لن يعثر الباحثون على نسبة مؤكدة ومحددة للبطالة في لبنان، بيد أنها محسوسة وملموسة، فكثيرون باتت مهنتهم البحث عن مهنة، وخصوصاً أولئك الذين تخرجوا للتو في الجامعات والمعاهد، وهي بذلك تتصدر المرتبة الأولى لدى الشباب اللبناني لما لها من تداعيات سلبية مستقبلاً.
بيد أن القلق لا ينحصر في هذه الفئة، بل إن حكومة الرئيس سعد الحريري لم تخفِ هذا القلق، وأعربت في بيانها الوزاري وخصوصاً في الشق المتعلق منه بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، عنالسعي الى استكمال تطوير البنية التحتية المادية والمؤسساتية والتشريعية الملائمة لمصلحة اللبنانيين جميعاً وقطاعات الانتاج كافة، مما يؤدي الى تحفيز النمو ليحقق مستويات عالية ومستدامة، ويسهم في مكافحة البطالة الحقيقية والمقنعة، خصوصا لدى الشباب، ووقف هجرة الادمغة التي تستنزف الموارد البشرية في لبنان، والسعي ايضا الى ارساء نمط من النمو كفيل بتوفير فرص عمل جديدة في المدن والأرياف وتقليص العجز في مبادلات لبنان الخارجية وتعزيز توازن الفرص الاقتصادية بين المناطق من خلال تكاملها وترابطها والتشدد في الحرص على الموارد النادرة، من بشرية وطبيعية وثقافية.
يمكن ملامسة هذا الجانب الإصلاحي، من خلال المعلومات المتوافرة عن امكان زيادة الانفاق الاستثماري الى أكثر من 3% من الناتج المحلي في موازنة العام 2010، إلا أن هذا لا يكفي، بل يحتاج أيضاً الى تضافر الجهود السياسية والاقتصادية لمنع تفاقم أزمة البطالة، التي تقض مضاجع الدول الكبرى، فكيف بالأحرى دولة صغيرة مثل لبنان، وخصوصاً في أعقاب الأزمات المالية العالمية وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة في الأسواق المتداخلة.
البطالة...واقع غير معلن رسمياً
تضم فئة السكان الناشطين اقتصادياً، بحسب تعريف منظمة العمل الدولية، العاملين والعاطلين من العمل، وتعرف هذه الفئة أيضاً بالقوى العاملة الاجمالية. أما القوى العاملة الفعيلة فتشمل الأشخاص الذين قاموا بعمل ولو لمدة ساعة واحدة، والأشخاص الغائبين عن العمل موقتاً بسبب المرض أو العطل أو عطلة الأمومة أو الاجازة.
وبحسب الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر في العام 2007، والصادر في العام 2009، فقد بلغت نسبة العاملين من عمر 15 سنة وما فوق 39,5% من مجمل السكان المقيمين من نفس الفئة العمرية. وتبلغ نسبة العاملين المشار إليهم 19% عند فئة الاناث و61,2% عند فئة الذكور. أما في العام 2004 وبحسب دراسة الأوضاع المعيشية للأسر، فبلغت هذه النسبة لدى الجنسين معاً 40,5%.
لقد بلغ عدد العاملين في لبنان (في عمر 15 سنة وما فوق) بحسب نتائج الدراسة نحو 1118000 فرد، لتبلغ القوى العاملة الاجمالية، بحسب تعريف منظمة العمل الدولية نحو 1229000 فرد، يمثلون مجموع العاملين والعاطلين من العمل. في حين بلغت القوى العاملة الاجمالية في العام 2004 نحو 1202000 فرد، مما يشير الى أن حجم القوى العاملة إزداد نحو 2,2% مقارنة مع العام 2004.
لكن مصدراً في منظمة العمل الدولية، قال لـالمستقبل، إنه لا توجد بيانات عن نسبة العاطلين من العمل في لبنان، مضيفاً أن الأمر بغاية الصعوبة نتيجة أن الأمر يتطلب موافقة عدد لا بأس به من الوزارات والمؤسسات ذات الصلة. إلا أن المصدر قدّر نسبة المتعطلين من العمل بنحو 25%.
وهذه النسبة مماثلة لنسبة البطالة التي أعقبت الانهيار الاقتصادي الكبير في العام 1929، حيث بلغت 25% من القوى العاملة في الولايات المتحدة الأميركية.
لكن الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، يقول إن احتساب البطالة يجب أن يتم سنوياً وعند بداية كل عام، وفقاً لمعايير منظمة العمل الدولية إن لجهة العمر والتفتيش عن العمل والعمل الجزئي أو العمل غير المعلن عنه.
ويلفت يشوعي في حديث لـالمستقبل، الى أن البناء على نسبة البطالة في العام 2008، لم يعد اليوم صالحاً وسليماً، واحتساب النسبة السنوية يجب أن تقوم به المديرية العامة للاحصاء المركزي أو وزارة العمل، وبناء عليه لا يمكننا تقديم أي رقم في 2009 و2008 و2007، ولا يبدو أن هناك نية للقيام بالتحقيق عن البطالة بحسب معايير منظمة العمل الدولية. إن أي رقم ننقله عن مرجع، يصب في خانة التقدير والتخمين، لذلك لن أذكر أرقام.
ويرى تقرير منظمة العمل أنه بالرغم من الغنى النسبي السائد في أجزاء من المنطقة العربية، غير أن الفقر والهشاشة يشكلان مصدر قلق أساسي في كثير من البلدان، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بالرغم من شح البيانات الاحصائية. ويقول إن الدراسات الأخيرة عن بلدان المشرق تظهر أن معدلات الفقر بلغت 8,0% من السكان الذين يعيشون في الفقر المدقع في لبنان، و14،2% في الأردن.....
وأن بعض بلدان الشرق الأوسط تعتمد بشكل كبير على التحويلات المالية من الخارج، وتعتبر بالنسبة لعدد كبير من الأسر مصدراً أساسياً للدخل تعوض بشكل جزئي عن النقص في الوصول الى آليات الحماية الاجتماعية، وفي حال انقطاع هذا المصدر من الدخل نتيجة تداعيات أزمة المال العالمية، فمن المتوقع أن تتأثر معيشة شرائح كبرى من السكان في العالم العربي بشكل سلبي. ويشير التقرير الى أن التحويلات المالية قد أسهمت بأكثر من خمس إجمالي الناتج المحلي في العام 2005.
ويفضل يشوعي في الحديث عن البطالة، التركيز على موضوع سوق العمل في لبنان وربطه بالسياسات العامة المنتهجة في لبنان منذ سنين طويلة.
ويقول يشوعي هناك وضع استثنائي في لبنان، فمستوى التعليم جيد ومتنوع وعالٍ، والمهارات على الصعيد الفردي مميزة، فالمحيط العربي جاذب وموفر في آن لفرص العمل المجزية. وهذا الوضع الاستثنائي يخفض حكماً نسبة البطالة، خصوصاً تلك المتصلة بتراجع الطلب وركود الاقتصاد.
وإذا كان تقرير منظمة العمل يشير الى دول مجلس التعاون الخليجي، بأن القوى العاملة فيها تتألف بجزء كبير منها على العمالة الوافدة من بلدان عربية أخرى ومن جنوب وشرق آسيا، فإن يشوعي يرى أن المحيط العربي خصوصاً يخفف من وطأة أزمة البطالة والتعطل من العمل، إلا أن هذا لا يعني أن المتنفس الخارجي هو الحل السحري، أو الذي يجب أن نطمئن عليه، فقد دلت الأزمات الأخيرة أن لها تداعيات وارتدادات على أسواق الدول بسبب التداخل بين هذه الأسواق في المال والخدمات.
وهذا التداخل الموجود عالمياً يسرع الارتدادات لأي أزمة من تلك الدول، وإذا ظل لبنان بمنأى عن التداعيات، فلأنه بعيد التداخل مع المحيط القريب أو البعيد.
ويلفت الى أن هناك أنواعاً من البطالة:
-البطالة الموسمية.
-البطالة بسبب عدم تطابق العرض مع الطلب.
-البطالة بسبب النشاط الاقتصادي وبطئه.
-البطالة الطبيعية التي لا يمكن محوها بالكامل في أي دولة من العالم، وهذه لها أسباب عدة، ولا تتعدى من 2 الى 3% من القوى العاملة.
الحل..إنماء مناطقي لجذب الاستثمار
أوضح يشوعي إذا كان هناك استثناء للبنان فإن ذلك لا يحل المشكلة، لافتاً الى أن الحل من متانة الوضع الاقتصادي الداخلي وقدرته على توفير فرص العمل للمهارات المتخرجة حديثاً من الجامعات التي تريد الدخول الى سوق العمل.
ويرى أن الحل هو في الاستثمار كونه في أساس الحركة الاقتصادية الناشطة والداعمة للنمو وفرص العمل، بيد أن هذا الاستثمار لكي يتم، يجب أن تتوفر له مجموعة من الشروط:
1-تكلفة اقتراض معتدلة أو شديدة الاعتدال، خصوصاً عندما يكون الاقتصاد بعيداً عن درجة التشبع أي لا يستعمل كامل طاقاته البشرية والطبيعية والمالية المتوفرة، وذلك من أجل حفظ الاستثمار في أي نشاط اقتصادي، وبالتالي خلق فرص العمل اللازمة والضرورية للمهارات البشرية الجديدة الشابة. إذا نظرنا اليوم الى الودائع في المصارف اللبنانية، هناك أكثر من مئة مليار دولار ودائع، لا يحصل القطاع الخاص إلا على ربعها، مقابل نسبة مرتفعة للأفراد، والتي تستخدم للطابع الاستهلاكي (القروض المعطاة تراوح بين 17 و18% مقابل 18 للقروض الشخصية)، وهذا خطأ بالتقدير إذ يجب الاهتمام بالشركات التي توظف عمالاً.
2-توفير الأمن وأيضاً القضاء العادل الذي يحكم في النزاعات التجارية بسرعة من دون تسرع، فـسلحفة القضاء في الحكم بالنزاعات التجارية لا تساعد على الاستثمار ولا تشجعه.
3-توسيع رقعة الاستثمار، وهذا يتعلق بسياسة الدولة الانمائية في المناطق، وعدم حصره أو تركزه في منطقة بلبنان كما هو حاصل الآن في النشاط العقاري المتركز بنسبة 70% في بيروت وجبل لبنان، وهو ما يتسبب بارتفاع الأسعار، فمن المعروف أن الاستثمار يلحق القطب التنموي، وهذا إذا تحقق في المناطق فإنه قادر على ايجاد فرص عمل وتوفيرها للجميع، وهو ما يمنع أولاً الهجرة الداخلية من الأرياف باتجاه المدن والسواحل، وهذا النوع يسبق الهجرة الخارجية.
بالإضافة الى ذلك، يجب الاشارة الى أن الاستثمار، يحتاج الى تحقيق قيمة مضافة عالية، وهذه محكومة بثلاثة أمور:
-مهارات القياديين وأصحاب القرار داخل الشركات.
-درجة حداثة الآلات والمعدات التي تحتاج الى سيولة.
-مهارات عمالية بمستوى تقني وفني عالٍ، وخصوصاً لتلك الموجودة في المناطق البعيدة.
فالمستثمر عندما يرى أنه بواسطة استثماره يستطيع تكبير القيمة المضافة، يأخذ بسرعة مبادرة الاستثمار.
ويشدد يشوعي على أنه بهذه الطريقة يمكن محاربة البطالة نحن لسنا عاجزين عن بناء اقتصادنا ومجتمعنا، فنحن نبني اقتصاد الآخرين ومجتمعاتهم، نحن نمتلك كل الكفاءات على الصعيد الفردي لكن مع الأسف عندما نجلس مع بعضنا لا نضاعف الأثر على التقدم، بالعكس يكون الأثر سلبياً على تقدمنا.
ويقول إن لبنان بحاجة للاستثمار الثابت سواء المحلي أو الأجنبي، فبناء مصنع يمكن أن يوظف لبنانيين ويخلق فرص عمل، إلا أن الخوف هو من الأموال التي تأتي وتتوظف بسندات خزينة وتأخذ الفوائد ثم تتحول بعدها الى عملات صعبة وتخرج من البلد. ويضيف إن المهم زيادة موجودات القطاعين العام والخاص، لأن عدم وجودها يعني أن لا انتاج ولا فرص عمل.
وإذا كانت هذه الرؤية هي السبيل للتخفيف من أزمة البطالة، فإن منظمة العمل الدولية ترى في تقريرها، أن مواجهة الانكماش الاقتصادي وتداعيات أزمات المال العالمية، تستلزم تطوير سياسات الاستخدام، وتعزيز خدمات الاستخدام من خلال توفير رعاية الوظائف وتوفير المعلومات عن سوق العمل وإدارة منافع البطالة، تحسين آليات رصد سوق العمل، توفير حماية أفضل ضد مخاطر البطالة تتمتع بمفاعيل مباشرة مضادة للتقلبات الدورية في حال ارتفاع البطالة في أوقات المحن الاقتصادية، وتعزيز استراتيجيات الحماية الاجتماعية الوطنية وآليات الرصد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.