تنطلق السياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومة الرئيس سعد الحريري، من حيثية واقعية وتقويمية للامكانات والفرص، بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة لمصلحة جميع اللبنانيين، ولا سيما منهم الفئات الأكثر عوزاً، وفي هذا المجال لا بد من الاتيان على ذكر القطاع الزراعي، المستهدف من قبل الحكومة بدعم لافت، نظراً للشريحة التي يمثلها.
فقطاع الزراعة في لبنان، ظل لفترات طويلة قطاعاً يتيماً يستجدي الدعم من أي جهة ، فيما كان الموقف الرسمي يتأرجح بين الدعم الخجول والاهمال، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الحسابات الاقتصادية، إذ يتبين أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي تراجعت من 12% في العام 1964 الى ما دون 10% في العام 1972، وراوحت بين 5،3 و6،7% في فترة 1997-2008 وبلغت 5،6% في 2008. وفي حين شهدت الزراعة العالمية تطوراً مهماً وسريعاً تقهقرت في لبنان، ففي وقت حقق فيه اجمالي الناتج الزراعي المحلي بالأسعار الثابتة في فترة 1970-2008 نمواً بلغ 686% في اليابان و436% في الولايات المتحدة انخفض بنسبة 12% في لبنان.
وعلى هذا الأساس جاءت حكومة الرئيس سعد الحريري، لتغير هذه المعادلة، ولتجعل انعاش القطاع واحدة من أولوياتها المتعددة، إذ شدد بيانها الوزراي على ضرورة تطوير القطاع وتحفيزه وفتح مجالات أوسع في الخارج للمنتجات الزراعية اللبنانية، والعمل على اقرار القوانين التي تضمن سلامة الغذاء الذي يضمن جودة الانتاج الوطني وسلامته. وهو ما يمكن ملامسته اليوم من خلال رفع سقف موازنة وزارة الزراعة، التي نادراً ما تجاوزت حصتها1%من الموازانات العامة السنوية، ليختلف الوضع مع حكومة الحريري ورفعها من 40 مليار ليرة الى الضعف أي 80 مليار ليرة، وهذا يمكن وضعه في خانة الدعم الحكومي الفعلي، أما الدعم الآخر فهو من خلال الاتيان بالوزير حسين الحاج حسن الذي يعرف مكامن الخلل في القطاع من خلال ترؤسه لردح طويل من الزمن لجنة الزراعة النيابية.
يقول الخبير الزراعي روفائيل دبانة (رئيس اللجنة الزراعية في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، الزراعة مهملة منذ 50 عاماً باعتبارها غير مهمة، واهتمام الرئيس الحريري يأتي من أهمية الرابط بين الزراعة والاقتصاد وانعكاسه اجتماعياً في مناطق الزراعة، لذلك كان الجهد منصباً على الاهتمام بصغار المزارعين الذين لا يملكون خبرات، من خلال رفد الوزارة بمهندسين وتقنيين للمساعدة في عمليات التنظيم والارشاد، وأيضاً من خلال عمليات التسليف من مصرف لبنان وفرنسبنك، للقيام بمشاريعهم، وهو ما يجعل المزارعين يتمسكون بأرضهم.
ويضيف اليوم هناك أقصى عمل لانجاح وزارة الزراعة سواء من خلال الحكومة أو الوزير الذي نشهد له بالكفاءة، وقد مشوا في الطريق التي ينبغي أن يمشوا بها للنهوض بالقطاع، والدولة تجري دراسة اليوم لدعم الصادرات الزراعية تكون فيه مقبولة من من منظمة التجارة العالمية (WTO).
وإذا كانت الزراعة هي جزء صغير لكن مستقر من الاقتصاد الوطني، فقد كوّن القطاع الزراعي بشكل مطّرد نسبة 6-7% من الناتج المحلي الاجمالي خلال العقد المنصرم، إلا أنه على الرغم من صغر هذه النسبة بالمقارنة مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن حكومة الحريري تسعى الى تحصين وزارة الزراعة وتحويلها الى خلية نحل لتنظيم القطاع على أسس علمية وربط المزراعين بالارشاد، وآخر بند في لائحة الدعم وضع اللبنة الأولى في مشروع تسليف المزارعين، وهو ما يمكن اليوم ملاحظته من خلال أداء وزير الزراعة الحالي، وبالطبع لم يكن لهذا الأمر أن يتحقق لولا ايمان الرئيس الحريري بضرورة توفير كل ما يمكن لانهاض الزراعة من كبوتها، انطلاقاً من وظيفتها في تثبيت الفلاح في أرضه، والحد من الهجرة الريفية باتجاه المدينة أو الداخل.
ومن المعلوم أن نحو 4،7% من العمالة الفعلية المقيمة في لبنان تعمل في القطاع الزراعي، وهي تؤمن ما نسبته 17% من قيمة الصادرات.
وعلى هذا الأساس، يمكن مقاربة البيان الوزاري بالفعل لا بالقول بشأن الزراعة، إذ حث البيان على ضرورة متابعة اقرار التشريعات الخاصة بالقطاع الزراعي والمحالة على مجلس النواب: تعزيز الموارد البشرية في الوزارة، عدداً وكفاية. تفعيل الارشاد الزراعي والحجر الصحي، الحيواني والنباتي، والرقابة والمختبرات. تعزيز دور كل من مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية والمشروع الأخضر. العمل على خفض تكلفة الانتاج وتحسين جودة المنتج وتعزيز مشروع دعم الصادرات الزراعية واستحداث مشاريع دعم جديدة لمساعدة صغار المزارعين والصناعات الغذائية. التنسيق بين الجهات المعنية بالزراعة والتعاون مع المنظمات والهيئات المحلية والدولية. تقويم دور التعاونيات الزراعية واعادة تفعيلها. وضع آلية عملية للتسليف الزراعي وتطوير قانون المصرف الوطني للانماء الزراعي. استحداث التأمين على الأخطار والكوارث الطبيعية التي تصيب القطاع الزراعي.
مشكلات على طريق الحل
تبدأ المشكلات في القطاع من القضم التدريجي للأراضي الأكثر خصوبة في لبنان دون أي تخطيط، وتغطي الأراضي الزراعية المستغلة أكثر من ربع مساحة لبنان الاجمالية، حيث بلغت مساحتها في 2007 نحو 277 ألف هكتار منها 142 ألف هكتار مروية، فلبنان يستورد 80% من حاجاته الغذائية، وبتحسين الانتاج والتقنية الزراعية والبنية التحتية والتسليف الزراعي، وتفعيل الادارة وتحسين البنية الريفية الاجتماعية، وتحديث قوانين الأراضي والملكية لاستصلاح الأراضي البور وغيرها.
ويلفت الخبير دبانة، الى أن الرئيس الحريري عندما بدأ بتشكيل حكومته، اجتمعنا به وقدمنا له، مقترحات من شأنها إفادة القطاع الزراعي، وقد أخذ بها، وهو قد أدرجها في بيانه الوزاري.
وإذ أشار الى الانجازات التي تحققت في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بما يخص القطاع الزراعي. قال إن مقترحات اليوم تعد استكمالاً لتلك المرحلة. وأوضح في هذا المجال السعي الى تقدم القطاع من خلال تحسين نوعية الانتاج، وقد أنشئ برنامج اكسبورت بلاس الذي أصبح اليوم بعهدة إيدال، أما الشق الآخر فهو المتعلق بتطوير الاستثمار في القطاع، الذي تمخض عنه مشروع كفالات، الذي منح آلاف المزارعين قروضاً لتعزيز استثماراتهم، كما تم ايجاد نظام للتطوير المهني الزراعي والمعروف بGLOBAL GAP.
يؤكد الخبير دبانة أن صغار المزارعين في لبنان لديهم نحو 700 تعاونية، إلا أن ما يعمل منها لا يتعدى العشرات، ذلك أن هناك فهما مغلوط لمفهوم التعاونية. وقال إن الدولة أوجدت قانوناً لدعم التعاونيات إلا أن المزراعين لم يقدموا جهداً لتطوير تعاونياتهم. لافتاً الى أن المزارع الناجح يحقق أرباحاً لأنه يعرف آلية العمل بخلاف المزارع غير المحترف، الذي ليس له وجود على الخارطة الزراعية، فليس المهم أن ينتج المزراع، لأن الانتاج يجب أن يكون مرتبطاً بالتسويق، وأسواق الجملة لا تزال غير منظمة.
واعتبر دبانة أن العلاقة بين المزارع والتاجر مهمة، لينتظم عمل الأسواق، وعليه يجب أن تكون هناك مراقبة لتوضيب الانتاج المخصص للأسواق الداخلية، ليتمكن المزارع من تطوير انتاجه، وذلك لا يتحقق في ما لو ظل المزارع يصدر بضاعة الى الداخل لا يضع عليها اسمه، والذي يمكن المزارع من بناء صيت جيد وسمعة طيبة.
ولفت الى أن لبنان لديه مقومات مناخية تساعده على الانتاج على كافة المستويات، وهذا محفز جيد للانتاج والعقبة تكمن في الكميات بسبب ضيق المساحات المزروعة، واليوم تقوم مصلحة الأبحاث الزراعية باستيراد أصناف وبذور جديدة.
ورأى دبانة أن أن من المهم تنظيم السجل الزراعي لمعرفة من هو المزارع من غير المزراع، رافضاً تخصيص غرف خاصة بالمزراعين، لأن ذلك يحتاج الى دعم مادي كبير، في حين أن الغرف القائمة اليوم تؤسس لشراكة ما بين المزارع والمصنع والتاجر.
ولفت الى ضرورة تطوير البنى التحتية المرتبطة بالتصدير، إن لجهة انشاء مركز تبريد في مطار بيروت الدولي لتصدير المنتجات الزراعية الطازجة والمبردة، أو لجهة توسيع المراكز الحدودية للجمارك لتسريع حركة النقل والترانزيت عبر الحدود.
ولفت دبانة الى أن من جملة القوانين التي من شأنها النهوض بالقطاع، والتي على الدولة إقرارها: قانون سلامة الغذاء، الحجر الحيواني، المؤشرات الجغرافية، المواصفات، انشاء وكالة تنمية الصادرات، الزراعات العضوية، صندوق الضمان من الكوارث، مرسوم المعهد الوطني للكرمة والنبيذ. وقال إن هناك مقترحات قوانين جديدة، منها: انشاء السجل الزراعي، النسب القصوى المسموحة للترسبات الكيميائية في الخضر والفواكه، تطوير عمل التعاونيات الزراعية، تنظيم عمل أسواق الجملة، انضمام لبنان الى معاهدة حماية الأصول النباتية وإتلاف عبوات المبيدات الفارغة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.