رنين الذهب اللبناني لم يعلّ فوق الرنين السياسي والسجالي اليومي في البلاد، ذلك أن الملفات المطروحة للسجال هديرها يصم آذان اللبنانيين، بدءاً من قانون الانتخابات البلدية والاختيارية والحملة على رئيس الجهمورية وقوى الأمن الداخلي وموازنة العام 2010 التي لا تزال بين أخذ ورد، فبيان مجلس الذهب العالمي، حول إجمالي احتياط لبنان من الذهب الذي بلغ بنهاية ايلول (سبتمبر) 2009 ما يعادل 28,1 في المئة من ناتجه المحلي ما يجعله الاول من بين 105 دول في العالم في هذا المجال، يمرّ مرور الكرام في زحمة البيانات السياسية العالية النبرة. إلا أن الأوساط الاقتصادية في البلد تلقت هذا الخبر بارتياح كونه يعكس قدرة الدولة على الامساك بالاستقرار الاقتصادي والنقدي، رغم الهزات السياسية بين فينة وأخرى. لكن السؤال الذي يطرح اليوم هو هل بالامكان زيادة مخزون الذهب، والى أين الأسعار؟.
الأسعار مسارها تصاعدي
لا يخفي نقيب تجار الذهب في لبنان وليد معوض، سعادته بالنتيجة المحققة لاحتياط الذهب اللبناني. وقال إن من شأن ذلك تخفيف المخاطر عن الدين العام، وخصوصاً أن الدين هو عبارة عن سندات خزينة بالدولار.
ووصل الاحتياط اللبناني من المعدن النفيس الى 9,2 مليارات دولار، وهو يحتل المركز الـ 15 عالميا والاول من بين 14 دولة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وأضاف معوض في اتصال مع المستقبل، بفضل هذا الاحتياط تحسن تصنيف الدين السيادي اللبناني، حيث إن مؤسسة التصنيف الدولية ستاندرد آند بورز رفعت تصنيفها الائتماني لديون لبنان السيادية الطويلة الأجل من درجة + س إلى ب -. فالاحتياط الذي يملكه لبنان تضاعف سعره 3 مرات، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز وضعية مصرف لبنان والمالية العامة في الدولة، وكذلك تخفيف مخاطر الدين العام الذي يقارب 50 مليار دولار، وتخفيف خدمة الدين العام. وقال الذهب الموجود اليوم في المصرف المركزي يشكل ضمانة للعملة الوطنية ـ الليرة، كل عملة لا تغطى بالذهب لا قيمة لها. وأضاف إن ثبات سعر صرف الليرة كان عاملاً مهماً لاستقرار الوضع النقدي، كما أنه شكل عامل استقرار اجتماعي، فسياسة مصرف لبنان الثابتة في مرحلتي الصعود والهبوط، ساعدت في عملية الاستقرار النقدي والاجتماعي، وهذا يعود الى عملية ربط العملة بالذهب، وأضاف إن الاجراءات التي اتخذتها السلطات النقدية أسهمت في تعزيز الثقة بالليرة. ولفت أيضاً الى أن لبنان الذي يستدين من الخارج، بات بامكانه اليوم الاستدانة بفائدة أقل من 4% على الدولار، بفضل هذا الاحتياط.
أما لجهة أسعار الذهب، فيقول معوض إن الأمر مرتبط بالبترودولار، فقد زاد الطلب على الانتاج وهو ما دفع أسعار النفط الى الارتفاع، والعالم يعيش اليوم تداعيات أزمة المال العالمية، فمنذ بداية الأزمة الى اليوم أي قبل سنتين قارب عدد المصارف العالمية المفلسة المئة، ومنذ بداية العام أقفل نحو 14 مصرفاً، وهذا يعني أن الأزمة لا تزال شديدة، كما أن نسب البطالة تزيد ويمكن ملاحظة ذلك في البيانات التي تصدر عن الدول المتقدمة صناعياً، وهذا المشهد بأكمله يقول بأن هناك ضغطاً على سلعة الذهب، فالعالم إزاء الذبذبة اللاحقة بالمصارف يتحول الى شراء الذهب أو العقار التي تعتبر ملاذات آمنة، لأن أسعار الصرف متقلبة بشكل سريع في أعقاب أزمة المال العالمية، وبذلك يكون الاتجاه نحو الذهب بالنسبة لأولئك الذين يريدون سيولة لكن ليس باليورو أو الدولار، أما أولئك الذين لا يريدون سيولة في العاجل فيتجهون في الغالب نحو العقارات.
ومن هنا يمكن قراءة قرار الصين والهند اللتين تريدان استبدال نحو 30% من احتياطهما بالعملات الصعبة بالذهب، وقد حذت حذوهما مصارف مركزية عدة في العالم، لاستبدال جزء من محافظها المالية بالذهب، وهو الأمر الذي سيجعل الأسعار تتجه صعوداً، خصوصاً وأن الصين والهند لم يحققا هدفهما من الوصول الى 30% من هذا الاحتياط وما زالا عند مستوى 15%. الآن يجب أن يصل سعر الأونصة الى أكثر من 1400 دولار، لكن الجميع يعلم أن أزمة اليونان التي أدت الى انهيار اليورو تجاه الدولار، وهو الأمر الذي ما زال مجمداً أسعار الذهب، وإلا كنا رأينا ارتفاعاً للأونصة فوق 1400 دولار.
ومن جهته، يرصد الخبير الاقتصادي والاستثماري حسن عمر العلي، مؤشر تحرك المعدن الأصفر اليوم، وقال إن مجرد نظرة على انحاء مختلفة من العالم تكشف ان بعض الدول قد تغلبت على الأزمات المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم في عام 2009 ولكن بدرجات مختلفة، والمثال على ذلك هو تعافي الاقتصاد الاميركي بشكل طفيف بينما تغلب الاقتصاد الصيني بدرجة كبيرة على الازمة. أما بالنسبة لدول الشرق الاوسط الاقل تاثرا بالازمة، فمن الواضح انها ادارت بشكل حكيم الازمة بينما ما زالت دول اوروبا تعاني منها. وأضاف إنه نتيجة التعافي الاقتصادي الصيني، قرر الكونغرس القومي للشعب في الصين في اجتماعه في 5 آذار (مارس) الجاري، زيادة احتياط الذهب الصيني، ليحتمي من ضعف قيمة الدولار الاميركي، ولكي تستقر قيمة الاحتياط بالعملات الاجنبية الضخمة لديه والبالغة 2,27 تريليوني دولار الموظف معظمها في السندات الاميركية. وأشار العلي الى أنه في العام 2009، قامت الصين بشراء 454,1 طن من الذهب من السوق المحلي ,الذي يمثل نحو 50% من مشتريات البنك المركزي للذهب في عام 2009. لقد زادت الصين من احتياط الذهب لديها بنسبة 76% بين 2003 و2009 ليصل في ذلك الوقت الى 1045 طنا، ولكنه مع ذلك لا يمثل الا 1,2% من احتياط العملات الاجنبية لديها. ما زال احتياطي الصين للذهب ضئيلا مقارنة باحتياط الولايات المتحدة الذي بلغ 8133,5 طنا في عام 2008 ممثلا 76,5% من احتياط العملات الاجنبية لديها. كذلك فان احتياط اليابان طفيف ويقدر بـ765,2 طناً او 1,9% من احتياط العملات الاجنبية.
وتعتبر نسبة احتياط الذهب الصيني لاحتياط العملات الاجنبية(1,2%) ضئيلة مقارنة بغيرها وخطرة، لذلك يجب زيادتها لتأمين نمو قومي طويل الاجل. هذا يفسر لماذا تبحث الصين شراء المزيد من الذهب، ولكن السلطات الصينية تنتظر انخفاض اسعار الذهب نسبيا. تستطيع الصين شراء الذهب اما من سوق الذهب العالمي او من صندوق النقد الدولي.
أين موقع لبنان الدولي من موجة زيادة احتياط الذهب؟
يشير الخبير الاقتصادي العلي، الى أن الامارات وعمان وقطر والبحرين قد باعت تقريبا كل احتياط الذهب لديها. ولا يظهر الذهب الان على ميزانياتها. وتعتبر الكويت الدولة الوحيدة التي قامت بتأجير كل احتياط الذهب لديها.
ويرى أن السؤال الأهم هو عن موقع لبنان من كل تحديات الذهب الماكرواقتصادية ؟، ويقول إنه بالرغم من ان الذهب صمام امان ضد التضخم وضعف قيمة الدولار، وبالرغم من تملك لبنان لـ286 طنا من الذهب، وهو الواقع الذي اهل لبنان لان يحتل المرتبة 15عالميا، يعتبر الذهب في لبنان مجرد مادة تخزين سلبية. ويخدم احتياط الذهب كـمخدر نفسي كما يصفه بعض المسؤولين. وقال العلي إن لدى لبنان دوراً مميزاً ليلعبه في سوق الذهب. وعلى السلطات اللبنانية توجيه جهودها نحو زيادة احتياط الذهب لديها. وفي الوقت نفسه ادارة عمليات تجارة الذهب القصيرة الاجل.
كيف يمكن زيادة احتياط الذهب في لبنان؟
يقترح العلي الآتي:
1-زيادة احتياط الذهب: يجب على السلطات اللبنانية توجيه اي فائض في ميزان المدفوعات نحو شراء الذهب. وعليها ايضا تشجيع المودعين في البنوك على تجارة الذهب كوسيلة للاستثمار بدل ايداع اموالهم في البنوك وجني الفوائد، ويعتبر ذلك نشاطا غير منتج بسبب النسب العالية للفوائد على الدولار والليرة اللبنانية.
2- خلق سوق للذهب :يشجع لبنان على خلق وسيلة لتجارة الذهب كسوق دبي في الامارات. فلدى لبنان جميع المعطيات الكفيلة بجعله محورا عالميا ومناطقيا للذهب بسبب موقعه الجغرافي الوسط بين الشرق الاقصى والغرب، وبسبب الخبرة اللبنانية وتملك لبنان لاحتياط الذهب الذي يمكن استعماله جزئيا في التجارة والتأجير القصيري الاجل، وبذلك خلق مردود استثماري من جراء التجارة في الذهب، وبالاضافة الى الاقساط المتأتية من لعبه دور الوسيط في عمليات البيع والشراء والتأجير للذهب في السوق العالمية بواسطة دول مختلفة.
لكن النقيب معوض، يرى أن الدولة لا يمكنها اليوم شراء الذهب بسبب المديونية، إلا أن هذا الاحتياط يمكن أن تفيد منه الدولة في مسألة الاستقرار النقدي.
ومن جهته، اعتبر نقيب معلمي صياغة الذهب في لبنان بوغوص كورديان، أن المركز الذي حققه لبنان لجهة احتياطه من الذهب، يشكل محفزاً للسلطات اللبنانية للتوجه نحو زيادة هذا المخزون، من خلال تأجير جزء لا يتعدى 10% من هذا الاحتياط الى السوق المحلية، وشراء كميات ذهب إضافية من خلال الأرباح التي تتحقق من خلال أرباح استثمار الذهب في السوق المحلية. إلا أن كورديان أعلن وبشكل قاطع رفضه أي مساس بالذهب بيعاً، لأن الذهب عامل ثقة بالبلد وعنصر طمأنينة للمواطنين. ودعا في هذا السياق الى تنظيم صناعة الذهب وضبط الاحتكار، من خلال اعطاء النقابة دوراً في عملية التنظيم الحرفي التي لا تزال في وضع متأخر عن تطورات هذه الصناعة مقارنة بايطاليا وغيرها من الدول التي أصبح لها باع طويل في هذا المجال. وقال إن دخول بعض العشوائيين الى المهنة قد أثر سلباً في صيتها، فهناك من يتعلم بشكل بدائي، ثم لا يلبث أن يفتتع معملاً لا يكون بالمستوى المطلوب وهو بالطبع سيؤثر سلباً في سمعة الانتاج، فالمطلوب هو الجودة من خلال اللحاق بركب التكنولوجيا التي دخلت على المهنة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.