بات قطاع النفط كمحرك اساسي للاقتصاد، من مصادر تمويل الخزينة، وفي نفس الوقت عبئا على التنمية والمستهلك، فالفاتورة النفطية تتجاوز بمجملها 7 مليارات دولار سنوياً، نتيجة التخبط الذي يمر به هذا القطاع الحيوي على كل الأصعدة، الامر الذي يستدعي تحركاً من الدولة، للإمساك بزمام القطاع وادارته وفق سياسة نفطية متكاملة بشكل مباشر، أو بمشاركة الشركات الوطنية الخاصة، وهو ما يعني الاستجابة الحتمية لتطور القطاع، ولجم التدهور الذي يمر به الآن، وهذا ممكن استغلاله راهنا، في ظل سياسة الانفتاح الداخلية والخارجية لحكومة الوفاق الوطني، وفي ظل الاستقرار الأمني الذي تسير به البلاد منذ أيار (مايو) 2008.
من هنا تأتي الدعوات المتكررة لرئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه النائب محمد قباني، لوضع سياسة نفطية في لبنان، وتحضير قانون عصري للنفط، في ضوء المعلومات المتداولة عن اكتشافات نفطية في المنطقة.
وقد دعت اللجنة في هذا المجال الى تشكيل الهيئة المعتمدة لادارة القطاع النفطي، لتتولى ادارة القطاع بجميع جوانبه، والاسراع بتفعيل المديرية العامة للنفط وملء الشواغر التي تشمل معظم ملاكها بما فيها رأس الهرم الاداري.
ويقول النائب قباني لـ المستقبل، مع الأسف لا توجد الاستراتيجيات المطلوبة في مختلف القطاعات، ومنها قطاع النفط والغاز، الذي يشكو من غياب استراتيجية وسياسة للتنقيب عن النفط والغاز.
ويضرب قباني مثلاً واقعياً على هذا الأمر هناك غياب كامل للجسم الاداري في وزارة الطاقة منذ أكثر من 5 سنوات، فلا مدير عام ولا مسؤولين آخرين، باستثناء موظفة إدارية تحمل البريد الى الوزير.
وشبّه قباني نداءات اللجنة التي يرأسها في مجلس النواب وتوصياتها الخاصة بوضع سياسة نفطية بانها صرخة في واد، إلا أن رئيس لجنة الطاقة والمياه لا يبدو متشائماً بل يبدي تفاؤلاً بحكومة الرئيس سعد الحريري، فهو يمتلك إرادة واضحة في الانجاز والبناء. وقال نحن على استعداد كامل كلجنة طاقة نيابية للتعاون مع الوزارة والمؤسسات المعنية في الدولة، لوضع استراتيجية واضحة للقطاع وسياسة واضحة للتنقيب وقوانين تنظم هذا العمل في كل مراحله.
وإذا كانت البلدان العربية ودول العالم الثالث قد تنبهت الى أهمية القطاع النفطي في عملية التنمية والاعمار، فإن لبنان الدولة المستوردة يقف اليوم أمام تحد كبير لإعادة تنظيم هذا القطاع على أسس علمية واقتصادية لمواكبة تطلعات الحكومة الحريرية الجديدة في السياسة والاقتصاد. فمن المعلوم أن لبنان دولة غير منتجة للنفط أو الغاز، وإنما دولة مستوردة بامتياز لكافة المشتقات النفطية، ويقدر حجم الكميات المستوردة بنحو 5،5 ملايين طن سنوياً، وهي تعتبر مرتفعة بالمقارنة بالاقتصاد والحد الأدنى للأجور.
وتتم عمليات الاستيراد عبر القطاع الخاص، لا سيما الغاز المسال لأغراض الاستهلاك المنزلي، البنزين، وقود الطائرات بالإضافة للمازوت المخصص للآليات.
استثمارات نفطية
ويبلغ حجم استثمارات القطاع النفطي في لبنان أكثر من5،3 مليارات دولار، ويضم تجمع شركات النفط 14 شركة مستوردة و14 مماثلة للتوزيع، فيما يناهز عدد شركات التوزيع المسجلة في وزارة الطاقة المئة شركة. أما القطاع العام فيستورد مادة المازوت الخاص بالتدفئة عبر مناقصات دورية، تقوم بها وزارة الطاقة من خلال منشآت الزهراني والبداوي، فيما تستورد مؤسسة كهرباء لبنان منذ العام 2005 بالاتفاق والتراضي مع الشركات الوطنية في كل من الكويت والجزائر (اتفاق من دولة الى دولة).
وكل عمليات الاستيراد التي تتم الى لبنان عبر القطاعين العام والخاص، تستند أساساً الى نشرة بلاتس اويل غرام العالمية (طبقاً ليوم التحميل في البواخر)، مضافاً إليها أسعار تكلفة النقل والتأمين وهامش من الربحية للمستورد.
وتتم عمليات الاستيراد وفقاً لمواصفات عالمية لكل مادة نفطية وخصوصاً البنزين والغاز المسال، والسؤال هل الأداء النفطي يتماشى مع استراتيجية مدروسة؟. إن أروقة المعنيين بالقطاع تضج بالحديث عن الفوضى والتخبط في قطاع النفط، بيد أن المفاجأة هي القنبلة النوعية ـ الاتهام الذي وجهه وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لحكومته، خلال افتتاحه الخميس الماضي أعمال مؤتمر الطاقة من أجل المستقبل، بإعاقة تطوير قطاع الطاقة، بسبب فرضها رسوماً باهظة على المشتقات النفطية بهدف تأمين الأموال لصالح الخزينة، مطالباً بإعادة النظر في الرسوم المفروضة. ولا يختلف رأي القطاع العام عن القطاع الخاص في هذا الموضوع، ويرى تجمع شركات النفط في لبنان، أن هناك غياباً لخارطة طريق نفطية في لبنان.
إن الواقع النفطي يعكس الكثير من التخبط وغياب الشفافية، إن كان على مستوى الاستيراد أو التوزيع ولا سيما في الجانب المتعلق منها بالقطاع الخاص، كون النفط ومشتقاته يعتبر مادة استراتيجية وحيوية لكافة أفراد المجتمع، سواء المحلي أو العالمي، وهو ما يدعو الى ايجاد رقابة وتوجيه من قبل الوزارة المختصة أي وزارة الطاقة والمياه، إلا أن عدم وجود استراتيجية لدى الجهات الرسمية لهذا القطاع الحيوي، يوحي بالكثير من الفوضى التي تسيطر على عمليات الاستيراد والتوزيع والتسعير والجودة لجهة الكم والنوع.
ويلفت الخبير النفطي ربيع ياغي في حديث لـالمستقبل الى أن عمليات الاستيراد في القطاع الخاص والتي تتم من خلال تجمع الشركات النفطية (نحو 14 شركة)، تعاني قلة استثمار في الطاقة التخزينية، التي لا تكفي للاستهلاك المحلي لأكثر من 10 أيام، بينما يجب أن تكون هذه الطاقة التخزينية لمدة لا تقل عن 3 أسابيع، أي على الشركات بناء مخزون استراتيجي إلزامي، مشيراً الى عملية تلاعب خلال تفريغ البواخر في مستودعات أو خزانات الشركات الخاصة، وكذلك عمليات التلاعب بالكمية والنوعية في كثير من محطات التوزيع التابعة لهذه الشركات.
خفض الفاتورة
ولما كان هذا القطاع حيوياً فعلى الدولة أن تستعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سيطرتها عليه، وأن تقوم بوضع قانون نفطي واضح يتماشى مع خطة عمل استراتيجية رسمية يتم من خلالها حماية المستهلك وتحفظ حقوق المستورد.
يقول ياغي إن هذا القانون يجب أن ينظم ويحدد كميات الاستيراد طبقاً لحاجات السوق، وإحكام السيطرة الرقابية على النوعية والكمية في مراكز التخزين والتوزيع والبيع. ويجب أن يلحظ عناصر طاقة التخزين الاحتياط ولمدة لا تقل عن شهر، وإعادة تركيب جدول الأسعار وشروط بناء محطات التوزيع التي يتجاوز عددها نحو 2600 محطة، أكثر من نصفها لا يتطابق مع شروط السلامة العامة.
ولا تختلف هذه المطالبة عن مطالبة تجمع شركات النفط، التي تطالب بتعديل بعض العناصر التي يتألف منها جدول تركيب الأسعار، مع ارتفاع التكلفة لعنصري النقل والبرميوم اللذين ما زالا مسمرين في الجدول ولم يتغيرا منذ العام 2000، وهو لا يجوز مع التغيرات التي حصلت على صعيد النفط عالمياً ومع ارتفاع هذه التكاليف. وإذ يرى أن الفاتورة النفطية عالية، قياساً بحجم لبنان السكاني والاقتصادي، يؤكد ياغي أنه على الجهات الرسمية المختصة أن تبني استراتيجيتها النفطية للسوق المحلية على مبدأ خفض هذه الفاتورة مع الارتقاء لمستوى الخدمات النفطية كما سبق وذكرنا.
ولا يذهب بعيداً عما يطالب به المعنيون في الدولة سواء التشريعيون منهم أو التنفيذيون أو أولئك المعنيون في القطاع الخاص، لجهة تحسين أداء مؤسسة كهرباء لبنان في الجانب الانتاجي، الذي يشكل أرقاً كبيراً للمسؤولين، كونه يستهلك أكثر مما ينتج ويتسبب بعجز لمالية المؤسسة والدولة، ويقول إن مؤسسة كهرباء لبنان، التي تشكل المستهلك الأكبر لمادتي الفيول والغاز أويل، يجب العمل وبسرعة على تحديث معاملها الانتاجية، لتكون جاهزة للتحول من استهلاك المازوت الى استهلاك الغاز الطبيعي المستورد من مصر عبر سوريا والأردن، والذي قد يستورد مستقبلاً من تركيا عبر سوريا الى لبنان وهذا مهم جداً. آخذين في الاعتبار أن لبنان ينتج الآن وفي أحسن الظروف ما يقارب 1600 ميغاوات من جميع المعامل الحرارية العاملة لدى المؤسسة، في حين أن حاجة السوق في العام 2010 تقارب 2400 ميغاوات من أجل تأمين الكهرباء 24/24 ساعة، وسيكون الطلب على الكهرباء في 2015 بحدود 3000 ميغاوات بفعل النمو السكاني والاقتصادي، وهذا ما يستدعي وبأقصى سرعة بناء معامل انتاج جديدة موزعة على كافة المناطق اللبنانية، على أن تعتمد هذه المعامل على الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية كمصدر أساسي لتوليد الكهرباء، وهو ما يوفر لنا دعماً مالياً عالمياً بغرض الحفاظ على البيئة اعتماداً على الطاقة النظيفة.
الاستراتيجية المطلوبة
يقول الخبير النفطي إن العصب الأساسي لأي استراتيجية حكومية قد يتم البحث والتداول بها، يجب أن تقوم على مبدأ الأمن الطاقوي، بغرض توفير المشتقات النفطية وبأعلى درجات النظافة النوعية، مما يستدعي التفكير جدياً ببناء مصفاة للتكرير في الزهراني أو في طرابلس وبطاقة لا تقل عن 150 ألف برميل يومياً، مما يوفر حاجات لبنان الداخلية لغاية العام 2020 (يستهلك لبنان يومياً 110 آلاف برميل من النفط المكرر)، وهذا قد يعيد الى الحياة مشروع بناء المصفاة التي اقترحتها دولة قطر في العام 2006.
إضافة الى الاسراع بإقرار قانون النفط المتعلق بالاستكشاف والتنقيب والانتاج، الذي قدمت مسودته دولة النروج في كانون الثاني (يناير) 2009، ولا يزال قيد الترجمة حيناً والتعديل أحياناً في أدراج وزارة الطاقة. علماً أن نتائج المسح الجيولوجي للمياه اللبنانية، قد أفضى الى نتائج أكثر من جيدة بما يتعلق بوجود الغاز الطبيعي مع التأكيد أن الاسراع بإقرار هذا القانون سيستقطب عروضاً كثيرة من الشركات العالمية الناشطة في ميادين التنقيب والاستكشاف للغاز والنفط في البحار، خصوصاً وأن الدول المجاورة مثل قبرص وفلسطين المحتلة قد سبقتنا في المباشرة باقرار قوانين النفط الخاصة بها وبالتالي في مباشرة عمليات التنقيب، مما يوفر دعماً معنوياً لتشجيع الشركات العالمية لبدء نشاطاتها في لبنان. شرط أن يسبق هذه النشاطات الموعودة ترسيم كامل للحدود الاقليمية البحرية وتقسيم المياه اللبنانية الى مربعات (بلوكات) ليتم في ما بعد منح امتيازات الاستكشاف حسب الأعراف الدولية لمن يرغب من الشركات الدولية الناشطة في هذا المضمار.
وبالاضافة لذلك يجب أن نلحظ أن هذه النشاطات في المشاريع النفطية براً وبحراً سوف تستقطب استثمارات هائلة، قد تكون رافداً أساسياً في انعاش الاقتصاد اللبناني، ناهيك عن مئات فرص العمل التي ستتوفر لليد العاملة اللبنانية.
ويختم ياغي أن حقبة الطاقة الرخيصة التي أثمرت ازدهاراً ونمواً في الدول الصناعية الكبرى قد ولت الى غير رجعة وعلى العالم الصناعي التعايش مع مبدأ أن أسعار النفط في الأعوام المقبلة لن تكون دون مئة دولار.









يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.