8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الجمارك ترد قرار باسيل بخفض سعر البنزين: لا يسعنا إجراء أي تعديل على رسم الاستهلاك الداخلي

ردّ المجلس الأعلى للجمارك، على قرار جبران باسيل وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال بشأن خفض سعر صفيحة البنزين، بالرفض، وجاء في الرد الآتي: بالإشارة الى كتابكم المنوه عنه في المرجع أعلاه رقم 2461/و، تاريخ 25 كانون الثاني(يناير) 2011، والرامي الى خفض رسم الاستهلاك الداخلي المتوجب عن مادة البنزين من عياري 98 و95 أوكتان، يفيدكم هذا المجلس أنه لا يسعه إجراء أي تعديل على رسم الاستهلاك الداخلي عن مادة البنزين، وذلك في ضوء قرار مجلس الوزراء رقم 9، تاريخ 23 كانون الثاني 2009، القاضي بالموافقة على الابقاء على القيمة الحالية لرسم الاستهلاك الداخلي والرسم الجمركي على سعر صفيحة البنزين، علماً بأنه جرى التقيد بمضمون هذا القرار الأخير منذ صدوره ولغاية تاريخه.
على أن باسيل، الذي أصدر قراره في المنطقة السياسية الرمادية، أي ما بين استقالة الحكومة، وقبل ساعات من تكليف نجيب ميقاتي بأصوات المعارضة لتشكيل حكومة جديدة، كان مبالغاً في تقدير الصلاحيات الممنوحة له، خصوصاً وأن اتخاذ قرارات بهذا المستوى، تطال صلاحيات مجلس وزراء بأكمله، فكيف إذا كان باسيل وزير تصريف أعمال؟، وهو ما دفع المجلس الأعلى للجمارك الى رد هذا القرار، وهو ما سبق أن اعتبرته وزيرة المال في حكومة تصريف الأعمال ريّا الحسن بـالخطوة غير الدستورية وغير القانونية وبالتالي لا يمكنه السير فيها، والكل يعلم ذلك حتى رئيس الحكومة المكلّف، وبأنه كان من المفترض بالوزير باسيل أن يكون على بيّنة من الأصول الإدارية الواجب اتباعها، والقاضية برفع الكتاب المذكور إلى جانب وزارة المال أو وزيرها، وبالتالي يُعتبر رفع الوزير باسيل الكتاب مباشرة إلى الجمارك مخالفاً للأصول الإدارية. في كل الحالات.
فعلى وقع المطالبة الشعبية بخفض سعر صفيحة البنزين ومشروع وزارة المال لوضع سقف لأسعار المحروقات، والتي حال دونها عدم انعقاد حكومة الرئيس سعد الحريري، أصدر باسيل قراراً وأودعه المجلس الأعلى للجمارك، لخفض سعر الصفيحة بنحو 3300 ليرة، مستنداً بذلك الى المرسوم 12480 الصادر في 26 أيار (مايو) 2004.
لكن الحيلة القانونية التي لجأ اليها باسيل، هي أضعف من أن تسلك طريقها للتنفيذ، إنطلاقاً من مجموعة عوامل، يأتي في مقدمها أن حيثية قرار الخفض استندت الى المرسوم 12480، التي كانت له ظروف انتاجه في تلك المرحلة، على أن باسيل لم يكلف عناء نفسه الى الاطلاع والغوص في القرارات التي تمت بصلة الى هذا الموضوع والتي تؤشر وبشكل واضح الى أن وزير الطاقة لا يمكنه العزف منفرداً على موضوع له تداعياته على الخزينة والمجتمع في آن.
وإذا كان الغرض من هذا القرار الشعبوية والتشهير الإعلامي بوزيرة المال أو بفريق الرئيس سعد الحريري، فإن باسيل مخطئ جداً، ذلك أن معاليه وفريق المعارضة معه داخل حكومة الرئيس الحريري، لم تعطل مشروع قرار لوزارة المال لوضع سقف لأسعار المحروقات فقط، بل مجموعة مشاريع كانت كافية لتغيير مسارات اقتصادية عدة في البلد، إلا أن سياسة التعطيل التي مهدت لعملية الانقلاب على الحكومة، هي أبلغ تعبير عن مشاريع العرقلة التي انتهجها فريق المعارضة في تلك الحقبة.
وبالعودة الى الحيثيات التي استند إليها باسيل لإصدار قراره، أي المرسوم 12480، فقد جاء في مادته الأولى الآتي :يناب المجلس الأعلى للجمارك بتعديل رسم الاستهلاك الداخلي، المتوجب عن مادة البنزين، بناءً على طلب وزارة الطاقة والمياه وقبل كل تعديل يطرأ على أسعار مبيع المحروقات السائلة. وتشير مندرجات المرسوم المذكور الى:
1-خفض قيمة رسم الاستهلاك الداخلي على مادة البنزين، بما يوازي قيمة الضريبة على القيمة المضافة المفروضة بموجب القانون رقم 273 تاريخ 14-12-2001، بحيث لا يتجاوز سعر الصفيحة الواحدة من البنزين حالياً مبلغ 23 الف ليرة كحد أقصى، والطلب الى كل من وزير الطاقة والمياه ووزير المالية، إطلاع مجلس الوزراء أسبوعياً على تطور أسعار مادة البنزين حتى يصار الى اتخاذ ما يتطلبه ذلك من إجراءات وقرارات.
2-انابة المجلس الأعلى للجمارك بالتنسيق مع وزير المالية تعديل رسم الاستهلاك الداخلي المتوجب عن مادة البنزين.
ويفهم من المرسوم المذكور، أن باسيل قد حرّف الكلامَ عن موضعه، إذ إن المرسوم لا يعطي هذه الصلاحية الى وزير الطاقة منفرداً بل بالتعاون مع وزير المال، كما أن هذه الصلاحية التي تعطى للوزيرين مجتمعين، لا بد وأن يطلع عليها مجلس الوزراء أسبوعياً، ويضاف الى هذا كله أن المجلس الأعلى للجمارك يخضع لسلطة وزارة المال لا وزارة الطاقة، وهذا الالتباس الذي وقع فيه باسيل هو التباس مقصود، كون المرسوم ومندرجاته واضحة. وقد جاء رد المجلس الأعلى للجمارك واضحاً بهذا الشأن.
على أن القرار الاعتباطي لم يستند على السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية، التي انتهجتها سياسة حكومة الرئيس سعد الحريري، كما أنها لم تأخذ بالاعتبار ما ستكون عليه السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي ستنتهجها الحكومة الانقلابية المقبلة، وهو ما أسقط هذا القرار في فخ الشعبوية المفضوحة، بعيداً عن اي فلسفة اقتصادية واضحة.
أما الأمر الثاني، فإن باسيل أخذه الشطط، حين انبرى لقرار الخفض، دون أن يأتي ببديل مادي للخسارة التي ستمنى بها الخزينة، في ما لو أخذ القرار طريقه الى التنفيذ، وهو ما من شأنه أن يسهم بتفاقم العجز المالي ومضاعفة أرقام الدين العام، إذ إنه سيحرم الدولة موارد لا تقل عن 220 مليون دولار، فكل 1000 ليرة تخفّض من سعر صفيحة البنزين تجعل الخزينة تخسر 100 مليار ليرة في السنة، خصوصاً وأن باسيل يقترح خفضاً مقداره 3300 ليرة، وهنا السؤال أين المصدر البديل لسد العجز المالي، وهذا المصدر ليس بالضرورة أن يكون ضريبة؟.
وإذا كانت الخزينة تستوفي نحو مليار دولار سنوياً، من مبيع نحو مليون و550 ألف طن من البنزين سنوياً هي حاجة السوق المحلية، فإن قرار الخفض، قد يؤدي الى خسارات أكبر، إذ إن حجم الاستهلاك هو الى ازدياد. وتشكل فاتورة البنزين نحو 35% من مجمل الفاتورة النفطية في لبنان، وتستهلك السوق المحلية ما معدله بين 250 و300 ألف صفيحة بنزين يومياً أو ما يعادل نحو 5 ملايين ليتر في اليوم.
وقال الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، إن مسألة الضرائب تتعلق بتشريعات من مجلس النواب، أما الرسوم وتعديلاتها فهي تتعلق بالقرارات التي تتخذها الحكومات، شرط أن تكون حكومة شرعية وكاملة الصلاحيات وليست حكومة تصريف اعمال، وكان من الأفضل أن ننتظر قيام حكومة جديدة للبحث بموضوع الرسوم ومشاريع القوانين الموجودة، بمعنى أن يتم التعامل مع هذه الأمور بكامل الصلاحية.
وإذا كان أمر خفض الرسوم مطلباً شعبياً، فإن قرار باسيل الذي يوقع قرارات الرفع الدورية على صفيحة البنزين، غايته ذر الرماد في العيون، ولو كان على حساب الصلاحيات والقانون. وهذا ما يمكن إدراجه في خانة المتاجرة الصرفة لعدم استناده الى العلم والحساب، وهو ما يؤسس لمرحلة قد تمس أمن الدولة الاقتصادي

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00