8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القطاع المصرفي يرفض تمويل الدولة مباشرة بل المستثمرين في التشركة

نحن اليوم نقف مكتوفي الأيدي، تجاه أزمة الكهرباء الحالية، وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لا يتوقف هاتفه عن الرنين إزاء الأزمة، ليلاً ونهاراً، لا نستطيع أن نفعل شيئاً، سوريا توقفت عن مدنا بالطاقة وكذلك فعلت الأردن بفعل الضغط على الشبكات من جراء الحرارة المرتفعة والطلب على الطاقة، أي خسارة (250 ميغاوات)،...لا تقدم على مسار البواخر، التحضيرات استمرت شهرين لهذا الأمر وقد أعطى الوزير معلومات دقيقة عن أوضاع الشبكة، لا ندري كيف توقف الأمر....الجميع مسؤول. تقول مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان.
وعلى هذا الأساس، تكاد تكون مقاربة وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، لملف الكهرباء تحتمل صيغة التوصيف، فواقع القطاع في الخطة التي أقرتها الحكومة أواخر حزيران (يونيو) مأسوي، فإن الأولويات فيها هي على شكل أولوية واحدة، وهو ما يعثر المهمة التي يتوق إليها جميع اللبنانيين، وهي إنقاذ البلد من مشكلة الكهرباء، التي تجمع الطوائف والمناطق برمتها على أنها الأولوية التي ينبغي ايجاد حل لها، سواء جاء الانقاذ من هذه الجهة أو تلك، والحكومة رؤيتها الأكيدة هي معالجة هذا الملف الشائك، وتحويله من قطاع يأكل من الخزينة ما معدله 1،5 مليار دولار سنوياً الى قطاع يغذيها.
البداية المتعثرة في الحوار بين الوزير باسيل وأصحاب الامتيازات، لا تبشر ببدايات أفضل حالاً في الحوار مع القطاع الخاص، إزاء آليات الشراكة التي يريدها وزير الطاقة. إذ لا يكاد يوم إلا ويمر تصريح للقطاع الخاص يطرح فيها رؤية معاكسة لرؤية الوزير باسيل. فقد أعلن الرئيس السابق لجمعية المصارف فرانسوا باسيل أن القطاع الخاص غير مستعد للاشتراك مع الدولة، إنما لمشاركة الدولة في النمو، والفارق كبير بين المعنيين. فمشاركة القطاع الخاص للدولة تعني كمن يجلب الدب الى كرمه. لكن اذا كان لدى الدولة مشروع انتاج كهربائي فعليها تحرير انتاج الكهرباء، وعندها يتحمل كل واحد مسؤوليته من القطاع الخاص. وقال لن يدخل احد في تشركة الكهرباء مع الدولة، إذ أنه طالما هناك طائفية ومذهبية وزبائنية في لبنان، فلا توجد إدارة صالحة، من هنا لن يدخل احد مع الدولة في هذا المجال، مضيفاً اذا أردنا تنمية المؤسسات ذات الطابع التجاري في لبنان، فذلك عن طريق اعطاء امتيازت الى القطاع الخاص او BOT.
زيادة الانتاج وتحريره
تنطلق الرؤية التي وضعها وزير الطاقة باسيل، في مسألة زيادة الانتاج وكما وردت في ورقة سياسة قطاع الكهرباء على الأمر التالي :سياسة الانتاج هي الوصول الى قدرة انتاج 4000 ميغاوات في 2014 و5000 ميغاوات في ما بعد، لتغطية حمولة 2500 ميغاوات (صيف 2009)، 500 ميغاوات حمولة غير مصدرة حالياً (مولدات خاصة)، نمو الطلب الذي يتقابل مع نمو سنوي 7%، و15% احتياط ضروري:
أ-امكان استئجار أو استجرار 250 ميغاوات (بواخر أو مولدات أو استيراد) في القريب العاجل، لسد النقص الحاد في صيف 2010، ولتأمين بديل على مدى 2-3 سنوات لعملية تأهيل واستبدال المعامل القديمة.
ب-إضافة 600-700 ميغاوات بشكل عاجل وبتمويل من الدولة اللبنانية مع احتمال التمويل الخارجي أو الخاص اللاحق لمعامل CCGT و/أوRECIPROCATING ENGINE ، باحتمال توزيعها على الشكل التالي 200-300 ميغاوات RECIPROCATING ENGINE، و400-500 ميغاوات (نهاية 2010 بداية 2011).
ج- تأهيل، إصلاح، إستبدال أو توسيع المعامل القديمة بما يؤمن إضافة قدرة انتاج نحو 245 ميغاوات.
د- البدء بعملية إنشاء معامل بقدرة 1500 ميغاوات الآن، ولاحقاً 1000 ميغاوات بعد 2014 على طريقة IPP وبالتعاون مع القطاع الخاص مع تمويل 20% من القروض الدولية كحد أدنى، عند توافر فعاليتها وجدواها الاقتصادية والتشغيلية وإعطائها كل فرص النجاح اللازمة. (اعتبار شراكة القطاعين العام والخاص كخيار أساسي لمشاريع من هذا النوع).
ه-زيادة الانتاج المائي عبر تصليح و/أو استبدال المعامل القديمة، وتوفير طاقات انتاج جديدة عن طريق الBOT، بما يترافق مع بناء السدود في قطاع المياه (لا تقل عن 120 ميغاوات وفقاً لمسودة خطة كهرباء فرنسا).
و- إدخال الطاقة الهوائية عن طريق القطاع الخاص بانشاء مزارع الهواء (60-100 ميغاوات).
ز- تشجيع القطاع الخاص لتبني فرص الانتاج عبر النفايات (WASTE TO ENERGY) والتحقيق في الطاقة الحرارية الأرضية (GEOTHERMAL ENERGY). على أن تستكمل الوزارة مع كهرباء فرنسا (EDF) التصميم التوجيهي ليتكيف مع كل مراحل التنفيذ ونمو الطلب.
وإذا كانت طروحات الوزير باسيل تعتمد على صيغة زيادة الانتاج، بالتعاون مع القطاع الخاص، فإن القطاع الخاص يعارض هذه الرؤية سواء في زيادة الانتاج أو في شكل التعاون.
فلبنان بحاجة الى تمويلات بالجملة للمشاريع الاستثمارية والخدماتية والتنموية، لذلك تبقى مشكلة تأمين التمويل لمشاريع البنى التحتية من مياه وكهرباء من قبل القطاع الخاص وتحديداً القطاع المصرفي، الى الآن لم يقر بعد مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص الـ PPP وهو ما يعني عدم اكتمال آلية التمويل وطريقة الشراكة بين القطاعين، باعتبار أن القطاع المصرفي يرفض تمويل الدولة مباشرة لتنفيذ هذه المشاريع والتي تفوق تكاليفها 5 مليارات دولار تقريباً على المديين المتوسط والطويل، فتصور المصارف لتمويل المشاريع الاستثمارية يقضي بقيام المصارف بتمويل المؤسسات الشريكة أو الشريك الاستراتيجي للدولة، أي أن المصارف تمول من ينفذ ويستثمر المشروع في البنى التحتية، والذي يتولى جباية مواردها لسداد المستحقات للمصارف.
وعلى الرغم من أن السيولة التمويلية للمصارف متوفرة، بالنظر الى حجم الودائع لديها، فالمصارف ترى أن
هناك أشكالاً كثيرة من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي تستدعي صياغة مجموعة كبيرة من العقود المتنوعة والمعقدة، فالمصارف لن تكون شريكاً للدولة بل ستكون راعية قانونية وممولة للشريك الخاص مع القطاع العام.
وبغض النظر عن شروط التمويل التي تضعها المصارف في مجال مشاريع الكهرباء، فالقطاع الخاص أيضاً لديه تحفظات بشأن الشراكة مع القطاع العام في ما يخص مشاريع الكهرباء.
تحرير الانتاج
تترجم الوقائع الميدانية، سوء الوضع الكهربائي لجهة اتساع رقعة التقنين، إذ أن قدرات الانتاج لا تكفي لتلبية الطلب على الطاقة، وقد زاد الطين بلّةً توقف استجرار الطاقة من سوريا ومصر بسبب الضغط على الشبكات المصرية-الأردنية والسورية. وهو ما يؤشر الى مدلول خطر لا يتوقف عند قرف الناس بل يتعداه الى التأثير على قطاعات الانتاج والخدمات ككل ومن ثم الاقتصاد، فضلاً عن التكاليف المادية الخسائر الناتجة عن التقنين، إذ أن تكلفة الطاقة غير المعطاة على الاقتصاد وكما ورد في الخطة تراوح بين 200 حتى 2000 دولار لكل ميغاوات ساعة. فقد تم اعتماد معدل 700 دولار وتشمل قيمة المولدات الخاصة، بحيث وصلت الخسائر الاقتصادية الى 2,5 مليار دولار على الاقتصاد اللبناني في 2009، مقسمة الى 1،3 مليار دولار للمولدات الخاصة، و1,2 مليار دولار كخسائر مباشرة على المستهلكين. لقد تسبب فشل إصلاح الكهرباء بعجز سنوي بقيمة 1,5 مليار دولار على القطاع العام وخسائر على الاقتصاد الوطني لا تقل عن 2,5 ملياري دولار في السنة. فإذا كان الانتاج لا يتعدى 1600 ميغاوات، فإن الحاجة الى 2600 ميغاوات تعني خسارة لا تقل عن 1000 ميغاوات والتي يمكن تقريشها بالدولار.
لكن يبقى السؤال الكبير، الى ما هذه الضجة الكبرى لخطة الكهرباء؟، وإلى متى وضع التقنين يستمر؟، لا أحد يعترض على انقاذ خطة الكهرباء، لكن العبرة في التنفيذ، وفي تحديد الأولويات ليتبين أبيض الحل من أسود المشكلة.
لا ينفك عميد الصناعيين السابق جاك الصراف، يلح على طلب تحرير الانتاج قبل الانتقال الى موضوع الشراكة. ويرى أن الخطة التي وضعت اليوم لحل مشكلة الكهرباء المتفاقمة، قد أتت بتفكير الوزير باسيل لحل مشكلة بدأت منذ العام 1975 أي مع بدايات الحرب الأهلية المشؤومة في لبنان. لافتاً الى أن العمل انصب من العام 1975 الى العام 1992 على مسألة تأهيل المعامل والشبكات من جراء ما أصابها من الحرب. أما من العام 1992 ولغاية 2010 فقد أتى الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتطوير هذا القطاع، وقد وضع الوزير جورج افرام خطة لذلك، إلا أن اقالته أوقفت العمل بهذه الخطة، ومع الرئيس فؤاد السنيورة أتى الوزير محمد فنيش الذي وضع خطة ممتازة لانقاذ الكهرباء، عمل الوزراء من بعدها على الخطة الفنيشية.
والوزير جبران باسيل أضاف جميع هذه الأوراق بخطة متكاملة الإنتاج والنقل والتوزيع. لكن كان هناك نقطة يجب معالجتها، وهي القانون 442 الذي وضع أسس تشكيل الهيئة المنظمة للقطاع، وهي التي كان بامكانها انقاذ القطاع.
ويسأل صراف أين نحن اليوم من هذه الخطة؟، لا يمكننا كقطاع خاص إلا أن نؤيدها بيد أنها تتعارض مع الهيئة المنظمة، فالوزير بالخطة التي وضعها لا يرى مرجعية فوق مرجعيته، فالهيئة المنظمة لها صلاحيات كبيرة، ولذلك نحن نرى أنفسنا أننا مع بداية خلاف مع خارطة طريق بشأن إصلاح الكهرباء.
صراف الذي يرأس الجمعية اللبنانية للطاقة المستدامة يقول نحن صرخنا، هناك نفخ إعلامي كبير من أن الخطة ستأتي بالكهرباء 24/24 ساعة، إنما لا ضوء ولا بصيص لتنفيذ الخطة. على ماذا نبني رأينا؟، نحن استمعنا إلى الوزير باسيل وإلى النائب محمد قباني، الذي أعطانا وجهة نظر من أنه لا يمكن غض النظر عن الهيئة المنظمة وكذلك القانون 462، فالحكومة ووزارة المال صحيح أنهما تدعما الخطة، إلا أن مجلس النواب يشرع القوانين ويسهر على تطبيقها، بيد أن الوزير يتغير فكيف يمكن متابعة تنفيذ الخطة؟.
أما بشأن الشراكة المطروحة اليوم أمام القطاع الخاص مع القطاع العام، فيرى صراف أن المشروع قائم اليوم ويعمل عليه رئيس الحكومة، الذي يدرك أهمية المشاركة الفعالة بين القطاعين، على الرغم من وجهات النظر في هذا المجال فالقطاع المصرفي يرى أنه ليس فريقاً ممولاً للحكومة أو لإدارة أو لوزارة بل هم سيقومون بتمويل المستثمر في الشراكة، ولذلك نحن نريد دوراً أكبر للقطاع الخاص، نحن لا نخصص بل نطلب شراكة لإنتاج الكهرباء، نحن مستعدون للشراكة الكاملة، أنا اليوم وفي ظل هذا الوضع بالكهرباء مواطن متضرر كصناعي ومستهلك.
ورأى صراف أن الحل الأساسي اليوم يكمن في الاتجاه نحو الطاقات البديلة قبل النفط، الغاز، فهناك 5 سنوات لانجاز الخطة الموضوعة، ولذلك يجب أن تتضمن رؤية أكبر في موضوع الخطة البديلة، فالتغطية الشمسية عالية في لبنان وهذا مهم، يقولون أن هناك دراسة عن أطلس الهواء، لذلك علينا الاتجاه نحو الامكانات البديلة التي نشجعها، فالحكومة ترى أنه يجب الاعتماد عليها بنسبة 20% من الآن الى العام 2020، لذلك أتمنى على الحكومة والوزير تشجيع وتحرير كبش المحرقة الذين يلقطون فيه، من خلال إنتاج الشركات، فليحرر قطاع انتاج الكهرباء الذي يعتمد اليوم على المحروقات بانتاج بديل (رياح/شمس)، فالانتاج اليوم يكلف الدولة نحو 18،5 سنتات، فليفتح الباب أمام المنافسة، وكفى ربط المستهلك بالخطط التي لا نعلم ما سينفذ منها، لذلك يجب تحرير القطاع في مجال الانتاج من الحصرية، لتخفيف استيراد المحروقات التي تكلف الدولة مبالغ طائلة سنوياً نحو 1،2 مليار دولار وأكثر.
ويقول نحن نختلف بالرؤية، من ضمن تفكيرنا أن خطة الكهرباء لم تعط الدور المطلوب للقطاع الخاص، وبالتالي لا نزال ننتظر إكتشاف المزيد من بنودها التي لم يعلن عنها الوزير جبران باسيل لحمايتها من بعض الذين لا يريدون انجاحها. ويضيف صراف نحن لدينا بعض الملاحظات وأهمها أننا لسنا مجبرين على تأمين اللازم، التحول إلى مساهمات للدولة إذا كنا لا ندير أموالها التي حولناها إلى الدولة في أي قطاع من القطاعات في القطاع العام. ومن المؤكد أن المصارف ستتريث في إعطاء التمويل اللازم إذا لم يكن للقطاع الخاص الدور الأساسي في إدارة القطاع الممول، وبالتالي نحن هنا نختلف بالرؤية مع الحكومة في هذا الموضوع. ويتابع القطاع الخاص مهتم بالإنتاج والدولة تشتري منه على أساس أسعار محددة. نحن على إستعداد للإنتاج وبيعه للدولة بمختلف الوسائل وبالسعر الذي نحدده، ولكن لا يمكن أن نمول الدول لقطاع لسنا مسؤولين عن إدارته، أو معرفة إستثمار التمويل الذي وضعناه.
ويلاحظ صراف أن التشعبات السياسية مستمرة، وهذا ما أدى إلى إستمرار العجز في مؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي مفروض أن يلعب القطاع الخاص الدور المطلوب منه خصوصا أنه أثبت نجاحه في ميادين عدة.
ويشير صراف الى أن هدف الشركات هو مساندة الدولة لحل المشكلات القائمة اليوم في قطاع الكهرباء، ويلفت الى أن امتيازات الكهرباء مهمة وهي ليست مضرة بالاقتصاد الوطني، ولذلك على الوزارة مساندتها وتشجيعها وفتح حوار بناء معها، ولذلك يجب أن تنشئ سياسات انتاج مناطقية للمساعدة في حل المشكلة.
ويضرب صراف مثلاً بكردستان العراق التي حررت موضوع الانتاج في الكهرباء وتحررت من عبء الضغوط المادية في هذا المجال. ويشير الى أن مسألة الخلاف بين الوزير باسيل والشركات، يمكن اختصارها بأن الوزير يريد زيادة الانتاج بينما القطاع الخاص يرى أن الأولوية هي في تحرير الانتاج للبدء بعملية الشراكة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00