يبدو أن مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يسلك طريقه الى النور قريباً، مع وضع اللجنة المكلفة درسه ملاحظاتها الأخيرة عليه، على أن يُرفع الى مجلس الوزراء لدرسه.
ويعوّل المراقبون كثيراً على هذا المشروع، لكونه سيكون الرافعة التي ستدخل يد القطاع الخاص ولا سيما المصارف المتخمة بالسيولة، في المشاريع الانتاجية، خصوصاً مشروع الكهرباء، الذي وضع على نار حامية، فالخطة الخاصة بهذا القطاع التي وضعت أواخر حزيران (يونيو) الماضي، تؤشر بشكل جلي الى موضوع تشركة كهرباء لبنان، وترى أنه يستلزم نجاح هذه السياسة استنهاض كهرباء لبنان EDL كونها العصب الفعلي للقطاع، وتأمين المرونة المالية، الإدارية والبشرية اللازمة، لمواكبتها لسرعة التطور المطلوبة. وتعتبر ورقة سياسة قطاع الكهرباء التشركة الطريقة الأمثل لتحقيق الهدف...على أن تجري هذه العملية تحت إشراف ووصاية الوزارة بالتعاون الكامل مع المجلس الأعلى للخصخصة......
وإذا كان بصيص الضوء في آخر النفق الكهربائي المظلم اليوم، يتمثل في استقدام الشراكة بصفة مستعجل، لكون وضع الكهرباء لم يعد يحتمل تنظيراً، خصوصاً وأن الشراكة لم تبدأ اليوم بل بدأت منذ العام 1860 في أيام العثمانيين، عندما استخدم موضوع الشراكة لجر مياه نهر الكلب الى بيروت. وليس بعيداً أكثر فإن الحكومة اللبنانية كانت قد أقرت في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 مشروع قانون خاص بالشراكة.
إذاً، متى يقرّ مشروع قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، رغم التطمينات والتأكيدات، والحديث عن توافق شبه إجماعي للأطراف السياسية المتنوعة في البلاد على هذا المشروع؟.
هذا السؤال حملناه الى راعي المشروع والوسيط بين القطاعين العام والخاص وزير الدولة عدنان القصار، الذي له اليد الطولى في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، والتسريع في وضع المشروع على سكة الإقرار.
إقرار القانون
يقول القصار لـالمستقبل، مشروع قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو الآن في مجلس النواب بانتظار البحث والإقرار. ونحن نؤيد التعجيل بإجراءات إقراره لفتح آفاق جديدة لدور أساسي ومتجدد للقطاع الخاص، من شأنه أن يكسر حلقة الجمود التي تحول دون النهوض بمشاريع البنية التحتية، بالأخص في قطاعات الكهرباء والمياه والطاقة المتجددة والطرق والبيئة وغيرها من المجالات الحيوية.
ويشير الى حركة التواصل مع القيادات الرسمية حول هذا الموضوع وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. كما قمنا بمواكبة قيادات الهيئات المصرفية بجولة على الرسميين المعنيين بالموضوع، وشملت الزيارات رئيسي مجلس النواب والوزراء نبيه بري وسعد الحريري ووزيرة المال ريا الحسن، حيث شرحنا موقفنا الداعم لمشروع القانون، وأوضحنا أهمية أن يأتي على أسس استثمارية وتجارية سليمة تضمن نجاحه.
وأمل القصار في أن ينال هذا الموضوع الأهمية التي يستحقها، وباتخاذ كل الإجراءات اللازمة التي تكفل التعجيل بإقراره وتفعيله. ذلك أن مشروع القانون الجديد مهم لاستقطاب الاستثمارات الخاصة اللبنانية والعربية والدولية، فضلاً عن أهمية استقطاب الإمكانيات الفنية والإدارية العالية التي يتمتع بها القطاع الخاص واستثمارها في تنفيذ مشاريع حيوية للاقتصاد اللبناني. وهو يشكل آلية أساسية وجديدة نحتاجها لمواكبة الحاجات الاقتصادية الجديدة لتنظيم العلاقة بين القطاعين العام والخاص في ما أصبح متعارفاً عليه عالمياً بـ PPP، والذي أصبح معتمداً في معظم دول العالم.
ضمانات القطاع الخاص
أما في ما يتعلق بالضمانات التي ستُعطى للقطاع الخاص في هذا المشروع مقابل الشراكة مع الدولة، فيؤكد الوزير القصار أن مشروع القانون الجديد يشكل آلية قانونية تنظم وتضبط العلاقة التشغيلية والحقوق والواجبات للطرفين الشريكين على أسس استثمارية وتجارية صرفة. ويشمل كافة مشروعات البنية التحتية التي لها طبيعة اقتصادية وذات منفعة عامة والتي يمكن للقطاع الخاص المشاركة فيها من خلال 3 أنواع من المساهمات، أولها التمويل، وثانيها كل ما يتصل بالإنشاء والتطوير والترميم والتجهيز والصيانة، وثالثها ما يتعلق بالاستثمار وبإدارة المشاريع. ويتم تنظيم التعاون من خلال عقد شراكة يتم إبرامه ويتضمن شروط تنفيذ المشاريع والنظام القانوني للعقد. ويضيف في هذا المحور الى أنه من المتعارف عليه بالنسبة إلى العقود التجارية والاستثمارية، فإن المخاطر التجارية لأي مشروع يتحملها الشريك التجاري بحسب نسبة مشاركته. وأود أن ألفت هنا إلى نقطة مهمة جداً تتعلق بالمخاطر غير التجارية، حيث هناك المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وإئتمان الصادرات، التي تستطيع أن تغطي هذا النوع من المخاطر بالنسبة إلى الاستثمارات العربية الراغبة بالاستفادة من القانون الجديد بعد إقراره. كما هناك أيضاً المؤسسة الدولية لضمان الاستثمار ميغا التي توفر أيضاً هذا النوع من الضمان بالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبية.
انقاذ الكهرباء
وفي ما يتعلق بقطاع الكهرباء أين يرى الوزير القصار كقطاع خاص أوجه الاستثمارات وجدواها، يقول هناك العديد من المجالات التي وردت في الخطة التي تقدم بها وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، وتشمل كل من الإنتاج والتأهيل والصيانة والطاقة البديلة من المياه والرياح، إلى جانب مشاريع نقل الطاقة وتوزيعها وعقود التوظيف الخارجي Out sourcing بالنسبة للخدمات المتصلة مثل تركيب العدادات الذكية وغيرها من الخدمات. ويوضح أن الجدوى الاستثمارية التي يحتاجها القطاع الخاص للمشاركة تتطلب أمرين أساسيين، أولهما اتخاذ الإصلاحات اللازمة لتعزيز الإدارة والكفاءة، وثانيهما إشراك القطاع الخاص في إدارة المشاريع التي يستثمر بها لحماية استثماراته وضمان جدواها الاقتصادية. وتلك الأمور ضرورية جداً، بالأخص وأن الخطة الجديدة لإصلاح وتطوير قطاع الكهرباء تفترض مشاركة استثمارية من القطاع الخاص بنسبة 47.6% من مجموع الاستثمارات المطلوبة والمقدرة بنحو 4870 مليون دولار. كما هناك متطلبات أساسية لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، حيث تقتضي الخطة الجديدة إجراء تعديلات على القانون رقم 462 لجعله قابلاً للتطبيق بعد تصحيح العيوب والتناقضات، واعتماد قوانين جديدة لتحويل مؤسسة كهرباء لبنان إلى شركة إنتاج ونقل وتوزيع، وقوانين أخرى لتنظيم عمليات إقامة المعامل الإنتاجية الجديدة، إلى جانب ما يتعلق بعقود الشراكة للقطاع الخاص. وكذلك هناك مشاريع للتأهيل والتطوير أوكلتها الخطة للقطاع العام لتنفيذها قبل فتح المجال للقطاع الخاص.
لكن هل خطة الكهرباء التي أقرت في حزيران الماضي تشكل صمام أمان للقطاع الخاص؟، يقول القصار هناك أمور أساسية ينبغي إنجازها لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وأود أن أضيف إليها عاملاً أساسياً وجوهرياً يتعلق بضرورة تحييد الموضوع عن المتاهات السياسية، والتعامل معه على أساس اقتصادي صرف ومدّه بالإصلاحات التي يحتاجها، وتكفل تعزيز الإنتاجية والكفاءة المطلوبة، كي لا تبقى قضية الكهرباء في لبنان جرحاً نازفاً إلى ما لا نهاية.
الشراكة والاستثمارات
أما في ما يتعلق بالتقديرات لحجم استثمارات القطاع الخاص مع الدولة بعد إقرار القانون المذكور، فيشير الوزير القصار الى أنها تعتمد على مدى النجاح في إجراء الإصلاحات المطلوبة. وفي واقع الأمر إن هناك إمكانية لاستقطاب استثمارات هائلة عندما يطمئن القطاع الخاص إلى انطلاق عجلة الإصلاح والتطوير بالشكل المناسب. وعلى المستوى المحلي يمكن للقطاع الخاص اللبناني تحريك استثمارات بما لا يقل عن 10 مليارات دولار. أما على المستويين العربي والدولي، فالمجال مفتوح لأكثر من ذلك، بالأخص وأن الأداء المميز للاقتصاد اللبناني بالرغم من الأزمة المالية العالمية قد عزز كثيراً من الثقة بجدوى الاستثمار فيه. والأمر برمته يتوقف على مدى جدية المضي قدماً بالإصلاحات المطلوبة. ذلك أن القطاع الخاص يتلقف الإشارات الإصلاحية بسرعة ويتجاوب معها إلى أبعد الحدود.
ويرى القصار أن الوقت مناسب جداً لوضع برامج الإصلاح موضع التنفيذ الفعلي، استناداً إلى النجاحات الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية التي سجلت معدل نمو حقيقياً في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 8%. كما أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفع بنسبة سنوية قدرها 33.2% إلى نحو 4.8 مليارات دولار عام 2009، ليستقطب بذلك نسبة 6% من الاستثمارات الواردة إلى المنطقة العربية مقابل نسبة بلغت 3.8% عام 2008.
وإذا كان الاستقرار هو القاعدة الصحيحة للاستثمار، فإن الوزير القصار لا يحيد عن هذه القاعدة أبداً، ويقول يبقى صمام الأمان الأساسي للقطاع الخاص هو استمرار الاستقرار السياسي والأمني الذي ينعم به لبنان، والذي يجب أن يبقى شغلنا الشاغل وعلينا أن نعمل على تدعيمه بالشكل المطلوب بتعاون وثيق بين جميع الأطراف. فليتحمل الجميع مسؤولياته الوطنية لكي يستمر لبنان في تسجيل المزيد من الإنجازات الاقتصادية، بالأخص بعد استكمال عملية الإصلاح الاقتصادي بالشكل المطلوب.
وإذا كان عامل الاستقرار مهماً للاقتصاد الوطني، يرى القصار أن هناك عاملاً آخر يحتاجه الاقتصاد أيضاً وهو تسريع وتكثيف الجهود لتعزيز البنية التشريعية التي يحتاجها القطاع الخاص، لكي يقوم بالدور المناط به ويسجل المزيد من النجاحات. كما أدعو إلى استنفار اقتصادي لتنفيذ الخطط والبرامج القطاعية التي أقرّها مجلس الوزراء، إلى جانب الاستمرار بتنظيم ورش عمل وزارية متخصصة لاستكمال ما نحتاجه من خطط أخرى.
ويعتبر القصار أن حكومة الوفاق الوطني قد أنجزت الكثير خلال فترة قصيرة من ولايتها، كما وضعت عدداً من الأمور على السكة السليمة. ولكن لا يزال أمام هذه الحكومة الكثير من الأمور التي تحتاج إلى اهتمام، والتي يأتي في مقدمتها تطوير البنية التحتية في مختلف القطاعات. وعلينا أن نسرع العمل بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه لننتقل إلى الجيل الثاني من الإصلاحات والبرامج بما يتناسب مع حاجات التنمية للاقتصاد اللبناني، وبما يفعل المزيد من طاقات القطاع الخاص والاستثمارات اللبنانية والعربية والأجنبية، ويشجع استقطابها إلى المجالات الحيوية للتنمية والتقدم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.