8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

2010 أسوأ السنوات الست رغم الارتفاعات الحالية

أعاد الجمود العقاري النسبي في البلد، الحديث بزخم عن واحد من أهم القطاعات الاقتصادية في لبنان، بات مالئ الدنيا وشاغل الناس منذ بدايات أزمة المال العالمية في أيلول (سبتمبر) 2008 وتداعياتها في ما بعد، وخروج لبنان من آثار الركود الذي فرضته على العقار في جميع بلاد العالم، وليمشي لبنان وحده من بينها منتصب البنيان والسعر في آن.
بيد أن اتجاهات العقار التي تحركت أسعارها فلكياً ما لبثت منذ بدايات العام الجاري، أن أخذت تتجه الى الجمود النسبي وليس الكلي، وباتت معها مشكلة التملك في العاصمة تشمل أكثرية اللبنانيين وليس فقط ذوي الدخل المحدود، ويؤكد خبراء عقار في السوق اللبنانية، أن المرحلة المقبلة مرحلة تصحيح أو استقرار لا ارتفاع بنسبة 25 بالمئة الى 30 بالمئة سنويا كما حصل في السنوات الماضية. كما أن هناك تردداً في الشراء بالاسعار المطلوبة. والتأكيد أنه لن يكون هناك أي نوع من الفقاعة (bubble) التي تظهر عادة مقوماتها قبل الوصول اليها. ورغم ان هذه السنة أسوأ السنوات الست، فقد ازدادت الاسعار في 6 اشهر الاولى منها بنسبة 5 الى 10 بالمئة.
وفي تقريرها الأخير قالت وكالة التصنيف الائتماني موديز، إنها رفعت مستوى التصنيف السيادي للبنان بدرجة واحدة إلى مستوى (B1) بعدما شهد القطاع العقاري في البلاد ازدهاراً منذ تحسن الأوضاع السياسية المحلية خلال النصف الاول من عام 2008، وارتفعت مستويات تدفق الودائع المصرفية من الخارج. إلا أنها أشارت الى المصدر الرئيسي للقلق الآن هو الارتفاع المفرط في أسعار الممتلكات، ما قد يكشف السوق امام حركة تصحيحية قاسية في حال حدوث صدمة سياسية محتملة، على الرغم من اننا رفعنا تصنيفنا السيادي للبنان، غير انه ما زال منخفضاً.
مكارم: نخشى توقف الطلب
وقال المدير العام لشركة رامكو العقارية رجا مكارم، إن سوق العقار في لبنان، بدأ يدخل فترة جديدة من الاستقرار، إلا أن الطلب ما زال مستمراً بدليل أن مجموعة كبيرة من الزبائن تطلب أرضا وشققا بأسعار تحتسب في خانة الايجابية، لكن الخوف هو من أن يتوقف الطلب.
وزادت حركة تسجيل المعاملات الخاصة برخص البناء خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 40% مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2009.
ويشير الى أن الأسعار في جزء كبير من المناطق لا تتطابق مع قاعدة منطقية وواقعية لقيمتها الفعلية، فأسعار الشقق خيالية، ويضرب مثلاً عن الأسعار في سوق سرسق حيث الانطباع بأن سعر متر الهواء لا يقل عن 2500 دولار، إلا أنه عند التخمين ومن خلال إجراء دراسات حول السعر الحقيقي للمتر، يتبين أنه يجب ألا يكون فوق 2000 دولار.
ويوضح أن ما يتحكم بسعر البناء هو سعر الأرض، لأن سعر البناء محدود، فأسعار الأراضي تسابق أسعار الشقق بشكل سريع، والمطور لا يخفض السعر. فهو كان يبيع من 60 الى 70 بالمئة من المشروع على الخريطة، ويترك ال30 بالمئة لشراء أرض فلا يجد بالأسعار القديمة، وبالتالي يجد أنه من الصعب خفض سعر الشقة، لذلك يحسب سعر الشقة على الأرض التي ينوي شراؤها بالأسعار الجديدة، وهذا ما يجعل الـ30 بالمئة من الشقق التي بقيت بأسعار عالية جداً، ومن هنا فإن الأسعار العالية تتأتى من الأسعار المرتفعة من الأراضي، وهذه المشكلة بدأت منذ 5 سنوات.
ويتابع قائلاً إن لبنان مر بفترة جنون في ارتفاع الأسعار على مدى أربع أو خمس سنوات، إلا أن الارتفاع بدا يتباطأ، وتوقع أن ندخل في مرحلة استقرار للسوق العقارية، لان مستويات الاسعار للاراضي وصلت لمستويات مرتفعة جداً. وبرأيي انه اذا حصل بعض الركود في السوق سيكون ذالك طبيعياً وصحياً.
ويلفت الى أن هناك تردداً اليوم من قبل الشراة، بالشراء بالأسعار الرائجة، لا يتعلق في الجانب السعري فقط، وإنما أيضاً بعامل ذي علاقة بقانون البناء الجديد، الذي يعطي للمطور العقاري ما بين 20 الى 30 بالمئة زيادة في الاستمثار عن الأبنية القديمة (فالأشياء الاضافية تزاد على الشاري، وهذه تتمثل في مخرج الطوارئ وسماكة الجدران ومدخل البناية، وجميعها تحسب من ضمن مساحة البيت).
وإذ وصف أسعار الأراضي بالجشعة، يلفت مكارم الى أن الطلب الخليجي انحسر كثيراً عما كان عليه، فالخليجيون كانوا يشكلون من 30 الى 40 بالمئة من المشترين في لبنان. إلا أنه منذ تراجعت نسبتهم الى 10 بالمئة لتبقى نسبة ال90 بالمئة للبنانيين. وقال إن أغلب العقارات تبنى حسب الحاجة، والابنية الفخمة جدا والمساحات الكبيرة التي تتعدى الـ500 متر، كانت مطلوبة من قبل الخليجيين خصوصاً، ولكن الطلب الخليجي انحسر فأصبح هناك بعض الفتور.
يضيف مكارم قائلاً إن شركة رامكو احصت مشروعاً فخماً قيد التطوير حالياً، وتبلغ مساحتها نحو مليونين ومئتي ألف متر مربع (نحو شقة) بيع منها نحو بالمئة، حيث قدر المخزون المتبقي وغير المباع بنحو سبعماية وخمسين ألف متر مربع أي نحو شقة، وهذه المشاريع لن تصبح جاهزة قبل سنة بأقل تعديل، وتقدر شركة رامكو هذا المخزون بقيمة مليارات دولار بأسعار اليوم.
مفاعيل الأسعار العالية في العاصمة
في لبنان، ليس هناك فقط مشكلة ذوي الدخل المحدود في التملك، وإنما هناك أيضاً مشكلة لذوي الدخل المعتدل، فـ90 بالمئة من اللبنانيين باتوا لا يستطيعون الشراء في بيروت، والباقي تستحوذ عليه نسبة 10 بالمئة لديها اقتدار مادي يمكنها من الشراء. لكن مكارم ينفي أن تكون هذه مشكلة عقارية بقدر ما هي مشكلة اجتماعيتة موجود بالمجمل في عواصم العالم.
واعتبر مكارم ان متوسط دخل العائلة في لبنان لا يزيد عن 2000 دولار شهرياً، والقروض التي تقدمها المصارف او المؤسسة العامة للاسكان على اساس هذا المبلغ لا تسمح للموظف بامتلاك شقة، اذ ان هذا الامر يهم اكبر شريحة من اللبنانيين، ويزداد الامر صعوبة يوما بعد يوم في قدرة ذوي الدخل المتوسط على امتلاك شقة خاصة في بيروت. فبالنسبة للعائلات التي لا تتعدى مجموع رواتبها الـ3000 دولار لا تستطيع ان تدفع اكثر من 1000 دولار شهريا، وبالتالي لا يمكنها ان تقترض اكثر من 140 الف دولار، اضافة الى ان عليها ان تدفع 35 الف دولار الدفعة الاولى من القرض، وبهذا المبلغ يمكن شراء شقة مستعملة بحدود الـ120 متراً وبأحسن الأحوال شقة جديدة بحدود الـ90 متراً مربعاً، علماً أن أسعار العقارات المبنية الجديدة في بيروت تتراوح بين ألفي دولار للمتر الواحد و10 آلاف.
ويرى ان اللبنانين عموما حتى الاغنياء منهم بدأوا يتجهون اضطرارا الى شراء الشقق الأصغر التي يزداد تطويرها حتى ان الشقق الصغيرة بين الـ80 مترا والـ100 متر، التي كان يعتبرها اللبناني شعبية اصبحت مقبولة للكثيرين، ويردف قائلاً هناك اختناق مساحات في بيروت، ومن الصعب ايجاد اراض غير مبني عليها، لان الابنية القديمة التي يمكن هدمها تأخذ وقتا اكبر لافراغها من المستأجرين. والعرض ينحصر في بيروت الآن وحيث الاراضي اصبحت نادرة أكثر فأكثر.
ويضرب مكارم مثلاً عن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي يمتلك شقة في باريس لا تزيد عن 120 متراً، وهذا المنطق للاتجاه نحو الشقق الصغيرة بدأ يشق طريقه في تفكير الناس في لبنان، على أن ذلك يجب أن يتعزز بفكرة الجودة التي يجب أن تحتضنها الشقة الصغيرة.
ويرى أنه بامكان الدولة اللبنانية أن تخفف العبء السكني على مواطنيها، فيما لو عززت وضعية طرق المواصلات والبنى التحتية وغيرها من الخدمات، وهو ما سيمكن المواطنين من العودة الى الريف بأسعار يستطيع فيها البناء، وفي نفس الوقت يستطيع أن يتواصل مع العاصمة دون عوائق.
اللبنانيون يرفعون الأسعار لا الأجانب
يرفض مكارم الطريقة التهجمية التي يناقش فيها موضوع تملك الأجانب، ويرى أنه من الأجدر ألا ننسى فوائد الاستثمار التي يأتي بها هؤلاء الى لبنان، فالدولة تعمل كل ما في وسعها لجذب هؤلاء الى السوق اللبنانية للاستثمار، وهناك في المقابل من يعتبر أن هؤلاء المستثمرين وكأنهم ارتكبوا خطيئة كبرى.
وقال هناك قوانين جدية، إذا عرفنا تطبيقها بجدية فلن تكون هناك مشكلة، على أنه يمكن معالجة الخلل والثغرات إن وجدت فيها، ومن غير الصحيح أن تملك الأجانب هو الذي ساهم في ارتفاع الأسعار، أضاف الاستثمارات الخليجية في لبنان والأجنبية كذلك استمرت بزخم حتى منتصف عام 2006، إلا أن الصورة انقلبت، إذ بدأ هؤلاء يبيعون ما تملكوا في سوليدير وغيرها، من أجل استخدام أموالهم في استثمارات أخرى خارج لبنان لجني مكاسب لم يحققوها في البلد. ورأى أن الطلب اللبناني الكثيف على العقار هو الذي أدى الى ارتفاع الأسعار.
وعن فكرة تحول المستثمرين من تحويل مراكز اقامتهم من لبنان الى دول تكون فيها اسعار الايجارات اكثر انخفاضا، يؤكد مكارم ان من يطلب الشراء في لبنان لن يشتري في منطقة اخرى حتى لو كان السعر اقل، خصوصا ان ليس في لبنان عدد كبير من شركات عالمية أو أقليمية كي تقارن بيننا وبين دول اخرى. وعلى أي حال فالايجارات في تركيا او سوريا او الاردن او دبي ليست ارخص مما هي عليه في لبنان، رغم الفورة. وحتى اسعار الشقق منخفضة اكثر من الدول المحيطة بنا، فعائد ايجار الشقق في بيروت لا يتعدى الـ4 بالمئة من قيمة الشقة او العقار. لذا لن يجدوا ارخص من لبنان، اضافة الى انه لا يمكن المقارنة. فالاسعار مثلا في غانا او نيجيريا مرتفعة اكثر من بيروت رغم انها دول غير متطورة. والمسألة عرض وطلب، حتى ان مقارنة بيروت بباريس او لندن او نيويورك، ستكون سخيفة. ومن يأتي لشراء شقة في بيروت سيشتريها هنا ولا يمكن ان نعرض له الشقة في اسطمبول حتى ولو كانت ارخص.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00