تأثر القطاع العقاري في طرابلس خصوصاً ومعها الشمال عموماً بالتوترات السياسية والأمنية، التي شهدها لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية، وتدل الأرقام الصادرة عن المديرية العامة للشؤون العقارية أن حصة الشمال من السوق، كانت في المرتبة الرابعة بين المناطق مع وصول الصفقات في العام 2008 الى 438 مليون دولار، أي ما نسبته 7% من مجمل الصفقات العقارية في لبنان والبالغة 6 مليارات و481 مليون دولار.
إلا أن طرابلس التي عرفت طفرة عقارية وسعرية مرتفعة لم تكن بالمستوى الذي كانت عليه منطقة بيروت وجبل لبنان، فما زالت الطحشة على الاستثمار العقاري في الشمال ضعيفة جداً، مع غياب الدعاية لهذه المنطقة التي تعتبر عاصمة ثانية لجهة مساحتها وعددها السكاني. وقال أحد كبار تجار البناء في طرابلس المهندس فوزي جباضو إن العاصمة الثانية تشكو حتى من الدعاية السياحية، فكيف يمكن أن يقبل المستثمرون الخليجيون والعرب على الاستثمار في مدينتنا.
وقال نقيب المهندسين في الشمال جوزف اسحاق الشمال واكب الأسعار تدريجياً وليس صاروخياً وبشكل لافت على غرار بيروت، وتحركت الأسعار سريعاً بعد المصالحة الشمالية التي رعاها رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري في آب (أغسطس) 2008، وليس في أعقاب اتفاق الدوحة في أيار (مايو) كما حصل في بيروت والمناطق، إذ أن أحداث التبانة وبعل محسن استمرت بعيد الاتفاق الشهير لنحو شهرين ونيف.
وبلغ عدد رخص البناء في 2008 نحو 1172 رخصة، مع مجموع مساحات بلغ مليونا و244 ألفا و253 متراً مربعاً، وشهد الشهران الأولان من العام الجاري تفوقاً على الشهرين المماثلين من العام الماضي، مع وصول عدد الرخص الممنوحة الى 241 رخصة بالمقارنة مع 172 رخصة.
وقال المهندس جباضو من شركة غازي وفوزي جباضو للهندسة والبناء، في 2007 و2008 كانت هناك طفرة عقارية وارتفعت أسعار الأراضي 200 و230%، وكان هناك طلب قوي على الرخص، بسبب الطلب القوي على العقار باعتباره ملاذاً امناً والاراضي ارتفعت أسعارها ولم تتراجع، والأراضي زادت بشكل لافت، وبعد الازمة العالمية كان هناك عملية تصحيح للأسعار.
إلا أن المقاول توفيق الأطرش، يرى أن الأسعار التي شهدتها منطقة طرابلس الجديدة الضم والفرز خلال 2008، كانت مرتفعة، إلا أنه ستكون هناك عملية تعديل للأسعار، وستتراجع بين 10 و15% على مستوى الشقق المبنية أما الأراضي فستتراجع بنسبة 20%.
إلا أن هناك ما يشبه الاجماع في العاصمة الثانية، من أنها لم تنل حقها من الاستثمارات ولا سيما في القطاع العقاري، ويعزون ذلك الى ضعف العامل الدعائي واقتصاره على بيروت وجبل لبنان، وخصوصاً خلال الفترة التي شهدت فيها البلدان العربية النقفطية وفي مقدمها دول الخيلج ثورة على مستوى أسعار النفط، إذ لم يكن هناك من عمليات جذب مهمة على هذا الصعيد، وقالوا إن طرابلس يجب أن تعامل كثاني أكبر مدينة في لبنان.
واعتبر النقيب اسحاق، أن عوامل عدة أثرت خلال المرحلة الماضي في حركة الاستثمار العقاري، وهو ما أبقاها خارج القاموس الاستثماري في لبنان، وقال لالمستقبل مرت العقارات والأراضي في الشمال بعدد من المراحل السلبية الفعلية، الاعتصام في الوسط التجاري في بيروت والذي لم تنحصر مفاعيله السلبية في العاصمة، وانما قطع الطريق على المناطق الأخرى ومنها الشمال وعاصمته طرابلس، إذ أنه على الرغم من الثورة الاقتصادية العالمية مع فورة أسعار النفط الى مستويات قياسية (سعر البرميل 147 دولاراً في تموز/يوليو 2008)، فإن لبنان لم يكن بمقدروه الافادة من الاستثمارات الخليجية التي أعقبت الأسعار المرتفعة للنفط، وذلك بسبب الأوضاع السياسية والأمنية التي شهدتها البلاد، والاعتدءات الاسرائيلية على لبنان تموز (يوليو) 2006، لتليها أحداث مخيم البارد صيف العام 2007، التي كان وقعها سلباً على اقتصاد لبنان والشمال بوجه خاص. وفيما نعمت المناطق اللبنانية الأخرى بنوع من الهدوء في أعقاب اتفاق الدوحة الشهير في أيار (مايو) 2008، ظل الشمال آخر من التحق بمرحلة الاستقرار، إذ لم تتم المصالحة بين الأطراف المتنازعة في طرابلس حتى آب (أغسطس) من العام نفسه، ومع بدء مرحلة الاستقرار في لبنان تلقى العالم بأجمعه أزمة المال العالمية.
ويؤكد اسحاق، أن القطاع العقاري شهد تحسناً لافتاً خلال عام الطفرة العقارية في لبنان 2008، بسبب محدودية العقار وخصوصاً في طرابلس، إلا أنه أشار الى أن التحسن الذي ساد في 2008 ليس صاروخياً أو بالحدة التي شهدتها بيروت، ويمكن ملاحظة كميات الرخص التي فاقت معدلاتها السنوات السابقة، كما أن أن الشمال لا يزال مستمراً بزخم مقبول خلال الشهرين الأولين من العام الجاري بالمقارنة مع مثيلهما في العام 2008.
وأوضح أن سياسة الحكومة الاقتصادية، لا يمكن فصل آثارها الايجابية في القطاع العقاري، وخصوصاً تلك التي أدت الى حماية الدولة برمتها من الكوارث التي نتجت عن أزمة المال العالمية. إلا أن اسحاق يربط تطور الأوضاع ايجاباً على مستوى القطاع بما ستؤول اليه الانتخابات النيابية في السابع من حزيران (يونيو) المقبل، وما اذا كانت ستبقي لبنان في توجهه السيادي والاستقلالي.
واعتبر أن العامل السعري الذي يتحكم فيه الطلب بشكل كبير، إلا أنه يخضع أيضاً لعاملي الأمن والسياسة الاقتصادية المتبعة، موضحاً أنه بمجرد خروج القوات السورية من لبنان في أعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ازداد الطلب على العقار وهو ما أدى الى زيادة كبيرة في الاستثمار العقاري، وقال أي بلد يكون محتلاً، لا بد أن تتحسن أسعار أراضيه بعد خروج الاحتلال منها.
وقال إن الأسعار المرتفعة للشقق السكنية مردها الى ارتفاع أسعار الأراضي التي تشكل جزءاً لا يستهان به من سعر المبيع، فضلاً عن ارتفاع المواد الأولية للبناء وخصوصاً في الفترة التي ارتفع فيها اليورو مقابل الدولار، وكذلك أسعار مواد البناء من اسمنت وحديد وخلافها.
أما جباضو، فيرى أن الأسعار المرتفعة للعقار في طرابلس مردها الى أمرين: ارتفاع أسعار الأراضي مع عودة الاستقرار الى لبنان، بالإضافة الى محدوديتها، وهو ما يجعلها في مستويات عالية جداً، أما الأمر الآخر فمرده الى ضعف معدل عامل الاستثمار العام في طرابلس، ولا سيما في مناطق الضم والفرز والبساتين.
وقال إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان قد عمل على إصدار مرسوم نشر في الجريدة الرسمية لزيادة عامل الاستثمار في العاصمة الثانية الى نحو 5 أضعاف في منطقة الضم والفرز، (C,D&E) إلا أن المرسوم الذي صدر في أواخر عهد الرئيس الراحل الياس الهرواي في العام 1998، ما لبث أن ألغي بعد شهرين من إصداره، بعد ضغوط على الرئيس الشهيد غير معروفة المرامي والمقاصد، وهو ما جعل بمنأى عن مواكبة التطور العقاري، الذي عرفته بيروت والمناطق الأخرى الجاذبة لهذا النوع من الاستثمارات.
ولفت الى أن عامل الاستثمار في تلك المنطقة المجهزة ببنية تحتية ممتازة، كان لا يتجاوز 0،9 و0،8 إلا أنه بعد المرسوم أصبحت بين 4،5 و5،5 ليعود بعد الغائه الى النسب التي كان عليها، وهي بالطبع ترفع الأسعار ولا تشجع على الاستثمار.
وأشار جباضو الى أن عامل الاستثمار في ضواحي طرابلس هو 1،2 و1،6 فيما المدينة لا تنعم إلا بنسب لا تتجاوز 0،9 و1،2 ولا سيما في منطقة الضم والفرز وفي كورنيش الميناء البحري، وهو ما يجعل من الصعب الاستثمار في هاتين المنطقتين، وقال إن أبناء الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخل المحدود والمهن الحرة لا يمكنهم الشراء في الأمكنة هذه، مع ضعف عامل الاستثمار العام. مشيراً الى أن الطرابلسيين بسبب هذا العامل يخرجون من المدينة باتجاه مناطق الضواحي والأرياف القريبة من العاصمة الثانية. وأوضح أن المنطقة المحاذية للملعب الأولمبي عند المدخل الغربي-الجنوبي للعاصمة لا تشهد أعمال بناء ولا توجد فيها سوى فيلا لم يكتمل بناؤها، والركود فيها سببه ضعف عامل الاستثمار رغم البنية التحتية المميزة في هذه المنطقة، وسأل من سيشتري الشقة هناك بما لا يقل سعرها عن 300000 دولار، بالتأكيد لا يوجد في الشمال من يشتري بهذه الأسعار، فلماذا تعامل طرابلس بعامل استثمار يجعلها تقترب من حالة الأرياف وتمنعها من استثمار العقار فيها.
ولفت الى أن الكورنيش البحري في مدينة الميناء الذي يجب ان يكون مثل الرملة البيضاء في بيروت، من حيث المباني الشاهقة والفخمة والضخمة، فإن الأمور تجري بخلاف ذلك اذ ان المباني االشاهقة في عين المريسة، لن تكون موجودة بعد قرار من المجلس الأعلى للتنظيم المدني وبتشجيع غير معروف السبب من بلديتي طرابلس والميناء، يمنع الارتفاع أكثر من ثلاثة طوابق كونه واجهة بحرية، وقد حدد عامل الاستثمار حدد ب1،2، يعني اذا كان هناك الف متر تريد ان تبني عليها لا يمكن بناء اكثر من ثلاثة طوابق مع مساحة 400 متر للطابق، يعني ان سعر هواء الطابق بعملية حسابية بسيطة يساوي 600 الف دولار، فكيف يمكن ان نبيع الشقة، بدون احتساب أسعار التكلفة والبناء، وبالتالي لا جدوى من البناء في تلك المنطقة في ظل الاستثمار الضعيف، وكيف يمكن ان نربح، بالإضافة الى ذلك نسأل عن المستقبل العقاري لطرابلس، فاين نذهب بالعالم وكأننا نقول للعالم تفضلوا واسكنوا خارج طرابلس.
وطالب بزيادة عامل الاستثمار لخفض الأسعار وتكلفة الاستثمار العقاري داخل المدينة، وقال إن مطالبنا كتجار وبنائيين ومهندسين، ليس انشاء غابة من الباطون، فنحن مع المساحات الخضراء واغلب الملاكين لديهم قطع اراض مفرزة لا تقل عن 1500 متر مربعة، نحن مع مراعاة كل الأنظمة ولكن ضد تهميش المدينة، ومقارنتها مع القرى النائية، علما انه يجب ان تكون ثاني مدينة في لبنان من حيث المساحة والسكان، والمضحك-المبكي أن هناك مناطق مسموح فيها 6 طوابق بارتفاع 18 متراً، في حين ان 6 طوابق تحتاج الى 21 متراً، وهذا نوع من الضحك على العالم. نحن نطالب بايجابية تعود فائدة على الملاكين والبنائين والبلدية والقطاع العقاري الذي يحاول ان يقفلوه. وهو الوحيد الناشط في الشمال.
وأوضح أنه في العام 2006 صدر قانون البناء العام، يقول كل المناطق المفتوحة الارتفاع مسموح فيها الارتفاع حتى 50 متراً في حين كانت قبل القانون 2006 حتى 40 متراً، يعني انه بامكانك انجاز رخصة بهذا، وقد قدمت رخصاً للبناء على اساس 50 متراً في العام 2006، والآن، التنظيم المدني منع ذلك وحدد البناء ب24 و38 متراً، فلماذا لا يشملنا المجلس الاعلى للتنظيم المدني في طرابلس بهذا المشروع؟ وبذلك يكون قد حرم مدينة طرابلس من ارتفاع مسموح به في كل لبنان، ولماذا الابقاء على سياسة الحرمان لعاصمتنا، فالأبنية الواقعة عند زوايا الشوارع في بيروت يحق لها أن تأخذ 20% زيادة مساحة، وهذا ممنوع في طرابلس. هنا اعلى عامل استثمار يصل الى 4،2 في منطقة التل التي لم يعد فيها سوى قطعة أرض واحدة غير مشيدة (بخلف محمصة الأندلس)، في حين ان بيروت يسمح لها بعامل استثمار يصل الى 6 و7 أضعاف.
وتوقع الأطرش انكماشاً حاداً في الطلب على العقار، في حال استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، التي أعقبت أزمة المال العالمية، وقال إن نسبة أسعار البناء والأراضي زادت في طرابلس بفعل تضخم الكتلة النقدية للعاملين اللبنانيين في دول الخليج، إلا أن ذلك لن يستمر مع مضاعفات الأزمة العالمية على هذه البلدان وانكماش أسعار النفط، الى مستويات تقل عن النصف بكثير مما وصلت اليه في تموز (يوليو) 2008.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.