اكتلمت المسرحية العونية الكهربائية فصولاً أمام المواطنين وبرزت معالمها لتفضح تشاطر التغيير والاصلاح. فمقدّم المشروع والمخرج الآخذ مكان هيتشكوك، النائب ميشال عون، يطرح الملف ويهوّل على الناس ولا يحضر لمجلس النواب لمناقشة اقتراحه. بطل الرواية والصهر، المتنقل بين وزارتي الاتصالات والطاقة، جبران باسيل، يشاكس ويوحي للناس أن إضافة 700 ميغاوات بكلفة 1.2 مليار دولار ستحل أزمة التغذية بالتيار الكهربائي، ويخفي في الوقت نفسه ان الحصول على هذا القدر من الطاقة يستلزم تمديد العتمة أربع سنوات إضافية على الأقل.
النتيجة مراوحة ومآزق سياسي للأكثرية الناشئة واجتماعات وزارية لا ينجح خلالها البطل باقناع حلفائه بجدوى الخطة فيتكوّن انطباع وراسخ لدى الجميع بأن باسيل وعون مفلسان ويبحثان في جيوب اللبنانيين عما يمكن ان يشكل مدخلاً لنصر وهمي يكون فاتحة معركة انتخابية في العام 2013.
ومن ضمن مسلسل التشاطر العوني محاولة الايحاء بأن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري كانت وافقت على الخطة نفسها، وأن الوقت قد حان لوضعها قيد التنفيذ، وهذا ينطوي على تضليل كبير للرأي العام.
فالخطة التي وافقت عليها حكومة الوحدة الوطنية بزعامة الرئيس سعد الحريري، عرقلها بالدرجة الأولى تكتل الإصلاح والتغيير، الذي ينادي اليوم بإصلاح ملف هو مسؤول عن تفكيكه خلال الحكومة الماضية، ليعاد تركيبه بطريقة مختلفة من خلال تفويض كامل الصلاحيات الى باسيل وسحب القرار من الحكومة مجتمعة.
منطق الأمور يفرض ألا يمر مشروع فيه إنفاق بقيمة 1،2 مليار دولار يتصرف بها باسيل منفرداً من دون هيئة ناظمة للقطاع، التي تشكل جوهر الإصلاح وفعاليته.
فثمة حاجة الى الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء لتمثّل التقنيّات والنزاهة والاستقلال في تنفيذ هذا العمل، ولإدارة الإنفاق والتأكد من أنّ دفتر الشروط صحيح وأنّ إنتاج الكهرباء يتم توزيعه بشكل عادل، وهذا ما يهرب باسيل من مواجهته.
فالهيئة الناظمة لا تسمح بالعزف المنفرد ولا بتمرير مشاريع دون رقابة، فضلاً عن ان باسيل لا يقبل مرور المشروع على لجنة الطاقة النيابية. وهو أمر مرفوض، فالمجلس هو السلطة الأم واللجان هي مطبخ العمل التشريعي، وعلى وزير الطاقة الالتزام بالقوانين خاصة 462، كما تنص الخطة التي وافق عليها مجلس الوزراء بحيث يكون التفويض من الحكومة وعبرها للوزير، لا أن يكون مبدأ الوزير وضع العربة قبل الحصان.
علماً أن مشاكسات باسيل والمجموعة التي ينتمي اليها خلال حكومة الوحدة الوطنية، كانت قد عطلت مسار الخطة وإدخالها الى مرحلة التنفيذ، لو أنه تمت الموافقة على موازنة العام 2010 وحتى في موازنة 2011، إلا أن الكيد السياسي كان الأسلوب الذي اتبعه، ليظهر في طرحه اليوم حول ملف حساس وحيوي يكبد الدولة نحو 1,8 مليار دولار ومثلها لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، فيما يعيث التقنين منذ تولي باسيل حقيبة الطاقة فساداً في البلاد، هو مسؤول بفعل التعطيل المتعمد للموازنتين 2010 و2011، حيث أدرجتا وفقاً لقانون البرنامج للخطة مبالغ مالية للبدء بالتنفيذ.
لكن المضحك- المبكي في الأمر، وكما تراه وزيرة المال السابقة ريا الحسن، أنه في حين يطالب باسيل بمبلغ 1,2 مليار دولار، فإن زميله في تكتل الاصلاح والتغيير وزير الاتصالات نقولا صحناوي لا يزال يحجز على مبلغ ملياري دولار، وقالت إن الأمر برمته لا يعدو كونه يأتي في سياق التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، من خلال الايحاء بتحقيق بطولات، لكن كلها على حساب الدولة وأولاً على حساب المواطن اللبناني.
وأضافت الحسن في حديث مع المستقبل، إن الخطة التي وافقت عليها حكومة الحريري فيها مطالبة واضحة بمراجعة كل القوانين المرعية بهذا الخصوص، بحيث يتم تبني الخطة من مجلس الوزراء كخطة واحدة متكاملة وقائمة بذاتها مع الالتزام بمستلزمات تنفيذها القانونية والادارية والمالية، وكان هناك تعهد موجود في الخطة بالتزام القانون 461، صحيح أن الخطة لم تذكر بشكل واضح موضوع الهيئة الناظمة، لكن كان التزام في الخطة بالتزام القوانين.
وأكدت أن حكومة الرئيس الحريري وافقت على الخطة على هذا الأساس، واشتغلنا عليها بالتعاون مع باسيل ومع مكتب رئاسة الحكومة ووضعنا فيها مجموعة من الخيارات، لكل خطوة مطلوبة، لكن الخطة كانت شاملة بكل محاور القطاع (بنى تحتية، انتاج، نقل، توزيع، مصادر الطاقة والطلب والمتجددة، إدارة الطلب، التعرفة، ألأطر القانونية، تشركة كهرباء لبنان، المقاييس والمعايير والوضع القانوني).
وبما ان تفنيد الخطة الى مجموعة من الخيارات، كان عليه أن يعرض الأمر على مجلس الوزراء، وروحية الخطة تستلهم مقررات مؤتمر باريس3 حول هذا الموضوع، ونحن لم نعطِ كارت بلانش لباسيل للتصرف بالخطة كيفما يشاء.
علماً أننا حولنا له نحو 6 مليارات ليرة من أصل 10 مليارات للخطة في العام 2010، صرفها وعاد وسأل عن 4 مليارات المتبقية، وهو لم يفعل فيها شيئاً سوى الدراسات، لكننا ارسلنا اليه سؤالاً لنرى ما فعل ب6 مليارات ليرة.
وأوضحت الحسن أن طرح الخطة الآن ذو شقين تقني وسياسي، وأياً يكن رئيس الحكومة سواء كان الرئيس الحريري أو الرئيس نجيب ميقاتي فإننا لم نفكر باعطاء أي وزير سواء كان موالاة أم معارضة كارت بلانش لخطة يقدمها، ويصرف 1,2 مليار دولار على هواه، وعملية الصرف ينبغي من خلال لجنة يشكلها مجلس الوزراء أو من خلال هيئة ناظمة للقطاع، ومجلس الوزراء في آخر النهار أو الهيئة الناظمة عليه أن ينظر الى جميع مراحل الخطة كيف تطبق وآلية وضع دفتر وحتى مرحلة تنفيذ المناقصة لكل مشروع، وصولاً الى تنفيذ الأشغال على الأرض، وهذا الأمر تم وضعه في موازنة العام 2011، بحيث يجاز للحكومة لا الوزير وحده، وهو بالطبع مسؤول عن عملية الصرف لكن بالعودة الى مجلس الوزراء، بالنسبة للشركات التي ستلزم الأعمال التي تنص عليها الخطة، وحتى في عمليات التنفيذ أو حتى في عمليات مصادر الطاقة، وعلى الوزير أن يحيل الأمور كلها الى مجلس الوزراء.
وتابعت أن ما قدمه الجنرال عون في اقتراح القانون أنه يجيز للوزير لا للحكومة وحتى للاثنين معاً، وهذا فارق كبير بين ما اقريناه نحن وما يطلبونه هم، رغم أن المبلغ هو نفسه بحسب قانون البرنامج للصرف، وهذه الكلمة تظهر وأن هناك سطحية، إلا أنه هنا بيت القصيد كله، يعني أن الأمر يعود لوزير الطاقة لا للحكومة وهذا الأمر نحن نرفضه بكليته رفضاً تاماً، ولا أحد يقبله ، ولا أدري في أي كوكب يعيشون حتى يعتقدوا امكان الموافقة على هذا الأمر السابقة، حتى أقرب حلفائهم من الرئيس ميقاتي والحزب الاشتراكي وحزب الله هو مرفوض.
أما النقطة الأخرى فهي تلك المتعلقة بالتمويل، صحيح أننا وضعنا المبلغ بكليته في موازنة العام 2010 وفقاً لقانون برنامج، وهو يعني السيناريو الأسوأ الذي كان من الممكن أن يحدث هو التمويل من خزينة الدولة، لأنه كان هدفنا أن نأتي بالتمويل من الصناديق العربية والأوروبية، في محاولة للهروب من التمويل المحلي أو من خلال الموازنة، ونحن اتفقنا مع باسيل حول هذا الأمر بأننا سنضع المبلغ في الموازنة لكن كاحتمال أسوأ، وحتى نظهر أننا جديون بالموضوع، ولكن هذا لا ينفي أننا كحكومة آنذاك محاولة لايجاد مصادر تمويل من الصناديق المذكورة بقروض وفوائد ميسرة، وقد بدأنا الخطوة هذه باتجاه الصناديق وكانت المحادثات ايجابية بحيث أبدوا استعداداً للمشاركة في العملية، بمراحل وربما الخطة.
وأشارت الى أن وضع المبلغ في موازنة 2010 استند أيضاً الى المعطيات الايجابية ونمو المؤشرات الاقتصادية خلال ذلك العام، واستناداً الى النمو المحقق خلال السنوات الثلاث التي سبقت، وكانت هناك فسحة مالية مكنتنا من وضع المبلغ المذكور في الموازنة، أما اليوم فإن الوضع الاقتصادي مختلف، ففي 2011 لم يعد الوضع المالي كما كان، وبمعنى ان الحكومة الحالية لا يمكنها الاقتراض بفوائد مالية مرتفعة بسبب ضيق المساحة المالية وتقلص مؤشرات النمو، في وقت يمكنها أي الحكومة أن تأتي بالمبلغ من خلال الصناديق العربية، والحل هو بالاتجاه نحو الصناديق العربية والأوروبية، بفوائد ميسرة، احسن من الاستدانة من السوق المحلية بفوائد تراوح بين 6 و7%.
واعتبرت وزيرة المال السابقة أن هناك مجموعة من الحلول، للبدء باصلاح الكهرباء من خلال قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام الذي عملنا عليه، ووضعنا جهداً جباراً من قبل اللجنة الوزارية التي كانت تدرس مشروع القانون بالاضافة الى المجلس الأعلى للخصخصة، صحيح أننا قطعنا شوطاً كبيراً في هذا المضمار، بيد أنه في الجلسات الأخيرة، كانت مجموعة وزراء التيار الوطني الحر هي التي تعطل وتعرقل، بحجة أين ستكون الوحدة التي ستدير مشاريع الشراكة ولأي وزارة ستتبع، وكان من الواضح أن قرارهم السياسي كان بعدم السير في هذا المشروع، واليوم حكومة ميقاتي أخذت الموضوع ووضعته في بيانها الوزاري وهم حكومة اللون السياسي الواحد، ومشروع الـPPP لم تعد تنقصه الا بعض اللمسات النهائية، وعند بداية النقاش حول المشروع الكل وافق عليه، واليوم البيئة السياسية مؤاتية لاقراره، السؤال لماذا لم يتم إقراره، علماً بأن هناك مجموعة لا يستهان بها من مشاريع الكهرباء يمكن الافادة منها من خلال الـPPP، ونحن بذلك نستطيع أن نجعل القطاعين الخاص والمصرفي بالمشاركة في عملية النهوض بقطاع الكهرباء، ومن خلال الاستفادة من السيولة والكتلة النقدية التي لدى القطاع المصرفي، ولاغراض التنمية والمساهمة في عملية النهوض الاقتصادية، واليوم هناك سيولة كبيرة لهذا القطاع الذي زاد من حجم القروض في مجال البيئة والاسكان، ورغم ذلك فإنه لا يستطيع ان يستنفد كل هذه السيولة لديه، ويقدر أن يحقق ربحاً ليس فقط من سندات الخزينة، وهذه السيولة يمكنها ان تسهم في انعاش الاقتصاد إذا أقر مشروع الشراكة، ويمكنها ان تمول مشاريع الكهرباء وجميع المصارف أبدت استعداداً لذلك، لكن من ضمن اطار قانوني. ولفتت أيضاً الى أن الامتيازات قانونية 100%، وأنا مع تحرير الانتاج وفقاً لما أتى به القانون 462.
وسألت هل تكلفة الأشغال التي كانت تضعها إذا كانت هي نفسها عند إقرار الخطة، مع ارتفاع التكاليف الشركات العالمية التي ستعمل على تنفيذ المشاريع، ورفضت مقولة النائب عون عن التوفير غير صحيح، لأن تحسين الانتاج لا يعني خفض التكلفة، فانشاء المعمل ونوعية الطاقة لهما تكلفة، خصوصاً وان العجز في الكهرباء لا يقل عن 1000 ميغاوات إذ اعتبرنا أن حاجة اللبنانيين من الكهرباء هي بحدود 2400 ميغاوات، وهذه المشاريع من المؤكد أنها ستشكل عبئاً إضافياً على الخزينة.
وذكرت بمشاريع الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي بدأت منذ منذ 1995، لكن تمت عرقلتها وباسيل لم يأت بجديد ليس من المهم أن يقول عن مصادر طاقة معروفة منذ 20 عاماً، المهم هو كيفية تأمينها وتكلفتها.
ولفتت الى أن كلام باسيل عن الكهرباء والخطة، يحتاج الى كثير من الوقت لترجمة التحسينات التي ترمي اليها الخطة، فانشاء معمل يحتاج الى من 3 الى 4 سنوات، ومن الأجدى اليوم الالتفات الى محاور ثانية لا تتعلق بالانتاج الذي يحتاج الى وقت، أي تقديم مواضيع سريعة منها تأهيل المعامل وتحسين موضوعي النقل والتوزيع، فهناك أموال في مجلس الانماء والاعمار لتأهيل بعض المعامل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.