على الرغم من تراجع انفاق الخزينة العامة على مؤسسة كهرباء لبنان في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بما يوزاي 35% عن الفترة المماثلة من العام الماضي، فإن مرد هذا التراجع يعود الى تراجع أسعار برميل النفط. وبمعنى آخر إذا كان المطلوب خفض فاتورة الانفاق على الكهرباء، دون التأثير في قدرات الانتاج ومستوى الرفاهية لدى المواطنين، فإن هذا الأمر لم يحصل ولم يأتِ في سياق الاصلاحات التي وعدت بها وزارة الطاقة في ورقة سياسة قطاع الكهرباء، التي أقرتها الحكومة في حزيران (يونيو) الماضي.
وقالت وزيرة المال ريّا الحسن لالمستقبل، إن تراجع الانفاق يأتي في الدرجة الأولى من تراجع أسعار النفط خلال هذه الفترة بالمقارنة مع الفترة الممثالة من العام الماضي، إلا أنه لم يأتِ شيء محسوس على الرغم من تحسن الجباية.
تراجع انفاق الخزينة
فقد بلغ إنفاق الخزينة العامة على مؤسسة كهرباء لبنان في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 1080 مليار ليرة أو ما يعادل 716,4 مليون دولار، بانخفاض 35 بالمئة عن 1658 ملياراً أو ما يوازي 1,09 مليار دولار.
وخصصت الخزينة 94,4 بالمئة من مجموع التحويلات لسداد مستحقات لمؤسسة البترول الكويتية (KPC) وشركة سوناطرك الجزائرية، ثمناً لمشتقات الفيول والغاز، التي بلغت 1020 مليار ليرة، أي 676,6 مليون دولار حتى نهاية تموز (يوليو)، بينما خُصّصت البقية البالغة نسبتها 5,6 بالمئة لتغطية خدمة دين بقيمة 61 ملياراً (40,46 مليون دولار).
تجدر الإشارة إلى أن الخزينة أسهمت بنسبة 88,7 بالمئة من مجموع الفاتورة النفطية للشركتين المذكورتين، بينما شكلت دفعات مؤسسة الكهرباء النسبة المتبقية البالغة 11,3 بالمئة. وانخفضت الفاتورة المسددة للشركتين 30,8 بالمئة في 7 أشهر، بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2009، نتيجةً للتراجع الحاد نسبياً في أسعار النفط العالمية.
في الواقع، تراجع متوسط سعر برميل خام النفط الأميركي في الفترة بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) سنة 2009 بنسبة 11,46 بالمئة إلى 72,89 دولاراً، قياساً على 82,33 دولاراً في الفترة نفسها لسنة 2008، علماً أن ثمة تأخيراً مدته 6 أشهر يحصل عادةً بين الدفع لمزودي النفط واستهلاك الوقود.
ومن أسباب تراجع الفاتورة النفطية لمؤسسة كهرباء لبنان أن 33 بالمئة من الغاز الطبيعي المستورد من موزعين معتادين جرى استبدالها بالغاز القادم من مصر، والتي لم تكن دفعتها قد سُدّدت بعد.
وخلال تموز (يوليو) وحده، انخفضت التحويلات 56,75 بالمئة إلى 232 مليار ليرة (153,9 مليون دولار)، بالمقارنة مع تموز (يوليو) 2009.
أين الأمن الطاقوي؟
لا يمكن قياس التراجع الحاصل في الانفاق على الكهرباء نسبة الى الإصلاحات التي حصلت، فورشة التطوير التي وضعتها الخطة لا تزال حاضرة، لكن مع وقف التنفيذ بانتظار إقرار موزانة العام 2010، التي خصصت 474 مليار ليرة على الاستثمار في القطاع، ونحو 891 مليار ليرة في 2011، إلا أن الوزارة لم تقم بالتحرك في الهامش المتاح لها فمثلاً هناك عدم حل الى الآن، لمشكلة استكمال شبكة ال220 كيلوفولت العالقة في المنصورية، ومن المعلوم أن نظام النقل يبلغ 1427 كليومتراً من خطوط 66، 150، 220، و400 كيلوفولت مع 1920 متراً غير مكتملة في حلقة ال220 كيلوفولت في المنصورية، التي إذا اكتملت سترفع الاستقرار وتخفض الخسائر التقنية نحو 1% كما ورد في ورقة سياسة قطاع الكهرباء. وقس على ذلك ورشة التحضير التي تتطلبها خطة تطوير القطاع التي لم تبدأ.
إن فاتورة الطاقة ككل وفاتورة الكهرباء بشكل خاص لا تزال تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد الوطني، على ميزان المدفوعات، وميزان الحساب الجاري، فلبنان يستورد نسبة مرتفعة جداً من الطاقة المستهلكة، في مقابل انكفاء واضح على مستوى الاصلاحات المطلوبة اليوم قبل الغد. ويمكن ملاحظة أن الدعم لن يتغير لمؤسسة كهرباء لبنان في 2011، ففي العام 2010 وصل مستوى الدعم المالي الى 2،369 مليار ليرة، ليتراجع بحسب مشروع موازنة 2011 الى 2،273 مليار ليرة، أي أقل من 100 مليار ليرة.
وبالعودة الى الوراء، فقد قدّرت موازنة مؤسسة الكهرباء العجز ب1،6 تريليون ليرة، منه نحو 64،3% كثمن للمحروقات التي تحتاجها معامل توليد الطاقة الكهربائية، البالغ قيمتها نحو 2،97 تريليوني ليرة، فقد تم تخصيص 1،9 تريليون ليرة للمحروقات على أساس سعر برميل نفط ب70 دولاراً، ووفقاً لموازنة المؤسسة للعام 2009، فإن ثمن مشترى محروقات قدر آنذاك بنحو 2,3 تريليون ليرة وشكل في حينها ما نسبته 72,77% من مجموع نفقات مشروع موازنة الكهرباء 2009. ويلاحظ تراجعاً بالانفاق على بند المحروقات بنسبة 8,47%. وهذا يعود الى مسألتين الأولى استجرار الغاز من مصر الى معمل دير عمار، والثاني إضافة كمية استجرار بنحو 150 ميغاوات من مصر.
وإذا كان تراجع الانفاق على الكهرباء مطلباً، فإن المطلوب بالتحديد أن يأتي هذا التراجع من باب الإصلاحات لا من باب تراجع أسعار النفط، لأن ذلك يعني ان كرة الانفاق آيلٌ حجمها الى الزيادة، فيما لو حلقت أسعار النفط مجدداً.
وهنا يلاحظ أن التراجع على الانفاق قابله زيادة في الانفاق من جيوب المستهلكين على الطاقة، ولا سيما خلال بدايات الصيف الحالي، الذي لم يرحم الاقتصاد، فيما كان الأمن الطاقوي غائباً ولم يوفر حماية الناس من موجات الحر وممتلكاتهم الكهربائية، التي تضررت وهذه لا يمكن إغفالها عند احتساب الخسائر الاقتصادية.
فقد بلغ حجم الطلب على الطاقة الكهربائية 2750 ميغاوات، لم تستطع مؤسسة الكهرباء تأمين أكثر من 1600 ميغاوات، وعلى الرغم من تراجع هذا الطلب الى مستوى 2200 ميغاوات مع بدايات أيلول (سبتمبر) الجاري، فإن العجز لا يزالمكسوراً على نحو 800 ميغاوات، كما تقول مصادر مؤسسة الكهرباء.
فقد انزلقت أزمة الكهرباء الى مستويات خطرة جداً، إذ قال متابعون للقطاع إن ساعات القطع قد بلغت خلال شهر آب (أغسطس) الماضي 300 ساعة أي ما معدله 12،5 يوماً، وهو ما دفع أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة برفع تسعيرتهم على أساس 345 ليرة لكل ساعة اشتراك، ومن هنا فإن تراجع الانفاق على مؤسسة الكهرباء لا يعكس صورة ايجابية، وإنما يعكس انتقال هذا الانفاق أو العجز من مكان الى مكان آخر وبالطبع من جيبة المواطن، وبالطبع فإن العائدات المالية والمقدرة بملايين الدولارات لم تدخل الى الخزينة بل الى جيوب أصحاب المولدات، الذين قارعوا خلال اجتماعهم الأخير وزير الطاقة بأحقية الربحية العالية التي يتقاضونها، إنطلاقاً من العجز الكهربائي الرسمي، وهو ما دفع بالوزير باسيل الى أنه سيصدر تعرفة توجيهية لأسعار الاشتراك في مولدات الكهرباء، إلا أنها لن تكون إلزامية!.
إن السؤال الذي تنبغي الإجابة عنه، هو الى متى سيبقى الحديث عن خسائر الكهرباء تفوق ملياري دولار سنوياً، ويغيب الحديث عن مداخيل جديدة للخزينة من قطاع حيوي واستراتيجي؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.