8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التوتر يضرب الثقة بالقطاع وخوف من هروب رساميل

من المؤسف أن يتجاهل جزء من السياسيين التوقعات بتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية، على مبدأ نامت نواطير مصر عن ثعالبها، فيما هم يرسمون بسجالاتهم مشهداً سوداوياً قد يضر بالبلد وبكل مؤشرات الاقتصاد المتفائلة بفعل الاستقرار المتولّد منذ اتفاق الدوحة 2008 وبعيد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، التي تتعثر الى الآن في تحقيق برانمجها الطموح، مع إفشال إقرار موازنة العام 2010، فيما ينتظر ألا يكون مصير مشروع موازنة 2011 أفضل حالاً، في ما لو استمرت التشنجات قائمة بعناوين مختلفة.
على أن عملية عض الأصابع التي تمارس بين الأفرقاء السياسيين، وجعها بات في مكان آخر، عند المواطن والمستثمر، وفي قطاعات اقتصادية، يلعب فيها عامل الثقة دوراً كبيراً، ولا سيما منها قطاع العقار والسياحة، وهو ما على السياسيين تداركه، لأن خاتمة النزاعات معروفة نتائجها السلبية على الاقتصاد.
وكما يقول المعنيون في قطاع السياحة، من أن منسوب التفاؤل تراجع بشكل واضح، بعد السجالات السياسية الحادة، التي لا يهضمها السياح والمغتربون، لتتراجع بذلك التوقعات بمجيء مليوني سائح ونيف الى أقل من مليونين، فإن المعنيين بقطاع العقار يحذرون السياسيين من استمرار المنحى التصاعدي لخطاباتهم، وعلى الرغم من المؤشرات الايجابية للقطاع حتى شهر آب (أغسطس)، لأن القطاع قد وصل الى القمة سعراً ومشاريع، بيد أن الأصعب هو الاستمرار فيها، مع التداعيات السلبية على عامل الثقة، وهو الأهم سواء في عمليات الاستثمار أو الشراء.
مكتسبات ايجابية
يمكن التوقف عند آخر كلام قاله رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربية،من أن قروض المصارف تخطت حالياً 8 مليارات دولار، استفاد منها 380 ألف مقترِضٍ تقريباً، ومن ضمنها 64 ألف مستفيدٍ من قروضٍ إسكان، أي 13% من مجموع المستفيدين من تسليفات المصارف، وتشكل محفظة الإقراض السكني التي تخطّت 3,6 مليارات دولار حالياً 10% من مجمل الإقراض للقطاع الخاص لدى المصارف في لبنان.
وفي أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي، صنّف المؤشر العالمي للشفافية في قطاع العقار Global Real Estate Transparency Index ، لبنان في المرتبة 66 بين 81 بلداً وسوقاً حول العالم لسنة 2010، واحتل المرتبة 14 بين 23 بلداً ذات الدخل المتوسط الى المرتفع، والعاشرة بين 15 بلداً وسوقاً عربياً.
ويصدر المؤشر عن شركة الاستشارات والإدارة والاستثمارات العقارية العالميةJones Lang LaSalle ، وضمت الشركة لبنان الى المؤشر للمرة الأولى نظراً الى أهمية القطاع العقاري فيه.
الى ذلك، احتلت بيروت المرتبة 30 عالمياً بين 59 بلداً في 2010 على صعيد أسعار العقارات التجارية، بعدما كانت تحتل المرتبة 33 عالمياً في 2009. ووفقاً للتقريرالذي صدر عن أبرز المراكز في العالم صدر عن المستشارين العقاريين العالميين Cushman & Wakefields، فقد شهدت سوق بيروت التجارية أداء قويا، فقد نما قطاع السياحة بنحو 30% بما انعكس على أداء المواقع التجارية.
وفي شهر آب (أغسطس) زادت البيوعات العقارية، بحسب إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية، بما نسبته 5% مقارنة مع الشهر المماثل من العام 2009، ففي حين بلغت البيوعات 7960 عقاراً في آب 2009، سجلت في في آب 2010 بيع 8412 عقاراً.
وزاد مجموع الأثمان المذكورة في عقود البيع من 957،843 مليار ليرة في آب 2009 الى 1،127،890 مليار ليرة في آب 2010، وتكون نسبة الزيادة 17،7%. أما لجهة مجموع المعاملات والعقود فقد سجلت في آب 2009 ما مجموعه 15,125 معاملة وعقداً، ليرتفع الى 16،857 معاملة وعقداً في آب 2010، أي بزيادة نسبتها 11،4%. أما في ما خص احصاء عدد الأمتار المسجلة، الصادر عن نقابة المهندسين في بيروت، فيلاحظ زيادة تصل الى 96،4%، مقارنة بين آب 2009 وآب 2010، ففي حين سجل الأول 706,832 متراً سجل الأخير 1،388,678 متراً.
الأجواء المسمومة
يعاود المدير العام لشركة رامكو العقارية رجا مكارم، التأكيد أنه بالرغم من المؤشرات الايجابية التي تظهرها البيانات، إلا أنّ ذلك لا يعني أن القطاع بأفضل حالاته، بل يؤشر الى بطء اندفاعة حركة العقار، مقارنة مع تلك التي شهدها لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية. ويعرب مكارم عن خشيته، من الهدوء الذي يسبق العاصفة، في ما لو استمرت سيطرة الأجواء المسمومة في البلد، لأن الرأسمال بطبعه جبان، وهو ما سيدفعه الى الهروب باتجاه بلاد تشكل ملاذاً آمناً.
ويشير الى أنّ العقار بدأ يدخل مرحلة الاستقرار المصاحب للجمود قبل شهرين من اليوم، بسبب الأسعار المرتفعة التي تزيد عن الأسعار العادلة بما نسبته 10%، فيما المطلوب أن يكون أقل بنسبة 10%، ليتمكن الناس من الشراء بأسعار عادلة، إلا أن الأزمة السياسية الحالية ستزيد من الاتجاه السلبي للعقار، ونخشى فعلياً من انهيار.
ويرى مكارم أن ما ورد بشأن الرسوم في بند الإيرادات في مشروع موازنة العام 2011، لا يؤثر في القطاع العقاري، بل هو مصدر دخل جديد للخزينة، وهي ترمي في جزء منه الى منع التهرب الضريبي والحؤول دون حصول مضاربات في القطاع، فهي تشجع من خلال الرسوم البسيطة، الشركات مثلاً على إعادة تقويم أملاكها. ولفت الى أن مجمل الرسوم في هذا المشروع لا تؤثر في القطاع.
ولفت الى أن مجمل الرسوم على العقار اليوم تشكل نحو 10% من العقار المبني، أو ما نسبته بين 200 الى 300 دولار لكل متر بناء، ويشمل ذلك الرسوم المقطوعة والنسبية ورسوم التسجيل والانتقال وغيرها من الأمور المتعلقة بالعمليات العقارية، لافتاً الى أن ذلك لا يعيق المطور العقاري. وقال إن هم المطور اليوم ينصب على التخلص من البيروقراطية الموجودة في الإدارة.
سركيس: المضاربة تؤدي الى خلل في التوازن
ومن جهته، يرى الاستشاري راشد سركيس، في موضوع التسجيل العقاري وموجباته، أن البعض يتحدث ويتداول في امر تعديل الرسوم العقارية، وكأنها لم تعدل، فطبيعة التطور العقاري الذي نقل الاسعار بشكل جنوني، ودون ادنى تدخل ايجابي من قبل الدولة، ضاعف بما لا يقاس مداخيل الدولة في هذا المضمار سيما وان امناء السجل العقاري اضحوا انفسهم اصحاب التسعير، ويضربون عرض الحائط بالسعر الحقيقي او تخمين البلدية والسؤال الذي يكررونه: هل يوجد بعد هكذا اسعار؟.
ويلفت الى أن الكلام عن تعديل يبدو دائما في لبنان في الاتجاه الاعلى، أي ارتفاع الرسم والغلاء، وهذا يحتاج الى تبرير حقيقي في غياب أي خطط او نتائج لهذا العمل، لان الاهم من كل هذا يتمحور حول السؤال الكبير ماذا تقدم الدولة مقابل التسجيل العقاري:
وفي العقار غير المبني، لا نرى أي آثار لاي عمل تقوم به الدولة بكل اجهزتها، وبذلك يجب التفكير ملياً في البدل المقدم، واعادة الاتزان بين الموجبات والحقوق... سيما وان هناك عقارات محتلة من الغير وتتقاضى عليها الدولة والمالية رسوماً وكأنها حرة وملك اصحابها وهذا امر غاية في الخطورة بسبب نصوص جامدة ودون وجه حق. فصاحب العقار المحتل من قبل الغير تتم عليه عملية البيع كما لو كان محررا، وهذه مسؤولية الدولة في الحفاظ على الملكية العقارية وصيانتها حسب الدستور، وهكذا يتم تسعيره كما العقارات العادية التي يتصرف بها اصحابها طبيعيا... وخصوصا في قضايا الارث والانتقال، فلا رحمة ولا مرجعية منطقية في الامر. فلماذا الكلام عن تعديل الرسوم، الا اذا كان من نية في خفضها للتشجيع على الاستثمار العقاري الاسرع وتوسيع قاعدة العمل لتحريك القطاع اكثر.
وفي العقار المبني هناك ضريبة املاك مبنية، علما ان لا مقابل يؤمن حقوق للمواطن فيها، فلماذا بالحري تكبيده رسم للتسجيل العقاري، ايضا وايضا... والاهم لماذا تريد المالية كسب المال من القيمة المضافة على البناء حال انتهائه (الفارق بين ثمن المبيع ومجموع ثمن الارض والانشاءات والمصاريف العائدة لمشروع البناء) في الرسم المسدد عن البيع، دون ان يذكر احد ما يصيب التاجر الذي يربح كل هذه الارقام من ضريبة حقيقية على مدخوله في هذه الارباح، ليأتي التكليف على الشاري الذي يدفع باهظاً ثمن ما يشتريه لتزيد عليه التكاليف وكأنه يقاضى بجرم، فالذي يربح حقيقة من العقار في بنائه لا يظهر في أي مكان ولا يتم تكليفه على أي قاعدة حسابية، في حين تتراكم المدفوعات فقط على الذي يشتري عقارا مبنيا.
ويرى سركيس أن تحديد هذه المعايير، لا يعني نية الانقلاب على النظام الضرائبي ومتعلقاته، بقدر السعي للاضاءة على مشكلة لم يراعها كثيرون، ويشدد على ضرورة وضع خطة عمل تؤمن فيها الدولة الى المواطن حقوقه قبل التكلم عن أي تدبير مالي او زيادة، علما ان التدابير التي تزيد تؤدي الى تراجع الحركة في حين ان التدبير الذي يوفر على المكلف يزيد الحركة بشكل مضاعف، مما يزيد مداخيل الدولة وتحسينها، ومن أهمها:
أ- ان اول مسؤولية يجب ان تنعكس تصحيحا لخطأ اساسي يتمحور اولا في تصويب اختيار اسوأ مواقع لامانات السجل العقاري في لبنان، وهذه تقع على عاتق الحكومة لجهة تأمين مراكز محترمة، تؤمن فيها المواقف، وخدمة المكلف الى اقصى حد، سيما وانه يسدد ارقاما قياسية في هذا المجال.
ب- يجب وضع خطة متكاملة تشكل قاعدة ثابتة مع بعض العناصر المتحركة التي تضبط ضمن مرتكزات علمية، علما ان افضل وسيلة لتركيب الضريبة يقتضي توزيعها على عدة عوامل مؤثرة علميا يلازم كل منها عامل مؤشر (Coefficient moderateur) مما يساعد على التقييم السليم وتعديل بسيط كل سنة او نصف سنة، ويمكن في هذا السياق وضع فكرة نموذجية للتسلسل الواجب اعتماده في هذا القطاع:
أ الحماية والخدمات التي تؤمنها الدولة للمالك: الملكية العقارية، ضبط السجلات والحماية الكاملة، تأمين الخدمات السريعة والمبسطة (موقع الدائرة، المواقف، تقديم الطلب، خدمة البريد...)، تطوير التعامل وتسهيله (عبر الانترنت تشكيل رمز سري لكل عقار- امكانية الشراكة مع المصارف)، رفع مستوى الثقة في التعاطي العقاري، اعتماد التخطيط المتكامل، حماية الاستثمارات وتشجيعها، انجاز المسح الكامل للارض اللبنانية، مكننة عمل القاضي العقاري واصدار سندات تملك لكافة العقارات، مسح مدينة بيروت ومطابقة كل العقارات على خريطة واحدة، وضع نظام GIS لكامل الاراضي اللبنانية وربطه ببرامج متطورة في التصوير من بعد، تطوير برامج تثقيف للمواطنين في شتى ميادين العمل العقاري، ضبط آليات تقديم الطلبات وطريقة الاستحصال على المستندات اللازمة.
ب العناصر المكونة للسعر: ارض العقار، المصاريف المالية ارث، بيع، هبة، وصية، تاريخ التملك، تاريخ التملك، تاريخ الترخيص بالبناء، المنشآت القائمة على العقار بناء، صناعة، الافراز، تكلفة المنشآت حسب المعدلات الموضوعة، كلفة البناء حسب المعدلات الموضوعة، وثمن المنشآت القائمة على الواقع بعد الانجاز (نتائج الاستثمار)
ج ادوار الافرقاء: الادارة وتبدأ من امين السجل العقاري، فريق العمل، كاتب العدل، البائع، مالك العقار، وكيل المالك، الشاري: سواء صاحب العلاقة أو وكيله، وأخيراً دور الجنسية: لبناني أو عربي أو أجنبي غير عربي.
هـ اطار التداول: تؤمن الادارة كافة التسهيلات للمواطن وتعتمد أصولاً محددة للتعامل في القطاع العقاري. تضع الادارة اطرا مبررة لكل كلفة للمعاملات العقارية تحت سقف الموجبات والحقوق. يتم تركيب السعر لكل ملف حسب تداخل العناصر فيه وتراكم المعطيات عبر منطق التشغيل العملي وتكليف المواطن ثمن كل معاملة حسب مندرجات التسعير. تقسيم الاتعاب على المعنيين، في رسوم الطوابع وغيرها، وتكريس مخصصات لدعم صندوق تعاضدي للموظفين المعنيين بالامر، فبدل ان يضطر المواطن الى سداد مصاريف بطريقة غير طبيعية، يسدد ما يجب الى الصندوق والادارة توزع حسب انتاج الموظفين، وتخصيص اطار جديد لتقديم العقود داخل الادارة مباشرة دون الحاجة الى كاتب عدل وتسديد مصاريف العقد مباشرة في صندوق الادارة المختصة.
ونوه سركيس بكل خطوة تحققها الدولة لتذخير الانتاج وتشجيع المواطنين والمستثمرين، أما أن يحدث التغيير من السوق الحرة لتغيير الاسعار والرقي بالقطاع الى نمو كبير، دون دور اساسي للدولة، فهذا الامر يستدعي المراجعة، لأن المضاربة تؤدي الى خلل في التوازن الاقتصادي، فيما الخطط الموجهة والمدبرة من الحكومة تؤدي الى تناغم في التطور ضمن اطار من الرقابة الممسوكة لما فيه خير البلاد، وطمأنة المواطن كما المستثمر الى ربح اكيد ومضمون، استنادا الى مرجعية الدولة في خططها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00