إذا كان اللبناني قد تعود على الخضات السياسية والأمنية وتكيف مع أجوائها وارتداداتها، فإن السائح الى لبنان، لا ينشد سوى الراحة والاستجمام، بعيداً عن الأجواء المشحونة والغيوم السوداء الملبدة، وإذا كانت المؤشرات الايجابية للقطاع السياحي تؤشر الى زيادة نسبتها 26,6% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري مقارنة مع مثيلاتها من العام 2009، فإن هناك من يحذر من تداعيات الخطابات السياسية العالية النبرة، التي تخيف السائح، وتدفعه حكماً الى تغيير وجهته السياحية، الى غير لبنان الى بلاد تعرف كيف تستغل موسمها السياحي.
إذاً، قبل وقوع الفأس بالرأس، يراهن المعنيون بقطاع السياحة على ضرورة تصويب الأمور بالاتجاه الايجابي، وباستمرار نهج الفلسفة الاقتصادية القائمة على الاستقرار، خصوصاً وأن الاستباب الأمني والسياسي منذ أيار (مايو) 2008، يحفل بالكثير من المؤشرات الاقتصادية الايجابية، ويأتي في مقدمها قطاع السياحة، الذي درّ ما يقارب من 10 مليارات دولار خلال العام 2009 في السوق اللبنانية وليس على القطاع الفندقي وحده، بل باتجاه كل القطاعات المرتبطة بالسياحة، المطاعم والملاهي، النقل، التسوق وغيره.
وإذا كانت الأجواء المشحونة والكلام الساخن عن المحكمة الدولية في الداخل والتهديدات الإسرائيلية من الخارج، فإن دفعة الزيارات للقيادات العربية والغربية، تعيد للبنانيين جو الاطئنان وأن البلد بألف خير، وهو ما دفع بوزير السياحة فادي عبود الى القول لبنان أمام صيف آخر، أي تمديد موسم السياحة والاصطياف، وجعلها سياحة مستدامة لا تتوقف بتوقف فصل الصيف، لتحطيم الرقم المسجل في 2009 البالغ 1،8 مليون زائر مع عدد ليالٍ بلغ 1,9 مليون ليلة، بمعدل إنفاق وسطي على الليلة الواحدة بلغ 300 دولار أميركي. وزيادة في تطمين اللبنانيين من أن السياحة الى الأمام كان توقيع الاتفاق بين وزارة السياحة وشركة بيروفيرتاس لتطوير الفنادق والمؤسسات السياحية تمهيداً لإعادة تصنيفها وبناء الثقة مع السياح، والذي وصفته مصادر في الوزارة بأنه الاتفاق الأهم الذي تشهده السياحة منذ 10 أعوام.
الخطاب السياسي الوطني المسؤول هو المطلوب
وتقول المديرة العامة للسياحة ندى السردوك السياحة تتأثر بعوامل عدة، من أهمها الصورة التي نريد إيصالها، والتي تتضمن جميع العناصر التي تؤثر بالسياحة، ومنها البنى التحتية والكهرباء والطرق ونوعية الفنادق، يضاف اليها أيضاً الخدمات المؤثرة بالسياحة وتبدأ من تاكسي المطار وبزحمة السير والأسعار وغيرها من أنواع الخدمات، فالصورة التي يكونها السائح للاتجاه نحو بلد سياحي، تتعلق بصورة الاستجمام والراحة والعمل وبالثقافة والمؤتمرات والترفيه، وهذه جميعها تحتاج الى بيئة حاضنة وآمنة في آن، لدفع السائح للمجيء الى بلدنا وهي موجودة بالطبع، أما في ظل الاضطرابات في أي بلد وليس في لبنان، فإن من يأتي كسائح يكون ضرباً من المغامرة السياحية التي تحاول تحدي المخاطر.
وتضيف السردوك إن في لبنان مقومات جاذبة للسياحة وللاستثمار في هذا المجال، ففي لبنان أنواع متعددة من السياحة تبدأ من الجغرافيا الجميلة والمناخ المعتدل، اللذين حباهما الله لهذا البلد، مروراً بالسياحة العلاجية والترفيهية، والمؤتمرات والتعليم، وكذلك السياحة الدينية التي يوليها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أهمية كبرى عبر إنشائه وحدة خاصة في السرايا الحكومية لتطوير هذا النوع من السياحة، وبالطبع فإن هذه الجملة الكبيرة من السياحة، تحتاج الى بيئة حاضنة وغير معادية، لأن السائح يتجه الى الأمكنة التي بإمكانها توفير كل هذه المستلزمات للراحة لكن وقبل كل شيء فإنه يطلب الأمن.
وتؤكد السردوك أن الحوادث الأمنية الكبير منها والصغير يؤثر سلباً، لكن التأثير السلبي الأكبر يتأتى من التحليلات الصحافية والتأويلات الخطرة لكل حدث من الأحداث، والتي قد تطلق رصاصة الرحمة على الوضع السياحي، خصوصاً وأن الذاكرة اللبنانية حزينة وحافلة بالأحداث، وهو ما ينقل هذا الخوف الى الذاكرة العربية، وبالطبع فإن وزارة السياحة تعمل على التخفيف من ذلك في الحياة اليومية.
ولا تنفك المديرة العامة للسياحة تذكر بأهمية الإعلام على التسويق والتشجيع لزيادة المنسوب السياحي، بيد أنها تحذر من الضرر المتأتي من التحليلات المخيفة، التي يتلقفها اليوم أي مواطن في العالم يريد زيارة لبنان. وتقول إن الخطاب السياسي الذي لا يجيش ولا يلجأ الى عمليات التعبئة هو غير مضر، أما الخطاب المشبوه فهو الذي يخيفنا ويؤثر في القطاع، في حين أن الخطاب السياسي الذي يصدر عن مسؤول وطني بمعنى أن همه الوطن، فهو لا يخيفنا بل يطمئن الجميع والآخرين.
ولا تعتقد السردوك أن شهر رمضان الكريم سيؤثر في الوضع السياحي الذي يميل الى تحقيق نتائج ايجابية مقارنة مع السنة الماضية، خصوصاً وأن عدد الغرف الفندقية في العاصمة زاد بنحو 1000 غرفة بالمقارنة مع السنة الماضية مع افتتاح نحو 5 فنادق (5 نجوم) خلال 2010 في بيروت. وتقول شهر رمضان هو شهر الخير والبركة، وله شعائره وأذكاره وموائده وتقاليده، وهنا يجب الانتباه الى أن الكثير من السياح الأجانب يفضلون المجيء في هذا الشهر الكريم للتعرف عن قرب على التقاليد التي حفل بها، وأحب أن أطمئن أن لا خوف من تراجع أعداد السياح، فالكثير من المصطافين يفضلون الصيام في هذا البلد، في ظل المناخ المعتدل.
استثمارات فندقية بالجملة
أما المدير العام للمؤسسة العامة لتشجيع الاستثمار إيدال نبيل عيتاني، فيشير الى أن عامل الثقة بالاستقرار مهم للاستثمار، مضافاً اليها الاستقرار في المجال الاجتماعي والاقتصادي. وقال على الرغم من أن لبنان مر خلال فترات سابقة بعمليات تجاذب سياسي وعدم استقرار أمني، فقد استطاع الحفاظ على الاستقرار النقدي مع ارتفاع في النمو الاقتصادي، إلا أن لبنان بعيد اتفاق الدوحة في أيار (مايو) 2008، شهد نمواً كبيراً على الصعيد الاقتصادي وعلى صعيد مشاريع الاستثمار ليس في القطاع السياحي فحسب بل في معظم القطاعات.
ويلفت الى أن التجاذب السياسي لا يؤثر في الأوضاع، وإنما المؤثر هو عمليات التلويح بزعزعة الاستقرار أو النزول على الشارع، وهذا يؤثر في الوضع الاقتصادي برمته، وفي الطلب على السياحة ويؤثر كذلك في عمليات زيادة الاستثمار. وقال إنه نتيجة للاستقرار فقد تدفق على لبنان العام المنصرم نحو مليوني سائح، ونأمل برقم قياسي جديد لهذا العام، وذلك مرتبط بالعاملين الأمني والسياسي. وأوضح أنه نتيجة لهذا التدفق والمنسوب العالي من السياح، فقد زاد الطلب على الغرف الفندقية، وهو حتماً ما أدى الى زيادة الاستثمار في القطاع الفندقي، وقد ساهم القانون 360/2001 لتشجيع الاستثمارات في تحقيق المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع.
وأضاف أنه بدءاً من تاريخ العمل بهذا القانون في العام 2003، فقد تم الترخيص لنحو 15 مشروعاً استفادت من الحوافز التي يقدمها، وتبلغ قيمتها المادية نحو 1،180 مليار دولار وهي توفر نحو 3653 فرصة عمل، والآن في 2010 هناك مشروعان للقطاع السياحي بقيمة 267 مليون دولار يوفران نحو 323 فرصة عمل، وهما الآن قيد الدرس تمهيداً لإقرارهما. لكن عيتاني لفت الى أن معظم الاستثمارات الفندقية والسياحية تتركز في منطقتي بيروت وجبل لبنان.
ومن جهته، يرى نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود، أن المناكفات السياسية والأجواء السلبية من شأنها أن تؤثر في الوضع السياحي الممتاز اليوم. إلا أنه أعرب عن سعادته بلملمة الأوضاع سريعاً ويمكن الاستدلال عليها من خلال عجقة الزيارات للرؤساء والملوك والمسؤولين العرب والأجانب. ولفت الى أن أسبوع المشاحنات السياسية لم يؤثر في الوضع السياحي، ولذلك ينبغي عدم التصعيد. وقال إن الوضع السياحي يشهد نمواً كبيراً، فالإشغال الفندقي منذ بدايات العام هو بمعدل يراوح بين 75 و76% وخصوصاً في بيروت وجبل لبنان، وهي أفضل من الوضع في المناطق الأخرى، رغم أن هذا الأخيرة بدأت تميل للتحسن. وأكد أن سوق التذاكر ارتفع بمعدل 18% حتى الآن بالمقارنة مع السنة الماضية، ولا سيما في شهر حزيران (يونيو) حيث اقترب عدد السياح من المليون وهو أعلى بنسبة 26,6% بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي.
واعتبر أن شهر رمضان يسيطر فيه الهدوء السياحي ولا يتراجع، بل ستعقبه فترة تجديد للموسم السياحي خصوصاً قبل افتتاح العام الدراسي في الدول العربية.
وقائع سياحية ايجابية... بالأرقام
كان من أول هذه الوقائع زيادة الغرف الفندقية في لبنان خلال 2010 نحو ألف غرفة، فيما تم إحصاء 40 ألف كرسي في مطاعم بيروت وحدها، وهذا يدل على مدى الإقبال الذي تشهده العاصمة، أما في الجانب الرقمي الآخر الذي يهتم بأعداد الوافدين، فتظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة السياحة ارتفاعاً في عدد الوافدين إلى لبنان خلال حزيران (يونيو) بنسبة 20,64%، بحيث بلغ عددهم 231 ألفاً و212 زائراً الشهر الماضي، فيما سجل الإشغال الفندقي خلاله 78%.
وبلغ عدد الوافدين إلى لبنان في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 964 ألفاً و67 زائراً، مقارنة مع 761 ألفاً و415 زائراً.
أما في الأشهر الأربعة من العام الجاري فقد بلغ الإشغال الفندقي في كافة المحافظات ولجميع الفئات: 32,47%، وفقاً لدراسة مبنية على عينة من 110 فنادق في لبنان. وتفصيلاً بلغ الإشغال الفندقي وفقاً للمحافظات ولجميع الفئات النسب التالية: بيروت 51,16% (عدد الفنادق 45)، جبل لبنان 25,99% (عدد الفنادق 57)، البقاع 11,43% (عدد الفنادق 3)، الجنوب 17,52% (عدد الفنادق 2)، الشمال 19, 84% (عدد الفنادق 3).
وبلغ إشغال الفنادق وفقاً للفئات في جميع المحافظات النسب التالية: فئة خمس نجوم 37,28% (عدد الفنادق17)، فئة أربع نجوم 34,07% (عدد الفنادق 39)، فئة ثلاث نجوم 19,57% (عدد الفنادق 43)، فئة نجمتين 38,98% (عدد الفنادق 11).
أما بالنسة لإشغال المساكن السياحية (الشقق المفروشة) في محافظتي جبل لبنان وبيروت للأشهر الأربعة الأولى النسب التالية: (عينة من 16 مسكن سياحي): بيروت درجة أولى 59,91%، درجة ثانية 78,59%. جبل لبنان درجة أولى 24,84%، درجة ثانية 4,39%.
أما لجهة الإنفاق السياحي، فتشير الإحصاءات الصادرة عن غلوبل بلو (غلوبل ريفند) ، المكلفة إعادة دفع ضريبة القيمة المضافة إلى السائحين على النقاط الحدودية اللبنانية، الى زيادة في إنفاق السائحين 28% خلال الفترة المنتهية في حزيران (يونيو) الماضي، قياساً بالفترة المقابلة من سنة 2009.
فبحسب دولة السكن، توزع الإنفاق من سنة الى الآن على الشكل التالي: الإمارات 11%، الكويت 10%، مصر 9%، سوريا9%، السعودية 23%، دول أخرى 39%. فيما نما إنفاق هذه الدول خلال هذه الفترة بنسب متفاوتة: سوريا 62%، مصر 45%، فرنسا 39%، السعودية 43%، الأردن 27%، قطر 10%، الكويت 2%، الإمارات 17%، دول أخرى 28%.
وتوزع الإنفاق من سنة الى الآن وبحسب الفئات، فاستحوذت الموضة والثياب على 67% من المشتريات، الساعات 11%، مستلزمات البيوت والحدائق 4%، العطور والتجميل 4%، الهدايا 3%، الالكترونيات 2%.
وتوزع الإنفاق بحسب المناطق على الشكل التالي: بيروت 83%، المتن 13%، كسروان 2%، بعبدا 1%، ومناطق أخرى 1%. فيما نما الإنفاق من سنة الى الآن: في المتن 31%، كسروان 18%، بيروت 29%، وبعبدا 6%.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.