يصف الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، من شرفة مكتبه في السرايا الحكومية، واقع حال الاعمار والبناء القائم اليوم في العاصمة، والذي يتولاه القطاع الخاص، بأنه منظر جميل جداً، يترجم الاستقرار السياسي والأمني الحاصل في البلد، لكنه يؤكد وبشيء من التناقض الجامع بين الحسرة والأمل أن المنظر سيكون أجمل أكثر، فيما لو أنّ الرافعات التي تسهم في رفع لوازم الاعمار الى المباني الشاهقة في بيروت، تعمل الآن بالشراكة مع القطاع العام، وتكرس حال النهوض التي يصبو إليها لبنان حكومة وشعباً.
يغمز الحايك من قناة مشروع قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي يقبع الآن في مجلس النواب دراسة ومناقشة، فيما تشكلت لجنة قانونية من القطاع المصرفي لإبداء رأيها في هذا المشروع، الذي يمكن تلخيصه بإنهاء أي عملية تشمل أولاً تمويلاً، وثانياً إنشاء و/أو تطويراً و/أو ترميماً و/أو تجهيزاً و/أو صيانة، وثالثاً إستثمار و/أو إدارة مشاريع لها طبيعية إقتصادية وذات منفعة عامة، كما يمكن أن تتضمن إعداد الدراسات والتصاميم المتعلقة بتلك المشاريع.
وليس بعيداً من الوسط التجاري، الذي تزدحم داخله وحوله مشاريع القطاع الخاص، وحيث تتخذ جمعية المصارف اللبنانية مركزاً لها، والتي تعتبر جزءاً أساسياً من مشروع الشراكة، يمكن تبيان رأيها حول المشروع الذي يطرح اليوم بقوة داخل أروقة مجلس النواب، لمعرفة آراء النواب حوله رغم الاجماع السياسي على مشروع القانون هذا.
ويعبر الأمين العام لجمعية المصارف اللبنانية مكرم صادر عن رأيه بالمشروع فيقول نحن كجمعية مصارف نرى القانون شفافاً وقد تمت دراسته ولا اعتراضات أساسية عليه، إلا أن صادر يعتبر الأمر غير كاف إذا لم يتبع بعقود خاصة بكل مشروع، رغم أن القانون يوفر مظلة للتمويل الذي تعتزم المصارف توفيره للقطاع الخاص للدخول في عمليات الشراكة، خصوصاً وأن السيولة المتوفرة اليوم لدى القطاع المصرفي تفوق الـ125 مليار دولار، وهو ما يمنحها فرصة وجاهزية للتوظيف تفيد منها الدولة والقطاع الخاص وحكماً المصارف.
رأي المجلس الأعلى
يعيد الحايك التذكير بأن مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص ينطوي على شراء القطاع العام خدمات وأصولاً من القطاع الخاص، وليس بيعاً للأصول إلى القطاع الخاص، كما هي الحال في الخصخصة، لافتاً الى أن الخصخصة والشراكة هما أداتا إصلاح وتطوير للقطاعات المنتجة وللبنى التحتية، إلا أن لكل منهما ميزاتها الخاصة.
ويؤكد الحايك أن هناك ما يشبه الاجماع حول مشروع قانون الشراكة، وقال يبدو أن هناك توافقاً على مبدأ الشراكة بين مختلف الجهات السياسية في البلاد بما فيها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والأحزاب الأساسية كافة. لذلك فإنني متفائل بأن القانون سيرى النور قبل نهاية العام الجاري وسيكوّن قاعدة جيدة لإطلاق مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنى التحتية بدءاً من العام 2011. ويقول لا نعرف إن كان هناك تعديلات ستتم على مشروع القانون، لكن بالطبع للنواب رأي في أي موضوع يطرح، وأستطيع التأكيد بأني لم أسمع عن رأي مغاير.
ويقول الحايك طرح مشروع القانون هذا، يعود الى أننا في لبنان لم نسمع باستثمارات منذ 15 عاماً، إلا عبر قروض في مجلس الانماء والاعمار، فموازنة الدولة ليس فيها الكثير من الأموال المخصصة بالمشاريع، معظم الأموال في الموازنة مخصصة للصرف على دعم الكهرباء ومعاشات القطاع العام وخدمة الدين العام، فيما يبقى الاستثمار ضعيفاً، وحتى لو أردنا إقامة مشاريع فإن ذلك سيزيد حتماً من أعباء الدين العام، ولذلك نلاحظ الزيادة في الانفاق الاستثماري، لأننا في البلد بحاجة الى فرص عمل وبنى تحتية، ومن هذا الباب طرح المشروع، لأن السؤال الى أين بدون استثمارات. بالإضافة الى أن القطاع الخاص ولا سيما المصرفي والتجاري يعبر منذ فترة عن رغبة في الشراكة مع القطاع العام. ويلفت الى أن الشراكة عادةً تسهم في تأمين التمويل للمشروع عبر تحمل الشريك الخاص عبء الإنفاق الإستثماري، وتحمّل الدولة عبء الإنفاق التشغيلي، وهو العبء الذي تتحمّله الدولة في أي حال. وتتيح صيغة الشراكة الجمع ما بين الإستثمار وتكلفة التشغيل في رزمة واحدة تدخل الموازنة العامة منذ البداية، فلا تفتقر المشاريع إلى الصيانة، التي غالباً ما تهملها الدولة بعد تنفيذ المشروع، فيصبح مع مضيِِِ الوقت عاهة مخزنة. وتتميز الشراكة بين القطاعين العام والخاص بأن الدولة لا تملي على الشريك الخاص كيفيّة تنفيذ المشروع وتقديم الخدمة بل تتعاقد معه على تقديم خدمات معيّنة بحسب معادلة تسعير معينة. وللشريك الخاص أن يحدد كيفيّة القيام بموجباته التعاقدية والحد من كلفة المشروع التشغيلية لصالح ربحيته. أما في لبنان فإن الإهتمام بالشراكة بين القطاعين العام والخاص يبدو وكأنه يتقدّم اليوم بخطى ثابتة، بعد أن كان منسياً منذ أن أقرّت الحكومة اللبنانية مشروع قانون خاص بالشراكة في تشرين الأول 2007.
ويضيف الحايك قائلاً لبنان بأمسّ الحاجة إلى بنى تحتية تعزّز إقتصاده وتوفّر فرص عمل وتؤمّن الخدمات الأساسية في كل المجالات إلى المواطن اللبناني، لكن الجميع يعلم أن الدولة ليست قادرة وحدها على أن تموّل كل هذه المشاريع، فلا بدّ بالتالي من الإستفادة من قدرات القطاع الخاص. ويوضح مستدركاً الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليست وليدة اللحظة، وإنما بدأت منذ العام 1860 في أيام العثمانيين، وذلك عندما استخدم موضوع الشراكة لجر مياه نهر الكلب الى بيروت. إذاً الموضوع ليس جديداً في البلد، وإنما يأتي لتنظيم ما يبدو الآن عشوائياً.
بالتأكيد لا يهدف مشروع الشراكة الى الاستثمار في قطاع واحد بحد ذاته، يأتي جواب الحايك بما يشبه الجواب على أولئك الذين يقزمون زخم المشروع نحو قطاع واحد، ويقول بل هو مخصص لقطاعات كثيرة تحتاج لبنى تحتية، ويضرب أمثالاً عن القطاعات التي يمكن أن تتوجه إليها الشراكة مشاريع البنى التحتية التي يمكن تنفيذها عن طريق الشراكة في لبنان تتضمن على سبيل المثال: معامل إنتاج الطاقة الحرارية والطاقة المتجددة، شركات توزيع الكهرباء، سدود المياه التي تشير إليها الخطة العشرية لوزارة الطاقة والمياه، محطات تكرير المياه المبتذلة ومعامل معالجة النفايات الصلبة، مرائب السيارات في المدن، الطرق والجسور وسكك الحديد، المرافئ والمطارات هذا في المدى القصير إلى المتوسط. أما فى المدى المتوسط إلى البعيد، فهناك إمكانية تطبيق الشراكة على مشاريع المدارس والجامعات والمكتبات والمتاحف والمسارح والمستشفيات ومآوي المسنّين والملاعب الرياضية والمجمّعات السياحية، ومراكز المؤتمرات والمحميات طبيعية ومباني الدفاع المدني والسجون وثكنات الجيش وقوى الأمن، وغير ذلك.
مسألة الشراكة
يشير الحايك الى الخبرة الدولية في هذا المجال، والتي تعتبر أنه إذا لم تكن هناك خبرة لدى القطاع العام في مسألة المفاوضة في العقود مع الخاص (خبرة تقنية وتمويل)، فقد تنجم عن هذه الشراكة عقود غير متوازنة إما لجهة القطاع الخاص أو لجهة القطاع العام. ومثال على ذلك في الشراكة في موضوع المياه في طرابلس مع شركة أنديو، التي لم يجدد عقدها أو مغارة جعيتا التي تعاني نوعاً من الأزمة في هذا المجال.
ويضيف الخبرة الدولية تقول أنه منذ 15 سنة لا بد للدول أن تنشئ الوحدة المركزية للشراكة ما بين القطاعين العام والخاص مكونة من فريق عمل مختص بالشراكة، ولديه خبرة في المشاريع ومستفيد أيضاً من الخبرة الدولية في هذا المجال، إذ أن مهمة الوحدة التي تعرف بالPPP UNITE مساعدة الدولة والبلديات، لإجراء عقود متوازنة في مجال الشراكة، للوصول الى الأفضل، فضلاً عن أنه يجب أن تكون على تواصل مع العديد من الوزارات في الدولة، وهذا ينطبق على المجلس الأعلى للخصخصة في لبنان، الذي لديه فرق عمل وعلى تواصل مع مجموعة من الوزارات في الدولة، إذ تتمثل فيه رئاسة مجلس الوزراء ووزارات المال والعدل والاقتصاد والتجارة والعمل، وهذه كلها لها علاقة بمشاريع الPPP يضاف اليها حكماً الوزير المختص بحكم قانون الخصخصة، ومن هنا فإن هذا الدور يمثله حكماً المجلس الأعلى للخصخصة، الذي سيكون له دور استشاري لإجراء العقود الصالحة، وهو بالطبع لن يوقع على العقود.
المعايير والحيثيات
أما عن المعايير التي ستقبل على أساسها المشاريع، يوضح بأنها تتعلق بأهمية المشروع وفعاليته وقوته وجدواه الاقتصادية والتقنية، وأثره الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المديين القصير والمتوسط، والأهم من ذلك هو الاستدامة. وبحسب المادة الرابعة من المشروع فإن المجلس يراعي في إختياره للمشاريع المنوي تنفيذها عبر الشراكة المبادئ التالية: مدى تحقيق المشروع للمنفعة العامة. حاجة القطاع العام للمشروع لسد ثغرة قائمة في تقديم الخدمات العامة. جدوى المشروع الإقتصادية وتناسب النتائج المرجوة من تنفيذه مع تكلفته. حسنات تنفيذ المشروع عبر الشراكة والأسباب التي تدعو إلى ذلك.
لكن هل يمكن لأي كان في القطاع الخاص أن يؤسس لشراكة مع القطاع العام، تنص المادة الخامسة من مشروع القانون الى أنه يراعى في إختيار الشريك الخاص مبدأي الشفافية والمساواة بين المشاركين. وفي مطلق الأحوال، لا يجوز التعاقد مع شريك خاص أعلن إفلاسه أو صدر بحقه حكما لإرتكابه جرم السرقة أو الإحتيال أو إساءة الأمانة أو تبييض الأموال.
وتقول المادة السادسة يجب أن يحدد عقد الشراكة الأمور التالية: الأعمال التي يتوجب على كل من الشخص العام والشريك الخاص القيام أو الإمتناع عن القيام بها وموجبات وحقوق كل فريق. أسس تمويل المشروع. مدة العقد، على أن لا يتجاوز هذه المدة خمسة وعشرين عاماً. كافة المنافع التي سيتقاضاها الشريك الخاص من القطاع العام أو من المستفيدين من المشروع لقاء قيامه بالأعمال الموكلة إليه بموجب عقد الشراكة، وطرق تقاضي تلك المنافع. معايير تقييم أداء الشريك الخاص (key performance indicators) . التقارير التي يعدها الشريك الخاص حول تنفيذ المشروع ويحيلها إلى الشخص العام والمجلس. توزيع المخاطر بين الشخص العام والشريك الخاص، بالإضافة إلى التدابير والإجراءات التي يجب إتباعها للحد من وقع تلك المخاطر. تحديد الأموال العامة المنقولة والأملاك العامة والخاصة التي توضع، خلافا لأي نص آخر، طيلة مدة عقد الشراكة بتصرف الشريك الخاص لتنفيذ موجباته، بالإضافة إلى حقوق وموجبات الشريك الخاص فيما خص هذه الأملاك والأموال. كيفية تحويل المشروع إلى الشخص العام بعد إنتهاء مدته عندما تقتضي طبيعة المشروع ذلك. الجزاءات والعقوبات التي يجوز فرضها على الشريك الخاص في حال إخلاله بأي من موجباته العقدية. إجراءات تأمين إستمرارية المشروع والأعمال موضوع عقد الشراكة لدى إنتهاء عقد الشراكة بحلول أجله أو بفسخه أو في حال إخلال الشريك الخاص في تنفيذ موجباته العقدية. الأصول المتبعة لحل النزاعات ومنها الوساطة والتحكيم المحلي والدولي وفقا للأصول القانونية. وزيادة في تعميم فائدة الشراكة، فإن المادة العاشرة تشير الى أنه لا تحول أحكام هذا القانون دون إستفادة الشريك الخاص من أحكام القانون رقم 360 المتعلق بتشجيع الإستثمارات في لبنان.
جمعية المصارف
لا شك أن السيولة المتوفرة اليوم لدى القطاع المصرفي، تمكن القطاع الأول في الاقتصاد اللبناني، من وضع امكاناته التمويلية اللازمة لمشاريع البنى التحتية على أساس مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويرى الأمين العام لجمعية المصارف اللبنانية مكرم صادر، أن هناك أشكالاً كثيرة من الشراكة بين القطاعين العام والخاص قبل مشروع قانون الشراكة الحالي، حيث كانت ترعاها أنظمة مثل الBOT وغيرها. وقال إن القانون المطروح الآن يحاول تثبيت الشراكة باطار قانوني عام، علماً أن الشراكة بدون قانون تكون موجودة، ونحن كجمعية مصارف نرى القانون شفافاً وقد تمت دراسته ولا اعتراضات أساسية عليه. ومن المعروف اليوم أن كل قصص الشراكة تستدعي صياغة مجموعة كبيرة من العقود المتنوعة والمعقدة بحسب المشروع، وحتى مع وجود القانون سيستمر هذا النوع من العقود، وبالتالي فإن القانون الحالي يضع إطاراً عاماً وهو لا يكفي، وبالتالي لا استغناء عن مجموعة العقود التي أشرت إليها.
إلا أن عمليات تمويل الشراكة لا تكفي بغطاء للقانون فقط، ويقول صادر إذاً وعلى الرغم من ذلك، ربما تكون هناك مشكلة رغم وجود القانون المذكور، وبالتالي يحتاج حلها للتحكيم لفض النزاعات، موضوع فض النزاعات يجب أن توجد آليات لها. وهو ما يعني أننا بحاجة الى تعديل القوانين في ما يخص النزاعات، ولاجراء التحكيم وإجمالاً التحكيم الدولي، ويجب على أن تكون للقوانين اللبنانية القدرة على التنفيذ ولا سيما في ما يتعلق بالأحكام التي تصدر عن التحكيم الدولي.
وبالتالي يجب على الدولة التخلي عن الاستنسابية والتعديل بما يسمح للنزاعات بأن تأخذ مجرها للتنفيذ في البلد، علماً أن هذه الأمور التي أتحدث عنها موجودة في البلدان الأخرى. نحن كجمعية مع القانون، إلا أننا لسنا نحن الشريك مع الدولة، لكن ما يهمنا أن تكون هناك رعاية قانونية للشريك الخاص مع القطاع العام، لتسهيل عملية تمويلنا للشريك.
وينفي صادر أن تكون هناك لجنة قانونية شكلتها المصارف فقط لدراسة القانون المذكور. ويقول نحن لم نؤلف لجنة قانونية خاصة بمشروع القانون المذكور، منذ العام 1990 هناك لجنة قانونية لدى جمعية المصارف، وتعرض كافة المسائل التي تحتاج الى ايضاحات وتفسيرات قانونية ومن ضمنها بالطبع القانون الذي تمت دراسته، وبالطبع فإن الجمعية تأخذ برأي اللجنة القانونية.
وحول نوعية المشاريع التي ينوي القطاع المصرفي التوجه لدعمها، يقول صادر نحن غير متوجهين لدعم وتمويل قطاع محدد بعينه، بل ندعم ونمول كافة المشاريع التي يمكنها تحسين البنى التحتية، ولدينا القدرة التمويل. ويضيف إن ما طرحه الرئيس السابق لجمعية المصارف فرانسوا باسيل، لجهة دعم تمويلي لمشاريع تخص قطاع الكهرباء، يعني الاتجاه الى نوعية من التمويل الجديد، أي وقف عمليات الانفاق التي تقوم بها الدولة دون جدوى، وهو كان يعترض على عمليات الانفاق هذه، بل كان يقول علينا الذهاب نحو المشاريع المنتجة وتلك المفيدة للاقتصاد، وتحسين أداء الدولة في عمليات الانفاق، وأن لا يذهب التمويل نحو شراء سندات الخزينة بل مباشرة أن يكون هناك تمويل للمشاريع الآنفة الذكر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.