لا تبدو الحجج مقنعةً بشأن إقرار قانون البرنامج الخاص بخطة الكهرباء، قبل إقرار موازنة العام 2010، بهدف لململة اوضاع قطاع الكهرباء المتقطع الأوصال، والذي بلغ ذروته خلال الأسبوعين المنصرمين، وعبر عنها جزء من الشارع بقطع الطرق وإحراق اطارات السيارات.
فثمة أمور كثيرة يمكن أن يجتهد فيها كل من وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، لكبح جماح التقنين، أقلها وقف التعديات وتحسين الجباية، وابعاد الجانب السياسي عن الاطار التقني، إفساحاً في معالجة مرض الكهرباء دون الدخول في البازار السياسي، الذي كان سبباً في عرقلة مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي وضعه عام 1995 لقطاع الكهرباء.
وإذا كانت مداواة ملف الكهرباء اليوم تتم بالسلف، فإن الدواء الأكثر فعالية يكون من خلال إقرار الموازنة التي بامكانها السير بخطة الكهرباء حسب مراحلها الزمنية الموضوعة لها. ومن هنا كان تشديد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على ضرورة اقرار الموازنة بسرعة في مجلس النواب لكي تتمكن الحكومة من المباشرة بتنفيذ العديد من الخطط الانمائية التي تهم المواطن وخصوصاً الكهرباء، وذلك أن قانون البرنامج الخاص بالكهرباء وعلى مدى 4 سنوات، سيكون حكماً من ضمن موازنات السنوات الأربع المقبلة، وبالتالي فإن إقرار الموازنة هو أولوية ليس للكهرباء فحسب بل لكافة قطاعات الانتاج والاقتصاد الأخرى.
وتقول مصادر متابعة لملف الكهرباء، إنه لا يمكن فصل قانون البرنامج الخاص بالكهرباء عن موازنة العام 2010، وهو الحل الذي اقترحه رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابرهيم كنعان كحل آني وسريع للكهرباء، فقانون البرنامج عبارة عن نفقات استثمارية، يجب أن تدرج حكماً في الموازنة، وبالتالي تحدد اعتماداته داخل الموازنة، ولأن قانون البرنامج يخصص نحو 1،2 مليار دولار لخطة الكهرباء التي تبلغ تكلفتها 4870 مليون دولار، لتأمين 4000 ميغاوات لتوليد الطاقة في العام 2014 و5000 ميغاوات ما بعد العام 2015 (1550 مليون دولار من الدولة اللبنانية، 2320 مليون دولار من القطاع الخاص، و1000 مليون دولار من الجهات المانحة)، إضافة الى 1650 مليون دولار في المدى الأبعد.
وتضيف هذه المصادر إن قانون البرنامج هو لأربع سنوات، ولا يتوقف عند موازنة العام 2010، وسيدرج شق منه في موازنة العام 2011، فتحويل مبلغ ال1،2 مليار دولار المخصصة لهذا القانون ستصرف على 4 سنوات.
وترى هذه المصادر في تعليل فك ارتباط إقرار موازنة 2010 عن قانون البرنامج بأنه تعليل ضعيف، وأن مسوغات باسيل لا أرضية لها، وأن المعلومات تفيد أنه حصل على سلفة خزينة بـ6 مليارات ليرة منذ فترة، تمكنه بالتالي السير باتجاه تحضير دراسات المشاريع في خطة الكهرباء وإجراء المناقصات وفض العروض لها بالمبالغ التي أعطيت له. والكرة الآن في ملعبه ليقرر ماذا سيفعل بالفترة الفاصلة التي تسبق إقرار الموازنة، وبالتالي فبامكانه القيام بورشة التحضير التي تتطلبها مشاريع خطة الكهرباء. وأوضحت المصادر أنه سيتم تحويل 483 مليار ليرة لأغراض انشاءات الكهرباء وصيانتها، بمجرد إقرار موازنة 2010، منها 380 مليار ليرة، ستخصص لانشاء معامل انتاج بقدرة 700 ميغاوات.
وأما في ما يتعلق بما يثار حالياً عن تحسن في الجباية، فقالت المصادر إياها إنه لا يمكن التأكد راهناً من هذا الموضوع، كون الأرقام المتعلقة بهذا الأمر لم تصدر بعد.
الكهرباء الى تحسن
ساهم انخفاض درجات الحرارة والرطوبة مع نهايات الأسبوع الماضي، الى تخفيف الطلب على استهلاك الكهرباء من 2750 ميغاوات الى نحو 2200 ميغاوات، وذلك بعد ان خف عدد السياح وتدنى الضغط في استعمال المكيفات وأدوات التبريد لمواجهة موجة الحر والرطوبة التي مر بها لبنان، فيما خفت أيضاً الأعطال التي تتسبب بها الرطوبة والحر، وكذلك تحسنت أوضاع التوزيع على المخارج، بحسب ما قالته مصادر في مؤسسة الكهرباء.
وأكدت هذه المصادر أن أوضاع التغذية بالتيار الكهربائي تسير نحو التحسن، وقد خفت ساعات التقنين، وما من شك بأن اعتدال الطقس سينهي حالة التقنين الحادة.
وفيما يبقى الانتاج على حاله عند 1600 ميغاوات، فقد أعلنت مصر رسمياً أول من أمس، وقف وزارة الكهرباء تصدير الكهرباء إلى دول خط الربط العربي، وهي لبنان وسوريا والأردن وليبيا.
الغاز الطبيعي مشروع الرئيس الشهيد
أعاد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، خلال افطار يوم السبت الماضي في قريطم، التذكير بمشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري حول انشاء محطات لتوليد الكهرباء على الغاز الطبيعي. وقال ان هناك من يتحدث عن انشاء محطات للكهرباء على الغاز في الشمال والجنوب. هذا المشروع وضعه الرئيس الشهيد رفيق الحريري على طاولة مجلس الوزراء عام 1996 ورفض. ولو نفذ في ذلك الوقت لكنا تداركنا المشكلة التي نعانيها اليوم. نحن سنضع أمام أعيننا مصلحة المواطن وان شاء الله نستطيع ان نحقق الكثير مما وعدنا به في المرحلة المقبلة.
وتعليقاً على مسألة محطات الغاز، قال الخبير في قطاع الطاقة محمد عكاوي إن مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري الاقتصادي لقطاع الكهرباء، في ما يتعلق بتوليد الطاقة الكهربائية على الغاز الطبيعي بدلاً من الفيول والغاز أويل، لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء مبنياً على حيثيات ودراسات جدوى اقتصادية، بالنظر الى خصائصه الكيمائية والفيزيائية، التي برهنت الدراسات وجود فوائد عدة من استعمال الغاز الطبيعي بدلاً من مواد المحروقات الأخرى، وأشار الى أن حكومة الرئيس الشهيد كانت قد اتخذت القرار رقم 10 تاريخ 18/9/1996 بالموافقة على استعمال الغاز الطبيعي للانتاج الكهربائي، وذلك ضمن برنامج العمل (Action Plan) المرفق بمشروع سياسة التطوير القطاعي Lebanese Sector Developmment Policy (LSDP) وتعديلاته الموضوعة بمشاركة البنك الدولي، وذلك استعاضة عن مشروع تكرير الغازات والدخان الأسود الملوثة المنبعثة من المداخن في معامل الانتاج (Desulfuration System) الباهظ التكاليف. على أن يتم استيراد الغاز واستعماله بأقرب فرصة ممكنة، وخصوصاً لمصلحة تشغيل معملي البداوي والزهراني.
وأوضح عكاوي أن وزارة الطاقة والمياه في حزيران (يونيو) 1998 وضعت تقريراً تقويمياً بغية تحويل كافة معامل انتاج الطاقة الكهربائية الموجودة على الشاطئ اللبناني (بداوي، حريشة، ذوق، جية، والزهراني) على الغاز الطبيعي، بدلاً من الفيول والغاز أويل (المازوت). وقد بين التقرير الخطوات المتعددة لإنشاء المحطة البحرية للغاز الطبيعي (Regasification Terminal and Storage Tanks).
أما في ما يتعلق بالغاز المسيل، فيقول عكاوي إن الدراسات التي أجريت في العام 1998 قد بينت أن هناك امكانية لاستيراد هذه المادة، من قطر وعمان وأبوظبي ومصر واليمن ونيجيريا وغيرها، ودراسات عن التكلفة والنقل وغير ذلك. وفي أيار (مايو) 1998 أجرت شركة يو أس تريد اند دفلبمنت ايجنسي(US Trade and Development Agency USTDA)، دراسة لاستيراد الغاز السائل بهبة تبلغ 500 الف دولار، بناء على طلب من الحكومة اللبنانية.
ونشير الى انه جرت محاولات لاستيراد الغاز المسيل من قطر، إلا انه تم تجميد العرض القطري لأسباب سياسية! كذلك عقدت وزارة الطاقة والمياه عام 1996 اتفاقات نيات مع شركات توتال، ألف اكيتان (اندمجتا لاحقاً)، شل، بريتيش غاز، وكالوغ لتأمين مادة الغاز أو اعداد دراسات عن جدوى استخدام الغاز كطاقة بديلة من الفيول أويل في معامل توليد الكهرباء. إلا أن المفاوضات التي بدأت جدياً توقفت في مراحل لاحقة، بسبب تأثير ما يسمى مافيات الفيول التي ليس لها مصلحة في استعمال لبنان للغاز الطبيعي.
وأوضح عكاوي أن هذا المشروع قد وضع على نار باردة، عقب خروج الرئيس الشهيد رفيق الحريري من الحكم عام 1998، بحيث لم يتم تلزيم انشاء المحطة البحرية للغاز الطبيعي، كما كان مقرراً له. ولفت الى أن الرئيس الشهيد كان قد حذر في حينه، من تسيير معامل الانتاج في البداوي والزهراني على الغاز أويل لأكثر من 4 سنوات، لأن ذلك سيؤدي الى خسارة عمرها التشغيلي والى تقلص طاقتها الانتاجية الى 40% من طاقتها الانتاجية القصوى، فضلاً عن عدم ربط المعملين بشبكة النقل. وللاشارة فقط، تحتاج محطات انتاج الطاقة الى اعادة تأهيل تقدر تكلفتها بنحو 200 مليون دولار، لاستمرار هذه المعامل في استعمال الفيول أويل والغاز أويل، مما انعكس سلباً على سلامة المعامل وقدرتها التشغيلية، بدليل التقرير الذي رفعته الشركة الصانعة جنرال الكتريك الى كهرباء لبنان في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1999 تشير فيه الى أن سبب تفجر المحرك (التوربين) الثالث في محطة بعلبك، يعود الى استخدام الفيول الرديء.
وأشار عكاوي الى أن مشروع استيراد الغاز الطبيعي كان سيوفر كثيراً من الأزمات التي يشهدها قطاع الطاقة في لبنان اليوم، لو اعتمد قبل أعوام بحسب الأطر التي رسمتها سياسات واستراتيجيات الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فالمعامل أنشئت لتوليد الطاقة على الغاز (دير عمار والزهراني)، ولكن تمّ تشغيلها على الغاز أويل الأعلى تكلفة ماليا وبيئيا، ولم تتأمن على خط آخر مصادر الطاقة المناسبة لتشغيل المعملين. وقد تمّ استهلاك المعامل الأخرى، وحُمّلت أكثر من طاقتها، وغابت عنها عمليات الصيانة الدورية بسبب انخفاض التمويل الاستثماري الخاص، فكان ان استهلكت معظم مدتها التشغيلية، وباتت قاب قوسين من التقاعد.
ورأى عكاوي أن ثمة مأساة اقتصادية في تأخر لبنان عن اعتماد الغاز الطبيعي، لافتاً الى أن هذه المأساة تكمن في الوفر الذي أضاعه لبنان، وأكد أن مشروع استجرار الغاز المسال وتحويله الى غاز طبيعي، هو من أكثر المشاريع أهمية في قطاع الطاقة الكهربائية على المديين القصير والمتوسط، لأنه أكثر أمناً من استيراد الغاز الطبيعي مباشرة عبر الأنابيب (Security of Supply)، ويمنح لبنان استقلالية مهمة بالنسبة الى استيراد الغاز، ويتيح تعدد مصادر الاستيراد عبر عقود طويلة، كما يعطي لبنان قدرة تفاوض كبيرة مع هامش مناورة أوسع في الأسعار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.