عكست الحرارة المرتفعة نفسها على صيف لبنان السياحي، مع بلوغ نسبة الاشغال الفندقي 100%، وتوقع وصول نسبة الحجوزات في بعض الأحيان الى 130%، ما يعني ان العام 2009 هو العام القياسي للسياحة في لبنان، بفضل الاستقرار الأمني والسياسي، على الرغم من تعثر ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة، والتي يراها المعنيون بالقطاع السياحي مهمة جداً، ليس لجذب المزيد من السياح فحسب، بل لتفعيل الاستثمارات السياحية المجمّدة والمقدرة بملياري دولار، والتي أبطلت مفاعيلها الأحداث التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولاً الى السابع من أيار (مايو) 2008.
وكانت لافتة الانتخابات النيابية التي جرت بنجاح في السابع من حزيران (يونيو) الماضي، ترجمتها الوفود السياحية والاغترابية التي أمّت لبنان، حيث الاستقرار شكل أرضاً ثابتة لاستقبالها، فيما أوحت المهرجانات الدولية والرئيسية والمناطقية الى قدرة لبنان في استعادة مركزه كوجهة استقطاب سياحي أول للعرب، وقد صنّفت دراسة أجرتها مجلة نيويورك تايمز مدينة بيروت كأول مقصد سياحي على المستوى العالمي. وترجمت حركة ركاب مطار رفيق الحريري الدولي مفاعيل الاستقرار السياسي والطحشة السياحية، إذ ارتفعت أعدادها خلال تموز (يوليو) الماضي، 28% عن الشهر عينه من العام الماضي. وارتفعت حركة الركاب عبر المطار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2009 بنسبة 29% مسجلة 2,7 مليوني مسافر، مقابل 2,1 مليوني مسافر في الفترة نفسها من العام الماضي.وبلغ مجموع الركاب عبر المطار خلال تموز (يوليو) الماضي 621,522 راكباً، بزيادة مقدارها 27,95% عن تموز (يوليو) 2008 الذي سجل 485,769 راكباً. وقد فاق عدد السياح الـ 136 ألفاً في نيسان (أبريل) بزيادة تناهز نسبتها 64% قياساً بالشهر نفسه من العام 2008.
مليون سائح
لقد تخطى لبنان المليون سائح الشهر الماضي، لكن هل يصل الى المليونين بنهاية العام الجاري؟، كل شيء منوط باستمرار الاستقرار السياسي، ولكن قبلاً يجب تشكيل الحكومة ورؤية خطابها (بيانها الوزاري)، الذي سيحدد مسار القطار السياحي للوصول الى المليوني سائح، هكذا يؤكد المعنيون بالقطاع. وفي أسوأ الأحوال وكما يقولون، فإن لبنان سيحقق رقماً قياسياً يتخطى الرقم المحقق في العام 1974 (1،4مليون سائح)، بحيث يصل العدد الى 1,7 مليون سائح، في الوقت الذي سجل فيه الانفاق السياحي في تموز (يوليو) ارتفاعاً بلغت نسبته 24% قياساً بالفترة المقابلة من العام 2008.
وقد سجل مؤشر آراء للدخل الفردي الحالي أعلى مستوى له بالغًا 286 نقطة، أي بارتفاع 15 نقطة عن الشهر الماضي، الأمر الذي يشير إلى تأثر إيجابي كبير بالنشاط السياحي في لبنان هذا الصيف، مدفوعاً بالتفاؤل لدى أصحاب العمل الخاص، حيث سجل مؤشر الدخل الفردي الحالي أعلى مستوى لدى هذه الفئة بالتحديد. فالسياح والمصطافون ينتظرون فترات الإستقرار السياسي والأمني للقدوم إلى لبنان، والتمتع بصيفه ساحلاً وجبلاً، فتنشط الفنادق والمطاعم وأماكن السهر ويمتد الإنفاق إلى سائر القطاعات الإقتصادية والمالية التي ترافق إقامة الوافدين إلى لبنان.
يقول نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر الإشغال الفندقي ممتاز ونسبته 100%، وبين خروج السياح وحلول آخرين بالنسبة للغرف في الفنادق، فإن النسبة هذه تنخفض الى 90% لترتفع الى 130%، وهو ما يضطر الفنادق في بيروت وجبل لبنان الى تحويل الحجوزات الى فنادق خارج هاتين المنطقتين.
ويبلغ عدد فنادق 5 نجوم نحو 18 فندقاً، 95% منها في بيروت و5% في جبل لبنان، ويبلغ عدد الغرف الفندقية في لبنان نحو 19 ألف غرفة، بينما هناك حاجة الى 20 أو 30 ألف غرفة. وتسهم المؤتمرات والمطاعم بنسبة تراوح بين 30 و35% من عائدات الفنادق، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد الغرب ما يشير الى أهميتها في السياحة الحديثة. فيما الشاليهات البحرية يبلغ عددها نحو 20 ألف شاليه.
وتوقع ألا تكون نسبة الإشغال في شهر رمضان المبارك، الذي يصادف هذه السنة في العشرين من آب (أغسطس) الجاري، على ما هي اليوم. بسبب سفر الكثيرين من السياح العرب الى بلدانهم لأسباب عائلية وعادات خاصة بالشهر الكريم. لكن الأشقر أشار الى أن المصطافين والسياح العرب الذين يمتلكون منازل وفيلات في لبنان، فإنهم سيستمرون في البقاء بلبنان، بحكم أن العائلة تستطيع أن تمضي رمضان فيه كما لو أنها في بلدها.
استثمار سياحي
ويقول الأشقر إن لبنان استطاع تثبيت هذه السنة سنة سياحية بامتياز، بيد أن المطلوب هو تشكيل الحكومة دون عراقيل، فما قبل اتفاق الدوحة أيار (مايو) 2008، كان الاهتزاز السياسي والأمني الذي ضرب البلاد، قد أثر سلباً على السياحة، وابتعدت المؤتمرات والمعارض الدولية عن لبنان، لكن في 2009 استطاع لبنان أن يعيد هذه المؤتمرات والمعارض، وعاد وجهة سياحية ومركزاً لرجال الأعمال، وما ينجح في لبنان فإنه ينجح تلقائياً في الدول العربية، ومثالٌ على ذلك أن الموضة تدرج في لبنان ثم تلحق بها الدول العربية.
ويضيف المطلوب الآن تأليف الحكومة، لتبدأ الاستثمارات في هذا القطاع، هناك مشاريع جاهزة للتلزيم، فهناك مشروع لـ السمرلند لبناء فندق بقيمة 100 مليون دولار، وتلزيمه شبه حاضر، فالجماعة ينتظرون تشكيل الحكومة. في لبنان هناك مشاريع في القطاع الفندقي ستؤول الى بناء 3000 غرفة فندقية، منها فندق فور سيزن الذي سيفتتح قريباً، وقد تأخر افتتاحه بسبب الأوضاع، وكذلك هناك أوتيل غراي وبجانب ستاركو فندق غراند هايت وهو 500 غرفة وحده، لقد بدأوا بحفر الأساسات ثم توقفوا، بانتظار تحرك العجلة السياسية، كذلك روتانا اشترت عَقَاراً لبناء فندق وهي بانتظار الأوضاع السياسية.
وفي ما يعزو البعض السنة السياحية في لبنان الى الاستقرار السياسي الذي أعقب اتفاق الدوحة الشهير مروراً بالانتخابات النيابية وصولاً الى تكليف رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري، الذي يحظى بغالبية وثقة دولية كبيرة، فإن البعض يرى أن هناك عوامل أخرى تضافرت لرسم هذه اللوحة السياحية منها نجاة لبنان من تداعيات أزمة المال العالمية التي أثرت كثيراً في النمو الاقتصادي، ومن وباء انفلونزا الخنازير وبقاء الحالات المعلنة تحت السيطرة.
المنتجعات والشاليهات
ولفت نقيب المنتجعات البحرية جان بيروتي الى أن حركة المنتجعات مرتفعة في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري إذا قورنت بالفترة المماثلة من العام 2008.
واستحوذ الهدوء والاستقرار على هذه الفترة مقابل اضطرابات بدأها العام 2008 وانتهى باجتياح بيروت في السابع من أيار (مايو) 2008.
وقال بيروتي تحسنت الحركة بنسبة 16% في المناطق الساحلية و50% في المناطق الجبلية في تموز (يوليو) الماضي، وخلال آب (أغسطس) الجاري فإن المناطق الساحلية تراجعت بنسبة 20% ونتوقع وصولها الى 50% في المناطق الجبلية وذلك بالتزامن مع مجيء شهر رمضان المبارك.
ولفت الى أن الموسم جيد ولم ترد أكثر من 100 شكوى الى وزارة السياحة على 10 مؤسسات وهي قليلة جداً مقارنة بالماضي، وهذا يدل على تقدم الروحية السياحية التي ترتبط في لبنان بعاملين: الثقافة السياحية اللبنانية والطبيعة اللبنانية. وأكد أن لا أحد من الدول المجاورة يمكنه منافسة لبنان في هذا الإطار.
سوق التذاكر
تأثرت سوق قطع التذاكر بأزمة المال العالمية، وخصوصاً في ما يتعلق بحجوزات الدرجة الأولى. وقال نقيب وكالات السفر والسياحة في لبنان جان عبود إن الأزمة بدأت تأثيراتها تظهر على هذه السوق خلال الشهرين الأخيرين من العام الجاري، إذ تراجعت بنسبة 11% في حزيران (يونيو)، و9% في تموز (يوليو) الماضي، وهو بعكس مشهد نموها في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.
ولفت الى أن التراجع يمكن قياسه على أساس الحجوزات التي تتم على المقاعد الاقتصادية لا مقاعد الدرجة الأولى ومقاعد رجال الأعمال، مضيفاً أن التراجع مرده الى تراجع السوق العالمية للسفر، وتراجع أداء المصارف والشركات العالمية، وهذا ما بدأ يستشعره لبنان أيضاً.
لكن عبود لفت الى أن حركة الإشغال الفندقي في أوْجها، وكذلك في المطاعم والباتيسري، والتي تعتبر من ضمن مكونات القطاع السياحي. وأكد أن رمضان سيمدد الفترة السياحية للبنان.
الإنفاق السياحي
وعلى صعيد الإحصاءات الصادرة عن شركة غلوبل ريفند، المكلفة إعادة دفع ضريبة القيمة المضافة إلى السائحين على النقاط الحدودية اللبنانية، أظهرت ارتفاعاً في إنفاق السائحين بلغت نسبته 24% خلال الفترة المنتهية في تموز (يوليو) المنصرم قياساً بالفترة المقابلة من سنة 2008.
واحتلت نفقات السائحين القادمين من المملكة العربية السعودية 20% من مجموع الانفاق السياحي بين البلدان، والامارات العربية المتحدة 12%، والكويت 12%، والأردن 7%، ومصر 6% وبقية الدول مجتمعة 41%.
أما على صعيد تطور المشتريات بين السياح، فتأتي سوريا في المرتبة الأولى من بين 10 دول، مع وصول هذا التطور في الانفاق الى نسبة 78%، يليها المملكة العربية السعودية 61%، فقطر 56%، مصر 46%، والكويت 36%، والأردن 17%، فالإمارات العربية 8%، وتراجعت مشتريات الفرنسيين بنسبة 24% والولايات المتحدة الأميركية 11% ونيجيريا 11%.
أما بالنسبة لتوزيع النفقات حسب الفئات، فقد أظهرت الإحصاءات أن الأزياء والثياب شكلت نسبة 67% من مجموع النفقات. وتبعتها الساعات بحصّة 11%، ثم مستلزمات المنازل والحدائق 5%، والعطور ولوازم التجميل 5%، و4% لبضائع مختلفة. وعلى مدى عام انتهى في تموز (يوليو) الماضي قياساً إلى العام السابق، رصدت زيادة للإنفاق بحسب الفئات، بلغت نسبته 24%، فقد زاد الإنفاق على فئة الأزياء والثياب بنسبة 24%، الساعات 4%، العطور ولوازم التجميل 19%، وأخيرا الهدايا والتذكارات 46%، و49% لـمستلزمات المنازل والحدائق. وبحسب المناطق داخل لبنان، فقد حظيت بيروت بأعلى نسبة من الانفاق السياحي وصل الى 82%، ثم في المتن جبل لبنان 13%، و2% في كسروان-جبل لبنان، و1 في المئة في بعبدا و2% لبقية المناطق الأخرى. ونما الانفاق السياحي بنسبة 27% في بيروت، و14% في منطقة المتن، و9% في كسروان، وفي بعبدا 8%.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.