رمى جبران باسيل وزير الطاقة والمياه المستقيل، قنبلة البنزين الملتهبة، في وجه 4،5 ملايين لبناني، وذلك من خلال عدم توقيع جدول تركيب الأسعار الأسبوعي، حتى بعد ظهر أمس، وهو ما رد عليه تجمع الشركات المستوردة بعدم تزويد السوق المحلية بهذه المادة ، محولاً مقولاته بهذا الشأن الى ما يشبه الآيات المقدسة، إما رضوخ المجلس الأعلى للجمارك بالخفض الذي اقترحه أي 3300 ليرة، وإما عدم التوقيع على جدول الأسعار، دافعاً بالأزمة الى الأمام، وكأن المراد تحقيق أهداف سياسية في مرمى وزيرة المال ريّا الحسن عبر مرسومها الجوال لخفض 5000 آلاف ليرة على الصفيحة، وفقاً لما يقتضيه القانون في مثل هذه الحالات.
واستدعت الأزمة التي افتعلها باسيل أمس، مشهداً غاب مدة طويلة عن أذهان اللبنانيين، فجحافل السيارات تكدست أمام محطات الوقود، خوفاً من نقص الامدادات، وهو ما دفع بالوزيرة الحسن الى إعلاء نبرتها تجاه باسيل، التي توجهت له بالقول أَصدِر الجدول حتى نتمكن من الحصول على الموافقة الاستثنائية. انها الطريقة التي تخدم الناس، أما طريقة الضغط التي لا توصل الى مكان، ولا أعرف ما هو هدفها.
ومع حجم الضغوط التي شهدتها السوق المحلية للمحروقات وارتفاع نبرة المنتقدين المعنيين لقرارات باسيل، لم يجد وزير تكتل الإصلاح والتغيير، سبيلاً للخروج من الورطة إلا بالتوقيع على جدول تركيب الأسعار، مغلفاً القرار بالتلطي وراء حجج ضعيفة أعاد تكرارها مراراً الدفاع عن مصالح المواطنين، لكنه أضاف اليها تهديداً الى المجلس الأعلى للجمارك، متوعداً بمقاضاته لأنه لم يخالف القانون.
مشاهد بؤس
ويبدو أن باسيل من خلال عدم توقيعه حتى بعد ظهر أمس، على جدول تركيب الأسعار، اراد تحويل المشهد الى ملهاة اجتماعية، لتحويل الأنظار عما يعتري تشكيل الحكومة العتيدة من تعقيدات، وكأنما لا يكفي الناس الضغط الاقتصادي والسياسي الذي يعانونه.
وقال مستشار أصحاب المحطات فادي أبو شقرا المحطات تبيع الآن المخزونات الموجودة لديها، ومن المؤكد أننا دخلنا في الأزمة التي كنا نحذر منها، ووصف الاقبال على محطات الوقود بالتهافت خوفاً من نقص البنزين، وأكد أن الشركات المستوردة ومحطات الوقود لا تريد أن تكون مكسر عصا، نحن لن ندخل في أسباب عدم توقيع الوزير باسيل على جدول تركيب الأسعار، لأن ما يهمنا هو أمن المواطن.
وقال نقيب أصحاب المحطات سامي البراكس إن المخزون في المحطات لا يكفي أكثر من 24 ساعة....ولن يكون هناك بنزين بدءاً من غد الأحد، ووصف الوضع الحالي بالضبابي. وفي لبنان نحو مليون آلية تعتمد وقود البنزين.
وفي بيان توضيح لما يحصل، قالت نقابة أصحاب محطات المحروقات إن أسباب أزمة البنزين مردها الى الأزمة السياسية بين وزير الطاقة المستقيل ووزيرة المال ريا الحسن، مما أدى الى لجوء أصحاب المحطات لبيع مخزونهم من البنزين، خوفاً من الخسائر التي سيتكبدونها من جراء الخفض وعدم صدور جدول الأسعار، مما أدى الى امتناع الشركات المستوردة من تسليم محطات البنزين، وهو ما أدى الى نفاد الكمية الموجودة لدى المحطات، التي توقف بعضها عن تسليم المواطنين وستتوقف الأخرى بمجرد نفاد الكمية، وإذ دعت الى إصدار جدول تركيب الأسعار، حذرت المحطات من تعميق الأزمة بالتزامن مع اقفال المؤسسات والادارات الرسمية مدة 3 أيام.
باسيل يتقهقر تحت الضغوط
لكن الأزمة عادت الى الانحسار في ساعات ما بعد ظهر أمس، مع توقيع باسيل على جدول تركيب الأسعار العائد للمحروقات، مع ارتفاع حجم الضغوط، وقد ابقى فيه على سعر البنزين 95 و 98 اوكتان العائد للأسبوع الماضي دون اضافة مبلغ 100 ليرة على صفيحة 98 اوكتان و 200 ليرة على صحيفة 95 اوكتان، كما هو مفترض باتباع القواعد المعمول بها في وضع الأسعار.
وقال بيان لوزارة الطاقة، إن الوزير قام بهذا الاجراء كتدبير مؤقت بانتظار تقيّد المجلس الأعلى للجمارك بالقرار الصادر عن وزارة الطاقة والمياه بحسب المرسوم 12480 والقاضي بخفض رسم الاستهلاك الداخلي على البنزين 95 و 98 وهو الأمر الذي لم يتم به حتى تاريخه المجلس الأعلى للجمارك، التابع لوزارة المالية، وهو ما يعتبر مخالفة ادارية تستوجب ملاحقة قضائية وتدابير مانعة لها. وأشار الى أن من شأن هذا الأمر ان يسمح بتسليم مادّة البنزين وبقيّة المحروقات الى السوق وبيعها بالأسعار الصادرة عن الوزارة بانتظار خفضها، ويفرض على الشركات المستوردة والمحطات البائعة للمحروقات بتسليم كل الكميّات المتوفرة لديها، خاصة في ظل سهر وزارة الاقتصاد ومصلحة حماية المستهلك على هذا الأمر.
وأكد أن هدف وزارة الطاقة الوحيد هو خفض أسعار المحروقات، وان السبيل الوحيد المتاح في الظرف الراهن لخفض اسعار المحروقات هو هذه الآلية القانونية المرتكزة على المرسوم 12480 الصادر بناءً على القانون رقم 326 تاريخ 28/6/2001. وقد وجه الوزير كتابين الى المجلس الأعلى للجمارك بهذا الخصوص بتاريخ 25 و 27/1/2011، كما وجه كتاباً الى رئاسة الجمهورية في 3/2/2011 مع نسخة عنه الى رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الحكومة المكلف ووزارة المال والمجلس الأعلى للجمارك طالباً فيه خفض الرسوم باعتماد الآلية الوحيدة المتوفرة راهناً وتحديد هذا الخفض بما يتناسب مع المصلحة العامة، كما تقدّم بتاريخ 4/2/2011 بمراجعة قضائية بهذا الخصوص. وبانتظار الأجوبة على كل هذه المراجعات.
قطع البنزين عن الناس
وفي هذه الأثناء، أكدت وزيرة المال ريّا الحسن، أن مبلغ 3000 ليرة، الذي عرضه باسيل لخفض سعر صفيحة البنزين كان يجب ان يتقدم به قبل استقالة الحكومة وبطريقة قانونية، لأن الطريقة التي تقدم بها غير قانونية. ورأت ان مبلغ 3000 ليرة لن يصمد لان سعر البنزين على ارتفاع مستمر، فاقترحنا خفضه بنسبة 5000 آلاف ليرة، رغم انها خطوة صعبة مالياً على خزينة الدولة، الا انها مع وتيرة النمو يمكنها ان تصمد اكثر، لنتمكن من مساعدة الناس اجتماعيا وهذا هو الهدف.
وتابعت الحسن كنت قد ارسلت كتابا الى الامانة العامة لمجلس الوزراء، طلبت فيه موافقة استثنائية من قبل رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال للمضي في خطوة خفض 5000 آلاف ليرة، وفي ظل عدم وجود مجلس للوزراء لا توجد طريق اخرى يمكن ان نمضي بها الا اذا اردنا انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، وصدور البيان الوزاري واجتماع مجلس الوزراء لاتخاذ هذه الخطوة بمعنى علينا ان ننتظر ربما نحو شهر او شهرين، لذلك نعتقد ان الموافقة الاستثنائية هي الحل السريع اليوم.
وسألت ماذا فعل وزير الطاقة؟ لم يصدر جدول الاسعار اليوم، فماذا استفدنا؟ لقد أبلغتني نقابة الشركات المستوردة للنفط أمس ان كمية البنزين يمكن أن تنفد خلال يوم او يومين، وبالتالي على من يضغط الوزير باسيل؟ هو يضغط على رئيس الجمهورية، ويدخلنا في ازمة بنزين طويلة عريضة واستراتيجية، وهو يقطع البنزين عن الناس ولا يصل الى نتيجة.
وتوجهت الى باسيل أَصدِر الجدول حتى نتمكن من الحصول على الموافقة الاستثنائية. انها الطريقة التي تخدم الناس، اما طريقة الضغط التي لا توصل الى مكان، فلا أعرف ما هو هدفها.
حلول أخرى
ورأى الخبير الاقتصادي مروان اسكندر، أن أزمة البنزين التي يشهدها البلد، متعلقة بأسعار البترول التي ترتفع في السوق العالمية، خصوصاً وأن 35% من سعر الصفيحة الأخير يدخل الى خزينة الدولة، ولذلك يمكن خفض الضريبة والرسوم بما لا يشكل عبئاً على المستهلك كما هو حاصل في فرنسا.
وإذ أكد أن سعر الصفيحة مرتفع، أشار اسكندر الى أن حلها ليس ب3000 أو ب5000 ليرة، وإن كان يمكن وضعه الآن كحل موقت، فالحل يكمن عبر حل أزمة السير وفرض ضرائب مرتفعة على السيارات التي تدخل الى المدينة وبانشاء شبكة نقل بمستوى عال، لأن أسعار البرميل آيلة للارتفاع بحسب الظروف وقد شهدنا وصولاً للبرميل الى سعر 148 دولاراً في تشرين الأول (أوكتوبر) 2008، وهناك توقعات بارتفاع سعر البرميل اليوم، والحل لا يجب أن ينحصر فقط بالخفض الضريبي وإنما بتحسين شبكات والمواصلات وأسطول النقل العام، وبإنشاء أنفاق للمترو تحت أو فوق الأرض، وهذا لا يشعر المواطن بارتفاع أسعار النفط إذا كانت هذه الوسائل مؤمنة وبطريقة مدروسة، وهذا يحتاج أقله الى سنتين.
وقال إن الخفض اليوم لا يؤثر في موازنة الدولة، ولكن يجب أن يكون موقتاً، بانتظار حل شامل، لأن الناس تشكو من عدم اهتمام الدولة بمطالبها.
تجمع الشركات المستوردة
اعلن رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان APIC مارون شماس، ان الشركات ستعاود تسليم المحروقات اليوم السبت كالمعتاد، جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده الشماس بعد اجتماع استثنائي للتجمع.
واعتبر تجمع الشركات المستوردة للنفط، أن البلبلة ناتجة عن سببين، عدم صدور جدول تركيب الاسعار الاسبوعي من جهة وعدم البت سلبا او إيجابا بموضوع خفض الرسوم الضريبيّة المطروحة في التداول منذ اكثر من ثلاثة اسابيع. وفي ضوء ذلك تأثّر برنامج تموين السوق الداخلية بحيث قلّ الطلب من المحطات وبالتالي تأثّر ايضا برنامج استيراد المشتقات النفطية المتعاقد عليه مع المصافي الاجنبية مما يضع السوق امام ازمة قد يتعرّض لها اذا ما استمرت الحال على ما هي عليه وهي فقدان هذه المشتقات.
وكنّا نتباحث بالموضوع تلقينا عبر وسائل الاعلام بيانا صادرا عن المكتب الاعلامي لوزير الطاقة والمياه يعلن فيه عن توقيع جدول تركيب الاسعار، وابقى فيه على اسعار البنزين دون اي زيادة.
ان مضمون هذا البيان يجيب على كل تساؤلاتنا التي اثيرت في الاسبوعين الماضيين، وان جدول تركيب الاسعار وضع بالاتفاق بين الشركات والوزارة لاستقرار السوق وعدم صدوره يؤثر في سلسلة كاملة من الاستيراد الى البيع للمستهلك.
وردا على اسئلة الصحافيين أوضح شماس ان الشركات اضطرّت للتوقف بسبب عدم بت الموضوع وما حصل اليوم ايضا هو تأجيل المشكلة ليوم الاربعاء المقبل.
وأشار شماس الى انه لا يجوز ان يكون هناك خلل في جدول تركيب الاسعار، لان له تأثير في عملية الاستيراد وتموين السوق. واكّد ان لا نيّة لدى الشركات لخلق ازمات وهي التزمت بتسليم البضائع ولكننا سنتخذ المواقف المناسبة للدفاع عن قطاعنا خصوصا واننا تجمع اقتصادي لدينا توظيفات بملايين الدولارات في استيراد المشتقات النفطية وعلى المسؤولين ان يحافظوا عليها.
من جهته تحدّث البراكس شاكرا الشركات على موقفها، مشيرا ان المحطات تجاوبت على مضض، مؤكداً ان جدول تركيب الاسعار هو ملك للشركات والمحطات وهو دستور تعمل بموجبه هذه الشركات والمحطات. واعلن البراكس اذا لم يصدر يوم الاربعاء هذا الجدول سنتضامن مع الشركات بموقف واحد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.