8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

سلة من الضغوط ما زالت تفصلنا عن مرحلة الإنتاج

عاد موضوع التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية الى الواجهة، خصوصاً مع الخطى الحثيثة التي يبذلها العدو الاسرائيلي في هذا المضمار، وبعد زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى الجزيرة القبرصية، الشهر الماضي، وزيارة الوفد النروجي حالياً الى لبنان، وتوقيع لبنان مع الجانب الايراني اتفاقات نفطية خلال الزيارة الأخيرة للرئيس أحمدي نجاد الى لبنان.
لقد اقر مجلس النواب قانون التنقيب عن النفط ، ومن المفترض ان تصبح الابواب مشرعة كي ينتقل لبنان الى الخطوات العملية للاستفادة من ثروته النفطية المفترضة. لكن، وكما يرى خبراء ان خطوة واحدة لا تكفي، فعلى الرغم من حالة التفاؤل التي عمت الأوساط السياسية اللبنانية، بإقرار قانون التنقيب عن النفط، إلا أن جملة من الضغوط لا تزال ماثلة أمام لبنان للوصول الى مرحلة الانتاج، يأتي في مقدمها التشابك الجيوسياسي في البحر الأبيض المتوسط، وثانيها تحديد المناطق الاقتصادية المتشابكة مع الدول المتشاطئة، وثالثها المراسيم والقرارات التنظيمية ذات الطابع الخلافي السياسي، وليس أخيراً الاستقرار السياسي والأمني الداخلي المطلوب لتثمير الجهود في كل الاتجاهات.
ويرى خبراء ان ثمة حواجز وعراقيل على لبنان ان يجتازها، واجراءات عليه ان يقوم بها، منها مشكلة تصديق اتفاقية رسم الحدود البحرية مع قبرص في مجلس النواب اللبناني، وتسريع الاجراءات في انشاء هيئة ادارة القطاع، من دون وضع المطامع الاسرائيلية على الرف ونسيانها، وتحديد الفوائد الممكنة من الاتفاقات مع ايران، ومدى امكانية الاستفادة من المساعدة النرويجية لتسريع هذا الملف.
ويأتي تحرك الملف مجدداً، إنطلاقاً من الضغوط الإسرائيلية المتسارعة والهادفة الى حرمان لبنان من حقوقه النفطية، فالمخزونات المفترضة بحسب بيانات اميركية في الحوض المشرقي كله من غزة الى قبرص تقدر بـ122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي والمخزون المكتشف في فلسطين المحتلة يقدر بـ25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يكفي الاحتلال الاسرائيلي نحو 5 عقود مقبلة لانتاج 11 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية. ما يعني أن القسم المتبقي من الحوض المشرقي للبحر الأبيض والذي يقع لبنان ضمنه يختزن نحو 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
الحدود مع قبرص
في زيارته الى قبرص، أثيرت مع الرئيس الحريري مسألة تصديق اتفاقية رسم الحدود البحرية مع الجزيرة، الموقعة بين البلدين منذ سنوات عدة، التي وافق عليها مجلس النواب القبرصي، فيما لم يوافق عليها بعد مجلس النواب اللبناني.
وقال الرئيس الحريري نحن في مرحلة وضع اللمسات الاخيرة لإقامة منطقة اقتصادية بين لبنان وسوريا، وحينها سنتمكن قريبا من إرسال مشروع متكامل الى مجلس النواب يشمل هذه المنطقة. والامر المهم انه في مرحلة سابقة عندما انجزنا هذا الاتفاق مع قبرص، كانت هناك تباينات مع سوريا، ولكن الان لدينا معها علاقات افضل بكثير ونقوم بالتفاوض لاقامة المنطقة الاقتصادية بيننا. ان هدفنا هو السير قدما بهذا المشروع.
مصدر رسمي مطلع توقع أن ترسل الاتفاقية الى مجلس النواب قريباً لإقرارها، خصوصاً وأن الضغوط التركية في هذا المجال قد ذللت. ويقول الخبير النفطي ربيع ياغي أن هناك اتفاقاً رسمياً بين قبرص ولبنان، تم بموجبه ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما على أساس المناصفة، طبقاً لقانون الأمم المتحدة الصادر في العام 1983، والذي يتعلق بكيفية اقتسام الثروات البحرية للدول المتشاطئة والمتقابلة والمتجاورة، التي تطل على المياه الدافئة أو البحار.
ويضيف رغم أن هذا الاتفاق لم يصل بعد الى مجلس النواب اللبناني، فإن لبنان قد أرسل رسمياً في تموز (يوليو) 2010 الخارطة البحرية اللبنانية الى المنظمة الدولية، وهي خارطة وضعت بالتعاون بين الجهات اللبنانية الرسمية. وهذه الخارطة تحدد بوضوح الخطوط الحدودية البحرية التي تفصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلة وسوريا وقبرص، وما يستلزم تفعيلها هو اتفاق مشابه بين القبارصة وسوريا وعبر الأمم المتحدة مع فلسطين المحتلة، ولا أظن أن هناك أي مشكلة جيوسياسية في هذا الشأن، فإسرائيل قامت بتقسيم مياهها الاقتصادية الخالصة بملاصقة خط الحدود البحري، الذي رسمته هذه الخارطة المشار إليها والتي اعتمدت بالأساس خط الحدود البحرية الدولية بين فلسطين ولبنان، منذ الانتداب الفرنسي الانكليزي، للبنان وفلسطين في العام 1923. لكن هناك بعض العوائق السياسية التي تتمثل تحديداً بعدم الاعتراف التركي بترسيم الحدود البحرية لقبرص اليونانية، وهي تعتبر بالنسبة للأتراك منقوصة.
أما الدولة الأخيرة المتشاطئة مع لبنان، فهي سوريا، والتي لم يتم بعد رسم الحدود البحرية معها بعد، وإن كانت الأمور سائرة عملياً نحو التفاوض.
ويوضح ياغي أنه في حال اكتشاف لبنان أحواض مشتركة مع أي دولة، فإن الحوض المكتشف يقع جزئياً ضمن المياه الاقتصادية للبنان، والجزء الآخر في المنطقة الاقتصادية الثانية، وهنا يجب العودة الى قانون الأمم المتحدة لاقتسام الثروات الطبيعية بين الدول المتجاورة بحرياً على أساس النسبية. وهذه المسؤولية تقع في الأساس مسؤوليتها على عاتق الشركات النفطية العاملة على طرفي الحدود البحرية.
الهيئة أولاً
أما في ما يتعلق بالمراسيم والقرارات التنظيمية ذات الطابع الخلافي السياسي، فيؤكد المصدر الرسمي المطلع أن العمل جار لإصدار مراسيم تطبيقية وتنظيمية للقطاع، إلا أن الموضوع الأهم، هو المتعلق بإدارة القطاع والجهاز الاداري له. ويقول إن هذا من أهم المراسيم التي قد تثير خلافات سياسية حوله، وبدونه لا يمكن للشركات أن تتقدم الى عروض الاستكشاف والتلزيم، لأنه يشكل ضمانة لها.
ويرى الخبير في شؤون الطاقة وليد خدوري، أنه لا بد من استتباع خطوة إقرار قانون التنقيب بخطوة مهمة وعاجلة وهي تأسيس إدارة النفط وتعيين رئيس لها، إضافة الى تعيين كادر مهني، وتشريع قانون بيئي بحري وتحضير نموذج للعقود مع الشركات النفطية، يشمل الالتزامات والضرائب... الخ.
ويؤكد الخبير ياغي أن وزارة الطاقة والمياه اللبنانية تقوم بشكل متسارع بما هو مطلوب منها لجهة التحضير لإصدار كافة المراسيم التطبيقية، التي تسبق الاعلان الرسمي عن استدراج العروض من الشركات المهتمة والمحددة بالعام 2012، ومن الممكن إصدارها قبل هذا الوقت. وعملية التحضير والمراسيم هي شأن تقاني لا علاقة له بالمناكفات السياسية القائمة اليوم في البلد.
وهذه المراسيم تشمل مرحلة التحضير لفترة العروض، في بدايات الانتاج وتبين الجدوى الاقتصادية من حجم الكميات المنتجة، ويضيف هنا يجب إبعاد المسائل الخلافية المتعلقة بالصندوق السيادي الى الأمام، إذ لن تكون هناك عائدات مالية ملموسة قبل العام 2016. وعليه يجب ترحيل الخلاف الى مراحل لاحقة (بس يجي الصبي نصلي على النبي)، إذ ليس هناك متوجبات مالية على لبنان ولن تأتيه أموال في المراحل الأولى.
المطامع الإسرائيلية
لا أحد من الخبراء ينفي إمكان حدوث نزاعات سياسية كبيرة، بين الدول المتشاطئة متوسطياً، مع بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز في أحواض المياه في البحر الأبيض المتوسط، وهو ما توقعته صحيفة لوس أنجلوس تايمز في تقرير حمى الذهب الأسود تهدد الاستقرار الإقليمي، أشارت فيه إلى أن إسرائيل ولبنان وتركيا وقبرص تتنافس على النفط في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وكل منها يسعى الى الفوز في تلك المنافسة، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى التساؤل هل ستجد تلك الدول طريقة للتوصل إلى مخرج من تلك الأزمة. وفي ضوء التوتر السائد بين كل من إسرائيل ولبنان، وتركيا وقبرص، يستبعد التقرير إمكان التوصل إلى حل لتلك الأزمة.
ويؤكد ذلك، خدوري ويقول في مراحل الاستكشاف لهذه البلدان، من الطبيعي أن تنتج صراعات سياسية، ولا سيما في المناطق الجنوبية المتشاطئة مع إسرائيل، وذلك كما حدث في فلسطين، فقد شجعت اكتشافات الغاز المصرية على التنقيب شمالاً، فبادرت شركة بي جي البريطانية العاملة في المياه المصرية، الى الحصول من السلطة الفلسطينية، على امتياز للاستكشاف في المياه الاقليمية الفلسطينية في 1998، ونجحت في اكتشاف حقل غزة مارين الغازي عام 2000، لكن جهودها تعثرت في تطوير الحقل الذي يبعد نحو 25 كيلومتراً عن شاطئ غزة بسبب العراقيل التي وضعتها السلطات الاسرائيلية.
ومن جهته، يرى ياغي أن إسرائيل تسارع الخطى في عملية الافادة من المخزون النفطي والغازي المكتشف والمؤكد لديها، عبر تطوير هذه الآبار ومد شبكات الأنابيب باتجاه الداخل الاسرائيلي، ويقول يجب علينا أخذ العبر من العدو الذي يفعل نشاطه النفطي في المياه الاقتصادية لفلسطين المحتلة رغم أنه لم يوقع الى الآن على بروتوكولات الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار عام 1988، أي علينا أن نسابق الوقت ومن خلال التزامنا بالمواثيق الدولية منذ العام 1994 في هذا الموضوع (اقتسام الثروات) للبدء بتأكيد حقنا في الثروات الكامنة الطبيعية ضمن المياه الخاضعة للولاية القضائية اللبنانية منعاً لأي قرصنة محتملة من طرف العدو الاسرائيلي قد تتجاوز الحدود البحرية.
الاتفاقات الإيرانية
جرى خلال زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد، التوقيع على إتفاقيتي تعاون بين لبنان وإيران في مجال الطاقة والكهرباء والمياه والنفط. حيث فتحت إيران إعتماداً مالياً بقيمة 450 مليون دولار، على شكل قروض ميسرة وطويلة الأمد تتيح للحكومة اللبنانية الإستفادة منها في كل المجالات الحيوية من كهرباء وماء
وصرف صحي وبناء سدود. وفي مجال النفط، ولا سيما في مجال مساعدة لبنان بالتنقيب براً وبحراً عن النفط.
وأثارت هذه الاتفاقات ردود فعل متباينة بين الترحيب وعدم الرضا، معطوفة على حالة الانقسام السياسي في البلد، لكن النظرة المتناقضة حيال الاتفاقات لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، وإنما لدى الخبراء أيضاً ولا سيما في القطاع النفطي، خصوصاً وأن إيران اليوم تواجه اليوم عقوبات اقتصادية دولية.
وفي هذا الإطار، يرى ياغي ان اتفاق لبنان مع أي دولة منتجة ومصدرة للنفط والغاز يعود بالمنفعة على لبنان، إن كان من ناحية بناء الخبرات أو من ناحية الدعم المالي غير المشروط الذي قد لا يتوفر إلا بشروط من الدول الكبرى. وعلينا الافادة من هذه الاتفاقات في إطار تدعيم الخبرات المحلية، وعدم النظر اليها من الزوايا السياسية ذات الطابع الخلافي. وبالنسبة للعقوبات المفروضة على إيران فإنها لن تعوق هذا النوع من الاتفاقات القائمة على التعاون التقني البحت.
بيد أن المصدر المطلع، يرى أن الاتفاقات الموقعة مع لبنان، ترتدي طابعاً سياسياً، أكثر مما هو تقاني، ويقول إن إيران وعلى الرغم من كونها منتجة ومصدرة للبترول، فهي لا تملك القدرة والخبرة سواء على مستوى الانتاج أو الاستكشاف، فلماذا مثلاً تستعين إيران بشركات روسية وصينية في هذا المجال؟، وبالإضافة لذلك فإيران ليس لديها الخبرة في الأوف شور والحفر التي يراوح عمقها بين 1500 و4500 متر، وغيرها من الأمور التي قد يتطلبها موضوع بهذا الحجم، ولو كان لديهم مثل هذا الأمر، لكانوا استغنوا عن الشركات الروسية والصينية. وحتى موضوع الأموال منوطة بمسألة تطور العقوبات الدولية.
النروج مجدداً
ويقول الخبير ياغي، إن زيارة الوفد النروجي الى لبنان، تأتي بغرض استكمال المساعدة النروجية المقررة للبنان، والتي تعثرت في الفترات السابقة بسبب الأوضاع السياسية في لبنان، وهذه المساعدة تشمل بشكل أساسي، كيفية إدارة قطاعي النفط والغاز من النواحي القانونية والتقانية استناداً الى التجربة النروجية في هذا الميدان، فبعد إتمام الخطوة الأولى الأساس وهي إقرار قانون التنقيب، يأتي الانتقال الى المرحلة الثانية وهي صياغة المراسيم التطبيقية بغرض تفعيل هذا القانون وترجمته بخطوات عملية على الأرض في مجالات الادارة والتنقيب والانتاج. ويضيف أن هذه الزيارة تعكس الرغبة النروجية واللبنانية وتوسعة أطر هذا النوع من التعاون المثمر، من أجل التسريع للوصول الى المرحلة الثانية أي الهدف الأساسي، تلزيم ومنح امتيازات التنقيب والانتاج للشركات التي سيتم اختيارها وفقاً للشروط والأعراف الدولية.
ويقول مصدر متابع للنشاط النروجي، ان النروجيين سيساعدون بموجب برنامج الدولة النروجية للمساعدة النفط للإنماء، في وضع المراسيم التطبيقية والتنظيمية للقانون، ليكون لبنان مؤهلاً للبدء بدورات التراخيص في بداية العام 2012، وإنشاء داتا روم وداتا منجمنت وتنظيم ورش للمساعدة في وضع مراسيم حول عمليات الاستكشاف والانتاج. ومن المعلوم أن وزارة الطاقة تقوم بالتعاون مع شركة PGS بتجهيز غرفة المعلومات للموارد البترولية في البحر اللبناني.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00