 دولاراً للبرميل، بسبب الاضطرابات السياسية في مناطق الانتاج والمشكلات الاقتصادية العالمية، وهو ما أرخى بظلاله على الأسواق المحلية للدول المستهلكة ومنها لبنان، إذ ارتفع طن البنزين من 800 الى 1200 دولار في أرضه، ما دفع بأسعار هذه المادة الى الارتفاع. ففي الأسبوع الأول من العام 2012 بلغ سعر صفيحة البنزين 98 اوكتان 32500 ليرة، و95 أوكتان 31800 ليرة، لترتفع نحو 600 ليرة مع نهايات الشهر الجاري. وتستهلك السوق المحلية ما بين 250 الى 300 ألف صفيحة يومياً، وترتقع هذه الكمية في فصل الذروة (موسم الصيف) مع توافد السياح والمغتربين الى لبنان لتمضية إجازاتهم السنوية.
واعتبر شماس أن مطلب النقابات (المحطات والصهاريج) محق، خصوصاً أنه يأتي كصدى لفارق الحد للأجور الذي صحح من 500 ألف ليرة الى 675 ألف ليرة، بالإضافة الى غلاء المعيشة المتراكم سنة بعد سنة.
وأشار شماس الى الخسائر التي سيمنى بها قطاع الشركات المستوردة والموزعة والبالغ عددها 13 شركة، وهي بقيمة 300 ألف دولار على مدى 4 أيام، مع عدم توقيع باسيل على الجدول والمتزامن مع مجيء 3 بواخر تحمل على متنها 75 ألف طن، إذ إن التأخير في عدم التفريغ سيكلف الشركات ما يعادل 75 ألف دولار يومياً، لأن الشركات لا يمكنها التفريغ إذا لم توزع في السوق المحلية. وأوضح شماس ان مطالب باسيل لجهة مشروع السيارات على الغاز والمازوت الأخضر، والموافقة على 250 باصاً لمصلحة النقل العام، قد حلت في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، وبالتالي ليس هناك ما يمنع من تلبية المطالب التي تطالب بها القطاعات النفطية، لأن ذلك من شأن إغراق البلد في أزمة. وسخر من مقولة استرداد القطاع النفطي لصالح الدولة، فيما هي ذاهبة الى خصخصة قطاعاتها. وقال إن الدولة اليوم تستورد المازوت فمن يمنعها، فهل إذا استردت الدولة القطاع لن تعطي عمال القطاع مطالبهم.. إن القطاع النفطي اليوم يستثمر بمليارات الدولارات وهناك ما لا يقل عن 15000 عامل يعتاشون من هذا القطاع.
واستغرب تحميل الشركات مسؤولية الأزمة في السوق المحلية كونها لم توزع المحروقات على المحطات. وقال هل إذا لم يصدر مصرف لبنان تسعيرة الصرف لليرة على الدولار أو أي عملة، يمكن للمصارف إجراء عمولات أو إجراء عمليات صرف. وقال إن القطاع النفطي حاول التخفيف من المعاناة عبر إعلانه الصريح والواضح عن تنفيذ الاضراب، من أجل أن يتحوط المواطنون من هذه المادة الحيوية.
ولم يبتعد نقيب أصحاب محطات المحروقات سامي البراكس كثيرا عن نظرة شماس، واكد أن باسيل هدفه الضغط على الدولة من أجل تحقيق مطالب في مكان آخر، وقد أنتجت جلسة مجلس الوزراء مجموعة من القرارات التي وضعها باسيل نصب عينيه. وقال إن قرار باسيل بعدم التوقيع لها صلة بعملية ارتفاع أسعار مادة البنزين في السوق المحلية، لكن إضرابنا المقرر بداية الشهر المقبل لها صلة بتعديل الجعالة لأصحاب الصهاريج والمحطات، وهذا مطلب محق من وجهتنا بالنظر الى ارتفاع التكلفة على هذه النقابات، ونحن لا نريد أن نرفع سعر الصفيحة على المواطن بل يجب ان نطالب بحسم الزيادة التي نطالب بها من الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على صفيحة البنزين. وبات المطلب محدداً بـ820 ليرة موزعة: 500 ليرة للمحطات، 120 ليرة للنقل و200 ليرة للشركات.









يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.