أعاد لبنان تموضعه وحضوره على خارطة التنقيب عن النفط والغاز، من خلال طرح مشروع مسودة قانون الموارد البترولية في المياه، الذي رفعه وزير الطاقة والمياه جبران باسيل الى الحكومة، وقد ألف مجلس الوزراء لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، لمراجعة مشروع القانون في ضوء الملاحظات التي قدمها الوزراء.
وكان لبنان قد فوت على نفسه ضربة استباقية، مع إعلان العدو الاسرائيلي اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي قبالة شاطئ حيفا، العام الماضي، إذ أن الخلافات السياسية والعوائق الأمنية التي سادت خلال السنوات الخمس التي مضت، أفشلت لبنان في اتخاذ خطوات عملية وقانونية سريعة في آن، تحول دون تمكن إسرائيل من سلب الثروة المحتملة للبنان من الغاز الطبيعي، كجري عادتها في سرقة مياه الحاصباني والوزاني ومزارع شبعا.
وإذا كان الاعلام اللبناني قد انغمس في مسألة بالغة الحساسية وعلى طريقة المثل الروسي بيع جلد الدب قبل اصطياده وسلخه، فإن هناك من يعتبر النقاش الدائر حول الملف النفطي، من باب تدوير الزوايا وليس من باب فتح الشهية على تقاسم المغانم، فعلى ماذا يتسابقون على اقتسام الحفارة مثلاً؟ يسأل الخبير في الملف النفطي ربيع ياغي.
والأهم أن إسرائيل ستظل عينها على ثروات لبنان، وهو ما يستدعي التعجيل بتحديد المنطقة الاقتصادية للبنان، كي لا تمد إسرائيل يدها الى الأحواض المشتركة بينها وبين لبنان.
ويقول الخبير بما أن النفط موضوع استراتيجي وحيوي وحساس وواعد، فقد ارتفعت وتيرة الحوار بين السلطات التنفيذية والتشريعية، وذلك من أجل هدف وحيد هو تسريع مناقشة وبت قانون النفط، الذي هو بمثابة حجر الزاوية في السياسة النفطية المستقبلية للدولة اللبنانية، وطبيعة الحوار القائم اليوم ليس جدلياً، وأؤكد أن كلاً من رئاستي الحكومة ومجلس النواب يعملان على الاسراع على إقرار قانون النفط وفي أقرب وقت ممكن ولكن بدون تسرع. ومن المعلوم أن القانون الموضوع اليوم على نار حامية في شقه التقني مقتبس عن مسودة القانون النرويجي التي تتماشى مع ما هو متعارف عليه دولياً بشأن التنقيب والاستكشاف في المياه البحرية سواء بالنسبة للغاز الطبيعي أو النفط الخام.
وأضاف ياغي متوقعاً صدور قانون النفط خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ومن ثم تبدأ ورشة إصدار المراسيم التطبيقية وما سوف يليها من تحضيرات للاعلان عن استدراج عروض الاستكشاف والانتاج من قبل الشركات العالمية التي أبدت اهتماماً ملحوظاً في هذا الموضوع، كما أن لديها كامل الاستعداد للاستثمار في عملية الاستطلاع والتنقيب رغم التكلفة العالية لهذا الأمر، خصوصاً وأننا نتكلم عن مناطق بحرية يصل عمق المياه فيها الى نحو 4500 متر.
وأوضح أن الذي نسمعه ونشاهده في وسائل الاعلام اليوم حول هذا الملف هو مونديال إعلامي إذ أن الاعلام نفخ الكثير حول هذا الموضوع وتناوله بكثير من التسرع وبعيداً عن المعطيات العلمية. والسجال حول الملف النفطي هو من افتعال الاعلام، لكن الحقيقة هو حوار تكاملي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، هناك بعض الأمور تحتاج الى تدوير زوايا لكن لا توجد خلافات، والهدف من مناقشة قانون النفط هو إصداره في أقرب وقت، خصوصاً وأن مشروع القانون المذكور يلحظ أموراً تنظيمية لحقوق وواجبات الأفرقاء في اتفاقيات الاستشكاف والانتاج مستقبلاً أي بين الدولة والشركات المهتمة بهذا النشاط، وليس في القانون أي مجال أو ثغرة لفكرة المحاصصة أو اقتسام المغانم.
ولكن، هل هناك فعلاً نفط خام أو غاز طبيعي في المياه الاقليمية والاقتصادية اللبنانية؟
في مسودة مشروع القانون الذي قدمه الوزير باسيل، الأسباب الموجبة لوضعه، إشارة الى أن وزارة الطاقة قامت بعمليات مسح زلزالي ثنائي وثلاثي الأبعاد في المياه الاقليمية اللبنانية وفي مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة، بحيث دلت تلك المسوحات على احتمالات واعدة جداً لوجود البترول.
وقد يكون من المفيد التذكير أن لبنان، أجرى أكثر من 7 محاولات للتنقيب عن النفط والغاز ما بين العامين 1947 و1966، فضلاً عن الدراسات حول هذا الموضوع، لتعود المحاولات مع شركتي سبكتروم وجي بي أس، ففي العام 2003، لفت وزير الطاقة آنذاك محمد عبد الحميد بيضون، أن مسح سبكتروم الزلزالي بين أن في لبنان امكانات كبيرة وهائلة لوجود النفط والغاز. لتؤكد الشركة النروجية، احتمال وجود لكميات نفطية تجارية في مياه لبنان الاقليمية.
والكلام عن وجودالنفط يعود الى الخمسينات، إلا أن التقديرات آنذاك كانت تشير الى أن تكلفة استخراجه لا تبرر القيام بذلك باعتبار الأمر غير مجد، إذ لم يكن يتجاوز سعر البرميل بضعة دولارات، وكان من الأفضل استيراده من مصادره، بدلاً من التنقيب عنه في أرضنا.
ويلفت الخبير ياغي الى أنه يجب ألا ننسى أن لبنان وفلسطين المحتلة وقسم من سوريا وقبرص تقع ضمن الحوض المشرقي على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط، الذي يتمتع بتركيبة جيولوجية متشابهة، وبحكم نتائج المسح الجيولوجي لهذا الحوض منذ نهايات القرن الماضي والتحاليل الايجابية لهذه النتائج ابتداءً من غزة ومروراً بفلسطين المحتلة ولبنان وقبرص، تزايد وبشكل ملفت اندفاع الشركات العالمية الكبرى باتجاه هذه المنطقة الواعدة والتي تشكل مصدراً جديداً للطاقة والهايدروكاربون.
ويضيف عليه فإن الاهتمام المتنامي بمسألة التنقيب عن النفط والغاز محلياً ودولياً بهذ الثرة هي اهتمام جدي لا ينبع من فراغ بل أصبح الأمر مؤكد علمياً إذ أن كامل المياه الاقتصادية التابعة للولاية القضائية للبنان هي منطقة واعدة جداً بما تختزن في مكامنها من كميات غير محددة حتى الآن من الغاز الطبيعي والنفط الخام، وتحديد هذه الكميات لا يمكن أن يصبح مؤكداً إلا بعد بدء عمليات الاستكشاف وحفر الآبار التجريبية لهذا الغرض.
وعملياً، الاستكشاف هو الخطوة الأساسية في تنفيذ العقود المرتقبة بين لبنان والشركات النفطية التي سوف ترسو عليها حقوق الامتياز للتنقيب والانتاج، ولكن يجب ألا ننسى أن الفترة الزمنية ليست بقصيرة وقد تطول الى 8 سنوات وهذه الفترة هي الفاصلة ما بين بدء استدراج العروض وعمليات بدء الانتاج التجاري، الذي من المزمع أن تبدأه اسرائيل خلال العام 2012.
ويسأل ياغي ما الذي يمنع اسرائيل من مد يدها الى موارد لبنان الطبيعية، كما حدث في مسائل المياه والأراضي؟، هنا لا يستبعد ياغي هذا الأمر، بيد أن لبنان بات أكثر حصانة من ذي قبل، واسرائيل لا تستطيع سرقة المخزونات الطبيعية من هاتين المادتين في حال وجدتا، وخصوصاً أنهما تقعان ضمن الحدود الاقليمية والمنطقة الاقتصادية التابعة للبنان، فهي مُلكٌ مضمون لدولة لبنان، وفقاً لقانون الأمم المتحدة الصادر بهذا الشأن في العام 1982، الذي يحدد المناطق الاقتصادية والاقليمية للدول، وذلك بهدف حفظ حقوق الدول المتجاورة بحراً في مسألة استغلال ثرواتها الطبيعية التي تقع تحت سطح البحر. من هنا يتوجب علينا كخطوة أولى تثبيت حدودنا البحرية والاقتصادية لدى المنظمات الأممية، بإرسال الخرائط الجغرافية الموجودة بحوزتنا إلى الأمم المتحدة، وكذلك علينا البدء وبأسرع وقت في تطبيق قانون النفط المرتقب، كي تتمكن الشركات المهتمة من توقيع عقودها مع لبنان والبدء بالتالي بممارسة نشاطها الاستكشافي في معظم المناطق البحرية اللبنانية.
ويقول ياغي ان الأوضاع الأمنية والسياسية في الداخل اللبناني لم تكن مشجعة لأي استثمار أجنبي في هذا القطاع، ولم يكن لدينا أي قانون نفطي يحمي هذا النوع من الاستثمارات أو ينظمها، كما أن المسوح الجيولوجية القديمة لم تكن على مستوى من التطور التقني بحيث تؤكد وجود النفط أو الغاز، إنما اليوم ونتيجة استقرار الأوضاع السياسية والأمنية وكذلك النتائج العلمية الواضحة بخصوص المسح الجيولوجي المتطور فقد أضحى التعامل الرسمي أكثر جدية ، إذ أضافت الاكتشافات الهائلة في شمال فلسطين بحراً وعلى مسافة 40 كيلو متراً عن حدودنا الجنوبية المعطيات لانضاج موضوع قانون النفط، وصدوره المرتقب خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وحول التنقيب برا وبحرا يقول الخبير ياغي إن التعامل مع موضوع التنقيب بحراً من الناحية الادارية أسهل بكثير من مسألة التنقيب براً، كون المياه الاقليمية والاقتصادية اللبنانية التابعة لها ملكية ثابتة للدولة اللبنانية فقط. في حين أن البر اللبناني هو بمعظمه عبارة عن ملكيات خاصة وبالتالي فإن عمليات التنقيب تحتاج الى أذونات ومراسيم لتسهيل عمليات الاستكشاف والتنقيب، ولكن علينا ألا نهمل المسح الجيولوجي الزلزالي لكافة الأراضي اللبنانية والمباشرة فيها بأسرع وقت ممكن، وهو ما يفرض تحديد المناطق الواعدة بمخزون بترولي (غاز أو نفط) وبناء على نتائج هذا المسح يتعين على الدولة في حينه إصدار التشريعات البحرية لبدء عمليات الاستكشاف، علماً أن لا فرق كبيراً بين قانون النفط البحري والبري. وكما أسلفنا فإن قانون النفط البحري المرتقب هو حجر الزاوية للسياسة النفطية اللبنانية وصدوره سيسهل عملية إصدار قانون نفطي للأراضي اللبنانية. لبنان عليه أن يبدأ بتحضير وتنظيم السياسة النفطية العامة وضمن حدوده البرية والبحرية
وعلى طريقة تفاؤلوا بالخير تجدوه، يشير ياغي الى أن المخزونات المفترضة بحسب البيانات الأميركية في الحوض المشرقي كله من غزة الى قبرص تقدر بـ 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي والمخزون المكتشف في فلسطين المحتلة يقدر بـ 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يكفي الاحتلال الاسرائيلي نحو 5 عقود مقبلة لانتاج 11 ألف ميغاوات من الطاقة الكهربائية. ما يعني أن القسم المتبقي من الحوض المشرقي للبحر الأبيض والذي يقع لبنان ضمنه يختزن نحو 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
ويؤكد أن لبنان لن يدفع فلساً واحداً بدءاً من عمليات الاستكشاف مروراً بمرحلة الحفر ووصولاً الى مرحلة الانتاج التي ستوزع نسبها بين الشركات والدولة اللبنانية، وعلى هذا الأساس فإن الدولة تسير بخطى حثيثة لتحقيق هذا الأمر. وبحسب مصادر مطلعة فان تكلفة حفر بئر بعمق يراوح بين 1500 و2000 متر يتراوح بين 50 و 70 مليون دولار، لافتاً الى أن القانون يلحظ سقفاً مالياً لعمليات التنقيب وللمدد الزمنية المطلوبة.
ان كمية الغاز المكتشفة قبالة شواطئ فلسطين المحتلة، تقدر قيمتها بـ 15 مليار دولار بالأسعار الحالية، إلا أن سعر الغاز ارتفع بعدما كان منخفضا،ً وهذا بالطبع سيحدث نقلة نوعية كبيرة بالنسبة للبنان، في ما لو تم اكتشاف الغاز أو النفط لدينا، فباب الخلاص سيصبح مفتوحا امام للبنان ساعتئذ ليتحررمن ديونه، ويحقق عامل الرخاء للأجيال المقبلة، لكن علينا اولا وقبل أي شيء آخر أن نبدأ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.