ارتفعت أسعار برميل النفط بشكل كبير غير متوقع، ووصلت الى مشارف ال100 دولار، ويرتبط ذلك بأساسيات سوق البترول المعتادة من عرض والطلب ومستوى المخزون، وأسباب أخرى مختلفة خصوصاً المضاربة. ولبنان من البلدان الأكثر تأثراً بصعود الأسعار، كونه بلداً مستورداً لا منتجاً، فالأمر لا ينحصر فقط بالزيادة القياسية التي تطرأ كل أسبوع على الصفيحة، وإنما تأتي مكملةً لموجة الغلاء التي تضرب السلع الاستهلاكية وحركة النقل، وهو ما يحد من القدرات الشرائية لدى المواطنين مضافاً إليها زيادة التضخم، في ظل أوضاع سياسية معقدة، وهو ما يهدد بانفلات الأمور من عقالها. وتنامي القلق إزاء تواصل ارتفاع الأسعار لا يقف عند الخبراء اللبنانيين بل يتعداه الى النطاق الدولي برمته، إذ اعتبر رئيس وكالة الطاقة الدولية نوبو تاناكا إن مستويات أسعار النفط الحالية، تدعو للقلق وستكون لها تداعيات سلبية، كما أن من شأنه الاضرار بالتعافي الاقتصادي العالمي.
وإذا كان مطلب خفض الرسوم مطلباً شعبياً، فإن الحوار هو السبيل الأنجع لا الشارع كما أعلن باسيل لـالرأي العام في السابع من الشهر الجاري عن مشاركته في أي تحرك، وأي تظاهرة ضد الحكومة التي نحن فيها لرفع الظلم. وكانت وزيرة المال ريّا الحسن قد أكدت الأسبوع الماضي أن سعر البنزين ما كان ليبلغ مستواه الحالي لو كان مجلس الوزراء ينعقد، لافتة الى أن كل 1000 ليرة من سعر صفيحة البنزين تجعل الخزينة تخسر 100 مليار ليرة في السنة، لذلك يجب إيجاد سقف آخر بعد وضع سقف لأسعار المحروقات وهذا الايراد ليس بالضرورة أن يكون ضريبة.
فمسألة الغاء الرسوم أو خفضها يضع الدولة بين فكي كماشة:
-الأول: الدولة تئن من وطأة دين يفوق ال50 مليار دولار، يسهم مبيع البنزين في السوق المحلية في رفد الخزينة بمداخيل لا تقل عن مليار دولار سنوياً، من مبيع نحو مليون و550 ألف طن من البنزين سنوياً هي حاجة السوق المحلية.
وتشكل فاتورة البنزين نحو 35% من مجمل الفاتورة النفطية في لبنان، وتستهلك السوق المحلية ما معدله بين 250 و300 ألف صفيحة بنزين يومياً أو ما يعادل نحو 5 ملايين ليتر في اليوم. ويتألف سعر الصفيحة في السوق المحلية من ثمن البضاعة، ونوعين من الرسوم الداخلية والجمركية، ومن حصة شركة التوزيع، عمولة صاحب المحطة، أجرة النقل، والضريبة على القيمة المضافة. فيما حصة شركة التوزيع، وأجرة النقل، وعمولة صاحب المحطة من الثوابت في جدول تركيب الأسعار، فإن ثمن البضاعة والرسوم والضريبة على القيمة المضافة (10%)، تتحرك وتتغير مع تغير أسعار النفط ومشتقاته في الأسواق العالمية.
-الثاني: أن الزيادة المتواصلة على سعر صفيحة البنزين مع تثبيت الرسم على 9530 ليرة مضافاً اليها رسم الTVA، بدأت ترهق المستهلكين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، وبات إلغاء الرسوم مطلباً ترفعه الحركات النقابية والعمالية، وهذا ما يسهم في تأزيم الأوضاع المعيشية مع ترافق هذه الزيادات المطردة مع زيادات لا سيما على قطاعات النقل والسلع الغذائية.
ومن هنا، فإن ارتفاعات أسعار النفط العالمية تقلق المسؤولين اللبنانيين، وتدفعهم لايجاد حلول على مبدأ لا يموت الديب ولا يفنى الغنم، وهو ما يعني البحث عن حلول تغني الخزينة ولا تحد من قدرات المواطن الشرائية.
ويرى وزير المال السابق جهاد أزعور، إن لا حل عملياً في ظل حكومة تصريف أعمال، فخفض الرسوم أو زيادتها، يتطلب مرسوماً من الحكومة، وذلك لا يمكن من الناحية العملية، وبالتالي الحديث عن هذا الأمر لا يسري وفقاً للمعطيات السياسية المستجدة على الأرض.
وبالتالي فإن تعديل الرسوم أو تغييرها، يخضع لمعايير السياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، ولا يكفي أن فلاناً يؤيد الغاء الرسوم، لأن المطلوب هو ايجاد مصدر بديل لسد العجز المالي، إذ إن الحكومة تحتاج الى تلبية مطالبها، وأي حركة عمالية مطلبية في هذا الشأن غير مجدية في ظل حكومة تصريف الأعمال.
وارتفعت أسعار البنزين الأسبوع الماضي 200 ليرة، ووصل سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان الى 36,100 ليرة، و95 أوكتان الى 35,200 ليرة، ومع بدايات العام 2010 كان سعر مبيع صفيحة 98 أوكتان قد سجل 31700 ليرة، و95 أوكتان 31000 ليرة، وتكون الزيادة التي لحقت بصفيحة 98 أوكتان نحو 4400 ليرة و95 أوكتان 4200 ليرة، أي ما يوازي 2,8 دولارين.
إعادة تشغيل المصافي
إذن ما هو الحل، يرى الخبير الاقتصادي مروان اسكندر، ضرورة أنّ تلجأ الدولة اليوم الى خفض الرسوم والضرائب على البنزين ولو بشكل نسبي، مع عدم زيادة الأسعار في مثل هذه الظروف، وعلى الدولة ألا تركز على نوع واحد من الضرائب بل عليها التنويع في هذا الأمر، وأن تسأل إذا ما كان هناك هدر، فهناك توظيفات لا لزوم لها، وهناك مرافق حيوية في لبنان على الدولة أن تعمل على تشغيلها، من دون الاعتماد فقط على مسألة الانفاق.
ويلفت إسكندر الى التحرك العمالي إزاء ارتفاع أسعار البنزين والأوضاع المعيشية، ويقول إنها ليست مسألة راهنة اليوم أو متعلقة بالمناخ السياسي، بل إن هذا التحرك بدأ منذ سنوات وهو نار تحت الرماد، ولذلك يجب التحاور حول هذا الموضوع والنظر إلى مطالبهم، وتحقيق ما أمكن منها.
إلا أن إسكندر يشدد على ضرورة إصلاح المصفاتين المعطلتين في لبنان عن طريق الاتفاق مع العراق وهذا الأمر ميسر الآن، خصوصاً مع ازدياد الطلب على البنزين، فضلاً عن ازدياد الطلب على المحروقات لزوم معامل الكهرباء، ويرى أن ليس ثمة ما يحول دون تشغيل الخطوط من سوريا ولبنان، سوى أعمال إعادة التأهيل التي قد تستغرق بضعة أشهر، ويصير من الممكن بعدها تسهيل تصدير النفط العراقي من بانياس وطرابلس وربما استعمال بعضه في مشاريع توسعة مصفاة بانياس وبناء مصفاة جديدة في طرابلس للتكرير بمساهمة عراقية، وهذا الأمر قد لا يستغرق أكثر من سنتين.
نحو خفض الرسوم
ومن جهته، يؤكد رئيس تجمع شركات النفط (أبيك) في لبنان مارون شماس، ضرورة عدم اللجوء الى الشارع لنيل المطالب، والعمل على منع اشتعال فتيل هذا الأمر بأخذ القرار المناسب. التحرك في الشارع يمكن أن يذهب الى جهة سياسية، في حين أن المطلب هو للجميع لأن الكل موجوع منه، ومن هنا يجب على أركان الدولة تدارك الأمر وخصوصاً في الأمور الملحة، التي تشكل استقراراً للبلد.
ويلفت الى أهمية النظر اليوم الى زيادة أسعار البنزين كجزء من الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلد لا بشكل منفرد، مشيراً الى أن وصول سعر البرميل الى 150 دولاراً يعني حتماً وصول سعر الصفيحة في لبنان الى 50000 ليرة، وهو ما يعني تضخماً للاقتصاد، وهو ما سينعكس سلباً على الاقتصاد برمته، لذلك فإن خفض الرسوم والضرائب لا يشكل ضرراً على الدولة، فيما الابقاء عليها أكثر ضرراً من تخفيفها.
ويرى أن ضريبة المضافة (TVA) تشكل بحد ذاتها تضخماً ذاتياً، فكلما زاد سعر البضاعة تزيد الTVA، فإذا كان سعر البرميل 40 دولاراً يكون سعر صفيحة البنزين مع الرسوم الثابتة (9530 ليرة) 21،037 ليرة ومع الTVA (2100 ليرة) يصبح سعر الصفيحة 23,141 ليرة، وإذا وصل سعر البرميل الى 150 دولاراً يكون سعر الصفيحة مع الرسوم الثابتة (45,534 ليرة)، والTVA (4500 ليرة)، يصبح سعر الصفيحة 49,872 ليرة.
ويلاحظ أن ارتفاع ثمن البضاعة يتبعه فوراً ارتفاع في ضريبة الTVA، فمن 2100 ليرة على أساس سعر البرميل 40 دولاراً، ترتفع هذه الضريبة الى 4500 ليرة، أي بفارق 2400 ليرة، وهو ما يعني تراكم الضريبة أو تضخماً بين ضريبة وأخرى.
ويلفت شماس الى أنه لا ينبغي للدولة أن يكون همها محصوراً بزيادة المداخيل، لأن الأهم هو ألا تعيق هذه المداخيل الاقتصاد الوطني، فنصيب الدولة من زيادة 2000 ليرة تبلغ نحو 132 مليون دولار سنوياً بين سعري البرميل 40 دولاراً و150 دولاراً، فالضريبة وإن أمنت للخزينة 132 مليون دولار فقط من الTVA إلا أنها أخذت من جيبة المواطن.
ويشير الى أن موازنة العام 2011 قد وضعت على أساس رسوم ب7500 ليرة بدلاً من 9500 ليرة على الصفيحة، وهو ما يعني أن الدولة بامكانها أن تحسم 2000 ليرة دون أن تؤذي موازنتها.
ويلفت الى أنه خلال الأعوام 2003-2004 وضعت سلماً متحركاً، كانت القدرة الشرائية هي نفسها اليوم، أي لم تتحسن، وهذا يعني أنه بإمكان الدولة اليوم إعادة العمل بالسلم المتحرك للضرائب، الذي يعني تحديد سعر للصفيحة مع تحريك الرسوم صعوداً وهبوطاً، فإذا ارتفع السعر تنخفض الرسوم، وإذا انخفض السعر ترتفع الرسوم حتى السعر المحدد للصفيحة، ومداخيل الدولة تتأتى ساعتها من المراوحة السعرية بين انخفاض أسعار البرميل وهبوطها، وبذلك لا يتحسس بها المواطن. هناك من سيدفع الثمن إما المواطن أو الدولة.
ويضيف اليوم بين مشكلة ومشكلة أكبر، لا يمكننا إلا أن ننظر الى الرسوم كموضوع اقتصادي عام، ولذلك يجب اللجوء الى حل وسطي. هناك وضع استثنائي، مجمع عليه، فالمستهلك يعاني وكشركات نعاني من مسألة الرسوم والضرائب، فنحن ندفعها من الاستيراد ونستردها بعد شهر من بيعها، وهي تشكل عبئاً مالياً وتجارياً، ونحن نتحمل الدفع من جيبتنا فالرسوم تقع على مروج البضائع النهائي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.