يمكن للمتجول في البلد، أن يشاهد بأم العين الشأو الذي بلغته الفقاعة العقارية في لبنان، سعراً ومشاريع بناء، فالهالة التي تبدو واضحة كالشمس لم تحجبها غيوم الأزمة المالية السوداء، التي خيمت على الكثير من البلاد بدءاً من أيلول (سبتمبر) 2008، بل إن لبنان سار واثق الخطى منذ تحرر سعر الأراضي قبل أكثر من 5 سنوات، وفيما انحدرت أسعار العقار عالمياً، بفعل أزمة الائتمان العقاري، كانت الأسعار تسير صعوداً سنوياً، وهو ما دأب خبراء العقار في لبنان يسمونه مسيرة تصحيح الأسعار.
وتتجلى هذه المسيرة بالمشاريع انطلاقاً من العاصمة بيروت، التي لم تعد تمثل فيها الأراضي المخصصة بالبناء، أكثر من 10% من مساحتها الاجمالية، فيما اتسعت رقعة الضواحي المحاذية للمدن الرئيسة في البلد، واتجهت القرى والأرياف نحو التوسع العمراني لتصبح بلدات وأنصاف مدن، بفعل الطلب الكثيف على العقار، الذي ترافق مع المسيرة الاستقلالية في البلاد.
وإذا كانت الخشية اليوم من المبدأ القائل بأن لكل فقاعة نهاية، فإن خشية خبراء العقار في لبنان، من دخول طبقة من المضاربين على هذا القطاع بهدف جني أرباح لا استثمار وتطوير مشاريع بناء، وهو ما يفسد التطور في هذا القطاع وتحوله الى سوق للمضاربات الضارية والجشع، والى ارتفاعات جنونية مبالغ فيها قد لا تجد أحياناً قاعدة منطقية تبررها. وهو ما سيؤدي الى تشويه سمعة ثاني أهم سوق بعد القطاع المصرفي، كما أن من شأن ذلك الإضرار بالمستثمرين أو المشترين المحليين، وقد تؤدي الى حالة من الكساد العقاري في ما لو استمرت دون وقفها.
ومن المعروف أن المضاربة هي المخاطرة بالبيع والشراء بناء على توقع تقلبات الأسعار، بغية الحصول على فارق الأسعار، وقد يؤدي هذا التوقع إذا أخطأ إلى دفع فروق الأسعار بدلاً من قبضها، وقد كان لافتاً التصريح الذي أدلى به قبل يومين رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه من أن القطاع المصرفي في لبنان، خارج موضوع المضاربات العقارية، والمصارف اليوم ضمن إطار السياسة الرشيدة التي تقوم بها وضمن إطار التعليمات المقررة من قبل مصرف لبنان غير معنية بأي مضاربة عقارية، فمن يشتري العقارات يشتريها بأمواله الخاصة، وهناك دفق من السيولة يأتي إلى لبنان ليس فقط عن طريق المصارف بل أيضاً عن طريق المستثمرين.
وحذر المدير الاداري لشركة رامكو العقارية رجا مكارم، من حفلات المضاربة العقارية التي بدأت منذ العام المنصرم. وقال أنا أحذر من دخول لبنان في حلقات مضاربة سريعة، وقد رأينا الدول التي خاضت مثل هذه المغامرة والنتائج السلبية التي رشحت عنها، كما أنه يجب على أصحاب الأراضي عدم الطمع والاستعداد لرفع الأسعار دون مبرر، فهذا معناه أن الطلب يفوق العرض ومعناه أن الأراضي المتوفرة للبناء اصبحت نادرة.
شباط: زيادة الأمتار والمعاملات
لكن وبالرغم من آفة المضاربة، فإن القطاع العقاري يشهد تقدماً واضحاً على صعيد عدد الأمتار والمعاملات المسجلة في شباط وكانون الثاني الماضيين، وهو ما يدعو الى استمرار موجة التفاؤل المحيطة بهذا العقار.
ويظهر جدول احصاء عدد الأمتار المسجلة الصادر عن نقابة المهندسين في بيروت، زيادة في عدد الأمتار المسجلة في شباط (فبراير) الماضي بالمقارنة مع مثيله من العام المنصرم، بنسبة بلغت 13%، وبلغت الزيادة بالأمتار 119,044 مترا. ويظهر الجدول أيضاً زيادة بنسبة 73,1% مع الشهر الذي سبق كانون الثاني (يناير) 2010، بلغت بالأمتار 434,339 مترا.
فيما بقيت النسبة متقاربة بين شباط (فبراير) 2009 و2010، بشأن عدد المعاملات المسجلة، إذ بلغت في شباط الماضي 1068 معاملة بالمقارنة مع 1078 معاملة مسجلة في شباط 2009، ويكون الفارق هو 10 معاملات زيادة. أما بالمقارنة بين شباط (1,068 معاملة) وكانون الثاني (748 معاملة) 2010، فقد زاد عدد المعاملات المسجلة بنسبة 42,7%.
وبلغ عدد الأمتار المسجلة في كانون الثاني (يناير) الماضي 593,227 متراً، وهو ما يشكل تقدماً بنسبة 434% مقارنة بعدد الأمتار المسجلة في كانون الثاني 2009 التي بلغت 111,003 مترا، والزيادة تكون 482,224 متراً. وزاد عدد المعاملات المسجلة في كانون الثاني 2010 بنسبة 149% عن مثيله في 2009، ففي حين سجل الأخير 300 معاملة سجل الأول 748 معاملة والزيادة تكون 448 معاملة.
رامكو: أراضي البناء
تنافس الشقق
يرسم المدير الاداري لـرامكو رجا مكارم، لوحة تفاؤلية وحذرة في آن، لواقع القطاع العقاري في لبنان، تفاؤل لجهة الأسعار ومشاريع الاستثمار، حذر لجهة المضاربة وطمع أصحاب الأراضي.
ويقول مكارم منذ بداية العام الجاري، يمكن ومن خلال النتائج المحققة في الشهرين الأولين كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير)، القول ان الوضع مستمر كما كان الوضع خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام 2009، لجهة النشاط والحركة للقطاع العقاري، لكن اللافت أن قطاع الشقق هو أبطأ من قطاع الأراضي المخصصة بالبناء، ورغم ذلك فإن أسعار الشقق ارتفعت بين 5 و10% خلال الأشهر الاربعة الأخيرة، وهذا الوضع طبيعي ويسير بوتيرة صحية، وهو أيضاً تكملة للفورة العقارية التي يشهدها البلد. الطلب ما زال خجولاً على الشقق أكثر من الأراضي.
ويشير الى أن السبب في ذلك، يعود الى أن سوق الأراضي، دخلته طبقة جديدة من المستثمرين والمضاربين، الذين لجؤوا للاستثمار في العقار بدلاً من الإيداع في المصارف. وبالنظر الى العمليات الجارية اليوم على الأرض في هذا الشق، فإنه ينطبق عليها الطابع الاستثماري بدلاً من الطابع التطويري، وهذا ما يحدث وللأسف منذ سنة 2009، لذلك الملاحظ اليوم هو النشاط العقاري على صعيد الأراضي أكثر منه في الشقق.
ويؤكد مكارم أن هذا الأمر يتجلى في فورة أسعار الأراضي التي نشهدها بشكل مرتفع وغير منطقي، وهذه الأسعار ليست محفزة بالطبع للمطورين العقاريين لشراء الأراضي بالأسعار المطروحة اليوم، فالمطور ينطلق من احتساب التكاليف، وعندما لا تكون الأسعار منطقية بالمقارنة مع أسعار المخزون الموجود لديه من الشقق، فإنه يعكف عن الاستثمار في عمليات البناء، وهذا ما يشغل البال اليوم، عندما تجد من يشتري الأرض بهذه الأسعار، فإن الأمر لم يعد للتطوير والبناء بقدر ما هو استثمار غايته الربح، وساعتها تبدأ المضاربة، وهذا مؤشر سلبي في القطاع العقاري، لا بد من التنبه منه وأخذ الحيطة في هذا المجال، لأن المطور إزاء هذا الأمر سيقف متفرجاً، من المفروض أن تكون الأسعار متوازنة بين أسعار الشقق والأراضي، ومثال على ذلك عندما يباع سعر متر البناء المربع بـ5000 دولار فهذا يعني أن سعر المتر المربع المخصص بالبناء (متر هواء) هو 1600 دولار، و1600 دولار بناء، و1600 دولار عائد ربح. الذي يحصل اليوم أن السعر المعروض لمتر الأرض القابل للبناء (متر هواء) هو أكثر من 1600 دولار في المناطق التي يمكن أن يباع فيها متر البناء بمعدل 5000 دولار.
الأسعار من 1500 الى 7000 دولار
أما بشأن أسعار العقار، فيقول مكارم أسعار الشقق (طابق أول) اليوم في بيروت، صارت بالحد الأدنى تبدأ من 1500 دولار للمتر المربع في المناطق الشعبية وصولاً الى 7000 دولار في المناطق الواقعة على الواجهة البحرية، وترتفع بين 50 الى 150 دولارا مع كل طابق ارتفاع، وهذا يجب أن يقابله سعر في الأراضي المخصصة بالبناء بين 400 و3000 دولار للمتر المربع القابل للبناء (متر هواء)، إلا أنه من الصعوبة وجود سعر بـ400 دولار (متر الهواء) في المناطق الشعبية والضواحي، والمطلوب يزيد عن ذلك بكثير، ومن الصعوبة أيضاً ايجاد سعر بـ3000 دولار في المناطق الواقعة على شاطئ البحر، بل السعر المطلوب هو 5000 دولار (متر الهواء)، كذلك هو وضع المناطق الاخرى الواقعة بين هذين الحدين الأرخص والأعلى.
فمثلاً الأراضي الواقعة على الواجهة البحرية التي يطلب فيها سعر 5000 دولار للمتر المخصص للبناء هواء، سيضاف اليه نحو 2000 دولار كتكلفة بناء، وهذا يعني أن التكلفة الاجمالية هي 7000 دولار، ومعدل البيع سيكون 10،500 دولار، بينما نحن نقول إذا كان سعر المتر (متر هواء) بـ 3000 دولار يضاف اليه 2000 دولار تكلفة بناء، فإن معدل المبيع لن يكون أكثر من 7500 دولار للمتر المبني.
ويشير الى أن أعلى سعر متر أرض قابل للبناء (متر الهواء) هو 5000 دولار، وقد بيع في منطقة سوليدير المردومة.
هل هناك بيع؟
يرى مكارم أن الاقبال اليوم قليل على الشقق الكبيرة (600 متر مربع فما فوق) والمرتفعة الثمن، في حين أن الاقبال مكثف باتجاه الشقق الصغيرة والمتوسطة (200 الى 400 متر مربع)، ولا شك أن هذا عائد الى الميزانيات المحدودة التي تلعب دوراً في التوجه نحو الشقق الصغيرة والمتوسطة.
لكن في المحصلة يمكن القول إن الوضع العقاري في لبنان لا يزال صحياً وتحت السيطرة، فالمشاريع التي هي قيد التطوير تقارب المليونين ونصف مليون متر مربع بيع منها أكثر من 60%، علماً أن هذه المشاريع تأخذ بين سنتين الى 4 سنوات كمدة انجاز.
وحذر مكارم من دخول لبنان في حلقات مضاربة سريعة. وقال لقد رأينا الدول التي خاضت مثل هذه المغامرة والنتائج السلبية التي رشحت عنها، كما أنه يجب على أصحاب الأراضي عدم الطمع والاستعداد لرفع الأسعار دون مبرر، فهذا معناه أن الطلب يفوق العرض ومعناه أن الأراضي المتوفرة للبناء اصبحت نادرة.
المطالبة بزيادة الضريبة
يعتبر مكارم أن توجه الدولة نحو زيادة الضرائب حق طبيعي لها عندما تحتاج الى زيادة مداخيلها، ، لكن السؤال هل بمقدور القطاع العقاري تحمل أعباء ضريبية جديدة؟، إن رسوم التسجيل للعقار تبلغ نحو 5,5% وهي تعتبر من أعلى الرسوم في العالم، ففي بريطانيا لا يتجاوز رسم التسجيل 1%، ولا شك أن الدولة اللبنانية مستفيدة من رسم التسجيل هذا مع نشاط حركة اليبع والشراء في القطاع العقاري، أيضاً تستفيد من التسجيل والرخص والرسوم.
أما بشأن المطالبة بزيادة الضريبية على القطاع العقاري، فيقول مكارم لا شك أن المطالبة بزيادة الضرائب على قطاع العقار من شأنه أن يثقل كاهله، وهو ما سيؤدي الى إعاقة الاستثمار فيه، ومن المعروف أن قطاع العقار هو ثاني قطاع اقتصادي في البلاد بعد القطاع المصرفي، ومن أهم القطاعات التي تدر دخولاً عالية على خزينة الدولة، بالإضافة الى تحريكه للعجلة الاقتصادية في البلاد وتأمين فرص عمل دائمة، خصوصاً أن المشاريع لا تنتهي بيوم أو يومين وإنما تمتد من سنتين الى 4 سنوات.
وإذ يعتبر مكارم أن الاستقرارين السياسي والأمني مهمان على صعيد تطوير القطاع العقاري، يرى أن لبنان استطاع تقليص الفارق في الأسعار بينه وبين دول الجوار، علماً أن لكل بلد ميزاته التفاضلية.
وأمل في أن تحافظ سوق العقار اللبنانية على الوتيرة النشطة لحركة العرض والطلب، وفي أن يظل لبنان قادراً على استقطاب رؤوس الأموال للاستثمار في هذا المجال، لافتاً الى أن 90% من مشاريع الاستثمار الحالية في البلد هي للبنانيين.
أما بشأن الأسعار، فأشار مكارم الى أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة كان معدل ارتفاع الأسعار سنوياً بمعدل 30%، متمنياً ألا تزيد على 20% خلال 2010، فالأسعار تتجه نحو الارتفاع بل الجموح، إذ ان هناك اقبالا كثيفا على العقار اللبناني، بعد المغريات والمناعة التي اكتسبها القطاع العقاري اللبناني جرّاء نفاذه من تأثير الأزمة المالية التي اطاحت اغلبية الاسواق العقارية العالمية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.