يعيش لبنان فراغاً حكومياً كبيراً، منذ نحو 5 أشهر، حيث القطاعات الاقتصادية في البلد برمتها تبدو صورتها مأزومة ومعقدة كما الصورة السياسية التي يعيشها اللبنانيون، إذ إن مؤشرات هذه القطاعات سلبية والى تراجع أسوأ، في ما لو استمر الوضع المحلي أولاً والاقليمي ثانياً في حالة مراوحة، وهذا هو واقع القطاع الزراعي في لبنان، الذي يواجه أزمة تصدير مع استمرار الأحداث الأمنية في دول الجوار ولا سيما في سوريا، وبالتالي يدخل تصريف الانتاج اللبناني متاهة ايجاد أسواق بديلة عن الأسواق العربية التقليدية، أما الفراغ الحكومي فتداعياته أيضاً كبيرة على دعم الصادرات الزراعية، مع قرب انتهاء العمل ببرنامج اكسبورت بلاس، ومع استمرار تكاليف الانتاج بالارتفاع.
وهذا الأمر كان مثار بحث خلال اجتماع منظمات دولية عدة عقدت اجتماعاً مؤخراً في مقر اسكوا في بيروت، لتعزيز تنسيقهم مع جميع الأطراف العاملة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، باعتبار أن رابطاً كبيراً يجمع ما بين التنمية والثورات العربية المطالبة بالديموقراطية، وبالتالي يوجد مساحة كبيرة للشراكة السياسية المبنية على العدالة الاجتماعية، خصوصاً وأن الجزء الأكبر من هذه الثورة يأتي نتيجة الحرمان في الأرياف، التي لا تلقى دعماً من حكوماتها.
عوائق مزمنة
وفي لبنان، لا يزال قطاع الزراعة، يعاني عوائق عدة، تحول دون تطويره وتنميته، إذ لا يزال لبنان يستورد قسما كبيرا من حاجاته من المنتجات الزراعية والغذائية، وقبل يومين قال وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال حسين الحاج حسن إن لبنان يستورد 85% من حاجاته الغذائية، فثمّة تحدّيات تواجه هذا القطاع لجهة ضرورة تطوير وسائل الإنتاج واستراتيجيات التسويق وبذل المزيد من الجهود لتحسين مراقبة الجودة والحدّ من الإستعمال المفرط للمبيدات الزراعية.
ولا يزال لبنان يستورد قسماً كبيراً من حاجاته من المنتجات الزراعية. بحيث بلغت قيمة الواردات الزراعية 514 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2011، أي ما يقارب 12 مرة قيمة الصادرات الزراعية، وبزيادة نسبتها 23,6% على أساس سنوي. وعليه، بلغ العجز التجاري الزراعي 470 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2011، أي بزيادة نسبتها 26,0% مقارنةً مع الفصل الأول من العام 2010.
وتشير استراتيجية النهوض بالقطاع الزراعي (2010-2014)، الى أن نسبة العمال الفقراء في القطاع الزراعي تستحوذ على 25% من المجموع الكلي، وهي من أعلى النسب بالمقارنة مع باقي القطاعات الزراعية، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن القطاع يؤمن نحو 6% من الدخل الوطني، ويشغّل ما بين 20 و30% من العمالة، ويمثل نحو 17% من قيمة الصادرات.
وتشير التقارير المصرفية الى أن أداء القطاع الزراعي اللبناني، كان مستقرّاً نسبياً في الفصل الأول من العام 2011. فإحصاءات المجلس الأعلى للجمارك تبيّن أن قيمة الصادرات الزراعية اللبنانية بلغت 44 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2011، أي بزيادة طفيفة نسبتها 2,3% مقارنةً مع الفصل الأول من العام 2010.
الحاج حسن: لا احصاء للخسائر
وقال الوزير الحاج حسن في اتصال مع المستقبل، إن القطاع الزراعي على صعيد التصدير والاستهلاك قد تأثر كثيراً، بفعل الأحداث التي تشهدها الدول العربية. إلا أنه رفض إعطاء رقم أو إحصاء حول الخسائر الزراعية لأنّ الأزمة لم تنتهِ بعد..ولا نعرف إذا كانت هذه الأزمة موقتة أم طويلة، ولفت الى أن لبنان واجه مثل هذه الأزمات من قبل.
وحول إذا ما كانت وزارة الزراعة قد شكلت خلية أزمة، لاحتواء المضاعفات على قطاع التصدير، قال الحاج حسن لقد شكلنا خلية، لكن ماذا نستطيع أن نفعل في الأسواق التقليدية للبنان، مثل سوريا والأردن ومصر..الآن يتم البحث عن أسواق جديدة للمنتجات الزراعية سواء في أوروبا أو في روسيا وأوكرانيا وغيرها.
وأوضح أن الإعلان عما يستورد لبنان (85% من حاجاته الغذائية) هو بمثابة تحذير مما وصل اليه القطاع الزراعي من تدمير. وقال إن استراتيجية النهوض بالقطاع، هي للانقاذ والحكم عليها من المؤسسات لتحديد معيار تقدمها.
وكانت وزارة الزراعة قد وقعت مع جمعية مصارف لبنان في آب (أغسطس) 2010، بروتوكول تفاهم لمنح المزارعين قروضا ميسرة بقيمة تراوح بين 2.000 دولار و16,500 دولارا مدة اربع سنوات، وذلك بهدف المساهمة في تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ومن شأن هذه المبادرة ان تؤمن المزيد من تمويل الاستثمارات في القطاع الزراعي.
وفي شباط 2011، تعهدت وزارة الزراعة بدعم انتاج الألبان في منطقتي البقاع وعكار عبر الإعلان عن برنامج إنعاش قطاع الألبان المموًّل من منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (الفاو). ويلحظ هذا المشروع توزيع 350 آلة حلب و1,200 برميل سعة 40 ليتراً على صغار المزارعين في سهل البقاع ومنطقة عكار.
تكاليف نقل وأزمة منافسة
وأشاد الخبير الزراعي رفلي دبانة، بالخطوات التي يقوم بها وزير الزراعة على مستوى القطاع، إلا أنه حذر من مغبة الفراغ الحكومي الذي من شأنه التأثير في المزارعين. وقال إن الفراغ سيؤخر التمديد لبرنامج اكسبورت بلاس المخصص لدعم الصادرات الزراعية، والذي سينتهي العمل به بعد شهر من الآن، مضيفاً أن ذلك سيؤثر كثيراً في المزارعين، في ظل المنافسة المحمومة مع الأسواق المجاورة.
وأكد أن لا مهرب من إعادة العمل بهذا البرنامج وإعادة نسب الدعم التي كانت عليه منذ 5 سنوات عند بداياته، لأن تناقص الدعم بما نسبته 20% من شأنه أن يوقع المزارع في مأزق.
ولفت الى أنه ليس ضد دعم السائقين العموميين، لكن كان يجب أن يشمل ذلك المزارعين الذين تتشابه أوضاعهم مع السائقين الى حد كبير، وربما وضعهم أسوأ، في سوريا هناك خفض بنسبة 25% على صفيحة المازوت للمزارع، وكان يجب على لبنان أن يماثل السوريين في هذا الموضوع، واليوم نلقى منافسة شديدة بالنسبة لتصدير الموز الى سوريا بعدما عمدت الى خفض الضريبة على الموز الأميركي، لدينا فائض، لكننا نلقى منافسة مع التكاليف العالية للمزارع اللبناني.
وأدرج دبانة أزمة تنافس أخرى للزراعة اللبنانية ولا سيما في دخول البندورة السورية والأردنية الى البلد، وقال لدينا انتاج غزير، إلا أن هناك روزنامة زراعية غير مطبقة تماماً.
وفي ما يتعلق بتأثير الأوضاع التي تشهدها الأسواق القريبة للبنان، قال إن وجود حكومة كان من شأنه فتح السوق التركية الكبيرة أمام المنتجات اللبنانية ولا سيما الموز اللبناني، إلا أنه لا يمكن للمزارع التصدير الى هذه السوق في ظل الرسوم الجمركية المرتفعة على البضائع اللبنانية.
وحذر دبانة من إدخال المبيدات الصينية المسرطنة الى السوق اللبنانية لأننا نخشى من الحوافز المقدمة بشأنها، لإدخالها الى سوقنا، وبذلك تكون زحليطة لكل ما أنجزته وزارة الزراعة خلال عهد الحاج حسن.
ومن جهته، قال رئيس تجمع مزارعي البقاع ابراهيم ترشيشي إن الأحداث في المنطقة قد أثرت كثيراً في عمليات النقل، وخصوصاً تلك التي تحدث في سوريا، إذ إن معظم الشاحنات تأتي من مدينة درعا، وهو ما أثر كثيراً في رفع تكاليف النقل، وأضاف إن الضريبة الخاصة بالمازوت، والمفروضة من قبل السلطات السورية على الشاحنات والبالغة 500 دولار عن كل شاحنة خفضت الى نحو 2000 ليرة، ونحن نشكر كل من ساهم بمعالجة هذا الموضوع، لأن من شأنه تحريك الشاحنات.
ولفت ترشيشي الى أن ارتفاع تكلفة النقل قد أدى الى انحسار حركة التصدير للمنتجات الزراعية، وهذا ما أدى الى كساد داخل لبنان، وبدوره قد أدى الى انخفاض الأسعار الى ما دون التكلفة، وهذه أول خسارة للمزارع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.