يسأل المواطن اللبناني، الذي غلبه تقنين مؤسسة كهرباء لبنان الرسمية، فأودعت رقبته تحت سكين دولة المولدات الخاصة، المشحوذة سعراً وتقنيناً، عن التسمية القانونية لهذه الدولة التي تملأ النصف الفارغ من كوب الكهرباء، وكيف لوزير الطاقة أن يعارض تحرير الانتاج، فيما تعيش دولة مولدات الكهرباء الخاصة على حل شعرها كما يقولون بالعامية، عندما ترتفع الأصوات المنددة بتعرفة هذه المولدات قد تتدخل البلديات، إلا أن تدخلها مثل تدخل الدولة في حالة الاقتصاد الرأسمالي، دعه يعمل دعه يمر، فلا إلزام لهؤلاء بتعرفة مدروسة ولا ضريبة يخضعون لها.
وفي ظل العجز والتقصير الكهربائي الرسمي، فإن دولة مولدات الكهرباء الخاصة، تستغل ذلك القصور بفرض ما يناسبها سواء على مستوى تسعير التعرفة أو على مستوى تغذية المشتركين بالتيار الكهربائي، والدولة حكماً لا تحرك ساكناً، فحل معضلة الكهرباء بات يميل في جانب كبير منه الى شق التوافق السياسي، لأن الشق التقني منه معلوم بعد عشرات الخطط والدراسات لانقاذ القطاع من عثراته.
وبالعودة الى دولة مولدات الكهرباء الخاصة، التي يعقد معها وزير الطاقة جبران باسيل اليوم اجتماعاً، لبحث خفض التكلفة على المواطنين، فإن هذا الاجتماع بمثابة اعتراف بقوى الأمر الواقع في الكهرباء، وهو ما يعني تمديداً للأزمة الكهربائية القائمة، التي دخلت في زواريب السياسة مرة أخرى، وهو ما يطرح سؤالاً هل يمكن انقاذ القطاع إذا لم تقر الموازنة سريعاً، والتي تتضمن قانون البرنامج الخاص بالكهرباء.
إن المواطن يسأل عن التسمية القانونية لأصحاب مولدات الكهرباء، أهي خاصة أم ذات منفعة عامة، ومن ينظم عملها، وهل هي البديل عن المؤسسة الأم؟، وطالما أن باسيل يعترف بقوى الأمر الواقع في القطاع فلماذا لا يدخل البيوت من أبوابها بدلاً من ظهورها، بإطلاق عملية تحرير الانتاج بشكل كامل، طالما أن هناك قانون للشراكة مع القطاع الخاص، حيث ان الخطة الجديدة لإصلاح وتطوير القطاع تفترض مشاركة استثمارية من القطاع الخاص بنسبة 47.6% من مجموع الاستثمارات المطلوبة والمقدرة بنحو 4870 مليون دولار. وهو ما يستلزم متطلبات أساسية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، تبدأ من إجراء تعديلات على القانون رقم 462 لجعله قابلا للتطبيق بعد تصحيح العيوب والتناقضات، واعتماد قوانين جديدة لتحويل مؤسسة كهرباء لبنان إلى شركة إنتاج ونقل وتوزيع، وقوانين أخرى لتنظيم عمليات إقامة معامل الإنتاج الجديدة، إلى جانب ما يتعلق بعقود الشراكة للقطاع الخاص. إلا أن باسيل كان قد غيّب أو قفز كما يقول النائب محمد قباني، في ورقة سياسة القطاع فوق أهم عملية إصلاحية بإقرار قانون تنظيم وإصلاح قطاع الكهرباء رقم 462، الذي أعدته حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تشير الأرقام أنه منذ بداية العام 2000 حتى العام 2009 قارب عدد مولدات الكهرباء الخاصة نحو 457 ألف مولد، وبين عامي 1996 و2005، ارتفع عدد الاسر اللبنانية التي تستمد الطاقة الكهربائية من مولدات خاصة، من 216 الف اسرة الى نحو 500 الف، اي من 6,33 من مجموع الاسر الى 57. علماً ان 8,99 من الاسر مرتبط بالشبكة العامة لتوزيع الكهرباء. وذلك استناداً الى دراستي مديرية الاحصاء المركزي حول الاحوال المعيشية للاسر.
وفي حين تستحوذ دولة مولدات الكهرباء الخاصة على 1،3 مليار دولار، فيما يقول خبراء ان أصحابها يحصّلون أكثر من 1,7 مليار دولار، وذلك يمكن احتسابه من خلال كمية المولدات الموجود في السوق والتي تقارب نصف مليار دولار، من خلال احتساب أن هناك نحو 1250000 مشترك جلهم يستمدون من الكهرباء البديلة بأسعار لا تقل عن 50 دولارا لاشتراك 5 أمبير، السؤال الذي يجب أن يوجهه باسيل الى هؤلاء أين تذهب الأموال التي يجبونها؟، وهل يدخل الى خزينة الدولة قرش منها؟، وهل استخدامهم للبنى التحتية للدولة يخضع للقانون؟، وعلى أي أساس يضعون التعرفات؟، ومع من ينسقون؟. لكن السؤال الأهم هو لوزير الطاقة هو هل ينبغي أن يدفع المواطن فاتورتين معا لكهربائين مقننتين؟.
إن سعر تكلفة الكيلوات ساعة الذي تنتجه مولدات الكهرباء الخاصة يباع للمواطن بأضعاف الثمن الذي تبيعه مؤسسة كهرباء لبنان، إضافة الى أن مئات الميغاوات التي تنتجها هذه المولدات خارجة عن نطاق الدولة وخارجة عن نطاق شركة كهرباء لبنان وهي لا تدفع (TVA) ولا ضريبة دخل ولا توفر فرص عمل وهي تفسد الأدوات الكهربائية في المنازل.
وبحسب دراسة موضوعة لدى وزارة الاقتصاد، فإن عملية الاحتساب لتشغيل المولد مع الأسعار المعطاة لطاقة مولد 200 ك.ف، تظهر ما يلي:
-تتوقف الطاقة الناجمة عن تشغيل مولد بالقدرة استناداً لمعادلة أنه لا يمكن سحب كامل الطاقة المنتجة من المولد إلا بمعدل 90% من قدرته بالتساوي من كل فاز، باعتبار أن المولد له 3 مخارج (فازات) ويختلف هذا استناداً لحالة المولد بحسب القدم والاستعمال.
-إن عملية احتساب ك.ف.أ واحد يعتبر 1.5 أمبير. هي عملية خاطئة، إذ ان المعادل الصحيح هو 1.3 أمبير في حالة 480 ف. وأن معادل كل 1 أمبير. على 220 ف. يوازي استعمال واستخراج 950 ف.، وقد تبين من خلال الوقائع لعمليات الاشتراك الممنوحة من أصحاب المولدات بوضع فواصل (ديجنتور) ولنأخذ مثلاً 5 أمبير. يكون في الواقع وإذا كان هذا الديجنتور (الفاصل) 3.8 في أحسن الحالات.
-أجمع الخبراء في المجال المذكور على أن المولد الواحد وبقوة 100 ك.ف.أ. يستهلك وقوداً بمعدل 5 ليترات كل ساعة، وبكامل قوة السحب للطاقة لذلك، فإن التكلفة الفعلية لمولد بهذه القدرة لجهة إعطاء 220 ساعة شهرياً، تظهر أن التسعيرة الموضوعة هي أكبر بكثير من التكلفة الفعلية. وفي حين أن القانون يمنع التدخل في الأسعار وخصوصاً لتلك السلع غير المدعومة من قبل الدولة، فإن لا شيء يمنع البلديات من دخولها على خط المنافسة مع أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة وإعطائها كهرباء للمواطن. وهذا ما لجأت اليه بلدية طرابلس في الآونة الأخيرة، التي حددت سعراً أقصى لبدل الاشتراكات بالمولدات الخاصة للامداد الكامل طيلة ساعات التقنين (في شهر رمضان فقط) وهو على الشكل الآتي: 5 أمبير ب50000 ليرة، 10أمبير ب90000 ليرة، 15 أمبير ب120000 ليرة، 20 أمبير ب150000 ليرة. وعلى الرغم من أهمية القرار البلدي المذكور إلا أن جزءاً كبيراً من أصحاب المولدات لم يلتزم بالتسعيرة المذكورة، إذ انه لا سلطة قانونية ملزمة عليهم.
والمفارقة المضحكة المبكية أنه في الوقت الذي تعجز فيه مؤسسة كهرباء لبنان من الجباية في عدد من المناطق وفي حين أن الهدرين الفني وغير الفني يأكلان من الطاقة المولدة، فإنه وبحسب الخبير الاقتصادي ميشال مرقص فإن خمسي الإنارة تؤمنهما الموّلدات الخاصة وتتقاضى خمسة أضعاف ما تجبيه كهرباء لبنان عن وحدة التغذية المتوازية.
والسؤال كيف تعجز مؤسسة تابعة للدولة عن جباية ما تنتجه من هذه السلعة الحيوية، لتفوق خسائرها السنوية مليار ونصف مليار دولار، في حين أن دولة مولدات الكهرباء الخاصة تفوق أرباحها مليار ونصف مليار دولار سنوياً.
وإذا كان أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة قد اتخذوا صفة خشبة الخلاص اليوم، فإن القرار الذي يجب أن يؤخذ هو إما شرعنتها وقوننتها وإما أن تأخذ الدولة على عاتقها أمر تأمين الكهرباء.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.