8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مشاريع بـ1,3 مليار دولار حتى الآن والاختناقات باقية

لا تقف أزمة السير في البلاد، عند حدود إتلاف الأعصاب والمركبات وإضاعة الوقت ونفث كم كبير من التلوث، بل تتعداه الى خسارة وطنية تلحق بالاقتصاد الوطني، وإذا كان الصخب الإعلامي قد رافق ضوضاء الاختناق المروري ولا سيما في بيروت الكبرى، التي تحولت خلال شهر الأعياد الى موقف كبير للسيارات، فإن كرة المسؤولية يتقاذفها المسؤولون والمعنيون، الأمر الذي دفع بالحكومة الى عقد اجتماع تنسيقي الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2009، لدرس مقترحات تتعلق بتخفيف أزمة السير في نطاق بيروت الكبرى، في إطار اهتمامه بحل أزمة السير التي يعاني منها المواطنون في تنقلاتهم اليومية. وقد شدد الرئيس سعد الحريري، خلال الاجتماع، على المعنيين إيلاء هذه المسألة الاهتمام اللازم ودرس جميع الإجراءات والتدابير الضرورية ووضعها موضع التنفيذ الفعلي على الأرض، مؤكداً أنّه سيتابع بنفسه كل الخطوات المتّخذة في هذا الخصوص.
ورغم الاعتراف الحكومي بأن موضوع السير في لبنان يرتبط بأمور كثيرة، من النقل المشترك وبحالة الطرقات، فيما هناك نحو 1700 شاحنة تسير يومياً تنطلق في أوقات متفرقة، فإن للأزمة بعداً اقتصادياً يتمثل بالهدر المالي الذي ينزفه المواطن على الطرقات مدة ساعات، وبفاتورة معالجة التلوث، لكن الأهم هو الهدر الزمني الذي لا يقدر بأثمان.
ويعتبر قطاع النقل البري، اليوم، محط أنظار حكومة الحريري ومتابعتها الدقيقة، وخصوصاً في ضوء الاختناقات المرورية التي تشهدها العاصمة وتدرجاً المدن الرئيسية الأخرى، وإزاء المطالبات بالتخفيف من الأزمة والحؤول دون تفاقمها، بحكم التطور العمراني والزيادة السكانية وفي استخدام وسائل النقل، والتي تعدت 1،5 مليون سيارة، تشهد بيروت كما سائر المدن اللبنانية، ورشة كبيرة لأنفاق وجسور وتحويرات واستحداث طرق، وتأتي المتابعة الحكومية اللصيقة لوضع الطرق، بعد أن أعاقت السنوات الماضية الخمس، حركة المشاريع الطرقية وأبطأتها بفعل التواترات الأمنية والسياسية التي سادت.
أما الوضع الحالي للقطاع، فإن بعد انتهاء الحرب اللبنانية المشؤومة توالت البرامج والخطط لإعادة لبنان، منها برنامج التأهيل العاجل في العام 1991، الذي تبنته الحكومة وبرنامج الأفق 2000 في العام 1993، والخطة الخماسية للتنمية الاقتصادية في العام 1999، والبرنامج الانمائي في العام 2003، وبنتيجة ذلك، شهد قطاع النقل البري للأشخاص. ومنذ العام 1992 حتى اليوم، ورشة ضخمة من عمليات الترميم وإعادة التأهيل على شبكة الطرق في لبنان، بالإضافة الى شق وتنفيذ طرق جديدة. وقد بلغت قيمة المشاريع المعقودة في هذا القطاع منذ العام 1992 وحتى 2008 نحو 1،3 مليار دولار، منها 821007 مليون دولار قيمة المشاريع المنفذة لنهاية 2008، و518083 مليون دولار قيمة المشاريع التي لا يزال تنفيذها جارياً لتاريخه. أما قائمة المشاريع التي هي قيد التحضير في أفق 2009ـ2011 فتضم نحو 22 مشروعاً، وتبلغ قيمتها الرقمية نحو 528 مليون دولار.
إذاً، لا أحد ينكر أنه كان لسنين الحرب السبعة عشرة في لبنان آثار سلبية خطيرة على النمو الاقتصادي في البلد، تضمنت تدمير البنى التحتية وتأجيل الاستثمارات في القطاع العام. وبالنسبة لسكان بيروت فتعتبر قيادة السيارات تجربة مكلفة من ناحية الوقت والمال. لذلك كان من الواجب اتخاذ تدابير لاعادة هيكلة شروط مقبولة لزحمة السير في بيروت، لكي لا تلغى الفوائد الاولى لأعمال التأهيل والبناء، ويجب اكمال هذه التدابير من خلال قانون طويل الاجل لتلبية حاجات منطقة بيروت الكبرى من ناحية النقل المستقبلي. لذلك, في سنة 1994 اوكل مجلس الانماء والاعمار في مشروع مشترك لمجموعة تيم-ايوريف- سوفترو لانتاج مشروع طويل الاجل للنقل في منطقة بيروت الكبرى.
أما المنطقة التي تتمحور حولها الدراسة لمشروع النقل، فتتضمن المناطق الممتدة من نهر الدامور في الجنوب الى نهر الكلب في الشمال، تحت علو 400 متر كمعدل وتغطي 23000 هكتار.
وترى دراسة وضعها مجلس الانماء والاعمار، ان اعادة احياء بيروت كعاصمة عالمية كبيرة تتوجب خطة للنقل تتلائم مع هذا الهدف في سنة 2015، فمنطقة بيروت سيسكنها مليونا نسمة، تتمتع بمستوى دخل وقدرة تملك للسيارات اكبر بكثير من اليوم. والطلب على النقل سيصل الى نحو 5 ملايين رحلة في اليوم في منطقة بيروت الكبرى بحلول 2015، وهو اكبر ب3 مرات من الوضع الحالي.
وقد وضعت سيناريوات عدة لايجاد حل لمشكلة النقل وتم اختبارها. والافضل بينها وضع شبكة ترانزيت سريعة وضخمة لتلبية حاجات النقل ولخدمة المناطق الكثيفة السكان في العاصمة. وهذه الشبكة ستكون بديلا من السيارات، والنقل العام سيؤمن الوصول الى المطار ومنطقة بيروت الوسطى. وستمكن الترانزيت ( التاكسي لا يدخل في الشبكة) من تغطية 26% من سوق الركاب اليومي. وكذلك وضعت شبكة طرقات طويلة الاجل تتكامل مع شبكة الترانزيت.
لقد تم انجاز تحليل اقتصادي كجزء من مشروع انماء النقل المدني ويوجد له ملخص في وثيقة المشروع. هناك بعض العوائق بالنسبة لارتفاع التكلفة العائد لارتفاع اجور العمال. هذا التحليل يغطي المكونات الثلاث الاساسية للمشروع التي تمثل 97,5% من تكلفة المشروع: برنامج ادارة زحمة السير، برنامج ادارة المواقف للعربات، وبرنامج تحسين الكوريدور. بالنسبة لبرنامج الزحمة والمواقف، فان الفوائد المالية تتمثل في التوفير في تكلفة تشغيل العربة وقيمة الوقت.
ان تكلفة التشغيل يتم قياسها كمجموع تكلفة الفيول وغير الفيول، باستعمال درجات استهلاك بالوحدة للفيول والكلفة من ناحية المسافة. ان القيمة المالية بالدولار لوقت الرحلة يتم قياسها بواسطة القيم الوقتية للوحدة للرحلات للمسافرين.
وبما ان برامج ادارة زحمة السير والمواقف للعربات تدر منافع جسيمة في هذا التحليل , فانهما مناسبين في صدد تحليل المنافع الاقتصادية لبرنامج تحسين الكوريدور وهما مكملان له.
ان التكلفة البناء الموجودة في التقويم قد تم تقديرها من خلال المبلغ المدفوع للمتعهدين في المشاريع المنفذة والتي بصدد التنفيذ. ان التكلفة الاقتصادية لحيازة الارض تم تقديرها بالنسبة للسعر الفردي للارض المطبق.
كلفة التشغيل لمركز ادارة زحمة السير ومتر المواقف تتضمن القوة العاملة وتكلفة الصيانة لمختلف الاقسام بما فيها المعدات والبنى التحتية. أما التكلفة غير المباشرة كالتخفيض في النشاط التجاري والاقتصادي فلم يتم الاخذ في اعتبارها في هذا التحليل، وكذلك التكلفة الخارجية لمستعملي وسائل النقل وغير المستعملين خلال البناء (كالتأجيل في الرحلة، الضجة، الغبار).
ان التغييرات في المؤشرات الاقتصادية للمشروع بسبب التغيير في بعض العناصر لادارة الزحمة والمواقف للعربات تم اخذها في عين الاعتبار في التحليل الاقتصادي الاولي. العناصر هي: قيمة الوقت للسيارة والشاحنة وعربة النقل، درجة الحسم، درجة استهلاك الفيول، اسعار الفيول، تكلفة الاستثمار، تكلفة التشغيل. ان الفوائد من برنامج زحمة السير والمواقف تتغير حسب ضخامة زحمة السير.
يعترف مدير تنفيذ المشاريع في مجلس الانماء والاعمار حسان الدغيلي، بأن أزمة السير في البلد، لا يمكن أن يحلها تقاطع من هنا أو بوليس من هناك، ويؤكد أن المطلوب هو تنفيذ خطة متكاملة لموضوع التقاطعات والجسور والأنفاق والتحويرات، لافتاً الى أن المجلس لديه 19 مشروعاً بقيمة 225 مليون دولار، في هذا الاطار من ضمن مشروع النقل الحضري، وقال إن شأن هذا المشروع الذي بدء العمل به ويحتاج مدة سنتين ونصف السنة، أن يحل المشكلة وفقاً لدراسة جدوى اقتصادية قام بها المجلس.
وضرب الدغيلي مثلاً بالأنفاق والجسور في منطقتي العدلية والمتحف، التي حلت مشكلة السير في هاتين النقطتين الحيويتين، وقال إن الأشغال التي ينفذها المجلس عند التقاطعات تعيقها أزمة السير ولا سيما عند نقطة البربير.
وأشار الى أن مشاريع المداخل الشمالية قد نفذت بأكملها، مضيفاً أن هناك أشغالاً قيد التنفيذ في الطيونة ومار مخايل ونهر الموت والبربير، أما ما تبقى من المشاريع فهي:الدكوانة، جل الديب، المشرفية، غاليري سمعان (لم يؤمن له تمويل)، المكلس، بشارة الخوري، عمر بيهم وسامي الصلح. وقال إن هذه المشاريع بحاجة لسنتين ونصف السنة للانتهاء منها.
وأكد الدغيلي الذي يتابع عن كثب تنفيذ المشاريع، من أن جميع المشاريع وضعت على أساس جدوى اقتصادية وفقاً لبرنامج معلوماتي، يحدد إهدار الوقت قبل التنفيذ على التقاطعات، والمردود المحقق عقب التنفيذ، والهدر في ما لو لم تنفذ. وضرب مثلاً بتقاطعات كان يتوقف فيها السير مدة 30 دقيقة اختصرت الى 3 دقائق (مستديرة الحايك).
أما رئيس رابطة المهندسين الانشائيين في نقابة المهندسين في بيروت راشد جان سركيس، فيرى أن معيار حل أي أزمة ينطلق من احترام القانون، ويرى أن المطلوب هو خطة تستند على العلم القيادي لتأمين حاجات الناس عبر الخدمة المفيدة بمردود متكامل.
ويلفت الى أن هناك عملية تشويه اقتصادي واخلاقي في قضية السير، إلا أن أنه لا شيء يمنع المعالجة، والحلول الموضوعية للطرقات بشكل عام في التأسيس والتسليم ومن هذه الحلول:
أ ـ عمليا نقوم في نقابة المهندسين، منذ اشهر، بدعم كبيرمن نقيب المهندسين في بيروت بلال العلايلي بتحضير مؤتمر خاص بالطرقات وكل متعلقاتها من البداية الى النهاية، وهو امر يستحوذ على الكثير من الاهتمام الآن، في خضم التنافس الايجابي لتحقيق اهداف ترقى بالمجتمع الى ما هو افضل في حياة كريمة...
ب ـ يجب على الحكومة الاسراع في تبني المخطط الشامل وتسهيل عجلة انطلاقته في وضع الحدود القصوى للحركة العامة، كما يجب عليها اصدار مرسوم للسلامة العامة في الطرقات وعليها واخضاع الطرقات للتدقيق الفني كما الابنية.
ج ـ يجب على مجلس النواب اقامة الندوات والمؤتمرات اللازمة للتثقيف وتبادل الخبرات.
د ـ يجب على الجهات المختصة ان تدرس التكلفة الحقيقية لانتاج سليم والتلزيم باسعار موضوعية تؤمن للمتعهد ادارة الورشة بشكل سليم ليربح بعدل وانصاف ويؤمن كل المواصفات الفنية الالزامية.
هـ ـ يجب على البلديات التي يصير الى التزفيت في نطاقها ان تنجز كل ما يتطلب التمديد في باطن الطريق، وتحمل المسؤولية في كل ما يصير من حفر وضرر بالطريق. وهنا لا بد من تدبير يقضي مثلا بفرض ترخيص برسم ملحوظ مع تأمين يودع لدى البلدية، لحفر الطريق عرضيا وتمرير بنية تحتية مع تكليف المخالف بمبلغ الف دولار، حداً ادنى يسجل على الصحيفة العقارية.
ز ـ يجب وضع برنامج خاص بالطرقات والسير للتعليم في المدارس، وتعريف الطلاب من سن مبكرة على ضرورة الاحترام النوعي للنظم والاشارات واصول التعاطي على الطرقات.
الوفر والهدر
ويشير سركيس الى ان مرور مئات آلاف السيارات يشكل عبئا كبيرا على الطريق الذي لا يحتمل هذا القدر، فتظهر الحفر وهي حفر قد تنتج من اسباب عدة، الا انها اذا ما عولجت مباشرة (خلال 72ساعة) فلا يمكنها ان تتطور او ان تؤذي كما لو بقيت اياماً وشهوراً بل سنوات في بعض الاحيان.. ومثالا على ذلك، اذا اعتبرنا ان 10% فقط من السيارات التي تمر بالطريق تسقط في الحفرة، واخدنا معدل لكل 1000سقطة في حفرة تغيير خمادات امامية ودولابين بمعدل تكلفة قيمتها مئتان وخمسون دولارا، تقريبا (تكلفة منخفضة لتقريب النتائج الى القبول).
فنستطيع ان نقوم بعملية حسابية بسيطة عبر اعتماد ثلاثة مداخل للعاصمة كمعيار للدرس، واذا ما اعتبرنا وجود ثلاثة حفر فقط على كل من مداخل العاصمة بيروت من الجهات الثلاث حركة السير (الجنوبية-60000 والشرقية-80000 والشمالية-260000)، يتكون (26000+80000+60000)x10%x 3/1000=120 حالة بكلفة اجمالية يومية بقيمة 30000 دولار، اي بتكلفة سنوية تقارب 11 مليون دولار، علما ان كل ما نصرفه في هذا المجال نهدر فيه عملة صعبة تخسر اقتصادنا وموازنتنا. في حين ان هذه الحفر الثلاث على كل مدخل اي مجموعها تسعة حفر فقط يمكن ترميمها وتسويتها وتصحيحها بتكلفة لا تتعدى الفي او ثلاثة آلاف دولار، مهما بلغ كبرها.
اما فيما يعود الى الهدر الحاصل جراء ازمات السير فحدث ولا حرج... فاذا اعتبرنا ان كل سيارة فيها شخص واحد، تعبر على كل مدخل من المداخل الثلاث للعاصمة تهدر15 دقيقة اي ربع ساعة في عرقلة السير، وتأخير الوصول الى مقصدها فيمكن تقدير الارقام الناتجة عن هدر الوقت وحرق الطاقة بلا فائدة مع تلوث في آن: (لا نحسب تكلفة الفاتورة الصحية) بنحو 12500 يوم عمل من ثماني ساعات... اي ما يقارب 42 سنة، وهكذا تستهلك مداخل العاصمة الثلاثة كل يوم ضحية تعادل 42 سنة عمل، وهذا ما لا يمكن احتسابه ماليا. وضحية اخرى بمعدل تلف 12 سيارة يوميا.. اي اكثر من 50 مليون دولار سنويا..
فضلاً عن ذلك فإن كل تأخير مدة 15 دقيقة يعادل حرق ربع ليتر بترول لكل سيارة، فتكون النتيجة استهلاك 100000 ليتر بنزين، أي خسارة 160 مليون ليرة. اي ما يقارب 40 مليون دولار سنوياً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00