لا تزال مؤسسة كهرباء لبنان تعيد النظر في موازنتها للعام الجاري، متسببة بشكل أو بآخر، بتأخير الموازنة العامة للدولة، على الرغم من إنجاز المؤسسة المطلوب قبل شهرين من الآن، إلا أن الطارئ والذي أدى الى إعادة النظر فيها، هو أن الحكومة ممثلة بوزارة المال تعالج الآن موضوع انتاج الـ600 ميغاوات المطلوبة، ووضع السيناريو الأمثل لذلك، تفادياً لارتفاع الطلب على الاستهلاك، كما حصل صيف 2009، متسبباً بتقنين شديد في المناطق، بعد أن وصل الطلب الى 2450 ميغاوات، فيما قدرة المعامل الفعلية لا تتجاوز 1650 ميغاوات أما الاسمية فهي 2150 ميغاوات.
وعليه، فإن لبنان بقدر ما استفاد من الزخم السياحي في سنته الذهبية 2009، فإن المواطن كان يرد على التقنين الحاد بالاستعانة بـمافيات مولدات الكهرباء الخاصة، أو بإحراق الدواليب وبقطع الطرق، فيما الدولة كان عليها أن تواجه ذلك بمزيد من الحكمة التي يركن إليها المفلسون ساعة الحشر، ذلك أنها لم يكن باستطاعتها خلال السنوات الأربع التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صناعة المعجزات في ظل المناخات الأمنية والسياسية التي سادت، وهو ما أدى عملياً الى تأخر في النمو القطاعي للكهرباء، فباعتراف المعنيين أن الانتاج مكسور على 1000 ميغاوات، وهو مرشح للازدياد بنسبة كبيرة، بحكم النمو الديموغرافي والاقتصادي في البلاد، وزاد نمو الطلب على الطاقة الكهربائية في لبنان ما بين عام 1999 وعام 2002 بحدود 3,85% في السنة، ويتوقع ارتفاع النمو بحدود 2،3% سنوياً من الآن الى العام 2020، وهو ما أدركته حكومة سعد الحريري، لمواجهة الجانب الانتاجي من الملف المأزوم والمتوارث، بحكم الخلاف السياسي حول الطبيعة التي يمكن من خلالها التحكم بمسار قطاع الكهرباء، بعد أن أكل أخضر الدولة وترك لها يابسها، فأيَها يمكن أن يوقف مزراب الهدر، الذي يقلق الخزينة ويقض مضاجعها، الخصخصة أم التشركة أم إبقاؤها مؤسسة عامة؟. يكفي أن يكون قطاع الكهرباء وحده يشكل ما نسبته 40% من صافي الدين العام بنهاية العام 2008، وفيما استحوذ قطاع الكهرباء على 17% من قيمة العقود التي وقعها مجلس الإنماء والإعمار مع الجهات المانحة بين 1992 و2008.
أين موازنة الكهرباء؟
تقول مصادر مقربة من مؤسسة الكهرباء لـالمستقبل، إن تأخر إقرار موازنة الكهرباء، يعود الى النقاش الحاصل بين وزارتي المال والطاقة، حول طبيعة بعض الاعتمادات ولا سيما تلك العائدة للمحروقات والتي تستحوذ على جزء كبير من عملية المصروفات أو النفقات التي تدفعها المؤسسة ثمناً لها، وهو ما يحدث خللاً بين الواردات والنفقات، والنقاش لا يعني الاعتراض على الموازنة الموضوعة بقدر ما يطمح الى تحقيق التوازن.
ومع عدم تحريك موضوع التعرفة، التي يمكنها أن تحدث التوازن المطلوب، تقول هذه المصادر، فإن العجز في الموازنة الحالية للمؤسسة يصل الى نحو 1,2 مليون دولار، وهو ما لا يمكن أن تضعه المؤسسة تحت مسميات السلف أو العجز، ويمكن إدراجه في إطار الدعم الحكومي للمواطنين (1,2 مليون مشترك) أو يمكن تسميته مساهمة من الدولة، طالما استمرت المراوحة مكانها في مسألة التعرفة مع صعود برميل النفط الى ما فوق 80 دولاراً، في حين أن التعرفة وضعت على أساس 25 دولاراً. وتشير هذه المصادر الى أن وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لا يريد أن تقدم موزانة وزارة الطاقة أو المؤسسة منفصلتين عن بعضهما، فالأجدر ضمهما الى بعضهما.
واعتبرت هذه المصادر أن مسألة التجهيز والإنشاء هي خارج موازنة المؤسسة وتتحملها الدولة، وأشارت الى أن موضوع الـ600 ميغاوات التي وضعها البيان الوزاري، لن تكون من ضمنها.
كيف ستنتج الدولة 600 ميغاوات إضافية؟
أمام الدولة واحد من 3 حلول في المرحلة الراهنة، إما زيادة الكميات المستجرة من شبكة الربط الكهربائي الثماني، أو شراء المولدات 2 أو 4 strocke أو استئجارها.
تقول هذه المصادر إن مسألة زيادة الكميات المستجرة، أمر بالغ الصعوية اليوم، فلبنان يأخذ حصته من الكهرباء المصرية والبالغة 150 ميغاوات من أصل 450 ميغاوات تمنحها مصر للدول الثلاث الأردن، سوريا ولبنان. ويصل الكيلوات ساعة الى لبنان بسعر يراوح بين 12 و14 سنتاً.
وتضيف هذه المصادر أن الأمر منوط بتكبير حجم الشبكة في الأردن وهو غير وارد الآن، على الرغم من المفاوضات التي تجريها المؤسسة والدولة مع الجانب المصري.
أما في ما يخص الكهرباء المستجرة من سوريا، فإن الكمية المعطاة تراوح بين 120 و150 ميغاوات، وأحياناً تعطينا سوريا هذه الكمية فيما تقع هي في فخ التقنين. ويراوح سعر الكيلوات ساعة المستجر من سوريا بين 14 و16 سنتاً. وتشهد سوريا نمواً سكانياً وصناعياً، فإن النمو على الطاقة هو 10% سنوياً أي من المعدلات العالية. وتقول هذه المصادر بأن محطة كسارة باتت اليوم تستطيع استيعاب كميات مستجرة تصل الى 400 ميغاوات.
ولبنان يرتبط مع الجانب السوري بعقدي استجرار طاقة، الى محطتي دير نبوح بتوتر 230 ك.ف. (88 ميغاوات) وعنجر بتوتر 66 ك.ف. (38 ميغاوات). إضافة الى أن لبنان يرتبط بشبكة الربط الكهربائي العربي بكل من: مصر والعراق والأردن وسوريا وتركيا وليبيا وفلسطين.
إذاً، مع عدم القدرة في زيادة الكميات المستجرة سواء من سوريا أو خط الثماني، يبقى في الأفق موضوع موضوع تركيب محركات لإنتاج الطاقة التي تعمل على الفيول الثقيل (stroke Engines Four&Two) التي يمكن أن تتم خلال فترة زمنية قصيرة.
وتشير مصادر المؤسسة في هذا الإطار الى أنه في موضوع الشراء، فإن التمويل المطلوب يبقى هو المعضلة إذ أن كل 1 ميغاوات تكلفته الآن نحو 850 ألف دولار، وقبل سنوات كانت التكلفة تراوح بين 1،2 و1،5 مليون دولار، أي ما معدله نحو 510 ملايين دولار لـ600 ميغاوات، والسؤال الذي تطرحه هذه المصادر من سيمول؟، سيما وأن المدة التي تحتاجها كبيرة بين مناقصات لاستدراج عروض وفضها. ومن المعروف أن الصندوق العربي الذي يقوم بتمويل تركيب هذه المحركات يشترط قيام إستشاري عالمي بدراسة الجدوى الاقتصادية والفنية اللازمة لتركيب هذه المحركات، بما فيها كيفية ربطها بالشبكة الكهربائية وضرورة ثبات حركة الطاقة الكهربائية على شبكة النقل وطريقة تبريد هذه المحركات وغيرها من المستلزمات التقنية، إضافة الى أن من ضمن مهام الإستشاري المنوي إختياره تحضير ملف التلزيم لإطلاق مناقصة عالمية لتوريد هذه المحركات حسب الأصول المتبعة من قبل الصندوق العربي.
من الناحية الفنية ونظراً لإمكانيّة توريد وتركيب موّلدات الديزل الكبيرة (Reciprocrating engines) خلال فترة زمنيّة تراوح بين 18 و24 شهراً، وبما إنها تستخدم زيت الوقود الثقيل ويمكن وضعها ضمن مواقع محطّات توليد قائمة، وتستفيد من البنية التحتيّة والخدمات المتاحة في تلك المحطّات من خزّانات وقود ومآخذ مياه التبريد وإمكانيّة الربط بالشبكة الكهربائيّة اللبنانيّة، فإنّ استخدام تلك المولّدات يمثّل الحل الأنسب على المدى القصير لخفض العجز القائم.
وتلفت هذه المصادر الى أنه في حال عدم تأمين التمويل، فإن النية ستكون باتجاه تأمين هذه المحركات بطريقة عقود الإيجار(Power Leasing) وهو أقل تكلفة من عقود الشراء، إلا أن ذلك يستلزم أيضاً مدة زمنية، لإتمام هذه العقود لأن تمويل هذه العقود أكانت عقود شراء أو استئجار يفرض إجراء المناقصات اللازمة لها.
يذكر أن كميات الغاز المصري الطبيعي تشغل الآن مجموعة واحدة من أصل 3 مجموعات موجودة في معمل دير عمار (405-450 ميغاوات)، وتجري مؤسسة الكهرباء مفاوضات مع الجانب المصري لزيادة الكميات بحيث تتمكن من تشغيل كافة وحدات المعمل على الغاز الطبيعي.
والعقد اللبناني الموقع مع مصر ينص على بدء الضخ بمعدل نصف الكمية المتفق عليها اي 900 ألف متر مكعب لترتفع الى 1800 مليون متر مكعب في المرحلة الثانية، أي نحو 600 مليون متر مكعب سنوياً لمدة 15 سنة قابلة للتجديد.
ما المهم؟
لكن مصادر الكهرباء تسأل هل الأزمة محصورة فقط في عملية الانتاج؟ وتجيب أن مسألة الكهرباء هي أعمق من ذلك، ففي مسألة التوظيفات هناك نقص فادح في الكادر البشري فمن أصل 5000 وظيفة في المؤسسة هناك نحو 3100 محل شاغر، بسبب الوفاة أو التقاعد، إذا ذهبنا نحو إنشاء معامل جديدة فمن أين نأتيها بموظفين؟ الملاكات شاغرة في معملي الذوق والجية، وفي دير عمار والزهراني تعتمد المؤسسة على الشركة المشغلة كيبكو.
بالإضافة لذلك، تضيف هذه المصادر أن الأزمة تتجلى أيضاً في مشكلة التوزيع ومحطات التحويل التي تحتاج الى تمويل، وهي غير متوفر الآن في ظل العجز الذي ترزح تحته المؤسسة، في عكار، في الجنوب وغيرها... المشكلة تعود قبل الانتاج لمشكلتي التوزيع والتحويل.
وإذا كان المطلوب اليوم القيام بحركة إصلاح سريعة، لوقف النزف الحاصل في قطاع الكهرباء، والذي يؤدي إلى تفاقم الدين العام، فإن حكومة سعد الحريري ستواجه هذه المشكلة وقد أكدت على ذلك في بيانها الوزاري، بل ذهبت أبعد من ذلك حين أكدت على ضرورة 600 ميغاوات، وهي بذلك تكون قد وضعت يدها على هذا الملف الذي لم يعد يحتمل تأجيلاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.