لم يعد خافياً على اللبنانيين، أن مبدأ عنزة ولو طارت هي شعار جبران باسيل وزير الطاقة والمياه المستقيل، كون الأمور لا يستقيم عودها ولا تصطلح أمورها، إلا وفقاً للرؤية التي يراها من زاويته الشخصية، محاولاً تدعيمها بالرأي الصادر عن ديوان المحاسبة، وهو ما ترجمه بعدم توقيع جدول تركيب الأسعار الأسبوعي، فردت عليه الشركات المستوردة للمحروقات، بعدم توزيع مادة البنزين أمس على محطات الوقود، التي استنفدت كميات كبيرة ما تسبب باقفال بعضها.
وفيما هلّل جبران باسيل وفريقه لما أسموه الحسم في معركة البنزين، فإن صدى التهليل المزيف واجهته واقعية وزيرة المال ريّا الحسن، التي ردت على استناد باسيل على رأي ديوان المحاسبة، وقالت إن الطرح الذي تقدم به باسيل ليس الرأي الصائب، متهمة إياه بتصعيد الأزمة، مؤكدة أن رأي الديوان غير ملزم أو جازم وهو استشاري.
وكان الفريق الاعلامي لباسيل، قد أوعز في بيانين أصدرهما تباعاً أول من أمس، الى الشركات والمجلس الأعلى للجمارك ووزارة المال، بتنفيذ الخفض، متجاهلاً وبشكل متعمد أن رأي الديوان استشاري، وغير إلزامي أو جازم، موضحاً أن أي كلام آخر عن موافقة استثنائية أو مرسوم جوال هو من باب الهرطقة، ويعرف كل قانوني بأنه لا مكان لذلك لا في الدستور ولا في القانون، محملاً المجلس الأعلى للجمارك ومن ورائه وزارة المال مسؤولية عدم تطبيقهما هذا القرار.
لكن فلسفة باسيل يجهضها رأي ديوان المحاسبة، وهو ما يعرفه عندما أصدر البيانين المذكورين، حاذفاً منهما أداة الشرط التي أوردها رأي الديوان ....وبما أنه ولئن كان الأمر كما تقدم، فإن خفض رسم الاستهلاك الداخلي يمكن ان يؤدي الى خفض إيرادات الدولة وزيادة العجز، الأمر الذي ينبغي تحديده بدقة قبل تقرير المناسب، لدراسة مدى اعتباره داخلاً في مفهوم إطار تصريف الأعمال، وهذا ما استندت إليه وزيرة المال ريّا الحسن، في ردها الواضح والصريح على الطريقة الشعبوية التي سوق لها باسيل، رأي ديوان المحاسبة. إذ أن الخسائر التي ستتحملها الدولة من جراء الخفض تصل الى أكثر 400 مليار ليرة، والتي من شأنها أن تزيد العجز المالي للدولة في حال لم تجد بديلاً يسد مكان الخفض.
أما الأمر الثاني وهو لا يقل أهمية عن الأول، فهو أن مجلس الوزراء كان قد حدّد في جلسته المنعقدة في 23/1/2009، رسم الاستهلاك الداخلي والرسم الجمركي على سعر صفيحة البنزين، إذ قرر المجلس الموافقة على الابقاء على القيمة الحالية لرسم الاستهلاك الداخلي على سعر صفيحة البنزين والبالغة 9480 ليرة لصفيحة البنزين عيار 98 أوكتان و9530 ليرة لصفيحة البنزين عيار 95 أوكتان. ولذلك فإن أي تعديل أو الغاء لهذا القرار لا يتم إلا بقرار مماثل يتخذ في مجلس الوزراء.
وعلى الأرض، ترجم قرار باسيل بعدم إصدار الجدول، بأزمة دفعت تجمع الشركات المستوردة الى طلب لقاء عاجل مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، لبحث الأزمة القائمة. وقالت مصادر في التجمع إن ميقاتي كان متفهماً للموضوع وللأزمة القائمة، بيد أنه أوضح أنه لا يملك صلاحيات حول هذا الموضوع، وأن حل المشكلة برسم باسيل، وأضافت هذه المصادر أن الشركات لن توزع طالما أن باسيل لم يصدر الجدول، لافتةً الى أن الشركات ومنذ 4 أسابيع وقعت في خسائر بمئات آلاف الدولارات، وأردفت قائلة إن التجمع واضح لن يوزع البنزين، في ظل غياب جدول تركيب الأسعار.
وعلمت المستقبل ليلاً ان المحطات في اكثر من منطقة لبنانية توقفت عن بيع البنزين.
وفي هذا الوقت، التقى محمد الصفدي وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، وفداً من نقابة أصحاب محطّات المحروقات برئاسة سامي براكس، الذي تمنى على الوزير التدخّل لدى المسؤولين لإعطاء أصحاب المحطات مُهلة أسبوع على الأقل في حال اتخذ قرار خفض رسم الاستهلاك على المحروقات، ليتسنى للمحطات بيع مخزونها، وبالتالي تفادي أي خسائر قد تنتج عن تغيير في الأسعار.
ورسم مستشار أصحاب محطات المحروقات فادي أبو شقرا، صورة قاتمة لسوق المحلية أمس، فأشار الى عدم تسليم الشركات مادة البنزين الى السوق المحلية، وقال إن السوق ستواجه أزمة في ما لو استمر باسيل على موقفه، وهو ما سيؤدي الى اقفال المحطات، وإحداث خسائر فادحة، فيما سيواجه 4،5 ملايين لبناني الأزمة على وقع وضع اقتصادي سيئ وتعقد تشكيل الحكومة.
وأكد أبو شقرا، أن المحطات ستستمر ببيع مادة البنزين حتى نفاد الكميات المخزنة، وبعدها سنذهب الى أزمة، إذا لم يوضع حل.
وتستهلك السوق المحلية نحو 6 ملايين ليتر يومياً من مادة البنزين، فيما تدر على الخزينة ما يقارب المليار دولار سنوياً، وحتى الآن تسبب اقتراح باسيل بخفض الرسم الضريبي، الى بلبلة في سوق المحروقات، وإقدام المحطات على بيع كامل المخزون الاحتياطي لديها خوفاً من خفض مفاجئ للضريبة. وتراجع منسوب سحب المحروقات من الشركات، أدى الى ارتفاع نسبة المخزون في مستودعاتها. وتأثر برنامج الإستيراد الذي تعدّه الشركات سنوياً بالتعاقد مع المصافي الموردة. وانخفاض حجم طلب المستهلكين، في انتظار البت بموضوع الضريبة.
الحسن: رأي ديوان المحاسبة غير ملزم
وفي هذه الأثناء، أكدت الوزيرة الحسن، أن خطوة باسيل المتمثلة في خفض صفيحة البنزين 3000 آلاف ليرة لبنانية غير قانونية، وقالت إنها تخالف قرار مجلس الوزراء القاضي بتثبيت رسم استهلاك البنزين وترتب انعكاساً مالياً كبيراً على الإقتصاد اللبناني. وأوضحت أن المجلس الأعلى للجمارك لا يستطيع تنفيذ هذا القرار، لأن هناك قراراً واضحاً في مجلس الوزراء صادر في العام 2009، من هنا لا يمكن للمجلس الأعلى للجمارك المضي في رأي ديوان المحاسبة، وقالت لذلك يجب طرح الموضوع عندما تتألف الحكومة الجديدة التي يمكنها البت بالأمر. ولفتت الى أن قرار وزارة المال بخفض سعر صفيحة البنزين 5000 ليرة لا زال قائماً، مشيرة الى أن البيان الذي صدر عن باسيل واستند فيه الى رأي ديوان المحاسبة، إذا كان هذا هو الطرح القانوني السليم فنحن سنخفض، ونحن كنا نطرح خفضاً بأكثر من 3000 ليرة، وهو أكثر من الطرح الذي تقدم به وزير الطاقة، وأوضحت لقد قرأنا رأي الديوان، وهو رأي سليم، حيث قال أن المرسوم 12480 لا يلغى إلا بمرسوم آخر، وهذا صحيح، ولكن يجب أن أوضح أن المجلس الأعلى للجمارك، لا يستطيع تنفيذ هذا القرار، لأن هناك قراراً واضحاً من مجلس الوزراء صادراً في 2009، حيث يقول أن رسم الاستهلاك هو رسم ثابت، ورأي الديوان لا يستطيع المجلس الأعلى للجمارك، أن يسير فيه لأنه لا يستطيع أن يتغاضى عن قرار مجلس الوزراء، ومن هنا يجب أن يطرح الموضوع عندما تكون هناك حكومة التي تستطيع البت فيه، ومن هنا أنا لا أستطيع أن أفرض على الجمارك أن ينفذ قراراً يتعارض مع قرار مجلس الوزراء.
وإذ أكدت الوزيرة الحسن أننا لا نريد أن تتفاقم الأمور على صعيد البنزين، قالت إن وزارة المال ليست هي من لا يصدر جدول تركيب الأسعار، والاجراء الذي يقوم به وزير الطاقة هو الذي يصعّد، ويحدث ارباكاً في السوق، وأضافت قدمنا طرحاً لخفض رسم الاستهلاك 5000 ليرة، وهذا الطرح لأنه لا توجد هناك حكومة والبارحة اجتمعت مع رئيس الجمهورية، وقد بحث معي في الأمر، وقد أخذ قرار بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بأن يأخذوا رأي هيئة التشريع والاستشارات، التي هي الهيئة المعنية لاعطاء رأي بالموضوع، واذا كنا نستطيع أن نأخذ هكذا قرار في حكومة تصريف الأعمال، وهذا هو الاجراء القانوني الذي نستطيع أن نأخذه، ونتمنى أن تعطي هيئة التشريع رأيها، واذا كان رأيها ايجابياً فسنخفض سعر الصفيحة 5000 ليرة. والموافقة الاستثنائية تأتي من رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال، الذين ارتأيا أنه بوجود ظرف استثنائي ليس فيه حكومة، فيجب اتخاذ قرار مسند الى هيئة استشارية وهذه الهيئة هي هيئة التشريع والاستشارات، لأخذ رأيها اذا كنا نستطيع أن نأخذ قراراً استثنائياً. واذا كان رأيها ايجابياً فبأسرع وقت ممكن سيؤخذ قرار استثنائي من رئيس الجمهورية والحكومة وتعطي ساعتها أمر التنفيذ للجمارك، واذا لم تعطِ رأياَ ايجابياً سننتظر تشكيل الحكومة لاعطاء وضع قانوني، والطرح الذي تقدم به باسيل ليس الرأي الصائب، وطرحنا هو الصائب، ونتمنى أن يصدر قرارها سريعاً. ولفتت الحسن الى أن رأي ديوان المحاسبة يؤشر الى أن هناك تكلفة كبيرة على الاقتصاد، بمعنى القيام بدراسة قبل اتخاذ القرار، ورأيه غير ملزم، ولم يجزم فهو يقول حكومة تصريف أعمال، فرأي الديوان غير جازم بهذا الموضوع وهو رأي استشاري. وسنعرض الموضوع على هيئة التشريع لاتخاذ القرار المناسب.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.