النصر على المستحيل، سيبقى قاعدة متلازمة كلما ذكر الحديث عن إصلاحات قطاع الكهرباء، بعد عشرات الخطط التي قدمت في هذا المجال، لمعالجة مشكلات الكهرباء التي لا تنتهي واحدة إلا وتظهر أخرى، والنتيجة مواطن يواجه تقنيناً بدفع اشتراكين، الأول لمؤسسة كهرباء لبنان فيما الثاني يذهب الى الشر الذي لا بد منه مولدات الكهرباء الخاصة، ذلك أن التقنين بات هو القاعدة والتغذية هي الاستثناء، علماً أن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لم ينفِ إمكان ازدياد أحوال التيار سوءاً خلال موسم الصيف الجاري.
وعلى الرغم من إقرار الحكومة لخطة إصلاح الكهرباء (قرار رقم 1 في 21/6/2010)، بيد أن الوزير باسيل اعترف خلال عرضه ورقة سياسة قطاع الكهرباء في قصر الأونيسكو الأسبوع المنصرم، بالوضع السيء للكهرباء، إن لجهة البنى التحتية والانتاج والنقل والتوزيع والمصادر والطلب وإدارته وترشيد الطاقة ومسألة التعرفة والاطار القانوني والمقاييس والمعايير والتشركة ووضعها القانوني، مؤكداً أن نجاحها يتطلب العمل جماعياً، مشيراً الى أن الخطة ستؤدي الى خفض الخسائر المادية الاجمالية لقطاع الطاقة من 4.4 مليارات دولار عام 2010 الى صفر عام 2014 مع تأمين تغذية مستقرة 24/24، واحتمال بداية تأمين من القطاع الكهربائي عام 2015، حيث يمكن أن تصل الخسارة عام 2015 الى 9.5 مليارات دولار في حال البقاء في حالة الفراغ القائم. وإذ اعتبر أن الوصول الى الهدف المنشود يحتاج الى نحو 42 خطوة تنفيذية، فقد بدأ بخطوة شد الحزام على أصحاب الامتيازات، في اجتماع عقده أول من أمس في الوزارة، إلا أن الاجتماع لم يتمخض إيجاباً بل فاقم المشكلة، وأن الوزير فاوض على الامتيازات ولم يقدم عرضاً مغرياً يمكن القبول به. كما قالت مصادر المجتمعين لالمستقبل.
ماذا في أوضاع الامتيازات؟
في لبنان توجد عدة أنواع من الامتيازات للانتاج والتوزيع والنقل، ويبلغ عدد المشتركين فيها 82000 مشترك من أصل 1،2 مليون مشترك (56% زحلة، 28% جبيل، 12% عاليه، 4% بحمدون). وهم موزعون على الشكل التالي: 46 ألفا في زحلة، 24 ألفا في جبيل، 10 آلاف في عاليه، و4 آلاف في بحمدون، هذه الإمتيازات تحصل على الكهرباء من الدولة ولا تنتج، الدولة تبيع الكهرباء للناس بمعدل متحرك 103 ليرات والإجمالي الثابت 127 ليرة للكيلوات/ساعة، وتبيع لإمتياز زحلة بخمسين ليرة لبنانية، ولإمتيازات جبيل وعاليه وبحمدون بـ75 ليرة لبنانية وهذه الإمتيازات تبيع التيار للمستهلك للناس بسعر الدولة بمعدل 127 ليرة.
وتعطي مؤسسة كهرباء لبنان التيار للامتيازات بسعر مخفض (من 50 الى 75 ليرة مقارنة بالتكلفة 225 ليرة لكل كيلوات ساعة). وبحسب المؤسسة ووزارة الطاقة ما نتج عنه خسائر متراكمة بقيمة 185 مليون دولار للسنوات الثمانية الأخيرة مقارنة بسعر الطاقة المشتراة من سوريا ومصر.
وعلى الرغم من أن وضع هذه الإمتيازات قانوني معقد، فإن الخطة تقترح حل مشكلة الامتيازات عبر تسوية عادلة لأصحابها وللدولة من خلال تصفية مالية تعيد للدولة حقوقها، مقابل حصول أصحاب الامتيازات على حوافز وتشجيعات، لإدخالهم في عمليات الانتاج المستقل، ومقدمي خدمات الانتاج.
وعلى هذا لم يكن اجتماع أول من أمس بين الوزير باسيل وأصحاب الامتيازات هو الأول، إذ سبقته مجموعة من الاجتماعات لحل المشكلات القائمة بين أصحاب الامتيازات من جهة ومؤسسة الكهرباء من جهة ثانية، بيد أن الاجتماع الأخير وبحسب المجتمعين، فإن الوزير باسيل عرض على أصحاب الامتيازات التخلي عن امتيازاتهم دفعة واحدة، مقابل إشراكهم كمتعهدين في تركيب العدادات وغيرها، وهو ما أثار استهجانهم، في التعاطي مع ملف قانوني من الدرجة الأولى، الأمر الذي قد يدفع بهؤلاء للذهاب الى المحاكم،
وهو ما يفرض منطق التفاهم والتعاون، خوفاً من تفشي ظاهرة المطبات في الطريق التي ينبغي أن تكون معبدة للوصول الى الحل الذي ينشده الجميع، ولانجاح خطة الحكومة.
ماذا يقول أصحاب الامتيازات؟
في الاجتماع الأخير لم يسلم امتياز جبيل من الهجوم، إذ اتهم الوزير باسيل الامتياز بسوء الخدمة وبمتوجبات مالية تجاه مؤسسة كهرباء لبنان، وفي المقابل فإن القيمين على الامتياز أرجعوا الهجوم الى مشكلات عالقة بينهم وبين المؤسسة، وهو ما حدا بهذا الامتياز الى تقديم شكوى الى مجلس شورى الدولة للبت بها.
ومن هنا، يعتبر رئيس مجلس إدارة-المدير العام لكهرباء جبيل إيلي باسيل، أن المشكلة اليوم قائمة بين الامتيازات ومؤسسة كهرباء لبنان، إذ تتعامل المؤسسة مع الامتيازات كمشترك عادي، غير آخذة في الاعتبار خصوصيات الامتياز، إذ أن صاحب الامتياز عليه أن يتحمل أعباء التوزيع بحسب دفتر الشروط، وعليه أيضاً أن يسترجع الرأسمال الموظف خلال سنوات الاستثمار، ليتمكن من تسليم كامل منشآته الى الدولة دون أي مقابل بنهاية الاستثمار، فالفارق في السعر بين شراء الكيلوات ساعة بسعر وبيعه بفارق أكبر هو لتغطية الأعباء المالية. فدفتر الشروط ينص على تحصيل فائدة مالية بنسبة 6% لمصلحة صاحب الامتياز على الأموال الموظفة، وهي من ضمن الأعباء المالية التي تنزل كل سنة، وهذا حق، لأنه بدلاً من أن تذهب الدولة للاستدانة يقوم صاحب الامتياز بتوظيف الأموال للاستثمار، وبذلك تكون نسبة الـ6% من تعب انتاجه، وأي خسارة يتحملها صاحب الامتياز وحده.
ويلفت في هذا الاطار، الى أن الامتياز الذي تديره كهرباء جبيل يشتري الطاقة بسعر 75 ليرة للكيلوات ساعة وتباع كمية الطاقة المشتراة بسعر 116،549 أي بفارق 38،91 ليرة، أي ما نسبته 33،39% من هذا السعر، يغطي بها كامل أعبائه الادارية والفنية، الاستهلاكات الصناعية، كامل الاستهلاك المالي للرأسمال الموظف، ليتمكن من استعادة تكوين الرأسمال قبل نهاية الاستثمار، ولديه حالياً طلبات لمجموع قدرات تتجاوز 10،000 ك.ف.أ لا يستطيع تأمينها بسبب التقنين، وبتأمينها يستطيع خفض تكلفة التوزيع من 5 الى 10 ليرات لكل كيلوات ساعة. (الجدول المرفق)
ويشير باسيل الى أن مؤسسة الكهرباء تتعامل مع الامتيازات بطريقة سلبية للحد من وارداتها وايصالها لمرحلة الفشل.
فواردات الامتياز تتأتى من مبيع الطاقة، فعندما تكون هناك سياسة تقنين عالية، يرتد ذلك سلباً على الاستهلاك، وبالتالي تخفض واردات الانتاج، لكن في المقابل لا يمكن خفض الأعباء العامة (صيانة، موظفين، تركيب...) تجاه المستهلك، فالخدمة المطلوبة هي 24/24 ساعة.
ويقول باسيل، إن هذا لا يتوافق مع الصيغة الاستثمارية للامتياز، ففي نهاية الترخيص للامتياز، ستسترد مؤسسة الكهرباء بموجب الاتفاق كل شيء من الامتياز: الشبكات، المحطات، الخطوط، وبالتالي فإن صاحب الامتياز يدفع كل شيء من جيبه، ومن هنا فإن الحديث عن خسارة تتسبب بها الامتيازات هي غير صحيحة، لأننا ندفع من جيبنا.
ويضيف الآن مؤسسة الكهرباء تطالبنا بدفع ثلثي رسم التأهيل، وهذا الموضوع أحلناه بشكوى الى مجلس شورى الدولة، علماً أنها كانت معفية منه منذ العام 1997، وقد أوقف هذا القرار وزير الطاقة بالوكالة محمد الصفدي في 2007، والمؤسسة تطالب بهذه الرسوم منذ 97 لغاية اليوم.
وطالب باسيل بدور للمديرية العامة للاستثمار، التي هي وفقاً للقانون تشرف على الامتيازات، وتحدد مساراتها، بمعنى أنها تقوم بعملية تقويم لكل امتياز، وهي تراقب كيفية تنفيذ دفتر الشروط، فلماذا لا يعطى دورها اليوم؟، إذ أن الامتياز بحاجة الى سلطة تحمي حقوقه، وهي مغيبة اليوم.
ويشير باسيل الى أن وزير الطاقة خلال اجتماعه الأخير لم يقدم عروضاً فعلية وواضحة، ونحن لا نفهم لماذا سوء المعاملة لامتياز جبيل، والمسألة ليست مسألة عروض ونحن نرى أن هناك عملية تركيب من جهة واحدة، وهذا بغير وجه حق وهو ما يدفعنا للتوجه الى القضاء لتحصيل الحقوق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.