باتت مسألة توافر المياه ذات أهمية كبرى نظراً لمحدودية هذا المورد، ولكون فترة الجفاف في لبنان تزيد عن سبعة أشهر في السنة. وأصبحت قلة المياه وهدرها أحد العناصر الأساسية التي تهدد تطور البلاد ونموها الاقتصادي، فالعجز في الميزان المائي في لبنان من جهة، وزيادة الطلب في مجمل القطاعات من جهة ثانية، حسب وزارة الطاقة والمياه، ينذران بتفاقم هذا العجز حالياً وفي المستقبل.
ويقول النائب محمد قباني الجديد والخطير اليوم أننا نقف أمام مشكلة هائلة ومصيرية تواجه المياه على الكرة الأرضية، وهذا يظهره التغيّر المناخي السريع جداً، وبشكل فاق تصور العلماء، أما معالمه فهي الانهيارات الجليدية في القطب الشمالي، ما يعني أننا مهددون كغيرنا إذا لم نتخذ الإجراءات اللازمة.
وحول وضع المياه في لبنان يقول قباني نحن في لبنان بلد صغير، وأصغر بكثير بالمقارنة مع دول مثل الصين والهند، ومن واجبنا أن نتوافق وننضم الى السياق العالمي في حماية مصادر مياهنا. ولكن، مع الأسف الشديد في السنوات العشر الأخيرة لم نشهد سوى القليل القليل من الأعمال الجادة على صعيد مشاريع المياه بالمقارنة مع الأعمال في القطاعات الأخرى، بالإضافة الى أن العقلية السائدة هي اللامبالاة ونمط الممارسة يغلب عليها طابع المنفعة السياسية والشخصية.
وأضاف لقد حقق الرئيس الشهيد رفيق الحريري خلال فترة تفاهمه مع الرئيس الراحل الياس الهراوي من 1992 الى 1998، الكثير من الإنجازات التي تصب في خانة التخطيط لمستقبل لبنان إنمائياً، ولكن عقب العام 1998 توقفت عملية الإنماء لتبرز الأحقاد بدلاً منها ولتسود في السياسات والأعمال.
ويضيف على صعيد المياه، كان الأبرز هو سد شبروح، الذي نرحب به، بيد أنه ليس هو الأهم على صعيد خطة السدود في لبنان، لأن كميات التخزين فيه محدودة، فضلاً عن عوامل جيولوجية تتسبب بتسرب مياهه، أما بقية السدود، وأبرزها إكمال مشروع الليطاني وسد بسري وجر مياه نهر الأولي، فهذه ما زالت مؤجلة ولم يجر فيها شيء رغم توصيات النواب.
ويؤكد قباني أن لبنان عموماً لا يملك استراتيجيات للمياه، بالإضافة الى غياب الرؤية المشتركة للاستفادة من المياه السطحية والجوفية، ضمن منطق التنمية المستدامة، التي تتيح لهذا الجيل الاستفادة من المياه المتوفرة مع إبقائها حتى الأجيال المقبلة، لتنمية مواردها أيضاً. ما أنجز في هذا المجال هو فقط خطة عشرية للسدود والبحيرات، والتي لم ينفذ منها سوى سد شبروح.
أما على الصعيد الإداري، فيقول قباني إن القانون الذي جمع لجان المياه في مؤسسات فقط نفذ في بيروت وجبل لبنان بشكل منقوص، كما نفذ موضوع الخصخصة في مياه الشمال لكن تعتريه الكثير من الشوائب.
ويتحدث قباني عن مظهر آخر من مظاهر ازمة المياه في لبنان وهو تلويث مصادر الموارد المائية ويقول هذا التلوّث من صنع أيدينا نحن اللبنانيين، فنحن الذين نصب مجاريرنا في أنهر بلدنا، فالأمر لم يعد يقتصر على نهر بيروت، الذي أصبح في العقود الأخيرة مجروراً كبيراً، بل وصل التلوّث وبدرجة كبيرة الى نهر الليطاني، وبطريقة معيبة للبنان في الأوساط الدولية، وكذلك قمنا بتلويث المياه الجوفية من خلال الحفر الصحية، مما جعل المياه المبتذلة تنفذ اليها، وكذلك يتم حفر آبار للمياه مما جعل الكثير منها ينضب ويتلوث، وبتنا مهددين خلال أقل من نصف قرن بنضوب مياهنا الجوفية ولا سيما العذبة، وهذا للأسف يسري على معظم ينابيع لبنان، إلا التي في قمم الجبال، حيث لا أنشطة هناك تهدد نقاوتها.
وأكد قباني أهمية إجراء دراستين قبل بناء سد الأولي الأولى تتعلق بالأثر البيئي في المنطقة التي سينشأ فيها، والثانية دراسة الجدوى الاقتصادية لهذا السد. وبدون هاتين الدراستين لا يجوز بناء أي سد لمجرد طرح المياه التي يخزنها. لذلك يجب إعادة قراءة وتقويم الخطة العشرية على ضوء استراتيجية ضرورية تجمع بين السطحية والجوفية.
ويشير قباني الى الوضع المائي في بيروت الكبرى كنموذج للكميات المتاحة والكميات المطلوبة، كما هو واضح من الميزان الاتي:
- ميزان المياه في بيروت الكبرى بتاريخ 31/12/2008: مجموع المياه المنتجة في السنة 138.960.000 مترا مكعبا في السنة. في حين أن الحاجة اليومية 184.320.000 مترا فيكون النقص 45.360.000 م3 في السنة.
-ميزان المياه في بيروت الكبرى للعام 2025 مع استعمال آبار لفترة خمسة أشهر سنوياً:
مجموع المياه المتوفرة 137.700.000 م3 في السنة، وتبلغ الحاجة اليومية 237.600.000 م3 في السنة، أما النقص 99.900.000 م3 في السنة.
أما عن الحلول من أجل تحقيق مصادر لكميات إضافية من المياه، فهي كالتالي:
- الأهم والملح هو سد بسري، الذي يؤمن 130.000.000 متر مكعب في السنة، والمطلوب الإسراع بإكمال الدراسة وتأمين الأموال. فالسد يحتاج إلى نحو خمس سنوات من العمل لكن المهم أن نباشر وبجدية مطلقة.
-الإسراع بتنفيذ مشروع جر مياه الأولي والليطاني إلى بيروت الذي يؤمن 50.000.000 م3 من المياه في السنة ويحتاج إلى 3 4 سنوات من التنفيذ.
-العمل على تنفيذ سد الجنة والذي يؤمن 50.000.000 م3 في السنة لبيروت الكبرى ولمنطقة جبيل ودراسته شبه جاهزة. لكن من المهم دراسة الجانب البيئي لهذا المشروع.
-إكمال دراسة الجدوى لإقامة سد على نهر الدامور.
-حماية مصادر المياه الجوفية والأنهر من التلوث.
-العمل على تخفيف الهدر الفني وغير الفني في شبكات المياه.
مع العلم ان تكلفة مشاريع سد بسري وجر مياه الأولى وتحسين شبكة مياه بيروت تراوح بين 400 و450 مليون دولار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.