قررت اتحادات النقل البري ليل أمس تعليق الإضراب الذي كان مقرراً اليوم (الخميس) بعد قبولها بعرض وزيرة المال في حكومة تصريف الأعمال ريّا الحسن، التي أسدلت الستار على المشهد الأخير للمسار التفاوضي مع اتحادات النقل البري، بعد أن أبلغتها أنها، وفي ضوء مشاوراتها مع المسؤولين المعنيين في الدولة، تبدي استعداد الوزارة لتوفير دعم لكل سائق سيارة عمومية أو صاحب شاحنة بقيمة 12 صفيحة ونصف صفيحة شهرياً (أي ما يوازي 450 ألف ليرة شهرياً للآليات العاملة على البنزين)، مدة 3 أشهر، قابلة للتجديد لـ3 أشهر أخرى في حال عدم تأليف الحكومة الجديدة، أو في حال عدم انخفاض سعر صفيحة المحروقات الى ما دون 25 ألف ليرة.
وأملت الوزيرة الحسن أن يحظى هذا الحل بقبول الاتحاد، مذكرة بأن هدفه ليس دعم السائقين فقط، بل تجنب رفع تعرفة وسائل النقل المشترك التي تستخدمها شريحة كبيرة من المواطنين اللبنانيين، ولا سيّما من ذوي الدخل المحدود والمتوسط الذين هم بحاجة فعلية الى الدعم.
وفي ضوء تحرك وزيرة المال قال رئيس اتحاد السائقين العموميين عبد الأمير نجدة في اتصال مع المستقبل، إن النقابات قررت تعليق الاضراب، بعد المبادرة الايجابية لوزيرة المال.
وكان يوم أمس، يوماً ماراتونياً إن كان بالنسبة للدولة التي عقدت اجتماعاً مع هذه الاتحادات أو على صعيد التحرك النقابي المزمع اليوم، بعد اجتماع عقدته قيادات نقابات النقل البري احتجاجاً على عدم تثبيت سعر صفيحة البنزين عند سقف 25000 ليرة والمازوت عند 20000 ليرة لسائقي العمومية والصهاريج، ويأتي الحل الانقاذي الذي اجترحته الوزيرة الحسن، في ظل وضع سياسي ومالي معقد تشهده البلاد منذ الانقلاب الأكثري الجديد، ويأتي في ضوء الإمكانية المسموحة أو المتاحة لحكومة تصريف الأعمال، وهذا ما لفتت اليه الوزيرة الحسن، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة المدة الزمنية المفتوحة وتحديداً الى نهاية العام الجاري، التي كانت تطالب بها اتحادات النقل البري، والتي أبدت ليونة إزاء الطرح الجديد، إلا أنها تركت الباب موارباً للاحتمالين معاً: الاضراب أو تعليقه وفقاً لما ترتأيه الهيئات العمومية لهذه النقابات.
ومع اعتراف وزيرة المال بأن تقديم الدعم للسائقين العموميين بأنه لا يمكننا اليوم في ظل عدم وجود حكومة تجتمع، ايجاد مداخيل بديلة لتغطية هذا الدعم، إلا أن المشاورات النقابية كانت تطالب بالمزيد من الوقت، وفي هذا الإطار يمكن ملاحظة أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة سعد الحريري، لا تزال تسجل النقاط الايجابية تلو الأخرى، المرة الأولى عندما خفضت سعر صفيحة البنزين 5000 ليرة، والثانية عندما قررت الوقوف الى جانب هذه الشريحة الاجتماعية وانقاذها من براثن الغلاء، ويحفظ معها ذوي الدخل المحدود، في وقت ما تزال فيه الأكثرية الجديدة التي ستشكل الحكومة العتيدة تتناتش على المغانم والحصص، بدون النظر الى ما آلت اليه أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى أي حال، فإن دعم السائقين العموميين، يفرض ايقاعاً مختلفاً عما سبق، خصوصاً وأن قطاع النقل البري في لبنان، يعاني فوضى عارمة، منذ العام 1975، ويؤثر سلباً في الاقتصاد الوطني، فضلاً عن المضاعفات السلبية التي تتركها بصماتها على السائقين العموميين، ومن شأن الخطة أن تضبط القطاع، خصوصاً وأن سوق النقل العام في لبنان، تشهد موجة تزوير وغش للوحات العمومية، إذ توجد نحو 22000 ألف لوحة عمومية غير شرعية للسيارات الصغيرة، و2000 لوحة للفانات، ونحو 1500 لوحة لباصات الـ24 راكباً، مقابل 33000 لوحة عمومية شرعية للسيارات الصغيرة، و4000 لوحة للفانات و2000 لوحة لباصات 24 راكباً، فعلى الرغم من الجهود من الضوابط والجهود التي تقوم بها كلاً من وزارتي الداخلية والنقل لضبط الفوضى لجهة السيارات المزورة والتي تعمل على المازوت، إلا أنّه يمكن إعادة التأكيد أن الفوضى لا زالت قائمة وعلى كل الأراضي اللبنانية من دون استثناء، وعليه فإن المطلوب التحرك لوقف هذه الفوضى ورسم لوحة منظمة لهذا القطاع، إن لجهة ضبط المزور من السيارات أو لجهة وضع تعرفة عادلة تأخذ في الحسبان وضع أصحاب الدخل المحدود والفقراء.
يوم ماراتوني ينتج الحل
وشهد يوم أمس تحركاً مارتونياً لاتحاد النقل البري، تحضيراً للاضراب الذي كان مقرراً اليوم، قبيل وصول المفاوضات الى النتيجة الايجابية وإلغاء الإضراب، وكانت اتحادات ونقابات النقل البري، أعادت التأكيد في مؤتمر صحافي ظهر أمس، أن الاضراب سيكون سلمياً وديموقراطياً، وتحدث فيه كل من النقباء بسام طليس وعبد الأمير نجدة. شرحا خلاله أهداف الاضراب، مؤكدين في الوقت عينه لاستكمال الحوار مع كل الوزراء والمسؤولين المعنيين بعيداً عن أي اصطفافات سياسية.
وفيما العزم كان قائماً لدى قيادات نقابات النقل للاضراب وتحديد مساراته وتجمعاته، عقد اجتماع طارئ بعيد المؤتمر الصحافي لهذه القيادات، في وزارة المال بين الوزيرة الحسن واتحاد نقابات النقل البري، أعلنت الوزيرة الحسن في أعقابه أنها توصلت مع الاتحاد، الى حل وسط يقضي بتوفير دعم لكل سائق سيارة عمومية أو صاحب شاحنة بقيمة 12 صفيحة ونصف صفيحة شهرياً، لكنها أوضحت أنها ستدرس مع رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال، ما إذا كان يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تلتزم تقديم هذا الدعم حتى آخر السنة، كما اشترطت النقابات. وأكدت النقابات أنها ماضية في اضرابها المقرر اليوم، ما لم تحصل على رد من الحسن أمس، أو في حال لم يكن الرد يلبي شرطها.
وقالت الحسن إن الاجتماع شهد حديثاً في العمق. وأضافت نحن كنا طرحنا دعماً قدره ست صفائح محروقات في الشهر لأصحاب السيارات العمومية، في حين أن النقابات أعلنت بعد اجتماع لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية أن مطلبها هو 15صفيحة في الشهر، وقد توصلنا اليوم، بعد مفاوضات صعبة، الى حل وسط يقضي بأن يكون الدعم بقيمة 12 صفيحة ونصف صفيحة شهرياً لكل سائق سيارة عمومية وصاحب شاحنة، لكن البحث لم ينته لأننا يجب أن ندرس آلية التنفيذ التي سنتبعها، وهل نستطيع كحكومة تصريف أعمال أن نلتزم للأشهر المقبلة.
وأضافت عرضنا أن نعطي السائقين مبلغ الدعم مسبقاً لثلاثة أشهر، على أن نعيد النظر بعدها في هذه الآلية، ولكن هم يطالبون بأن يكون ثمة التزام لمدة أطول، ولا يمكنني أن أتخذ من تلقائي قراراً كهذا، إذ يجب أن أعرض الأمر على رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال لندرس ما اذا كنا نستطيع كحكومة تصريف أعمال أن نلتزم مدة أطول. وأوضحت سأدرس مع المعنيين ما اذا كان يحق لنا كحكومة تصريف أعمال ان نلزم الحكومة المقبلة لفترة طويلة حتى آخر السنة، وسأطلع النقابات على الجواب في هذا الشأن، وآمل في أن أتمكن من اعطائهم الجواب اليوم، لكي يقرروا على اساسه.
ثم تحدث نجدة، فقال سنجتمع الليلة بعد أن تعطينا الوزيرة الموقف النهائي بالنسبة الى المدة التي سيستفيد فيها السائقون من الدعم، وفي ضوء رد الوزيرة سيتحدد موقف الجمعيات العمومية مما اذا كان يوجد اضراب غداً (اليوم) أم لا، ونأمل أن تصل الى حل، وسنكون متجاوبين معه.
وتحدث رئيس اتحاد الولاء للنقل والمواصلات عبدالله حمادة فشرح أن القرار في شأن كل ما طرحته وزيرة المال، يتخذ بالرجوع الى الجمعيات العمومية. وأضاف كل ما طرح مجرد أفكار ولم نوقع أي اتفاق، وكنا نفضّل أن نحصل على تثبيت نهائي لسعر صفيحة المحروقات ليطال جميع المواطنين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.