يختلط نابل الكهرباء بحابلها، في ما يتعلق بمشكلاتها الرئيسية والتفصيلية، على أن ارتفاع أسعار النفط عالمياً الى ما فوق 120 دولاراً، سيزيد الأمور تعقيداً لجهة تكلفة الانتاج المقدرة بما لا يزيد على 1,7 مليار دولار للعام الجاري، علماً أن ذلك لن يؤمن الكهرباء 24/24 ساعة، فالاتجاه في فصل الذروة أي فصل الصيف الى التقنين، حيث يزيد الطلب عن 2600 ميغاوات في حين أن ما تيسره المعامل لا يزيد عن 1400 ميغاوات بما فيها الكهرباء التي يشتريها لبنان من سوريا والمقدرة بين 120 و150 ميغاوات، على أن الكهرباء المنتجة في معمل دير عمار (نحو 200 ميغاوات أي نصف قدرة انتاجه) بواسطة الغاز الطبيعي الآتي من مصر عبر الأردن الى سوريا وصولاً الى شمال لبنان، قد توقف منذ تشرين الأول (أوكتوبر) 2010، بفعل مجموعة عوامل ليس العامل المادي إلا جزءاً منها.
فالفراغ الحكومي الذي أنتجته الأكثرية الجديدة بفعل إنقلابها على حكومة الرئيس سعد الحريري وتحويلها الى حكومة تصريف أعمال، وعدم قدرة هذه الأكثرية من الانتقال من عملية التفكيك الى التركيب، وضع البلاد بمرافقها الاقتصادية وغير الاقتصادية في دوران مطحنة الانتاج على فراغ، وما نداء الهيئات الاقتصادية يوم الأربعاء إلا صرخة ستردد أصداءها جهات عدة في المستقبل القريب، لأن لا شيء يبشر باقفال هذه المرحلة ما دامت الظروف الاقليمية والمحلية تعيش على صفيح سياسي وأمني ساخن، لا أحد يستطيع الجزم بنتائجها.
فوزارة الطاقة والمياه التي أصدرت بيانات عدة تحمل وزارة المال، مسألة عدم دفع مستحقات الغاز المصري والبالغة نحو 27 مليون دولار بالإضافة الى مليوني دولار مستحقات نيسان (أبريل)، مما تسبب بانقطاع الغاز المصري عن معمل دير عمار، هو تصويب في غير مكانه، خصوصاً وأن جبران باسيل وزير الطاقة المستقيل، يعلم أنه جزءٌ من المشكلة السياسية التي تسببت بالأزمة الاقتصادية ومنها على وجه التحديد أزمة دفع مستحقات الغاز المصري، هي بانتظار رد مجلس ديوان المحاسبة، لأن حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها أن تأخذ قراراً بدفع هذه المستحقات، أما المليونا دولار مستحقات شهر نيسان فقد دفعتا منذ أسابيع.
على أن الأمر المالي، لا يعدو كونه جزءاً من المشكلة وليس كلها، فلبنان بدأ باستجرار الغاز المصري في النصف الأول من تشرين الأول (أوكتوبر) 2009، بموجب العقد اللبناني الموقع مع مصر، والذي ينص على بدء الضخ بمعدل نصف الكمية المتفق عليها اي 900 ألف متر مكعب لترتفع الى 1800 مليون متر مكعب في المرحلة الثانية، أي نحو 600 مليون متر مكعب سنوياً لمدة 15 سنة قابلة للتجديد.
وفي كانون الثاني (يناير) 2009، جرى الاتفاق على توصيل الغاز المصري إلى لبنان من خلال المبادلة مع الغاز السوري بمعدل مليون قدم في اليوم، وفي حزيران (يونيو) جرى التوصل إلى اتفاق، ووقّع البلدان اتفاقية الاستجرار ابتداءً من آب (أغسطس) 2009 لتشغيل نصف معمل البداوي (26 مليون قدم مكعب) على أن تُزاد هذه الكمية مستقبلاً لتشغيل كامل معمل دير عمار (60 مليون قدم مكعب). ويقدر الوفر المحقق من خلال نصف الكمية المتفق عليها مع مصر، ب 10 ملايين دولار شهرياً، وبالامكان تحقيق 20 مليون دولار وفراً فيما لو تم سحب كامل الكمية التي يحتاجها معمل دير عمار، أي نحو 240 مليون دولار سنوياً. ويقدر سعر كل مليون وحدة حرارية (BTU) بنحو 3 دولارات واصلة الى لبنان، بحسب مصادر في القطاع النفطي اللبناني، مشيرة الى أن هذا رقم تقديري لأن الرقم يظل سرياً بين الطرفين المتعاقدين.
لماذا انقطع الغاز المصري عن لبنان؟
في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، اندلعت الثورة المصرية، وأسفرت عن تبديل في السلطة، الأمر الذي أثر ليس فقط في عمليات التزويد بالغاز الطبيعي، بل بامكان إعادة النظر في الأسعار المعطاة للدول المستوردة للغاز المصري، ومنها إسرائيل والأردن وسوريا ولبنان، ففي 12 نيسان (أبريل) الماضي، قال وزير البترول المصري عبد الله غراب، إن بلاده تبيع الغاز المصدر لإسرائيل حاليا بنحو ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، مؤكدا أنه تتم المراجعة الدورية للسعر وفقا للمتوسط العالمي. وأشار غراب إلى إمكان تعليق الاتفاقية إذا لم تلتزم الدول المستوردة بالأسعار العالمية. وفي السياق ذاته، قال تقرير للنائب العام المصري إن البلاد خسرت نحو 14 مليار دولار بسبب التعاقدات التي تمت لتصدير الغاز للعالم. وتنتج مصر 6.3 مليارات قدم مكعب من الغاز يومياً، ويجري نقل كميات من الغاز بالأنابيب إلى الأردن وإسرائيل، مع مفاوضات لبيعها إلى دول أخرى.
على أن الأمر الآخر المتعلق بانقطاع الغاز المصري الى لبنان، يتعلق أيضاً بمسألة تفجير في أحد فروع خط الأنابيب في أول شباط (فبراير) الماضي، الذي ينقل الغاز ويمر عبر شمالي شبه جزيرة سيناء، أي في الفرع الذي يوصل الغاز الى الأردن ومنه الى سوريا ولبنان، وعليه تم تعليق ضخ إمدادات الغاز المصري إلى إسرائيل والأردن وسوريا بعد الانفجار.
وفي أواخر نيسان (أبريل) الماضي، نسف مجهولون خط أنابيب يمر في شبه جزيرة سيناء وينقل الغاز المصري الى اسرائيل والاردن. وقد أثّر الهجوم في تدفق الغاز الى اسرائيل والاردن، وهو ما دعا السلطات المصرية الى إغلاق المصدر الرئيسي للغاز الذي يمد خط الانابيب.
أما السبب الآخر، الذي يتذرع به باسيل وهو مسألة ال27 مليون دولار، فتوضح الكتب التي ردت فيها وزيرة المال عليه، أن ضربني وبكى وسبقني واشتكى مبدأ كرر باسيل استخدامه علماً أن الكتب المرسلة من قبل وزير الطاقة المستقيل تدينه، فمنذ أوائل نيسان الماضي وباسيل يطالب وزارة المال بدفع مستحقات الغاز المصري، وكان جواب وزيرة المال ريّا الحسن، حاسماً لجهة أن إهدار المال العام ناجم عن تأخر وزارة الطاقة في إرسال الفواتير والمستندات المتعلقة باستجرار الغاز المصري الى وزارة المال، وأشارت في رد مفصل الى أن وزارة المال تسلمت معاملة تتعلق بفواتير استجرار الغاز الطبيعي من مصر، بموجب كتابي وزارة الطاقة والمياه الرقم 443/غ تاريخ 1/9/2010 والرقم 490/غ تاريخ 26/11/2010، مرفقة بفواتير عن الفترة الممتدة من 1/9/2009 حتى أيار 2010 وقد بلغ مقدارها 36,868,028.13 دولار، أي بتأخير يراوح بين 3 و15 شهرا، ولما كانت هذه الأعباء تقع على عاتق مؤسسة كهرباء لبنان ولا يمكن لوزارة المالية سدادها نيابة عن المؤسسة من دون تفويض من مجلس الوزراء، رفعت وزارة المالية إلى مجلس الوزراء طالبة تفويض وزير المالية سداد مستحقات فواتير استجرار الغاز الطبيعي من مصر بمواعيدها، والتي على أساسها صدر قرار مجلس الوزراء الرقم 1 تاريخ 15/12/2010، وبادرت وزارة المالية، وبناء على الكتب الصادرة إلى سداد مبلغ 34 مليون دولار من أصل قيمة هذه الفواتير،(مبلغ 16 مليون كدفعة أولى إضافة إلى مبلغ 12 مليون دولار يمثل دفعات شهرية بقيمة 2 مليوني دولار بدء من 1/6/2010، ومبلغ 6 ملايين دولار عن الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2011) أما الرصيد المتبقي أي 2،868،028،13 دولار فقد دفعته وزارة المال خلال نيسان. أما بشأن الفواتير عن الفترة الممتدة من 1/6/2010 حتى تشرين الثاني 2010 وقد بلغ مقدارها 27,541,862.95 دولار أي بتأخير يراوح بين 4 و9 أشهر، وفور تسلمها تلك الفواتير، أصدرت وزيرة المال تعليماتها للبدء بتصفية وصرف ودفع قيمتها، وباشرت الإدارة المعنية إعداد المعاملة المالية اللازمة لإصدار حوالة دفع ليصار إلى تحويل قيمة المبلغ المستحق إلى الجانب المصري. وتقول مصادر مقربة من وزارة المال إن المعاملة قد أصبحت في ديون المحاسبة لإجراء اللازم وبمجرد الموافقة عليها سيتم دفعها، وقد تم تحويل الموضوع الى ديوان المحاسبة لعدم وجود حكومة.
وبالإضافة لذلك، فإن الأحداث التي تشهدها الجارة الأقرب الى لبنان، سوريا وبعض التحركات في غيرها من البلدان التي يمر بها خط الغاز المصري للوصول الى لبنان، فإن لها تأثيراتها في ضخ الغاز الى لبنان، خصوصاً وأن حادثة ضرب خط الغاز في العريش تكررت مرتين منذ بداية العام الجاري.
وقال رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة النيابية النائب محمد قباني، أن باسيل يحب الأخذ والرد في هذا الموضوع، وقد أوضحت الوزيرة الحسن خلال ردين على كتب باسيل أسباب تأخر دفع مبلغ ال27 مليون دولار. وكانت وزارة المال قبل يومين قد ردت على باسيل مرة ثالثة في نفس الاطار.
ولفت الى انقطاع الغاز المصري عن لبنان يتعلق بالمسألة السياسية في مصر وإعادة درس التعرفات المتعلقة ببيع الغاز ولا سيما مع إسرائيل، على أنه على لبنان الانتظار حتى يتم انتخاب رئيس لمصر وانتخاب مجلس نواب جديد، أي الانتظار حتى اكتمال العملية السياسية، ويتوقع أن تعيد مصر الكثير من الترتيبات والدراسات الخاصة باتفاقاتها الاقتصادية ومنها على وجه التحديد مسألة تصدير الغاز الذي تحتاجه مصر بالدرجة الأولى، وأكد أن الوضع السياسي في دول المنطقة يؤثر في عمليات التصدير.
ولفت قباني الى وصول الغاز المصري الى لبنان، لا أساس مالياً له، وعلى الوزير أن يقرأ ردود وزارة المال وكذلك لجنة الأشغال التي جاوبته 4 مرات. لافتاً الى أن باسيل يدور في حلقة مفرغة حول هذا الموضوع.
وعليه، فإن ترداد باسيل منجزات حققتها الوزارة لا تخرج عن نطاقها الحبري والورقي، يؤكد أن ليس بالكلام أو اتهام الآخرين بالتقصير تأتي الكهرباء أو تحل قصة الغاز المصري.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.