خاب ظن المتشائمين من إمكان تدهور الأوضاع السياحية، مع بدء مرحلة العد العكسي للانتخابات النيابية المقبلة في السابع من حزيران (يونيو) المقبل، أي على مسافة أقل من شهر واحد، إذ تمسكت الفنادق اللبنانية بالنسب العالية للإشغال نحو 80%، وهو ما يؤشر الى مرحلة إيجابية جداً ما بعد الانتخابات، وكانت العلامة الفارقة خلال الشهر الجاري، زيارة وزير السياحة إيلي ماروني الى العاصمة الثانية، التي لم تأخذ طابعاً سياسياً، وإنما ظلت في إطارها السياحي المتوازن، حيث زار خان الصابون وجال في أسواقها القديمة، وشدد قائلاً منذ البداية أنادي بالإنماء السياحي المتوازن الذي يشمل كل لبنان بدون استثناء، وهذه بداية لجولات في كل الشمال، وكل قطعة من لبنان تعنينا من إهدن إلى زغرتا إلى الضنية وعكار الى طرابلس باب التبانة إلى الكورة والبترون، وعندما نتحدث عن الشمال فإننا نتحدث عن أجمل جزء من لبنان.
وعلى الأرض، تعدت نسبة الإيرادات المالية للفنادق فئة 5 نجوم، خلال كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) وآذار (مارس) ونيسان (أبريل) 2009، إيرادات الأشهر المماثلة من العام الماضي بنسبة لا تقل عن 50%. وتخطت نسبة السياح للأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري مثيلاتها من العام 2008، بما نسبته بين 19 و21%، إذ إن العام 2008 كان قد شهد توترات أمنية زعزت الاستقرار، وتأثرت بهذه الإضطرابات قطاعات الاقتصاد والخدمات بما فيها قطاع السياحة. إلا أنه وبعد اتفاق الدوحة في أيار (مايو) من ذلك العام، عاد التدفق السياحي الى شرايين القطاع، واختتم العام 2008 على رقم سياحي بلغ 1،4 مليون سائح متخطياً بذلك العام 2004.
وحقق سوق قطع التذاكر والسفر نمواً بلغ 15% خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2009 بالمقارنة مع الأشهر المماثلة من 2008، رغم التراجع الذي شهدته السوق العالمية للطيران.
وسجل نيسان (أبريل) الماضي، مزيداً من الارتفاع في حركة السفر في لبنان، لجهة اعداد الركاب وحركة الطائرات وشحن البضائع، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الفائت. وسجل عدد الركاب في المطار خلال نيسان 392556 راكبا مقابل 290562 راكبا في نيسان 2008، بزيادة قدرها 35,10%. ويرتفع بذلك عدد الركاب الذين استخدموا مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت منذ بداية العام الجاري وحتى نيسان (أبريل) الفائت الى 1278411 راكباً في مقابل 1053259 في الفترة نفسها من العام الفائت بزيادة 21,38%، بحسب الاحصاء الصادر عن دائرة الاحصاء في المديرية العامة للطيران المدني.
فيما نما قطاع سوق تأجير السيارات بشكل لافت بالمقارنة مع العام 2006.
وقال نقيب وكالات السفر والسياحة جان عبود لـالمستقبل، إن أكثر من 37% من الفنادق تخطت فيها نسبة الإشغال 85% وبعضها وصل الى ما نسبته 100%، وخصوصاً في أيام الأعياد والفرص. إلا أن عبود أعاد التأكيد على مسألة الانماء المتوازن، التي من شأنها إعاقة تقدم القطاع الذي يفترض أن يكون قطاعاً منافساً مع بلدان الجوار أو في منطقة الشرق الأوسط. وتستحوذ بيروت على 82 في المئة من الانفاق السياحي فيما حصة المناطق الأخرى لا تبلغ أكثر من 1 في المئة باستثناء منطقة كسروان في جبل لبنان، وهذا يمكن رده الى مسألة الخلل في عملية الانماء السياحي على مستوى المناطق.
وأشار الى أن النطاق الجغرافي خارج محافظتي بيروت وجبل لبنان، لا تشهد فنادقها نسب الإشغال العالية، بل إن الحركة السياحية فيها ضعيفة الى حد كبير، وعليه يجب العمل على وضع خطة استنهاض للقطاع في جميع المناطق.
وقال عبود إن الأزمة العالمية قد أثرت في نمو قطاع التذاكر في دول الخليج العربية ودول منطقة الشرق الأوسط، إلا أن لبنان كان الأقل تأثراً. وأشار أيضاً الى النمو اللاحق بقطاع المطاعم والباتيسري، وقال إن السوق اللبنانية لم تفقد وجه السائح العربي حتى في هذه الأيام التي تشهد حملات انتخابية.
وتشكل السياحة العربية نحو 60% من السياحة الوافدة الى لبنان، إذ يمكن ملاحظة ذلك من خلال النسب العالية للسياح الأردنيين والسوريين والخليجيين.
وفي القطاع الفندقي، قال المدير العام لفندق السفير في بيروت (5 نجوم) طارق عماش، إن فنادق ال5ـ نجوم حققت خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري أرباحاً وصلت الى 50 مليون دولار، أي زيادة تقدر بـ50% عن الفترة المماثلة من العام 2008. وكانت شركة ديلويت، قد ذكرت في تقريرها الفصلي بأن إيرادات الغرفة الفندقية المتوافرة في الشرق الأوسط تراجعت بنسبة 12,9%، وبلغت 142 دولاراً خلال الربع الأول من 2009، بسبب تراجع وصل الى 9% في نسب الإشغال. وأشار الى أن هذا التراجع ليس بحدة التراجع الذي عرفته مناطق أخرى من العالم، وقد استمر الشرق الأوسط يتسم بالأداء الأفضل في العالم، مسجلاً أكثر ارتفاع لجهة الإشغال ومتوسط سعر الغرفة وإيرادات الغرفة الفندقية المتوافرة.
وأعرب عماش عن ارتياحه من نسب الإشغال المرتفعة التي تشهدها فنادق العاصمة وجبل لبنان، وخصوصاً في الشهر الذي يسبق الانتخابات النيابية.
وخالفت نسب الإشغال العالية توقعات الكثيرين من نقابات قطاع السياحة في لبنان، الذين أبدوا هواجس ومخاوف من بدء الحملات الانتخابية، وامكان تأثر القطاع سلباً عندما تعنف هذه الحملات.
والمشكلة هي أن عدد الغرف الفندقية في لبنان لا يزيد على 19 ألف غرفة، بينما هناك حاجة الى 20 أو 30 ألف غرفة. وتسهم المؤتمرات والمطاعم بنسبة تراوح بين 30 و35% من عائدات الفنادق، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد الغرب ما يشير الى أهميتها في السياحة الحديثة. فيما الشاليهات البحرية يبلغ عددها نحو 20 ألف شاليه.
والسياحة هي نفط لبنان بحسب الوزير إيلي ماروني، ومصدر مالي مهم للخزينة اللبنانية، إذ تشكل عائداتها المالية أكثر من بليوني دولار سنوياً، وتحتاج الى تطوير القطاع لجهة زيادة عدد الغرف والشاليهات البحرية والشقق المفروشة، لإحداث نقلة نوعية على مستوى البنية التحتية وبالتالي تحقيق عائدات مالية أكبر، وفتح باب فرص العمل أمام الشباب وخفض البطالة.
وقال مصدر في القطاع الفندقي، إن ذلك ليس عسيراً على وزارة السياحة والقطاع السياحي الخاص، بحكم الميزات الطبيعية التي تحكم لبنان من مناخ ومناطق أثرية وسياحية وقرب لبنان من أوروبا ودول الخليج العربية. فضلاً عن الموارد البشرية التي يمكن إنجاز معجزات على أرض لبنان، كما فعلت في الدول التي هاجرت إليها.
وأضاف أن الاستقرار هي اللبنة الأولى للاستثمار ومتوافرة في لبنان منذ اتفاق الدوحة الى اليوم، وكذلك فإن نجاة لبنان من أزمة المال العالمية يجعله أكثر استقطاباً للرساميل، بل ملاذاً آمناً للاستثمارات العربية وغيرها.
ولم ينفِ إمكان ارتفاع نسبة الإشغال الفندقي الى 85% مع المعدلات العالية التي يشهدها القطاع منذ بداية العام الجاري. وقال إن المنافسة الفندقية السعرية مع دول منطقة الشرق الأوسط، ستعيد لبنان كوجهة مقصودة من دول أوروبا وشرق آسيا.
ويقترح المصدر إمكان إنشاء نحو 8500 غرفة سياحية إضافية على الغرف الموجودة في لبنان، وهذا ليس حلماً إذا وجدنا أن دبي لديها أكثر من 60 ألف غرفة، وحتى سوريا لديها عدد أكبر من الغرف بالمقارنة مع لبنان.
ويشرح المصدر مقترحه، الذي تم التدوال به بين مجموعة من الاقتصاديين الشباب، وهو يقوم على الآتي:
-2000 غرفة فئة 5 نجوم وهي تحتاج فعلياً الى 2600 موظف بواقع 1،3 لكل غرفة.
-3000 غرفة فئة 4 نجوم وهي تحتاج فعلياً الى 2550 وظيفة بمعدل 0،85 موظف لكل غرفة.
-2000 غرفة فئة 3 نجوم وهي تحتاج الى 1500 موظف بمعدل 0،75 موظف لكل غرفة.
-1500 غرفة فئة نجمتين وهي تحتاج فعلياً الى 900 موظف بمعدل 0،6 موظف لكل غرفة.
وقال إن من شأن هذه المعادلة توظيف ما لا يقل عن 7500 موظف، وهي تحتاج الى توظيف استثماري بما لا يقل عن 1،7 مليار دولار وهو مبلغ ليس بالكبير، إذا ما قورن بالعائدات التي يحققها القطاع الفندقي، مشيراً الى أن مدة التنفيذ لمثل هذا المشروع لا يزيد على خمس سنوات.
وأشار الى أن توقع العائدات لهذا المشروع هي 262 مليون دولار سنوياً، بشرط تحقيق الانماء السياحي المتوازن على جميع الأراضي اللبنانية. وقال إن مداخيل الغرفة الواحدة فئة 5 نجوم هي 45 ألف دولار، وفئة 4 نجوم 33 ألف دولار سنوياً، وفئة 3 نجوم 23 ألف دولار سنوياً، وفئة نجمتين 18 ألف دولار سنوياً. ويسأل ألم يقل الوزير ماروني إنه سيضع خطة للسياحة على مدار 365 يوماً، فكيف يمكن تحقيق ذلك دون زيادة عدد الغرف الفندقية ونشرها في جميع المناطق.
الانفاق السياحي
وعلى صعيد الإحصاءات الصادرة عن شركة غلوبل ريفند، المكلفة إعادة دفع ضريبة القيمة المضافة إلى السائحين على النقاط الحدودية اللبنانية، اظهرت ارتفاعاً في إنفاق السائحين بلغت نسبته 30 في المئة خلال الفترة المنتهية في نيسان (أبريل) المنصرم قياساً بالفترة المقابلة من سنة 2008.
واحتلت نفقات السائحين القادمين من المملكة العربية السعودية 19 في المئة من مجموع الانفاق السياحي بين البلدان، والإمارات العربية المتحدة 13 في المئة، والكويت 13 في المئة، والأردن 7 في المئة، ومصر 8 في المئة وبقية الدول مجتمعة 40 في المئة.
أما على صعيد تطور المشتريات بين السياح، فتأتي سوريا في المرتبة الأولى من بين 10 دول، مع وصول هذا التطور في الانفاق الى نسبة 91 في المئة، يليها مصر 73 في المئة، ثم المملكة العربية السعودية 67 في المئة، فالكويت 66 في المئة، ثم قطر 63 في المئة، الأردن 25 في المئة، والامارات العربية المتحدة 14 في المئة، فيما تراجعت مشتريات الفرنسيين 19 في المئة، الولايات المتحدة الأميركية 13 في المئة ونيجيريا 20 في المئة. وبحسب المناطق داخل لبنان، فقد حظيت بيروت بأعلى نسبة من الانفاق السياحي وصل الى 82%، ثم في المتن جبل لبنان 13 في المئة، و3 في المئة في كسروان جبل لبنان، و1 في المئة في بعبدا و1 في المئة لبقية المناطق الأخرى.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.