8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خفض التضخم في لبنان ينتظر حكومة فاعلة

قلة من دول العالم لم تتأثر بالازمة المالية العالمية الاخيرة، ومنها لبنان الذي ظل حتى الآن بمنأى عن تداعياتها، بفضل القوانين والتعميمات الصادرة عن المصرف المركزي اللبناني فيما خصّ مستوى التسليفات في القطاع المصرفي، وكذلك في كون المصارف اللبنانية لم تدخل بشكل مباشر في عمليات الاستثمار المباشرة مع الدول التي وقعت في الازمة. واذا كان من ايجابيات اخرى اساسية للازمة المالية الحالية، فلعل ابرزها يكمن في الفرصة المتاحة لعودة لبنان فعليا للعب دور مالي عالمي رائد ومتميز. وهذا ممكن اذا ما تمكن لبنان المالي والرسمي، من التعامل بسرعة والتعاطي بايجابية مسؤولة مع الأموال التي تحوّل يوميا اليه.
فمع الزيادة المرتفعة في نسبة الودائع والكتلة النقدية لدى المصارف، يصبح لبنان في حاجة ماسة لخلق استثمارات جديدة خلاّقة لهذه الودائع الاضافية، والا وقعنا في فخ التضخم المالي.
لكن اللافت هو الحديث عن نمو اقتصادي يقارب 6% للعام الجاري، وتراجع نسبة التضخم الى مستوى 4%، وذلك كمؤشر على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولا سيما الأخيرة في أعقاب أزمة المال العالمية، إذ أن نجاة لبنان من تسونامي أزمة الائتمان، عكسه استمرار ارتفاع السلع الاستهلاكية وغيرها، وفي حين سار العالم نحو الركود ومنه قطاع العقارات، كان لبنان يعيش فورة عقارية لا مثيل لها، كما أن الودائع نمت بنسبة 20 في المئة، حيث وصلت الى 15 مليار دولار في السنة، وهذا رقم قياسي لم يشهده لبنان من قبل، كما سجل ميزان المدفوعات نمواً بلغ 3.5 مليارات دولار بزيادة مليار خلال سنة واحدة، كما ان 85% من ميزان المدفوعات هي ودائع بالدولار تحولت الى الليرة، كما بلغ احتياط العملات الأجنبية باستثناء الذهب 23.5 مليار دولار. ولكن ما الذي يجعل لبنان الذي يعيش أزمة تضخم وصلت الى 12% في الأشهر الستة الأولى من العام 2008 لتصل الى 10% في الأشهر الستة الأخيرة منه، وصولاً الى الحديث اليوم عن 4%، وهل انتهى مفعول زيادة الأجور الأخيرة (200 ألف ليرة) التي تؤدي حتماً الى زيادة التضخم، علماً أن الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك في لبنان لشهر أيار 2009 سجل ارتفاعاً بنسبة 0,4%، على صعيد سنوي، أي بالمقارنة مع شهر أيار 2008. وسجل مستوى تضخم الأسعار بين شهري نيسان وأيار الماضيين تراجعاً بنسبة 0,3%، وذلك بحسب المؤشر الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء. ويصل معدل تضخم أسعار الاستهلاك بين أيار 2009 وشهر الأساس في مؤشر الإحصاء المركزي وهو كانون الأول 2007، إلى 4,9%.
يقول الرئيس السابق لجمعية المصارف فرانسوا باسيل، إن النمو الاقتصادي المقدر للعام الجاري، يرواح بين 4 و 6%، ومن الطبيعي أن يكون هناك تراجع بالنسبة للتضخم أو بالأحرى ألا يتجاوز نسبة النمو الموجودة، وأضاف قائلاً إن التراجع في نسبة التضخم مردها الى تراجع أسعار البترول، ويمكن ملاحظة ذلك من الميزان التجاري وانخفاض الاستيراد. ولفت الى أن الزيادة في غلاء المعيشة ساهمت في ارتفاع التضخم، إلا أن ذلك لم يظهر بفعل عامل النمو بالرغم من أزمة المال العالمية، التي جعلت النمو تحت الصفر في الدول المتقدمة اقتصادياً. وأكد باسيل أن نسبة التضخم في لبنان هي أقل بضعفين مما هي موجودة في دول المنطقة.
وربط باسيل بين النمو والاستقرار الأمني والسياسي، وقال إن تشكيل حكومة فاعلة ومنتجة تستطيع التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية من شأنها زيادة النمو وإضعاف التضخم. وعزا جزءاً من التضخم بفعل الجمود التشريعي في المواضيع الاقتصادية في مجلس النواب، وقال إن هناك مشاريع اقتصادية وتشريعات لا تزال مجمدة في المجلس، فمن المعروف أن هناك هدراً في الادارة، ولذلك المطلوب هو إجراء اصلاحات في القوانين وخصوصاً في ما يتعلق بموضوع المحاسبة للموظفين في أعمالهم، ويجب أن يقدم الى الادارة الموظف الكفؤ لا الموظف الذي يوظف على أساس طائفي أو سياسي. وأضاف أن الاصلاح يكون باعطاء الموظف حقه حتى لا يرتشي، فهناك موظفون لا تكفي معاشاتهم نصف الشهر، ومن هنا فإن تحريك المشاريع الاقتصادية وإصلاح التشريعات من شأنه أن يعزز الثقة.
لماذا التضخم المالي؟
يرى الخبير الاقتصادي ومستشار الاستثمار الدولي حسن عمر العلي، أن هناك نوعين اساسيين للتضخم المالي ومنها Demand pull اي الذي ينتج عن وجود سيولة عالية بالتزامن مع تفوق مستوى الطلب على السلع والخدمات على مستوى العرض .
والنوع الآخر الاساسي هو فيما يتعلق بكلفة الانتاج Cost push، مع ما يرافقها من ارتفاع للاسعار لتغطية تكاليف الانتاج.
وفي الحالة الاولى، وهي الاكثر تطبيقا على الوضع اللبناني، فمع زيادة السيولة في المصارف وبين الافراد (عبر القروض والتسليفات وغيرها) مع حاجة البنوك الى المزيد من التسليف لتتمكن من الايفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، ومع الابتعاد عن السوق العالمية للاستثمار (بفعل الازمة المالية) وبالتالي التركيز على السوق اللبنانية الداخلية، ومع عدم وجود او التأخر في اطلاق استثمارات على مستوى الدولة اللبنانية، تتوفر شروط التضخم المالي الناجم عن ضعف العرض مقابل الطلب Demand pull، وترتفع الاسعار ولكن هذا الارتفاع هو ارتفاع رقمي وهمي وليس ارتفاعا في قيمة السلع والخدمات. اما النتيجة فتكون تضاؤل وتآكل القدرة الشرائية للمواطن اللبناني.
وأشار العلي الى أنه لتلافي هذا السيناريو على الحكومة والمصرف المركزي التحرك بسرعة قياسية، لإيجاد استثمارات ضخمة تطلق الوضع اللبناني الحالي نحو نمو ونحو دور رائد، ولفت الى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان قد أعلن في تشرين الاول (أوكتوبر) 2008، عن دعم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة الحجم. إلا أنه رغم ذلك تبقى هذه الخطوة بحاجة لمزيد من الاجراءات في مجال دعم هذه المؤسسات في مجالات اخرى.
ورأى أنه في مسألة دعم هذه المؤسسات، فإن آلية التنفيذ ليست واضحة، إذ لم يكن هناك حتى الآن، تحرك فاعل على مستوى المصارف التجارية لترجمة هذه الخطوة، علما ان هذه المصارف هي من اكثر المعنيين بتنفيذها.
وقال إن هذه الخطوة لم تأت من ضمن مشروع متكامل تقوم به الدولة في مجال تشجيع الاستثمارات، وخصوصاً بالنسبة لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وفتح آفاق مستقبلية لهم، كما أن الدولة لم تقم الى الآن بتبسيط اجراءات الترخيص للمؤسسات والشركات، ولا نزال في هذا المجال متأخرين عن دول الجوار. فمثلا في دبي، يمكن الحصول على رخصة مؤسسة او شركة في 24 ساعة وعبر الانترنت مثلا، بالإضافة الى ذلك، فإن هناك غياباً للرؤية المستقبلية لهذه المؤسسات المنوي دعمها. كما ان اساليب المتابعة لعمل وتطور هذه المؤسسات غير موجودة.
ورأى أن هناك عدم انتباه لغياب أسواق تصريف الانتاج، فالسوق الخارجية متعثرة الآن، والسوق الداخلية لها مشكلاتها التي بدأت تطرأ بفعل انخفاض حوالات المغتربين اللبنانيين في الخارج، خصوصاً أولئك الذين فقدوا دخلهم أو قسماً من دخلهم بفعل الأزمة العالمية. فكيف ستقوم هذه المؤسسات بالايفاء بالتزاماتها وبدفع ديونها اذا لم تتمكن من بيع انتاجها؟. وقال إن مجمل ما قد يتم تقديمه من قروض لهذه المؤسسات محدوداً، وبالتالي فلن يكون كافيا لوحده لاطلاق شرارة الاستثمارات على مستوى الوطن.
أما في ما يتعلق بالمجالات الأخرى، فيرى العلي، أنه يجب على مجلس النواب والمصرف المركزي التحرك بسرعة قياسية تشريعيا وماليا ونقديا واقتصاديا لمواجهة هذه الازمة المالية، وما سيتبعها من ازمة اقتصادية، من خلال اطلاق استثمارات ضخمة تحفز الاقتصاد اللبناني، وتعيد لبنان للعب دور ريادي مالي اقتصادي ونقدي في المنطقة والعالم.
ويقترح العلي في هذا الاطار، إجراء Swaps او عملية استبدال الدين العام اللبناني الخارجي بدين آخر يمكننا من الاستفادة من فوائد اقل وفترة اطول للسداد. يساعدنا في ذلك تصنيف لبنان المالي الجيد جدا وكذلك كونه لم يتأثر بالازمة المالية سلبا من الان، مما يجعله قبلة للاستثمار وللايداع وللاقراض.
وقال ان رفع قيمة الضريبة على فوائد الايداعات، وإطلاق مشاريع بناء السدود لتأمين مياه الشرب والري وتوليد الطاقة ، واطلاق مشاريع اسكان للطبقات المتوسطة الدخل، وتأمين شقق بأسعار مقبولة للشباب من وغيرها ومن المشاريع، يمكن ان تطلق العملية الاقتصادية لعشرات السنين. وستسهم الاوضاع العالمية والوضع المأزوم للشركات المتعهدة والركود وانخفاض اسعار المواد الاولية في اطلاق هذه المشاريع وتنفيذها بأكلاف قليلة نسبيا.
ويقترح العلي تعديل قانون تملك الاجانب بشأن وجهة الاستثمار في الارض المملوكة، بحيث لا يكون هدف التملك هو بناء القصور والشقق الفاخرة، والتي ترفع اسعار العقارات بحيث تتجاوز قيمتها قدرة اللبناني على الشراء، بل أن يلزم كل مشترٍ اجنبي باقامة مشروع استثمار غير عقاري في الاراضي المشتراة الى جانب البناء وفي حال تعذّر ذلك الزامه بضريبة معينة لصالح صندوق وطني لدعم الاستثمار والمشاريع اللبنانية.
كما يقترح اطلاق تشريعات وآليات تسمح بانشاء صندوق استثماري، يهدف الى تحرير القروض المتعثرة لدى البنوك اللبنانية المرتبطة برهونات عقارية لبنانية، وتحديدا تلك التي لم تصدر قرارات تفليس بشأن اصحابها بعد. ففي لبنان يوجد نحو 4 مليارات دولار معطاة كقروض مقابل رهونات ولكنها متعثرة، ولم يتم تحصيلها او تفليس اصحابها، وبالتالي فهي مجمدة، وتحرير هذه الاموال يعطي دفعا هائلا لاقتصادنا ولكل الاطراف. فالمصارف التجارية بحال افضل لانها حصلت اموالا معدومة اصلا ولم تنتظر الاحكام القضائية التي قد تأخذ وقتا طويلا، والمدين بحالة افضل لانه لم يخسر سمعته وبقي نظيف السجل كما امكنه ان يحافظ على جزء من املاكه، والمصرف المركزي اللبناني بحال افضل لان كمية الديون المتعثرة لدى المصارف انخفضت وكل هذا ينعكس ايجابا على الاقتصاد اللبناني بفعل حركة التضاعف Multiplier effect.
ومن جهته، يعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، أن لا مؤشرات تشير الى تراجع التضخم، في ظل مواصلة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية. وقال إن الأسعار الاستهلاكية لم تهبط منذ ثلاث سنوات، اخترقتها فترة هبوط محدودة للأسعار في الفصل الرابع من العام 2008، بالتزامن مع هبوط أسعار النفط.
ولفت الى أن الأسعار ما زالت منذ بداية العام في حالة تصاعدية، فمعظم السلع الاستهلاكية ترتفع أسعارها، وكذلك المحروقات التي تضاعف سعرها في السوق المحلية نتيجة الضرائب والرسوم.
ويأمل برو في أن تتمكن الحكومة المقبلة من تخطي العقبات الاقتصادية والاجتماعية، وقال إن ذلك ممكن في ما لو خفت حدة النزاعات والخلافات والصراع السياسي بين أركان السلطة في البلد. ونأمل أن ينتهج الرئيس المكلف سعد الحريري من وضع سياسة اقتصادية تختلف مع نهج الحكومات السابقة.
ومن جهته، يسأل الباحث الاقتصادي في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، ما إذا كانت توافر للبنان المؤشرات الاقتصادية الصحيحة ويقول إن لبنان يفتقر على غرار عدد من الدول النامية للعديد من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المبنية على اسس علمية واحصائية سليمة. فمعظم المؤشرات التي يتم اصدارها واعتمادها بشكل رسمي هي مؤشرات تستند الى تقديرات كي لا اقول الى وجهات نظر، وبعضها يصدر عن جهات غير صاحبة اختصاص في الامر، نبدأ ربما بالموضوع الاهم والاساسي وهو الناتج المحلي، الذي تتولى منذ بضع سنوات الاشراف على اعداده احدى ابرز المؤسسات الفرنسية العاملة في هذا المجال، لكن معظم البيانات التي تستند اليها هي غير دقيقة، فتأتي ارقام الناتج المحلي غير دقيقة، هل هو 23 مليار دولار ام 27 مليارا ام ادني من 20 مليارا.
وأضاف المؤشر الاخر المهم وهو مؤشر البطالة، فالنسبة المعتمدة هي 9% فهل هذه النسبة صحيحة وكلنا يعرف ويدرك ان النسبة هي اكبر بكثير ربما هي الضعف، لكن المؤشر الاخر المهم هو مؤشر التضخم، ومصرف لبنان، واستناد الى اقوال الحاكم رياض سلامة يقدره سنويا، وهذه النسبة بلغت 8,5% في العام 2008 فهل هي صحيحة ؟ وادارة الاحصاء المركزي تصدر دوريا مؤشر ارتفاع او انخفاض اسعار السلع وغالبا ما يكون هذا المؤشر بخلاف ما يعيشه المواطن ما يطرح ايضا السؤال عن كيفية اعتماد هذه الاسعار، انا لا ادعي اني املك نسبة صحيحة عن التضخم في لبنان، ولاني استطيع القول ان النسبة المعتمدة غير صحيحة، فارتفاع اسعار النفط والعديد من المواد الاساسية وكذلك اسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية والدوائية، وتكاليف النقل وارتفاع سعر صرف اليورو وزيادة الرواتب والاجور، كلها ادت الى ارتفاع نسبة التضخم في لبنان بشكل كبير قد يفوق النسبة المعلنة، واعلان نسبة ادنى لايخفي حقيقة الامر. ولفت الى أن صدور هذا المؤشر على غرار مؤشر البطالة يجب ان يكون عن هيئة متخصصة، وليس عن مصرف لبنان، لان صدور مؤشر صحيح عن نسبة التضخم يساعد في معالجة موضوع الرواتب والاجور، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين اللبنانيين وبالتالي الحد من تفاقم الازمة المعيشية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00