بات من المؤكد أن لبنان لا يحتاج فقط الى مشاريع جديدة على صعيد الطاقة، وإنما الى ترشيد الاستهلاك ومشاريع انتاج طاقة بديلة ومتجددة، خصوصاً في ظل الوضع المتفاقم للكهرباء في لبنان، الذي يحتاج الى تمويل كبير وخصوصاً لجهة زيادة الانتاج وأقله راهناً نحو 1000 ميغاوات، والتي ينبغي ان تسد الحاجة المتنامية للطلب على الطاقة، فقد ترجم التقنين الحاد خلال الصيف (2009) النقص في الانتاج، وهو ما اشتكى منه السياح الذين أموا لبنان بمئات الآلاف، واستعانت بلديات الاصطياف والسياحة بسد حاجاتها من المولدات الكهربائية الخاصة..
لكن يتبين أن التمويل المالي المطلوب يحتاج قبلاً الى جهد سياسي توافقي للتأكد من الطريق الذي يجب أن يسلكه القطاع، وطرحت مجموعة من الحلول في هذا الاطار منها الاتجاه الى التشركة مع القطاع الخاص، بناء معامل، استيراد مولدات كهربائية ضخمة، الاستعانة بالغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، كما طرح موضوع الطاقات البديلة والمتجددة، والتي يعكف على تظهير أهميتها مركز الترشيد الطاقوي في لبنان.
إلا أن لبنان ليس رائداً في هذا المجال، لكنه يعمل من ضمن منظومة منطقة الأوروـ متوسطية، وخصوصاً في ما يتعلق بالخطة الشمسية المتوسطية. ويقول تقرير أفرج عنه مركز ترشيد حفظ الطاقة في لبنان إن كامل منطقة الحوض المتوسّط والاتحاد الأوروبي ستواجه تحدّيات طاقويّة ومناخيّة مهمّة في العقود المقبلة. وسيرتفع الطلب على الطاقة بشكل كبير فيما ستستمرّ أسعار الفيول الأحفوري باتباع نمط غير مستقرّ ومتزايد على الأرجح. ومن أجل معالجة هذه التحدّيات ومواجهتها، ستضطرّ دول الاتّحاد الأوروبي والدول الأعضاء في عمليّة برشلونة التي أطلقت في العام 1995 إلى تكثيف جهودها لتطوير السياسات المناسبة في مجال فعاليّة الطاقة وتوفيرها والطاقات المتجدّدة وتقليص انبعاثات غازات الدفيئة، وبالتالي في إطار الاتفاق الدولي المستقبلي، ما بعد بروتوكول كيوتو، الذي سيتمّ أخذ القرار بشأنه نهاية 2009 في مدينة كوبنهاغن.
وأصبح الاتحاد الأوروبي قوّة دافعة تسعى إلى وضع سياسة لحماية المناخ الدولي وقد حدّد لنفسه أهدافاً طموحة في سياسة الإجراءات المتّبعة في اتفاقيّة الطاقة والمناخ الجديدة.
ويشير التقرير الى أنه في اجتماع قمّة باريس في 13 تمّوز (يوليو) 2008، أطلق رؤساء الدول والحكومات في الدول الأوروبيّة والمتوسّطيّة الاتّحاد من أجل المتوسّط (UfM)، وهو نوع جديد من التعاون بين شاطئين من شواطئ البحر المتوسّط. وتهدف هذه الشراكة الجديدة إلى رعاية التطوّر ومكافحة تغيّر المناخ وتعزيز الروابط بين دول الاتحاد جميعها. وستستند إلى خبرة عمليّة برشلونة وتدمج سياساته السابقة. وتعطي عمليّة برشلونة: الاتحاد من أجل المتوسّط اهتماماً خاصاً بالمشاريع الملموسة ونتائجها. وحالياً، فرنسا ومصر تتولّيان معاً رئاسة الاتّحاد من أجل المتوسّط.
الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة MSP
ومن أبرز المشاريع المقترحة الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة MSP التي تهدف بشكل أساسي إلى تطوير مستقبل طاقوي مستدام في منطقة المتوسّط، التي تملك إمكانات هائلة وغير مستغلّة أو مستثمرة في مجال الطاقات المتجدّدة التي يمكن أن تسهم بشكل كبير جدّاً في التنمية المستدامة في المنطقة. توجد فرصة للتّعاون بين الأطراف المعنيّة جميعها لأنّ الفوائد الناتجة من الاستثمارات الضروريّة يمكن تقاسمها بالتساوي في ما بينها.
ولتحقيق هذا الهدف، تعتزم الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة زيادة استعمال الطاقة الشمسيّة ومصادر الطاقات المتجدّدة الأخرى لتوليد الكهرباء وتحسين فعاليّة الطاقة وتوفير الطاقة وتطوير شبكة ربط كهربائية، ورعاية عمليّة نقل الخبرات، والتكنولوجيا وتشجيعها في البلدان النامية بهدف تعزيز المهارات في مجال الطاقة المتجدّدة وفعاليّة الطاقة.
وتتألف الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة من فصلين يعالجان المجالين الأساسيين التاليين (توليد الكهرباء من مصادر الطاقات المتجدّدة ونقل الكهرباء) وفيهما تحثّ الخطّة على التحرّك والعمل في هذا المجال. فضلاً عن ذلك، ستركّز الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة على الأنشطة الإضافيّة في مجالات فعاليّة الطاقة وتوفيرها إضافةً إلى نقل الدراية والتكنولوجيا.
كما وضعت الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة هدفين إضافيّين هما: تطوير 20 جيغاوات من قدرات إنتاج الطاقة المتجدّدة وتحقيق نسبة توفير طاقوي في حوض المتوسّط مع حلول العام 2020 وبالتالي التطرّق إلى موضوعي التوزيع والطلب. وتهدف الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة إلى توفير كميّات كبيرة من الطاقة مقارنة بالأعمال كسيناريو عادي وفقاً لتوصيات الجمعيّة المتوسّطيّة لمراكز الطاقة الوطنيّة MEDENER وبالتعاون القريب مع شركاء أساسيين، كما أن الخطة ستروّج لأنشطة في مجال نقل الدراية والتكنولوجيا لدعم المشاريع في مجال توليد الطاقة الكهربائية من الطاقات المتجدّدة ونقل الكهرباء وفعاليّة الطاقة.
وبعد مرحلة التحضير التي هدفت إلى تحديد الأهداف (2008- 2009)، ستسمح المرحلة الأولى، التي تمتدّ بين العامين 2009 و2010، بإطلاق أوّل مشاريع الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة في بلدان مختلفة وبوضع إجراءات أساسيّة لتطوير المشاريع وتنظيمها وتمويلها وفقاً للخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة. يجب أن تكون المشاريع الأولى مرتبطة بالطاقة المتجدّدة وفعاليّة الطاقة وتحدّد الآليّات الماليّة والمحفّزات وبناء القدرات. وفي خلال مرحلة التوزيع، ما بين العامين 2011 و2020، سيتمّ تطوير الخطّة على نطاق أوسع استناداً إلى الخبرة المكتسبة في خلال المرحلة الأساسيّة.
خطّة العمل لإنتاج الطاقات المتجدّدة
وستسمح خطّة العمل لإنتاج الطاقة المتجدّدة بتحديد مجموعة أولى من المشاريع التي سيتمّ إطلاقها بين العامين 2009 و2010، إضافةً إلى المشاريع التي اقترحها الشركاء المتوسّطيون لكي تكون قابلة لتصلح كمشاريع ذات أولويّة. ومن خلال تطوير هذه المشاريع، سيكون من الممكن تحديد الإطار القانوني واختباره (الرخص والأذونات والتعرفات، إلخ) وآليات التمويل، ومن أجل وضع إطار استيراد وتصدير الكهرباء الخضراء من وإلى الاتحاد الأوروبي قابل للاستمراريّة. وستسمح هذه المرحلة بشكل خاصّ بتأمين آليات التمويل المؤقلمة وتطويرها كما تمّت مناقشتها حالياً تحديداً مع البنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمارات EIB إضافةً إلى مصارف تنمية ثنائية الأطراف.
ويجب أن تتضمّن هذه المرحلة بشكل خاصّ الصناعة والمرافق وتشغيل أنظمة النقل والمستثمرين المحتملين ومؤسسات التمويل والقطاع العامّ. ,ستتوزّع الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة الطويلة الأمد على الفترة الممتدّة بين العامين 2011 و2020 وتهدف بشكل خاصّ إلى التوصّل إلى إنتاج بقيمة 20 جيغاوات.
وبدءاً من العام 2009، سيتمّ تحضير دراسة مخطّط توجيهي للفترة الممتدّة بين العامين 2011 و2020. ويجب أن تضع هذه الدراسة تصميماً واضحاً للخطوات التي يجب اتّباعها في كلّ مجال من مجالات الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة، وتحديدا تطوير معامل الطاقة الشمسيّة الحراريّة والكهروضوئيّة الشمسيّة وقدرات إنتاج الطاقات المتجدّدة الأخرى في حوض البحر المتوسّط. كما يجب أن تتطّرق إلى مسائل تصدير الكهرباء إلى الاتحاد الأوروبي بالترافق مع الاستعمال المحلّي، لتحلية مياه البحر على سبيل المثال. كما يجب أن تكون الدراسة عبارة عن جهد تعاوني تُعنى به الإدارات المعنيّة من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسّط المهتمّين، المرافق المعنيّة في المفوضيّة الأوروبيّة والصناعة والمرافق ومشغّلي أنظمة نقل التيار الكهربائي والمموّلين المحتملين ومؤسسات ووكالات التمويل (المتعدّدة والثنائيّة الأطراف، العامّة والخاصّة). وباعتبار أنّ نتائج العمل تطوّرت في المرحلة الأساسيّة إضافةً إلى الدراسات الموجودة والحاليّة، وتحديداً دراسة تحديد الخطّة الشمسيّة المتوسّطيّة Identification of the Mediterranean Solar Plan التي نفّذتها مفوّضيّة الشمسيّة المتوسّطيّة.
لبنان والخطة المتوسطية
كان لا بدّ للبنان أن يرسم لنفسه دورا متقدما وطليعيا ورياديا، وهي فرصة لتطوير الاداء الذي يتناول موضوعي فعالية الطاقة والطاقات المتجددة، حيث تبرز الحاجة الملحة إليهما من ضمن الحلول الاستراتجية لمشاكل الطاقة، خاصة في ظل محدودية القدرات الانتاجية المتوفرة، واستيراد معظم حاجاته من المشتقات النفطية (حاليا 98%) حتى ينعم لبنان لاحقا بالاستثمار بمخزونه من النفط والغاز، حيث اثبتت الدراسات الأولية أرقاما متفائلة.
وتقوم وزارة الطاقة والمياه بتعزيز أطر التعاون وتطوير الشراكات البناءة التي من شأنها الاستثمار في الفرص المتاحة، وتعاملت مع المشروع المتوسطي بكثير من الجدية والإيجابية، وتم تعيين المدير العام للموارد المائية والكهربائية فادي قمير منسقا وطنيا لمشروع الخطة الشمسية للمتوسط.
وبناء عليه قام المركز اللبناني لحفظ الطاقة، الذي يديره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتنفذه وزارة الطاقة والمياه، بإعداد وتنظيم المؤتمر الاول من نوعه في لبنان ومحيطه العربي، وقدمت خلاله عروض تقنية عدة، تناولت التوجهات السليمة للتعامل مع الخطة المتوسطية وطنيا، وقد تم تبني المعايير التقنية الموضوعية التي اقترحها خبراء المركز اللبناني لحفظ الطاقة، كمعايير وطنية يتم الالتزام بها من قبل جميع الأطراف الذين سيتقدمون بمشاريع نموذجية، وأهم المقررات والتوصيات التي صدرت عن المؤتمر تتمثل بإعلان بيروت، الذي أنشا لجنة تنسيق وطنية يرأسها المنسق الوطني، ويكون فيها المركز اللبناني لحفظ الطاقة السكرتاريا التنفيذية، وتضم ممثلين عن الجامعة الوطنية والجامعات الكبرى، ثلاث جمعيات ومنظمات غير حكومية تعنى بشؤون الطاقة والبيئة، ممثلي الوزارات والإدارات العامة المعنية وفي مقدمها الطاقة والبيئة ومؤسسة كهرباء لبنان، بالإضافة إلى ممثل عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان.
تقوم اللجنة المذكورة بدراسة المشاريع المقدمة من جميع الأطراف استنادا إلى المعايير المشار إليها، وقد تم تحديد تاريخ 15 ايلول كحد اقصى للتقدم بهذه المشاريع، على أن تنكب اللجنة بعدها إلى اختيار منها الأكثر ملاءمة ومواءمة لحاجات البلد وخطة الوزارة في هذا المجال. يذكر أن جميع الدول عليها أن تتقدم بمشاريعها إلى الخطة المتوسطية مطلع شهر تشرين الأول( اكتوبر) القادم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.