كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري استثناء بين رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على سدة الرئاسة الثالثة. اختلف الناس حول مشروعه الاقتصادي، بين مؤيد ومعارض. إلا أنّه استطاع مواجهة المعارضة، بفلسفة إعمار تعيد تموضع لبنان كمركز ثقل مالي واقتصادي في المنطقة، مهما اشتدت العقبات.
آن الأوان لوضع النقاط على حروف مشاريعه بموضوعية، في سبيل إيجاد أجوبة حقيقية للأسباب التي أدّت الى عرقلتها من قبل عهد الوصاية وامتداداً الى الوصاية الجديدة مستهدفة تشويه تلك المشاريع وإفراغها من مضمونها السياسي والاقتصادي، وقطع الطريق على مشروعها البنيوي.
أربعة من أصل عشرات المشاريع الاقتصادية الكبرى، نتذكرها اليوم، داحضين الشائعات بالتواريخ والأرقام، مستحضرين جزءاً مهماً مما كان يدور في كواليس عهود الوصاية لإفشالها برمتها وهي:
- مشروع المؤسسة العامة إليسار، لإعمار الضاحية الجنوبية الغربية.
- مشروع لينور، لإعمار ساحل المتن الشمالي في بيروت الكبرى.
- مشروع مركز الثقافة والمؤتمرات في بيروت.
- مشروع إنشاء مركز بيروت لصناعة وبحوث التكنولوجيا (betz) في الدامور.
أربعة مشاريع أُعدمت بكل بساطة لأن السيناريو ونظرية المؤامرة تتكرّر، ومعها يتكرّر نحر الآمال التي علقها الشعب اللبناني على هذه المشاريع ومثلها ما سيأتي به الرئيس سعد الحريري وفريقه.
المشاريع الأربعة مع جملة المشاريع الأخرى لو لم يتم إجهاضها وإحراقها بنار الحقد السياسي، لكنا اليوم أمام اقتصاد بنيوي حقيقي، أي الدولة القادرة على توظيف أبنائها وخريجي الجامعات، دولة الإنماء المتوازن بين مختلف مناطقها، دولة ريادية في المنطقة اقتصاداً ومالاً وثقافةً وسياحةً، دولة لا تثبط همّتها الأزمات والتوتّرات لأنها مسنودة الى ركن شديد من المشاريع الضخمة ليست آنية بل دائماً للمستقبل بحيث يكون لبنان في مصاف الدول.
لا يمكن الحديث عن السوليدير التي أثارت إعجاب العالم ودهشته، التي تعبّر عن قدرة طائر الفينيق اللبناني على الانبعاث من رماد الحرب، من دون الحديث عن إليسار التي ما انفكّت خاوية على عروشها، متهالكة على نفسها، بفضل حزب الله، ومن معه، لتبقى عصيّة على الإعمار ونموذجاً لتحطيم إرادة النهوض، فيحصرها في جلبابه يساوم عليها سياسياً ومالياً... إنها جزء من ترسيخ مفهوم وضع اليد. والحزام الأمني وسواه من مصطلحات تعبّر عن ثقافة هذا الحزب.
في العام 1995 أنشئت المؤسّسة العامة لترتيب منطقة الضاحية الجنوبية الغربية (5،6 ملايين متر مربع) لمدينة بيروت إليسار، حيث الحاجة نمت خلال الحرب في غياب التنظيم وبطريقة أدت إلى تعديات على الأملاك الخاصة إضافة إلى افتقار المنطقة إلى البنى التحتية اللازمة، لتأمين الخدمات العامة الضرورية المناطق: الجناح، حي الزهراء، صبرا شاتيلا، بئر حسن، حرش القتيل، الاوزاعي، المرامل والرمل العالي، التي تقع ضمن مناطق المزرعة )مدينة بيروت(، الشياح وبرج البراجنة العقارية.
ولادة إليسار لم تأتِ بغتة، بل سبقتها اجتماعات ماراتونية بدأت مع أول اجتماع تحضيري في 11 آذار (مارس) 1992، حيث تنقّل الرئيس رفيق الحريري بفوارق زمنية متقاربة جداً من اجتماع الى آخر، لوضع الخرائط، للتنسيق، للإحصاء، للتخطيط. اجتماع مع فعاليات الضاحية لبحث إنماء المنطقة، والأهم كان في 18/5/1995، حيث بدأت الاجتماعات مع حزب الله لدرس المخطّط التوجيهي العام.
ولدت إليسار لحل مشكلة عقارية طويلة عريضة وإنسانية واجتماعية، لأؤلئك الذين سكنوا فيها بشكل غير شرعي وبنوا فيها أيضاً بشكل غير شرعي، لتصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. عندما أراد الرئيس الحريري البدء بمشروع سوليدير، كانت نظرته متوازنة، قال يا جماعة لا يمكن أن نرفع من شأن وسط بيروت دون أن نرفع من مستوى الضواحي الى نفس المستوى. لا يمكن أن يستمرّ الوضع على حاله في هذه المنطقة وعلينا أن نجد حلاً. لكن حزب الله كان بالمرصاد لهذا المشروع سياسياً لا إنمائياً أو إعمارياً أو اقتصادياً.
أما الأسباب التي دفعتهم الى الرفض غير الدفع في إليسار فكانت كثيرة، إذ هناك تعويضات إخلاء من الدولة لمبنى التعاونية بقيمة مليون ونصف المليون دولار، لتنفيذ مشروع أوتوستراد الكوكودي - الجناح 7 ملاين دولار، لتنفيذ الجناح منطقة الاوتوسترادات 18 مليون دولار. دُفع مبلغ 45 مليون دولار للمواطنين بين العامين 1996 و2001.
كان رفيق الحريري يريد أن يحسن أوضاع هذه المنطقة وأوضاع القاطنين فيها، كان لديه الاستعداد لتعويض الناس مقابل الإخلاء. كان يرى أنه لا يجوز أن تكون منطقة على مدخل بيروت تمتدّ على مساحة 5 ملايين متر مربع، بؤرة أو قنبلة موقوتة اجتماعياً وسكانياً، فالمنطقة لم يكن فيها مسؤول عن الأمن. لا مخفر. وضعها غير شرعي. كان يريد مساعدة الناس من خلال تحسين أوضاعهم وتحسين ظروفهم المعيشية، لكن قوبل ذلك بوضع فيتو.
حزب الله كان يريد مؤسسة عامة بوجه إليسار. الحريري لم يمانع، قال إعملوها وليس لدي مشكلة، شرط ألاّ يبقى الوضع في الضاحية بهذا الشكل. لكن منذ 1992 بقي هذا المقترح حبراً على ورق. كل الاجتماعات والمباحثات لإنشاء إليسار... من رئاسة الجمهورية ونزولاً، لم تثمر، حزب الله كان يريد إبقاء سيطرته على هذه المنطقة. كان يغطّي التعدّيات على عقارات المواطنين والبلدية والدولة، جعل الضاحية حزاماً أمنياً.. منع موظفي إليسار من الدخول اليها أو الكشف على الإخلاءات. قبل يوم واحد من حرب تموز 2006، أي في 11 تموز اجتمعت قيادة حزب الله مع الرئيس سعد الحريري ليعيد اقتراح المؤسسة العامة فكان ردّه عليكم أن تجدوا حلاً لهذا الواقع... وبعد الحرب انفجرت التعدّيات مجدداً... والنتيجة راوح مكانك.
لكن صخب حزب الله ومناصريه لم يكن بعد ولادة مشروع إليسار، بل بدأ قبل إنشاء المؤسسة بين العامين 1992 و1995، أي عندما صدر القرار رقم 2 عن مجلس الوزراء والقاضي بإنشاء إليسار، بدأت في حينها معارضة حزب الله بالتحفّظ ومحاربة مشروع إنشاء الشركة العقارية الواقعة في منطقة نفوذهم، فاستراتيجية المعارضة للمشروع بدأت بالتهجّم من قبل نواب حزب الله على المهندسين المكلّفين التحضير للشركة العقارية، وبإقناع الأهالي أن هذه الشركة ستقوم بتهجيرهم وإحداث تغير ديموغرافي في المنطقة، وتحريض أهالي الأوزاعي بأنه سيتمّ نقلهم الى ساحل الشوف، بل ساعدوهم للاعتصام في حسينيات المنطقة رفضاً للمشروع المشبوه (باعتقادهم) للشركة العقارية، وقد استغل الحزب الاحتفالات التأبينية ليضمّنها مواقف ضد الشركة العقارية.
لم يتوقّف الأمر هنا، بل تواكبت هذه المعارضة مع مجموعة من الشعارات المناهضة للشركة، ومنها إليسار للإنماء أو للإلغاء، تنبّهوا إغداق النعم عليكم، بلدوزر حريري يستعدّ لجرف المنازل لإقامة مشاريع حريريّة، دماؤنا تغلي وسنواجه مشروع الشركة العقارية، الضاحية ضحيّة سياسيّة، فليكن البديل بيتاً للبيت ومحلاً للمحل. وبعد مفاوضات عدة أجراها الرئيس الشهيد مع نواب حزب الله وحركة أمل، تم الاتفاق على إنشاء مؤسسة عامة في 1995 وتعيين مجلس إدارة لها يقوم بتنفيذ أعمال إعادة ترتيب وإعمار منطقة الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة بيروت إليسار.
غطاء سياسي للمخالفات
بيد أن الأمر لم يتوقف عند هذه النزعات أو هذه الأساليب التحريضية، بل إن لـحزب الله أساليب أخرى، اتبعها أيضاً منذ إنشاء المؤسسة عام 1995 ولتاريخ اليوم، لم تقم المؤسسة بتنفيذ المخطط التوجيهي العام العائد للمنطقة والموافق عليه من قبل مجلس الوزراء ومجلس إدارة إليسار الذي يضمّ ممثلين عن حزب الله وحركة أمل، إذ إن الحزب أمّن الغطاء السياسي لزيادة الإشغال غير الشرعي على العقارات الخاصة والشيوع والمشاع. وأفضى هذا الغطاء الى إحراج القوى الأمنية لجهة عدم قمعها للمخالفات حتى عندما كانت تتلقّى اعتراضات وشكاوى خطيّة من قبل المؤسسة.
كما أن الحزب اغتنم الوضع الأمني اللبناني الداخلي وعجز الأجهزة الأمنية عن قمع المخالفات، فأعان الأهالي لوجستياً لإنشاء المباني غير الشرعية بشكل كثيف وهائل في منطقة إليسار، مثل فترة ما بعد حرب تموز 2006 وفترة ما بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري أوائل العام 2011. لقد طوّر حزب الله مفهوم التعدّيات ليصبح تجارياً وليس إنسانياً بهدف الاستفادة من الإخلاءات المرتقبة، بالإضافة الى تكثيف المخالفات التي تشمل مؤسسات دينية، والتي سيستحيل إخلاؤها لاحقاً، كما أمّن تغطية سياسية لبلديات المنطقة لإعطاء تراخيص ترميم، وكان يتم تحوير هذه التراخيص لإنشاء أبنية غير شرعية في المنطقة، كما عمد الى تحريض الشاغلين غير الشرعيين لعدم القبول بالمعايير المتبعة للإخلاءات (بهدف تنفيذ مشاريع عامة) الصادر بها قرارات في مجلس الوزراء والمصادق عليها من قبل فريق حزب الله وحركة أمل (كانت نيتهم زيادة التعويضات الى ثلاثة أضعاف على الأقل)، ما أدى الى زيادة في التعويضات وهدر المال العام. وفي الكثير من الظروف كان يتم تمديد مهلة تنفيذ المشاريع العامة حتى الانتهاء من التسويف في تنفيذ الإخلاءات مما يكبّد الدولة أموالاً إضافية طائلة، أو وقف الإخلاءات وإلغاء تنفيذ المشاريع العامة.
لا أحد ينكر أن أحداثاً أمنية فرضت على جزء من أهل الجنوب النزوح باتجاه هذه المنطقة، إلا أن منطقة إليسار ولأسباب عقارية وإنمائية واجتماعية تعيش اليوم ظرفاً خاصاً. سكان العاصمة يفرّون حالياً من بيروت باتجاه بشامون وعرمون لماذا؟ هل يجوز وقف تمدد العاصمة عند حدود الضاحية؟ أليس هذا توقيفاً بنيوياً لتطوّر المدينة. ألم يستجب الحريري لكل ما طلبوه؟ وقال لهم بأننا سندفع الإخلاءات وإننا سنساعد سكان هذه المنطقة، لكنهم فضّلوا إدخال موضوع إنمائي في أتون السياسة. الرئيس الحريري لم يكن ليعترض لو فعلاً أرادوا تنفيذ هذا المشروع الإنمائي وليس هو، لكن شرط أن ينفّذ المشروع. لديه هناك عقار (رقمه 3908) وضعه بتصرّفهم، لأن الأساس هو أنه يجب أن تحسّن هذه المنطقة وألا تترك كما هي الآن، 200 ألف نسمة يقطنون في هذه المنطقة يتوزّعون على 20 ألف وحدة سكنية غير شرعية أو أكثر، نتيجة ظرف قاهر، فمن سكن في أرض غير شرعية وبنى بشكل غير شرعي وفي ظل ظروف أشد قهراً، ألم يكن من الأجدى أن يكون لديه مسكن شرعي بسند تمليك ليقضي عمره مع عائلته بشكل شرعي؟ عرقلوا المشروع منذ بدايته. والسؤال اليوم هل وضع هذه المنطقة أفضل أم أسوأ؟.
يجيب المهندس فادي فواز مستشار الرئيس الحريري، وبشيء من الحسرة إن الوضع بالتأكيد سيكون أفضل حالاً من الوضع المزري اليوم، ولكانت جميع المشكلات حلّت والطرق شقت والبنى التحتية جهّزت والعقارات رتّبت. ولكان نظّم موضوع الضم والفرز في المنطقة.... حتى الآن تم صرف 200 مليون دولار وصارت تكلفة المشروع 3 مليارات دولار بدلاً من مليار، ولم نستفد شيئاً وقد زادت الأبنية غير الشرعية بنسبة 70%، بعد 2006 ولم يعد أحد يعرف كم زادت وموظفو إليسار ممنوع عليهم الدخول الى هناك إلا بمرافقة، هل تُبنى الدولة بهذا الشكل حيث لا وجود للأمن فيها؟.
ويفصل فواز بين الوصاية الأمنية في هذه المنطقة التي حوّلت أفكارها الى ابتزاز مالي وسياسي للمشروع لإخلاءات غير شرعية وبين الناس التعساء الذين يعيشون فيها حيث يطالبون بالسكن اللائق: هم قرّروا أن يوقفوا حدود بيروت عند هذا الحد وهذا هو البلاغ رقم واحد.
لينور لم يبصر النور
لا يختلف مشروع لينور عن سابقه إليسار لجهة الارتقاء النوعي للمناطق في بيروت، بحيث تطبق قاعدة الإنماء المتوازن داخل العاصمة، وبين هذه الأخيرة والمناطق، كجملة إنمائية وإعمارية واحدة هدفها النهوض الاقتصادي بالبلد ككل. لكن كما تم إفشال إليسار فإن لينور لقي حتفه على أيدي مجموعة الوصاية في لبنان.
في العام 1997 أصدر مجلس الوزراء القرار 64، وهو يقضي بتطوير ساحل المتن الشمالي لمدينة بيروت وتحسين مستوى الخدمات العامة (محطة تكرير الصرف الصحي في برج حمود، مكب برج حمود: إنشاء طريق خدمة مع كافة التقاطعات من مرفأ بيروت وحتى مرفأ ضبية بواسطة القطاع الخاص)، كمشروع متكامل، مقابل منح المستثمر حق ردم البحر 2،5 مليوني متر مربع، وواجب إنشاء البنى التحتية ومنح الدولة قسم من هذه المساحة للخدمات العامة لمحطة تكرير برج حمود، ونقل خزانات الوقود من منطقة الدورة الى البحر لقاء بدل تسدّده الشركات يغطّي التكلفة الفعلية للردم. ويهدف مشروع لينور الذي أنشئ في 1996، تحويل هذه المنطقة الصناعية والمهملة إلى منطقة حديثة التنظيم بما فيها أعمال البنى التحتية الضرورية، لرفع الضرر البيئي عنها، ومعالجة هذا الوضع تتطلّب مبالغ كبيرة لم تكن متوفرة لدى الدولة فقرّر مجلس الوزراء اعتماد حل يسمح به القانون من دون إرهاق الخزينة فيتم توقيع عقد يجيز تنفيذ أعمال الردم لقاء حصولها على مردود تنموي ومالي ومساحات من الأراضي المردومة على غرار مشروع جوزيف خوري، الذي كان قد انطلق في 1983. وبناء على القرار 64، تم إلغاء المراسيم المتعلقة بالشركة العقارية لينور وتأليف الهيئة التأسيسية، وتم تكليف مجلس الإنماء والإعماء بإجراء مناقصة وفق القوانين على أساس (Contract Dendigage). تم تحضير ملف استدراج العروض من قبل شركة سيسنور وسلّم مع الخرائط والدراسات إلى مجلس الإنماء والأعمار وكانت المفاضلة على أساس حجم الأراضي المكتسبة للدولة ودفع 10 ملايين دولار لشركة سيسنور، وقد شارك في المناقصة عارضان وفي 1/7/ 1998 قام مجلس الإنماء والأعمار بناء لقرار مجلس الوزراء رقم 52 بالتفاوض مع شركة (UDC). لكن ما حصل أن الكيد السياسي أخذ مداه تجاه كل مشاريع الحريري الاقتصادية، فأصدر مجلس الوزراء برئاسة سليم الحص في عهد الرئيس اميل لحود القرار رقم 27، الذي قضى بإعدام المشروع، من خلال إلغاء المناقصة، وتأمين التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع البيئية الحيوية والضرورية، وتأمين تكلفة الدراسات لشركة سيسنور .
لم يكن رفيق الحريري يريد أن يغيّر بيروت بل كان يريد ترتيب مناطق مهمّشة ومهملة، أن يوازن ما بين سوليدير وإليسار ولينور. كان يقول مثلما سنحسّن في اليسار علينا تحسين المنطقة في الضاحية الشمالية ولا سيما في برج حمود حيث الاكتظاظ السكاني، وإعادة الترتيب للساحل الشمالي.
المؤامرات تعدم قصر المؤتمرات
كانت طموحات الرئيس الحريري كبيرة، ورأى أنّ أهم شيء بعد المطار والمرفأ، أن يكون هناك مركز للثقافة والمؤتمرات في بيروت، لأنها حاضنة للسياحة والجامعات والثقافة والاقتصاد، ولا يمكن أن ننظّم كل المؤتمرات في الفنادق وليس لدينا مراكز متخصصة بذلك.
لذلك قرّر إنشاء مركز للثقافة والمؤتمرات مع الخدمات الموازية لـ(فندق، مطاعم ومكاتب خدمة ومرفأ بحري) على أرض تملك الدولة 95% منها وتستملك فقط 5%، من خلال عقد إنشاء، إدارة وتشغيل مع القطاع الخاص لفترة زمنية محددة، بموجب المرسوم 5815 تاريخ 28/6/2001، وأن يكون موقع المشروع على عقارات تبلغ مساحتها الاجمالية نحو 60000 متر مربع في منطقة عين المريسة العقارية وتملك الدولة القسم الأكبر منها. يحدّ المشروع شارعا بلس والحمرا من جهة، وفندق ريفيرا والكورنيش البحري من جهة أخرى.
أما موجبات إقامة هذا المشروع وكما رآها الحريري، فقد انطلقت مع ازدياد حركة تنظيم المؤتمرات والندوات الدولية المهمة في لبنان، لذا فإن وجود مركز للثقافة والمؤتمرات في مدينة بيروت يستوفي المعايير الدولية المطلوبة لاستيعاب المؤتمرات الضخمة الثقافية والعلمية والاقتصادية والطبية، ويواكب التطور الحاصل عالميًا في هذا المجال أصبح حاجة ملحة، ومن شأنه أن يعود بفوائد عدة ومهمة على الاقتصاد اللبناني بالإضافة الى أن المركز المقترح سيكون مركزاً سياحياً من الطراز الأول ويعزّز صورة لبنان في الخارج.
هذه الرؤية كانت قبل إنشاء مثل هذه المراكز في دبي والقاهرة وقطر، وكان الحريري يقول دائماً نريد قصراً للمؤتمرات وبالفعل فقد طلب من ايدال طوال الفترة الممتدة بين العامين 1995 و1999 دراسة مشروع مركز الثقافة والمؤتمرات في مدينة بيروت من الجوانب الاقتصادية والمالية والهندسية والفنية كافة، التي تبيّن بعدها أن إنشاء مركز الثقافة والمؤتمرات سيعود على لبنان بمنافع عدة من الناحيتين الاقتصادية والسياحية، منها تواصل عمل قطاعي المؤتمرات والمعارض على مدار السنة... اعتماد لبنان كمركز اقليمي ودولي للاجتماعات والندوات والمعارض من قبل شركات أجنبية ضخمة انشأت مكاتب تمثيلية أو فروعاً لها داخل لبنان، توفير نحو 1250 فرصة عمل مباشرة وآلاف فرص العمل غير المباشرة، ما يسهم في الحد من البطالة وتخفيف هجرة الشباب اللبناني، والمساهمة في بناء مرافق عامة غير مدعومة من الدولة كالمتحف والمكتبة وصالة متعددة الأهداف معدة لاستقبال المؤتمرات والحفلات الغنائية العالمية، إنفاق المشاركين في المؤتمرات والمعارض لأموال أكثر مما ينفق السياح، إحياء دورة الاقتصاد في البلد، تعزيز مكانة بيروت كمركز سياحي وكعاصمة ثقافية بحيث تصبح في مقدمة العواصم العربية من حيث استضافة المؤتمرات الثقافية والعلمية والاقتصادية والطبية في المنطقة، وزيادة عدد المؤتمرات والمعارض التي تلعب دوراً بارزاً في إحياء الدورات الاقتصادية على الصعيدين المحلي والاقليمي.
قدّرت تكلفة المشروع آنذاك بـ600 مليون دولار، يغطّيها القطاع الخاص، على أن يستثمرها بعدد من السنوات. اليوم ليس لدينا قصر للثقافة والمؤتمرات.
لقد وضع الرئيس الشهيد كل شيء متعلق بهذ المشروع الحيوي وفقاً لجدول زمني محدد..، لكن الرئيس عمر كرامي في 8 شباط (فبراير) 2005 أي قبل استشهاد الرئيس الحريري بـ6 أيام، قتل المشروع، عندما أصدر قراراً 14158 قضى بإلغاء المرسومين 5815 تاريخ 28/6/2006 و5951 تاريخ 12/7/2001 والمتعلقين بإنشاء المركز واستملاكاته.
.. وتشلّ مشروع BETZ
كان منسوب الحقد عالياً ومرتفعاً على مشاريع رفيق الحريري، وكان الحاقدون له بالمرصاد مثل النفاثات في العقد، مشاريعه التي كانت خشبة الانقاذ للبنان المثقل بجراح الحرب الأهلية وبالدمار الذي لم يبقٍ ولم يذر، كانت عرضة للتعطيل من قبل الوصاية السورية وحلفائها اللبنانيين، ولئن لم يعطل مشروع إنشاء مركز بيروت لصناعة وبحوث التكنولوجيا (الدامور) BETZ، بالحجج الواهية لفريق السلطة آنذاك، فقد كمنوا لعرّاب هذه المشاريع. وركد المشروع في الأدراج تماماً ككل الملفّات التنمويّة الأخرى.
في بداية حكومات رفيق الحريري تكاثر الحديث عن مدينة تكنولوجيّة مميّزة تجذب الشركات الرائدة في هذا القطاع وتشكّل لولباً ثورياً في الحلقة الاقتصادية اللبنانية. وتوقّع المعنيّون بهذا اللولب أنّ يخلق دوراً تكنولوجياً للبنان ليس على الصعيد المحلّي فقط، بل الاقليمي أيضاً، نظراً للمقوّمات الجغرافيّة المهمّة التي يتمتّع بها لبنان، بالإضافة الى استقطابها فرص العمل.
تحدث الرئيس الحريري كثيراً عن هذه المدينة، وأتبع ذلك بخطوات تحضير. ذات يوم أقام غداء جمع فيه ممثلين عن كبريات الشركات التكنولوجية مثل أبل وميكروسوفت في بيته، وعرض عليهم المشروع الذي سيقام على مساحة مليون متر مربع، ودعاهم للاستثمار فيه، طالباً مساعدتهم. كان يرى أنه في حال تنفيذ هذا المشروع فإن لبنان سيكون في مقدمة البلدان الغنية بصناعات التكنولوجيا والمعلوماتية المتطورة وبحوث التقنيات الجديدة في الشرق الأوسط، كما سيكون خطوة مهمة ومتقدمة باتجاه تنمية الاقتصاد اللبناني.
كان يريد دولة بكل معنى الكلمة، بدليل التوصل الى اتفاق مبدئي بين الدولة (ممثلة بإيدال) وبلدية الدامور، حيث تم تأسيس شركة BETZ، تكون حصة الدولة فيها 51% وحصة بلدية الدامور 49%، على أن يتم نقل ملكية الارض التي ستخصّص للمشروع والمقدمة من قبل البلدية الى الشركة، وتؤمن إيدال التمويل اللازم بالنسبة الى حصتها ضمن الشركة، أي ما يوازي مليون دولار. ولاحقاً أي في 25/9/2002 صدر القرار رقم 90 عن بلدية الدامور، يعلن موافقتها على المساهمة في الشركة المنوي إقامتها بموجب تقدمة عينية عقار للبلدية يمتد على مساحة مليون متر مربع. ولكن بعد هذه المرحلة، وتحديداً في عام 2004، تمّ تنظيم الانتخابات البلديّة، فانتخب مجلس بلدي جديد في الدامور وكان له رأي مخالف لما كان قد تمّ الاتفاق عليه سابقاً، فأعيد النقاش حول الموضوع، ليأتي اغتيال الرئيس الحريري ويقضي على المشروع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.