على الرغم من تسديد وزير الصحة محمد جواد خليفة، كراته بشكل صحيح وتسجيل أهدافه بدقة، إلا أن موجة التعطيل الحكومي وعدم إقرار موزانة 2010، قد تضيع هذه الأهداف وإهدارها في متاهة الشلل التي تخيم على الدولة وأجهزتها، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال مشاهدة الكم التراكمي للملفات أمام طاولة مجلس الوزراء، بحكم مقايضة النقاش والإقرار لجميع هذه الملفات بملف واحد هو ما أسمته قوى 8 آذار شهود الزور، وقد يكون من ضحاياها مشروع البطاقة الصحية الذي أقرته أخيراً لجنتا المال والموازنة والإدارة والعدل النيابيتان، والذي ينتظره اللبنانيون منذ سنوات، ذلك أن تكاليف فاتورة الاستشفاء باتت لا تحتمل، فمع نهاية العام 2010 تبين أن الذين استشفوا على نفقة الدولة اللبنانية وعلى نفقة وزارة الصحة بلغوا 60% من مجمل الذين دخلوا الى المستشفيات، وعدد المرضى الذين يقصدون المستشفيات الحكومية أصبح تقريباً نصف المرضى ويطببون على نفقة الوزارة، كما قال الوزير خليفة تعقيباً على إقرار المشروع.
ويأتي مشروع البطاقة الصحية، من ضمن سلة إصلاح قطاع الصحة، إذ على الرغم من تطور الإنفاق الصحي، فإن ما بين 50 و53% من الشعب اللبناني لا يحظون بأي تغطية صحية.
على أن مشروع البطاقة الذي يأتي اليوم لضبط الإنفاق الصحي، هو أيضاً ضبط للنمو الفوضوي في السوق الصحية والخدمات المتطورة، التي تفوق حاجة الناس الحقيقية، ويتناقض هذا مع الأسس المعتمدة في دول العالم المتقدم، ففيما يتجهون نحو توحيد الخدمات، نتجه في لبنان نحو الانفلاش.
ولكن ماذا عن جرأة الوزير خليفة وإمكان تطبيق مشروع البطاقة في ظل المافيات الصحية القائمة في البلد، وفي ظل دولة منقسمة على نفسها لكنها في الوقت عينه محكومة بالتوافق السياسي ولو كان الأمر يتعلق بتعيين حاجب؟. يبدو في سياق مشروع البطاقة الصحية، أن المعارضة تعارض نفسها عندما تماطل في إقرار مشروع موازنة 2010 ومن ضمنه هذا المشروع، الذي يتشابه مع كثير من المشاريع المعطّلة بالقسر، فالمادة 123 من قانون موازنة 2010 هي البطاقة الصحية.
ويقول المستشار في وزارة الصحة بهيج عربيد، إن البطاقة هدفها الأساسي، تنظيم الخدمات الاستشفائية وبعض الخدمات خارج الاستشفاء مثل المساعدات والأدوية التي تقدمها وزارة الصحة للمواطنين، الذين لا يملكون أي تغطية اجتماعية، وهم بالتالي يشكلون نصف السكان تقريباً. ولفت الى أنه لا بد لهكذا قرار من دولة متماسكة، لديها إمكانات وقبول بالتطوير، فمثل هذا المشروع لا يمكن تبنيه على قاعدة الاثني عشرية.
وأشار الى أن إعادة التنظيم تضمن استمرار المشروع، بما يؤمن تطوره ليحصل المواطن على حقه، وهنا لا بد من التذكير بأن وزارة الصحة ليست شركة تأمين، فهي لا تزاحم أي مؤسسة حكومية ضامنة وخصوصاً الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فما يميز هذا المشروع هو أن وزارة الصحة هي المسؤولة عن التنفيذ، وهذا يعني أنها تجمع في المشروع الدراسات المالية التي تعنى بالتأمين (معدلات المرضى، الحاجة للاستشفاء، الخدمات الخارجية، تقدير التكلفة، التطورات التي يمكن أن تحصل لصحة المواطنين)، أما الشق الآخر في المشروع فهو المتعلق بالصحة العامة، بمعنى تطوير الوقاية وزيادة الاستثمار فيها وبالتالي خفض معدلات الأمراض، فمن صلب سياسة الوزارة ودورها أن تعمل على منع حصول المرض، وضمان نوعية حياة جيدة للمواطنين.
كما أن دور الوزارة بالإضافة للوقاية، تعزيز الرعاية الصحية للمواطنين لتصبح جزءاً من حلقات الخدمات الصحية الأساسية.
ويوضح عربيد أن المؤسسات والبرامج الرعائية بالعشرات، فهي الأقرب الى صحة الناس وحاجاتهم الأساسية، وهي الأكثر تأثيراً في مؤشرات الصحة، ويقول إن الوزارة تعمل بإشراف مباشر من الوزير خليفة على جبهات عدة:
- تحسين نوعية الخدمات الاستشفائية في المستشفيات الحكومية، كون هذه المستشفيات تلعب دوراً مهماً على الصعيد الوطني، وقد استعانت الوزارة بشركة HAS المسؤولة عن جودة الخدمات في فرنسا، للعمل مع المستشفيات الحكومية وتطويرها، كما أنها تعمل على تطوير الأنظمة الإدارية والتنظيم الطبي، ليتلاءما مع متطلبات الخدمات الاستشفائية الجيدة.
- تعمل الوزارة على تطوير قطاع الرعاية الصحية الأولية، بهدف تكملة شبكة الخدمات الرعائية الأساسية ودمجها بالشبكة الوطنية للخدمات الصحية المختلفة الرعائية والاستشفائية، والربط بين المؤسسات الرعائية والاستشفائية من خلال نظام إحالة دقيق وفعّال، لتأمين حصول المواطن على حاجته من الخدمات الصحية الأساسية، بأقل تكلفة ممكنة وبأفضل فعالية، وهذا يمثل أحدث التوجهات التي يعمل عليها عدد من الأنظمة الصحية المتطورة في العالم، التي تهدف الى وصل المجتمع المحلي بالمستشفى لتصبح جزءاً منه.
فالمراكز الصحية قادرة على تنفيذ برامج مهمة لهذه الفئات من المواطنين، مثل الصحة المدرسية (فم وأسنان ونظر)، التصنيف الصحي، التحصين الشامل، ومراقبة نمو الأطفال الجسدي والعقلي، برامج الصحة الانجابية، الصحة العقلية والمهنية، وخصوصاً برنامج أدوية الأمراض المزمنة.
ويشير عربيد الى أنه إذا استطاعت الوزارة تطوير هذه البرامج، على الرغم من تحقيق جزء كبير منها وبشكل ناجح منذ تولي الوزير خليفة وزارة الصحة، فإن ذلك سينعكس تحسناً في صحة الناس، وخفض معدلات المرض وبالتالي خفض التكلفة بـ8% من الناتج المحلي أي نحو 1،8 مليار دولار.
ويؤكد عربيد، أن غرض طرح مشروع البطاقة تنظيم طلب الخدمة الصحية، فضلاً عن ترشيد الإنفاق الصحي، واعتماد سياسة دواء رشيدة، بدلاً من تكلفتها الآن التي تساوي 25% من قيمة التكلفة الصحية، إذ يتعدى طرح الوزارة البطاقة مسألة كونها بطاقة ممغنطة، إلى كونها أداة يمكن من خلالها تنظيم القطاع الصحي في البلد، الذي تجتاحه الفوضى، وأيضاً ستكون هذه البطاقة مرتبطة بسياسة التأمين العامة. ويلفت الى أن المطلوب أن تتحمل الدولة مسؤولياتها لدعم تنفيذ البطاقة من خلال تأمين الموازنات المالية المطلوبة، مشيراً الى أن موازنة الوزارة المخصصة لمساعدة المواطنين على الاستشفاء تبلغ الآن نحو 150 مليون دولار، وتقوم البطاقة الصحية على مبدئين:
- إلزامية الانتساب.
- مساهمة المواطن بجزء من تكلفة الصحة (يتطلب من المواطن نحو 95 دولاراً في السنة للانتساب للبطاقة).
ينوه عربيد بمبدأ إلزامية البطاقة لسبب بسيط، أنه إذا لم تكن هناك الزامية فسيصبح مشروع البطاقة مثل مشروع الضمان الاختياري، الذي أفلس منذ اليوم الأول وأصبح مكسوراً على نحو 120 مليار ليرة.
ويوضح أن خدمات البطاقة تشبه الضمان والتأمين، وأهميتها هي خفض تكلفة الاستشفاء بين 2،5 و3،5%، وبالتالي خفض التكلفة على المواطن، إلا أن وزارة الصحة في هذا المشروع لن تشكل بديلاً عن القطاع الصحي الخاص، فمؤسسات القطاع الرسمي الصحية لا تمثل نسبتها أكثر من 30% من حجم القطاع في البلد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.