قال نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان بوغوص كورديان إن ارتفاع أسعار الذهب عالمياً يرتبط بعوامل عدة، في مقدمها السياسة والاقتصاد على المستوى العالمي. وأضاف أن لبنان حقق مردوداً إيجابياً بفضل ارتفاع هذه الأسعار، بمئات ملايين الدولارات سنوياً، وذلك بفضل استمرار السياسة المتبعة التي تمنع التفريط بالذهب أي بيعه. وأيد فكرة الإفادة من مخزون الذهب في المصرف المركزي في لبنان. إلا أنه أشار في المقابل الى تراجع حركة تجارة الذهب الى الخارج بنسبة 60%، وعلى مستوى السوق المحلية فإن الحركة راوح مكانك.
ويملك لبنان احتياطاً من المستويات العالية تصل الى 9222,341 أونصة تزن نحو 286,846 كيلوغراماً، بقيمة نحو 10 مليارات دولار.
ويرى محللون أن المعدن الأصفر الذي كسر حاجز 950 دولارا، أصبح مستودع القيمة والملاذ الآمن لكثير من المستثمرين في ظل استمرار الذبذبة في أسعار النفط والعملات صعودا وهبوطا، قبل وبعد أزمة المال العالمية. بالإضافة الى حالة التذبذب الشديد بأسعار الأسهم في أسواق العالم وتأثرها الشديد بأي تطورات سياسية أو اقتصادية.
إذاً، وفي ظل التوترات التي تعانيها أسواق المال، تم تحويل المعدن الأصفر من استثمار كملاذ آمن الى وعاء استثماري، نظراً لاستقراره النسبي، إذ كلما ارتفعت أسعار الذهب بسرعة اندفع المستثمرون لشراء المزيد منه، لتعود الفكرة القديمة التي تقول إن الذهب يعني الثروة.
ورغم احتمالات ارتفاع سعر المعدن الأصفر، فإن المحللين يحذرون من أن الارتفاع السريع للأسعار ينطوي أيضا على خطر تراجعه السريع. ولذلك يوصي المستشارون الاقتصاديون بضرورة أن يظل الذهب يشكل نسبة صغيرة من محفظة استثمارات أو مدخرات أي شخص، وبضرورة التركيز أكثر على وضع الأموال في استثمارات طويلة المدى.
وتختلف التوقعات كثيراً بشأن الذهب، إلا أن لبنان استطاع أن ينأى بنفسه عن عاصفة المال العالمية، مصارف وعقارات وأسهما وأسعارا وصناعة، بفضل الوكالات الحصرية والحمائية المالية والنقدية التي يتبعها كل من السلطات المالية والنقدية (وزارة المال ومصرف لبنان المركزي).
يلخص نقيب تجار الذهب في شمال لبنان خالد النمل حال السوق المحلية، ويقول ان تجارة الذهب ارتفعت تقريباً 70% عما كانت عليه قبل عملية صعود الأسعار الأخيرة. ويرى أن على الرغم من هذا الارتفاع في نشاط السوق فان هامشاً ملحوظاً من الركود لا تزال تشهده حركة السوق.
ويضيف النمل الناس متأثرة جداً بالأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة، وهذا بدوره يؤثر في حركة التجارة الداخلية للذهب...كما أن الناس كانت مشدودة باتجاه الانتخابات النيابية. التي اجريت في السابع من حزيران (يونيو) الجاري. في حين ضاعفت حركة أسعار الذهب صعوداً أرباح التجار بفضل الأسعار التي زادت بين مرة أو مرتين على الأقل.
ويبقى السؤال هل يمكن للبنان ان يستفيد من احتياطه من الذهب كملاذ آمن وكوعاء استثمار، بفعل عامل التبدلات السريعة في بورصة الذهب العالمية، وإنطلاقاً من المعركة القائمة بين الدولار واليورو، التي تعيد للذهب دوره كملاذ آمن في خضم الاجواء المشحونة في اسواق الاستثمار، والتي تسودها الآن حالة من عدم اليقين تجاه التوظيف في اسواق الاسهم والسندات.
فعلى الرغم من تحسن وضعية القطاع المصرفي اللبناني، المرتكزة على عنصري نمو الاحتياط بالنقد الأجنبي والاحتياط الذهبي، وفقاً للبيانات المصرفية حول هذا الموضوع، إلا أن ارتفاع أسعار الذهب عالمياً، يمكن وضعها في مشهدين مختلفين على الصعيد اللبناني:
أولاً: أن لبنان حقق مردوداً مالياً إيجابياً بفضل ارتفاع هذه الأسعار، بفضل استمرار السياسة المتبعة التي تمنع التفريط بالذهب أو بيعه، فالقانون رقم 42/46 نص حرفيا على ما يأتيبصورة استثنائية وخلافاً لأي نص يمنع مطلقاً التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب.
وبالطبع، فإن لتجار الذهب والعاملين في صناعته رأي آخر، اذ يقترح النقيب كورديان آلية للإفادة من مخزون الذهب في المصرف المركزي، تقضي أن يدين البنك المركزي الصاغة والتجار بين 10 و20% من مخزونه من الذهب مقابل إيجار شهري يراوح بين 125 دولارا و150 دولاراً عن كل كيلو غرام خام (لانغو)، على أن يسترده المصرف بعد مدة محددة، وبذلك يزيد المصرف من مخزون الذهب من خلال شراء كميات جديدة من الذهب الخام ببدلات الايجار، وذلك بعد تصفية المصاريف، فإذا افترضنا أن السعر الوسطي للكيلوغرام هو بحدود 25 ألف دولار، فإن قيمة ما يستوفيه البنك من إعطاء 3 آلاف حرفي وصناعي وتاجر يتعاطون في هذا القطاع، هو بحدود 1،800 الى 1،900 كيلو غرام سنوياً، فإنه بذلك يحافظ على المخزون ويزيده ويطور السوق.
ثانياً: تراجع حركة التجارة الداخلية من بيع وشراء للمعدن الأصفر بنسبة تراوح بين 40 و50%، خلال المدة الأخيرة، أي بالتزامن مع ارتفاع مستويات الأسعار، مقابل تراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين، ففي حين كان التداول الشهري على مستوى السوق الداخلية بحجم 2000 كيلوغرام بات اليوم لا يتجاوز 1200 كيلوغرام تقريباً.
ويقول كورديان إن ارتفاع أسعار الذهب عالمياً يرتبط بعوامل عدة، في مقدمها السياسة والاقتصاد على المستوى العالمي، ويضيف أن هذا الإرتفاع معطوفاً على الأحداث الأمنية والسياسية والاقتصادية، التي عصفت بلبنان خلال السنوات الأخيرة، قد أثرت تراجعاً في الحركة التجارية لهذا القطاع، إذ كان بامكان العامل في الطبقة المتوسطة قبيل الأحداث شراء ما بين 50 و100 غرام ذهبا سنوياً، أولاً بفضل المدخول الذي كان يعتبر مقبولاً قياسا بسلعة الذهب التي كانت تباع بأسعار رخيصة، فمثلاً غرام الذهب عيار 18 قيراطا مع تصنيعه كان يباع بسعر يراوح بين 9 و11 دولاراً، أما الذهب من النوعية الاكسترا أي الايطالية فكان يباع الغرام الواحد بين 13 و14 دولاراً. وعندما بدأ النمو الاقتصادي في لبنان بالتراجع، وارتفعت في المقابل القيمة السعرية للذهب، بدأ المواطن اللبناني يبيع ما عنده بدلاً من الشراء، وذلك في محاولة لسد حاجاته مع ارتفاع أسعار الذهب وصعوده الى مستويات قياسية، فالآن غرام الذهب بدون يد عاملة يراوح سعره بين 22 الى 24 دولاراً، أما مع الأجرة فيراوح بين 26 و30 دولاراً، والاكسترا بين 30 و37 دولاراً.
ويشير الى انه قبل الأحداث، كانت الحركة الشهرية للذهب بيعا وشراء تناهز الطنين، رغم أن فترة البيع محدودة بين أواخر الربيع وأواخر الصيف، أي خلال مدة 4 أشهر، لكن الآن تراجعت بعد الأحداث السياسية وتفاقم الوضع الاقتصادي وموجة الغلاء وتراجع القوة الشرائية لدخل المواطن، وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، وصعود أسعار الذهب في المقابل. وأصبحت الحركة لا تتجاوز 1200 كيلوغرام في الشهر.
ويؤكد كورديان، أنه لا يمكن للانتاج المحلي أن ينافس الانتاج الايطالي من الذهب، فموديل واحد من خاتم الذهب الايطالي يصنع منه بين 300 و400 موديل، لأن الأمر لدينا مرهون باستقدام أجهزة متطورة تكنولوجيا لتطوير المهنة وبقائنا في سوق المنافسة.
لكن ماذا لو حُلّت العقد السياسية في المنطقة، وانتهت معها الأزمة الاقتصادية العالمية، فهل ستتراجع أسعار الذهب والى أي مستويات؟
يقول كورديان أتوقع استمرار الصعود مع استمرار التصعيد في المنطقة، وكذلك مع الحديث الدائم عن حروب في المنطقة، ومعها يمكن أن ترتفع أسعار الذهب الى مستويات ليست قياسية بل خيالية، أما في حالة الاستقرار وتهدئة الأوضاع وعودة أسعار النفط الى معدلاتها الطبيعية، فلا شك أن الأسعار ستتراجع لكنها لن تكون تحت 750 دولاراً للأونصة، لأن تكلفة استخراج الأونصة من المنجم أصبحت الآن تراوح بين 400 و 500 دولار.
وبعيداً عن العامل التجاري، فإن لبنان الذي يستورد الذهب الخام من سويسرا، فإنه يصدره بالتالي مشغولاً الى بلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الخليج العربية وفرنسا، وهي مصنفة بمستوى عالي التقنية. وهذه المشغولات على نوعين: صناعة الذهب مع الزرقونة أي مع الأحجار غير الكريمة، والذهب مع الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. إلا أن صناعة الذهب في لبنان إنطلقت مع الهجرات الأرمنية الى لبنان عقب الحرب العالمية الأولى، وأصبحت مهنة لبنانية حرفية بامتياز، ووصلت الى قمتها قبل حرب العام 1975 المشؤومة. والان تعاني من عوامل عدة تعيق تطورها، من أبرزها: عدم استقرار الوضع الأمني في البلد، فمنذ عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي حتى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، كان وضع القطاع في مرحلة تقدم، إلا أنه ليس بالوضع الذي نأمله، إلا أنها اليوم تعاني ضعفاً بفعل الامكانات المادية والمالية المطلوبة، للنهوض بالقطاع الى المصاف العالية.
ويؤكد كورديان، أنه مع نجاة لبنان من عاصفة ازمة المال العالمية وانهيار البورصات في أيلول (سبتمبر) الماضي، وبفضل الحماية النقدية والمالية للقطاع المصرفي والعقاري وغيره، فإن ذلك يعد مؤشراً للثقة تجاه المستثمرين الخارجيين العرب والأجانب، ويمكن البناء عليها لجهة استقطاب الرساميل تجاه لبنان.
ودعا الى طمس الخلافات الداخلية، بعد الانتخابات النيابية التي أسفرت عن تشكيل برلمان جديد، وقال المطلوب الآن أن يتجه مجلس النواب الجديد الى تشكيل حكومة إقتصادية بإمتياز، تأخذ على عاتقها المحافظة على السلم الأهلي، لتعزيز مناخ الثقة، وجذب الاستثمارات التي يمكن أن يفيد منها لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.