تراجع نشاط أسواق الذهب في المناطق اللبنانية بمستويات قياسية، بلغتها نسبتها بين 75 و80%، بعد ارتفاع أسعار الأونصة وتخطيها عتبة قياسية وصلت الى ما يزيد عن 1400 دولار، فيما انتعشت وضعية وقيمة المخزون من المعدن الأصفر في المصرف المركزي.
ويرجح خبراء في السوق أن يتابع الذهب مسيرته الصاعدة واحتمال وصول الأونصة الى 2000 دولار، في ما لو استمرت الانهيارات الاقتصادية في بلدان منطقة اليورو، واستبدال الاقتصادات الضخمة مثل الصين والهند احتياطاتها من العملات الصعبة بالذهب.
وقال نقيب الصاغة والمجوهرات في لبنان وليد معوض، إن ارتفاع الذهب في الأسواق العالمية، لا يزال يحمل بصمات أزمة المال العالمية التي اندلعت في أيلول (سبتمبر) 2008، وهزت اقتصادات عدة وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً إيرلندا والبرتغال وسواها من دول منطقة اليورو، التي تضخ سيولة كبيرة بمئات مليارات الدولارات، لانقاذ اقتصادها، وهو ما يدفع للجوء الى الذهب في مثل هذه الأحوال المضطربة، فضلاً عن لجوء كبريات الاقتصادات العالمية في التحوط من الذهب بدلاً من العملات الصعبة، والذي عزز هذا الاتجاه الكمية الكبيرة التي طبعتها الولايات المتحدة من الدولارات.
ورجّح النقيب معوض ارتفاع أونصة الذهب الى مسويات قياسية في المرحلة المقبلة، استناداً الى تقارير مالية دولية، كان آخرها تقرير لخبير في HSBC توقع فيها وصول الأونصة الى نحو 2000 العام المقبل، وأيّد معوض هذا الاتجاه التصاعدي بفعل استمرار الانهيارات الاقتصادية. وقال إنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الزخم للمعدن الأصفر، ففي العام 1968 كانت الأونصة ب18 دولاراً واستمر ارتفاعها الى 875 في الثمانينات.
وعلى المستوى المحلي، اعتبر معوّض أن الاتجاه التصاعدي للذهب، عزز قيمة المخزون الموجود منه في المصرف المركزي، وهذا ما يساعد في عملية الاستقرار النقدي وثبات سعر الليرة، مضافاً إليها بالطبع الاجراءات الحمائية التي يتخذها المصرف المركزي بهذا الصدد.
وقال معوض الذهب الموجود اليوم في المصرف المركزي يشكل ضمانة للعملة الوطنية-الليرة .
إلا أن معوّض قلّل من نسب التراجع في النشاط في الأسواق لهذا المعدن النفيس، بناء على واقعة ارتفاع الأسعار، وأكد أن التراجع ليس بهذه النسب الكبيرة، لكن أسبابه هي محلية تتعلق أولاً بتراجع الحركة السياحية في البلاد، كلما ازدادت التشنجات السياسية.
ويستورد لبنان نحو 15 طناً من سبائك الذهب من سويسرا، ويصدّر نحو 3 أطنان من الذهب المشغول، أما الباقي فيتم التعامل به في السوق المحلية. ويبلغ عدد المؤسسات التي تبيع الذهب في لبنان اكثر من 1800 مؤسسة، ولا يوجد في لبنان مصانع كبيرة للذهب، إذ أن عددها لا يتجاوز 20 معملاً وتنتشر في منطقتي بيروت وجبل لبنان، أما مشاغل الذهب فتنتشر في كافة البقاع اللبنانية وعددها بالعشرات، وهي عبارة عن معامل حرفية يعمل في كل منها عاملان أو أكثر. أما العمال الذين كانوا يقدرون خلال الفترات الذهبية للمعدن الأصفر بنحو 7000 عامل فقد تراجع عددهم بنسبة 50%.
وقال نقيب حرفيي الذهب في لبنان بوغوص كورديان، إن نسبة تراجع النشاط في أسواق الذهب اللبنانية المحلية، لا تقل عن 75%، أولاً بسبب الارتفاعات المتلاحقة، التي توجد نوعاً من البلبلة والتوتر لدى المستهلكين...فاللبناني الذي كان يقتني الذهب ويهديه، لم يعد بامكانه أن يهدي غرامات معدودة، ليرة الذهب التي كانت قبل سنوات ب80 دولاراً، اليوم يتجاوز سعرها 320 دولاراً.
وعلى مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن مصائب أسعار المعدن الأصفر أنعشت سوق المجوهرات المقلدة والحديثة (bijoux contrefaits) وبشيء يسير الفضة، التي تجاري بصناعتها مشغولات الذهب وبأثمان بخسة، في محاولة للتعويض بالزينة بعد فقدان القدرة على امتلاك المعدن النفيس. وكانت مستويات التضخم قد قدرت في العام الجاري بنحو 5%.
وتحولت مهنة تصنيع الإكسسوارات إلى صنعة مجدية ورائجة، لبعض السيدات وربات المنازل، وقالت مارلين موسى ديب إن معظم السيدات في لبنان بتن يستخدمن الاكسسوارات والحلى غير المصنعة من الأحجار الكريمة في كل المناسبات، وباتت حاجة يومية، إذ أن اللبنانيات يقتنينها في كل الأوقات، مضيفة أن الطلب على هذه الحلى أصبح كبيراً بفعل الأسعار اللاحقة بالذهب، وانخفاض الحلي المصنعة في المقابل. وأشارت الى أن الذوق اللبناني يمكن ملاحظته في هذه الصناعة، واليوم يمكننا القول بأن المنافسة اللبنانية في هذا المضمار لا تقتصر على السوق المحلية وإنما تتعداها الى الأسواق الخارجية.
وتعرف الأسواق المحلية للذهب، مستهلكين من العرب والأجانب والمغتربين اللبنانيين، إلا أن هؤلاء قلّ عديدهم، وذلك أن أزمة الأسعار عالمية وليست محلية.
ولم توفر أزمة الأسعار المستهلكين، لكنها امتدت الى المؤسسات التي تبيع الذهب. وقال محمّد مكناس الذي حوّل محله من بيع للذهب الى بيع فضيات ومسابح إن أسعار المعدن الأصفر المرتفعة، والضائقة المعيشية الصعبة، دفعت بالناس للتخلي قسرياً عن اقتناء الذهب، والاتجاه نحو شراء الاكسسوارات المطلية بالذهب البرازيلي، ومعدن الفضة الذي يلقى رواجاً بسبب أسعاره المقبولة، وأضاف إن التحوّل جاء بناء على التحولات الاقتصادية، فالمؤسسات التي تبيع المعدن الأصفر، والتي لم يعد بامكانها أن تحقق مكاسب وأرباحاً، تحولت بفعل اتجاهات التسوق لدى الناس، وبفضلها اليوم نحقق مكاسب أفضل في ما لو أبقينا على بيع وشراء الذهب. وإذ اعتبر أن الذهب البرازيلي ليس ذهباً بل عبارة عن نحاس مطلي بورقة من الذهب، أكد مكناس أن الفضيات التي تلقى رواجاً اليوم في السوق اللبنانية وتشكل بديلاً موقتاً عن اقتناء الذهب، مصدرها ايطاليا وعدد لا بأس به من الدول الآسيوية المشهورة بمثل هذه الصناعات.
ولم ينفِ ناصر أسعد وهو صاحب محل مجوهرات هديل، تراجع النشاط في أسواق الذهب نتيجة للارتفاعات المتلاحقة، وقدّر نسبة التراجع بما لا يقل عن 75%. وقال إن النّاس كانت تستخدم الذهب للتحوط من الأيام الصعبة ولأغراض الزينة والهدايا، أمّا الآن فالأمر تغير وتوجه الناس نحو الذهب البرازيلي وهو ليس بالذهب، ويستخدم لصناعة اكسسورات مصدرها الصين والبرازيل، التي تضاعفت مبيعاتها منذ الصعود الصاروخي للمعدن الأصفر بنحو 300%. وأوضح أن من كان يهدي ذهباً بمئة دولار، أصبح يفضل إهداء النقد.
وأشار أسعد الى أن المؤسسات التي تبيع الذهب، تعتمد على المغتربين، لأن 80% من المواطنين أصبحوا مدينين. وقال إن المؤسسة إذا باعت 30 غراماً في اليوم فهذا يعتبر مؤشراً جيداً.
ويتوقع كورديان صعود الأونصة الى أكثر مما هي عليه بكثير اليوم الى نحو 2000 دولار، وذلك في منتصف العام المقبل على أبعد تقدير، رابطاً ذلك بالعوامل السياسية والاقتصادية بنفس مستوى الضغط الحاصل الآن، وقال إن استمرار الركود والانكماش الاقتصادي واندلاع أي حرب دولية، يمكن أن ترفع الذهب الى مستويات قياسية جديدة. وقال إن الشرقيين يؤمنون بالاقتصادات الثابتة مثل الذهب والأراضي وهو مبدأ كرسه أجدادنا ونحن نؤمن به اليوم وكانوا هم على حق. ولبنانياً أشار الى أن من شأن الارتفعات الجديدة التأثير في النشاط التجاري للذهب، خصوصاً وأن القدرة الشرائية للناس في تدهور دائم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.