تأثر لبنان بثورة الربيع العربي، سلباً في الاطار الاقتصادي العام، ولم يخفِ أحد هذا الأمر على مستوى القيادات السياسية والاقتصادية في البلاد، بدءاً من رئيس الجمهورية وحتى أصغر محلل إقتصادي، على أنّ قراءة هذا الأداء الاقتصادي المتدهور لا يمكن إلا عطفه على أمرين: الأول داخلي ويتعلق بمسألة الانقلاب الأكثري الجديد الذي يقوده حزب الله وفريق 8 آذار، وأبرز تجلياته كان تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي.
أما الأمر الثاني فهو خارجي، ويتعلق بثورة الربيع العربي التي انطلقت قبل سنة من اليوم في تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وفي سوريا، التي لا زال ربيعها ينزف دماً بالرغم من مضي أكثر من 8 أشهر على بدء هذا الربيع.
فالانتفاضة الشعبية الضاغطة منذ أكثر من 8 أشهر، ضد النظام في سوريا بشكل متصاعد، أثّرت وبشكل كبير على الاقتصاد اللبناني، مخلفة آثارا سلبية كبيرة على السياحة والتجارة وتدفق الاموال.
على أنّ المهم في هذا الأمر، هو التراجع السياحي الفاضح الذي بدا مع عملية الانقلاب الأكثري في لبنان بدءاً من مطلع العام الجاري، ليتفاقم أكثر مع ثورات الربيع العربي في البلدان العربية، وخصوصاً في سوريا، وعلى الرغم من الاشارات الايجابية التي يطلقها وزير السياحة فادي عبود عن الوضع السياحي وآخرها، ان الحجوزات في الفنادق تخطت 105% في فترة الأعياد، وان الأمن مستتب مقارنة مع الدول العربية الأخرى، إلا أن ذلك لا يلغي كلامه سابقاً عن تراجع الحركة السياحية عموماً في 2011 بحدود 15% مقارنة مع 2010، اذا استمرت الاوضاع السياسية والأمنية في المنطقة على حالها. فالحركة السياحية التي سجلت ارقاما قياسية خلال عامي 2009 و2010، فقد تراجعت الى حد بعيد منذ بداية السنة. فأعداد السياح العرب الذين يأتون إلى لبنان برا انخفض 90% هذا العام، مع الاضطرابات المستمرة منذ شهور في سوريا وهي الدولة المجاورة الوحيدة، التي لها حدود مفتوحة مع لبنان، فنحو 300 ألف سائح يأتون الى لبنان براً.
وتمثل السياحة في لبنان نحو 22% من الدخل القومي، وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بلغ أعداد السياح نحو مليون و 700 الف سائح أي بانخفاض نحو 200 الف عن العام 2010، حيث بلغ عدد السياح نحو مليون و900 الف. وتظهر أرقام الانفاق السياحي، الصادر عن غلوبل بلو (غلوبل ريفند سابقا)، استقرار في نمو المشتريات من سنة الى الآن، ويلاحظ أيضاً تمركز الانفاق السياحي في بيروت إذ لا تزال تستحوذ على 83% من انفاق السياح، والمتن 13%، فيما تنحدر هذه النسبة الى 2% في كسروان وبعبدا 1%.
ولا يقتصر الأمر على الانفاق السياحي (بحسب ماستر كارد يقدرب6،5 مليارات دولار)، بل إن تراجعاً كبيراً حصل للقطاع الفندقي على مستوى الاشغال والمداخيل المالية، نتيجة الأزمة السياسية الداخلية مع المجيء بحكومة ميقاتي والثاني ذي صلة كبيرة بالثورات العربية على امتداد الوطن العربي.
ويقول رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، إن القطاع الفندقي في لبنان تضرر إشغالاً بما يقدر بـ35% مقارنة مع العام الماضي، وبنفس المستوى تراجعت المداخيل، وإن كان الأمر قد تحسن بما نسبته 5% بدءاً من أيلول (سبتمبر) الماضي.
ويشير الأشقر الى أن الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، شهدت أجواء سياسية داخلية ضاغطة بدأت بالانقلاب الحكومي لتدخل في باب التعثر في تشكيل الحكومة الميقاتية، وهذا بالطبع يؤثر على السائح الذي يبحث عن بلد فيه استقرار سياسي وأمني.
ويتابع هناك أجواء ترافقت مع الجو السياسي المشحون في البلد، نذكر منها السجالات الحادة بشأن تمويل المحكمة الدولية، الكهرباء، والتهديد بالاستقالة من الحكومة، حادثة خطف الأستونيين، المشكلة المالية والعقوبات على البنك اللبناني-الكندي، كل ذلك وغيره من الأحداث لعب دوراً مهماً في تراجع الاشغال الفندقي ومداخيل القطاع نحو 40% حتى أيلول، ذلك ان السياحة تتطلب ايقاعاً مستقراً سياسياً وأمنياً واقتصادياً لإحداث النمو المطلوب.
ويقدر الأشقر تراجع نسبة الوافدين عبر الحدود اللبنانية-السورية بنسبة 80 الى 90%، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الوضع السياحي في لبنان، ويشير الى ان الثورات والقلاقل التي شهدتها البلدان العربية وبعض القلاقل التي شهدتها دول المغرب العربي كان لها تأثيرات على السياحة الى لبنان سلباً وايجاباً، إذ أن عامل الاستقرار السياسي في الاشهر الأخيرة دفع بعض السياح العرب الى المجيء الى لبنان.
ويقول نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، إن نمو قطاع سوق التذاكر نما بما نسبته 8،5% مقارنة مع العام الماضي، لافتاً الى أن ثورات الربيع العربي ومعها العرقلة السياسية خلال الأشهر السياسية الـ6 من العام الجاري، قد أثرت وبشكل جلي على القطاعات السياحية عموماً.
ويقول عبود إن النمو القطاعي لسوق التذاكر لا يعني بالضرورة صورة ايجابية، فعندما يسافر اللبناني مرة ومرتين للبحث عن عمل فهذا مؤشر خطر.
وعلى أي حال، فإن ثورات الربيع التي تشهدها البلدان العربية، ربما كان ينبغي للبنان ان يحصد نتائجها بشكل كبير، إلا أنه في ظل حكومة نقطة ارتكازها على نظام دمشق، تجعل من اقتصاد لبنان غير مهيأ لا لجذب السيّاح ولا الاستثمارات الهاربة من الدول العربية....فهل يستدرك المعنيون أين أصبح اقتصاد لبنان وسياحته؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.