يمكن توصيف الحوادث التي تتعرض لها محطات الوقود في لبنان، وآخرها كان في محطة أبو نصر وردية على كورنيش النهر، بأنها نتيجة للفوضى في القطاع، خصوصاً وأن 55% من محطات لبنان غير مرخصة. صحيح أنّ المسألة ليست آنية بل هي متوارثة منذ زمن الحرب اللبنانية، بيد أنّ وزارة الطاقة والمياه كان بامكانها تصحيح الخلل في موضوع بالغ الأهمية، إن على الصعيد المالي، حيث لا تدفع هذه المحطات قرشاً واحداً لخزينة الدولة، أو على صعيد السلامة العامة، وهي الأهم خصوصاً وأن أمن المستهلكين للوقود معرض وبشكل دائم للخطر.
الى الآن ما فعله وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، هو عملية توصيف وتشخيص يمكن إدراجها في خانة إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ، خصوصاً وأنه قد أشهر سيف الإصلاح والتغيير، منذ اليوم الأول لتوليه سدة هذه الوزارة في حكومة الرئيس سعد الحريري ولاحقاً في حكومة اللون الواحد الميقاتية، إذ ما فتئ في مؤتمراته الصحافية التي كانت تنهمر يومياً، يوصّف الأوضاع المهترئة لكل القطاعات التي تستظل بوزارته، إلا أنّ المسار الإصلاحي اتخذ سبيله إعلامياً، في حين بقي الاهتراء يتأصّل.
1800 محطة من دون ترخيص
ثمة نحو 3200 محطة وقود تنتشر على الطرقات وبين الأحياء في مختلف المناطق، منها 1800 غير شرعية، لا تدفع للدولة فلساً اللهم إلا في ما يتعلق بموضوع استهلاك البنزين، والمفارقة أن لبنان يملك نصف ما تملكه المملكة العربية السعودية من المحطات (6 آلاف محطة وقود تمتد على مساحة 2,270,000 كيلومتر مربع تقريباً وتتربع على احتياط يقدر بـ265 مليار برميل وانتاج نفطي يصل الى نحو 12 مليون برميل).
وإذا كانت الحرب اللبنانية، قد فرضت تمدد المحطات غير الشرعية على طريقة الفطريات، إلا أن استمرارها يثير تساؤلات كثيرة، لماذا الابقاء عليها ما دامت قوانين السلامة العامة تحدد الأسس التي يجب أن تنشأ على أساسها محطة الوقود، لكن أن يتم تقاذف كرة المسؤولية، بحيث يذهب وزير الطاقة الى اتهام لجنة الأشغال والطاقة النيابية، بتوقيف مشروع القانون الذي يطرحه لتنظيم عمل المحطات، فهو من باب خلط عباس بدباس، وتعمية الرأي العام من تبيان الحقيقة، وهي أن الوزير يبعد عنه كأس المسؤولية عما يحصل في القطاع ، مفترضاً أن الاصلاح هو إسقاط فوقي بدون نقاش.
فعدم الموافقة على مشروع القانون المذكور، لا تعني بالمطلق إعفاءه من المسؤولية، خصوصاً بوجود قانون ينظم القطاع، ولا سيما في ما يتعلق بالمواد المتعلقة بالسلامة العامة.
في 31 تشرين الأول (أوكتوبر) 2005، وافق مجلس الوزراء برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة على المرسوم 15622، لإحالة مشروع قانون الى مجلس النواب، يرمي الى تحديد شروط الترخيص بانشاء واستثمار محطات توزيع المحروقات السائلة من الصنفين الأول والثاني، حيث تشير المادة الثانية منه الى أنه لا يجوز لأحد أن ينشئ محطة توزيع محروقات سائلة ما لم يحصل على رخصة انشاء من المحافظ بعد موافقة المديرية العامة للنفط، على أن تعطى رخصة الاستثمار بالاستناد الى:
-إفادة من الدوائر المختصة في المديرية العامة للتنظيم المدني، بانطباق خرائط تصاميم البناء على القوانين والأنظمة المرعية الاجراء، لا سيما الشروط الفنية في المرسوم التطبيقي لهذا القانون.
-إفادة من مصلحة الصحة العامة في المحافظة لجهة تأمين جميع الشروط الصحية المتعلقة بالصحة العامة، وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الاجراء.
-إفادة من المديرية العامة للبيئة لجهة توفر شروط المحافظة على البيئة.
إلا أن الوزير باسيل، فضّل الذهاب أبعد من ذلك، عندما أرسل الى مجلس النواب مشروع قانون يحدد شروط الترخيص بانشاء واستثمار محطات توزيع المحروقات السائلة من الصنفين الأول والثاني (مضافاً اليها) والغاز الطبيعي المضغوط CNG، لكن السؤال هو أين الغاز في لبنان، وكم هو عدد السيارات العاملة على الغاز، وهل تفضيل الغاز على البنزين أم مساواتهما، لمحاكاة البيئة الطبيعية النظيفة؟.
ما علاقة كل ذلك بالقنابل الموقوتة المحطات غير الشرعية، التي لا تمتثل لا بالبيئة ولا تراعي السلامة ولا معايير الترخيص والشروط لانشائها، أليست للوزير الصلاحية في وقفها، هل لكل ذلك علاقة بلجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية؟، أم أن السلطة التنفيذية ممثلةً بوزير الطاقة عليها أن تحزم أمرها سواء أقرّت هذه اللجنة مشروع القانون الذي قدمه أم لم تقره، علماً أن نقيب أصحاب المحطات سامي البراكس لا يؤيد مشروع القانون هذا؟.
قبل يومين أعاد رئيس لجنة الأشغال العامة النائب محمد قباني، تذكير باسيل لمناسبة عودته الى وزارة الطاقة مع الحكومة الميقاتية، بأنه يوجد مرسوم ساري المفعول حالياً يحمل الرقم 5509 بتاريخ 11/8/1994 وعلى وزير الطاقة تنفيذ بنوده بدقة، خاصة ما يعود للسلامة العامة في محطات البنزين. كما أن المادة الخامسة من المرسوم تنص على الآتي : يكلف وزير الصناعة والنفط وبقرار منه إتخاذ التدابير الفورية في مجمل قضايا وشؤون قطاع النفط في لبنان لتأمين السلامة العامة. وحالياً وزير الطاقة هو المكلف بذلك. فلماذا لم يمارس هذه الصلاحيات؟.
وقال لو كانت هذه المحطة أو سواها تحوي خزانات من الغاز كما يريد وزير الطاقة وحدث ما سمي القضاء والقدر لكان الانفجار سيؤدي إلى دمار الأبنية المحيطة بالمحطة. وهذا بالطبع ما لا نريده. وإذا كان هناك عدد من محطات البنزين غير المرخصة ولا تستوفي شروط السلامة، فلماذا لا يعمد إلى إقفالها.
يرى البراكس أن من يجدر به وضع مواصفات السلامة العامة هو معهد البحوث الصناعية، ويسأل لماذا أوقف مشروع القانون الذي كان قبل مشروع القانون الذي أرسله باسيل الذي ضمنه موضوع الغاز، فأين ستكون ماكينات الغاز، أفليس من الممكن استعمال الديزل بدون كبريت بديلاً من الغاز؟.
أحجية باسيل
في تعديله الذي أدخله على المادة الأولى من مشروع القانون من قبل مجلس الوزراء الى مجلس النواب بالمرسوم 15622/31-10-2005، يقترح باسيل التعديل الآتي :أ-يطلق اسم محطة توزيع محروقات، على الانشاءات التي يتم فيها تموين المركبات الآلية بالمحروقات السائلة و/أو بمادة الغاز الطبيعي المضغوط CNG بواسطة أجهزة توزيع ثابتة متصلة بخزانات معدة لهذه الغاية.
ب-تصنف محطات توزيع المحروقات الى صنفين: محطات توزيع المحروقات السائلة من الصنفين الأول والثاني، والغاز الطبيعي المضغوط CNG من الصنف الأول.
إذا كان لبنان لا توجد فيه سيارات تعمل على الغاز الطبيعي، اللهم إلا تلك التي يتم تحويلها محلياً وهي بالعشرات، وتشكل خطراً على السلامة العامة، وإذا كان لبنان بلداً مستورداً للمشتقات النفطية، فكيف سيأتي بالغاز الطبيعي المضغوط لأغراض السيارات العاملة على الغاز، وكم عددها؟، وهل توجد هيئة تستطيع مراقبة المحطات التي ستبيع الغاز، والجميع يعلم أن ضخ الغاز الطبيعي الى معمل دير عمار قد توقف منذ أمد بعيد رغم الاتفاقات المبرمة بين لبنان ومصر، فهل يجوز عبور الجسر قبل الوصول اليه؟.
وهل يجوز ابقاء الوضع المزري للمحطات غير المرخصة على ما هو عليه، بانتظار إقرار مشروع قانون باسيل، الذي يعترض عليه ممثلو وزارة الاقتصاد والداخلية في لجنة الطاقة النيابية، وكذلك رئيسها النائب قباني...لأسباب تقنية لا سياسية كما يريد البعض حرفها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.