حذِّر اقتصاديو الأونكتاد في تقرير التجارة والتنمية لهذا العام، من أن التخلي السابق لأوانه عن سياسات الاقتصاد الكلي المُحفِّزة للطلب في البلدان المتقدمة، قد يتسبب في انكماش حلزوني يصاحبه هبوط في النمو والعمالة في جميع أنحاء العالم. ورأوا أن إنهاء تدابير الحفز قبل الأوان سعياً لإعادة الثقة إلى الأسواق المالية قد يحدث نتيجة عكسية. ويقول الاقتصاديون ينبغي للحكومات ألا تسحب الحفز إلا بعد تحقيق انتعاش كامل للطلب المحلي الخاص في بلد كل منها.
أطلقت منظمة اونكتاد من بيروت، تقرير التجارة والتنمية 2010 العمالة والعولمة والتنمية، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقد في بيت الأمم المتحدة في بيروت، وتحدث فيه كل من مدير مكتب الأمم المتحدة للإعلام بهاء القوصي والأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت ماركوس ماركتانر.
وفيما لم يتضمن التقرير الإشارة الى منطقة الشرق الأوسط ولبنان تحديداً، أكد القوصي أن لبنان يعتبر حالة فريدة من خلال تخطيه أزمة المال العالمية، لافتاً الى تدفق الأموال والرساميل الى المصارف اللبنانية بشكل كبير. وقال إن لبنان محظوظ بالرغم من أنه يعيش في بيئة غير محظوظة.
وإذ أعتبر أن تدفق الأموال في غاية الأهمية، إلا أن السؤال المهم هو في كيفية استعمالها في عملية التنمية المستدامة، لافتاً الى أن لبنان يحتاج الى مزيد من البنى التحتية والمشاريع. واعتبر أن لبنان كان لديه سوء إدارة في مسألة الاقتصاد الكلي، موضحاً أنه يتعرض الى ضغوط جيوسياسية، إلا أنه بإمكانه أن يقتنص الفرصة.
وقبل عرض التقرير، تحدث القوصي، فقال إن التقرير يعرض تجربة البلدان النامية في استراتيجيات النمو الموجهة نحو التصدير على مدى 30 عاماً، كما يركز على الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد أزمة المال العالمية الأخيرة، والذي لا يزال هشاً في نظر اقتصاديي الأمم المتحدة، إذ يدعو الى عدم التخلي عن سياسات الاقتصاد الكلي المحفزة للطلب والهادفة الى تصحيح الوضع المالي.
ورأى أنه في عدد من البلدان النامية بما فيها البلدان الأشد فقراً، تُعدّ برامج العمالة الحكومية من الأدوات المهمة لمواجهة الفقر ومكافحة البطالة.
أما ماركتانر، فأوجز محتويات التقرير، قائلاً إن هدفه هو كيف يمكن التعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية ومالية منذ الكساد العظيم، لافتاً الى أن التقرير يثير على الأقل 10 جوانب ذات أهمية، منها:
- هشاشة الانتعاش: إذ أن إنهاء السياسة المالية التوسعية قبل الأوان لمصلحة الميزانيات المتوازنة قد يهدد الانتعاش ويؤدي الى انكماش الدين.
- التعامل مع الاختلالات في التجارة العالمية، إذ أنه مع انخفاض حجمها، تواجه البلدان المعتمدة على التصدير نقصاً في الدخل، مما يحتّم أن يقابله تحفيز في الطلب المحلي.
- خطر الانكماش، فالحد من الطلب الكلي في البلدان المتقدمة لن يقابله زيادة في الطلب الكلي في البلدان النامية، لذا يجب الإبقاء على خيار السياسة النقدية التوسعية.
- إعادة النظر في النمو الذي تقوده الصادرات، إذ ليس هناك ما يشير الى أن العائد المكتسب محلياً له أقل تأثير على التنمية من العائد المكتسب من الصادرات، ومن الممكن أن يكون العكس هو الصحيح.
- الحاجة الى تعزيز الاستهلاك والاستثمار على حد سواء، فيجب على الدولة أن تلعب دوراً أكبر في التنمية.
- اليد العاملة الرخيصة، فايجاد فرص العمل لا يعتمد فقط على خفض أسعار العمالة بالنسبة الى رأسمال بل على قدرة الانتاج للبلد.
ويلفت التقرير الى أن الاقتصاد العالمي ما برح يشهد مظاهر انتعاش من أزمة تُعتبر أسوأ أزمة اقتصادية ومالية حدثت منذ ثلاثينات القرن الماضي. وهذا الانتعاش تقوده اقتصادات السوق الناشئة، بينما تشهد البلدان المتقدمة تحسُّناً أضعف ويماثل حالة تزايد اختلالات التجارة والحسابات الجارية العالمية التي سبقت الأزمة. ويشير التقرير إلى أن عدم تنسيق السياسات على مستوى مجموعة العشرين يُهدِّد بعودة هذه الاختلالات إلى الظهور، وبخاصة في البلدان المتقدمة. كما يشير إلى ان التقييد السابق لأوانه للسياسات المالية ينطوي على خطر الانزلاق من جديد إلى حالة الركود. ووفقاً لتقديرات الأونكتاد، يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم بنسبة 3,5 في المئة في عام 2010، بعد هبوط بنسبة 2 في المئة تقريباً في عام 2009.
ولاحظ الأمين العام للأونكتاد سوباتشاي بانيتشباكدي في العرض العام للتقرير أن النهوض من الكساد لن يستمر إذا ظل يتركز على عوامل موقتة، مثل دورات المخزون وبرامج الحفز المالي الاستثنائية، وإذا بقيت أوجه القصور التي تسبب في الأزمة مثل النظم المالية غير المنظمة، وانعدام المساواة في الدخول، والاختلالات العالمية.
وبعنوان الأزمة تكشف محدودية قدرة استراتيجيات النمو المعتمِدة على التصدير، يشدد التقرير على ضرورة إقامة توازن بين الطلب المحلي والطلب الخارجي. ودعا البلدان النامية لإعادة النظر في سياساتها الخاصة بالنمو الاقتصادي المستدام وخلق فرص العمل إذا كانت الاستراتيجيات المتبعة تعوّل كثيراً على توسيع الصادرات. ويقول التقرير إن الآمال بتحقيق النمو بالاعتماد على التصدير ستواجه عوائق متزايدة الآن مع توقف طفرة الاستهلاك الممول بالديون في الولايات المتحدة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.