تدق الورش المتتالية لوضع المياه في لبنان وفي بيروت تحديداً، والتي تنظمها لجنة الأشغال العامة والمياه والطاقة النيابية، ناقوس الخطر حول المأزِق الذي وصل إليه قطاع المياه في لبنان، لجهة التلوث أو لنسب الهدر الفني وغير الفني، التي يقدرها الخبراء بين 40 و50%، وهو ما يؤشر الى تطور وضع القطاع سوءاً، تترجمه مئات من المحال والمؤسسات الخاصة لتعبئة المياه الصالحة للشرب، فيما تنتشر ستيرنات أو صهاريج المياه في كثير من قرى وأرياف لبنان، وتبلغ ذروة الإساءة الى المياه عند الكثيرين باستخراج المياه الجوفية، أو بحفر جور صحية تحول المياه النقية الى مياه مسمومة....
ورغم كثرة الندوات والنداءات، إلا أن لبنان الذي يعوم على بركة مياه، لا يستفيد من جدواها الاقتصادية طاقة أو شرباً، ويتجه الى مهوار يستنزف موارده، وهو الأمر الذي يزيد منسوب القلق مستقبلاً لدى خبراء المياه في لبنان.
وارتفعت نبرة التحذير في الورشة المائية التي عقدت الأسبوع الماضي في مجلس النواب في موضوع تأمين مياه الشفة لبيروت الكبرى، فميزان المياه في بيروت الكبرى في تاريخ 31/12/2008: مجموع المياه المنتجة في السنة 138,860,000 متر مكعب في السنة. والحاجة اليومية 184,320,000 متر مكعب. يكون النقص 45,360,000 متر مكعب في السنة. أما ميزان المياه في بيروت الكبرى لعام 2025 بدون استعمال الآبار. مجموع مصادر المياه المتوافرة 115,650,000 متر مكعب. الحاجة اليومية عام 2005 237,600,000 متر مكعب. النقص 121,950,000 متر مكعب.
وقال رئيس لجنة الأشغال النائب محمد قباني في حديث مع المستقبل، الواقع ان موضوع المياه يشبه كثيراً موضوع الكهرباء، فالمواطن يدفع فاتورة لمؤسسات المياه، التي لا تصله، إذ لا توجد عدادات، وهو يشترك مثلاً في متر مياه يومياً ولا يصله، ورغم ذلك تأتيه الفاتورة، وكأنه استهلك لكنه فعلياً لم يأخذ الخدمة المطلوبة. وبالتالي يصبح كمن يتعامل مع تاجر يغشه، وهذا التاجر هو مؤسسة الدولة، ويدفع المواطن ثمن مياه شرب من الزجاجات المعبأة، وهو الأمر يجب أن يكون من الكماليات، وكان يجب ألا يحدث ذلك، فالدولة يجب عليها أن تؤمن المياه الصالحة لمواطنيها، وعندها يمكن أن يشتري المواطن المياه المعبأة بدافع الكماليات لا بدافع الحاجة أو الخوف من المياه التي تصل الى بيته، لأن هذا أمر غير مقبول.
وأشار الى أن مؤسسة مياه بيروت تقدر الهدرين الفني وغير الفني (التعديات والسرقة) ب25%، إلا أنه يقال بأن الرقم يراوح بين 40 و50%، وخصوصاً في بيروت الكبرى، الممتدة من نهر الدامور الى نهر الأولي بارتفاع 300 متر عن سطح البحر، وهو ما يدفع المواطن الى السير في سياسة الفاتورتين، واحدة لمؤسسات الدولة الرسمية واخرى لمؤسسات خاصة.
وقال إن كثرة الندوات في هذا المجال، هو لحض السلطة التنفيذية على تدارك الأخطار الكامنة في موضوع المياه، أما السلطة التشريعية فمهمتها التحذير والمراقبة.
وأعرب عن أسفه من ازدحام المشكلات في هذا القطاع، لافتاً الى أنها ناتجة عن ضعف في مؤسسات المياه، والتأخر في تنفيذ المشاريع، أو بسبب المشاريع التي تنفذ ناقصة، ولا سيما في موضوع مياه الصرف الصحي هذا القطاع توجد فيه فضائح، خذ مثلاً محطة تكرير الغدير التي أنجزت إلا أن خط جر المياه الآسنة اليها لم ينجز، وفي الجهة الشمالية من العاصمة أنجزت خطوط الجر، إلا أن محطة التكرير في الدورة لم تنجز، الموضوع يشبه شراء سيارة بلا دولايب، أو دولايب دون سيارة، يعني الأمور عوجا، لا شك أن هذه الأمور ناتجة عن سوء إدارة، في البقاع أنشأت الدولة محطة تكرير غير أن المزارعين يفضلون استخدام المياه المبذلة لأغراض الري الزراعي.
وطالب قباني، بمجلس أعلى للمياه، وبوزارة خاصة بالمياه فقط أي لا تجمع معها الكهرباء، لأن موضوع المياه يوازي بأهميته الكهرباء، وقال كلما يأتي وزير الى وزارة الطاقة لا يهتم أبداً، وهو في أحسن ألأحوال يهتم بالطاقة، ولا يهتم بالمياه، علماً أن المياه هي من المواضيع المهمة في هذا القرن، ويمكن ملاحظة مدى تفاقم النزاعات من حولها بين الدول، ربما وزارء الطاقة يهتمون أكثر بالطاقة لأن الصرخة أكبر في موضوع الكهرباء ذي الأبعاد السياسية.
ودعا قباني الى وقف السجال القائم حول سد شبروح، وهو السد الوحيد الذي انجز من خطة السدود والبحيرات، وقال إن كان هناك من ثُغَر في هذا السد فيجب أن تسد، الآن علينا الإفادة منه، مضيفاً إن موضوع السدود هو من المواضيع الأساسية، ونحن نشدد على موضوع سد بسري الذي بامكانه أن يسد حاجات بيروت.
ولم ينفِ رئيس لجنة الأشغال العامة والمياه، أن بيروت في دائرة العطش إلا أن الناس تلجأ الى أساليب أخرى، وهي التعويض من خلال البدائل السريعة، وهم يؤمنون البدائل على طريقة كمن يلحس المبرد، لأنهم يستهلكون المياه الجوفية في لبنان، وهذه الثروة أي الآبار العميقة هي الخزانات الاستراتيجية للبنان والعالم لمئات السنين، وبالتالي لا يحق لجيلنا أن يستهلك المياه ويحرم الأجيال المقبلة، أولاً يجب استغلال المياه السطحية وبعد ذلك إذ اتضح أن هناك نقصاً يمكن تعويضه من المياه الجوفية، ونحن سنوصي بوضع رؤية سياسية-قانونية تتعلق بالمياه المشتركة سطحية كانت أم جوفية على أن تترجم في ما بعد الى استراتيجية متكاملة وواضحة المعالم، ونحن لدينا معلومات كافية عن المياه السطحية، لكننا لا نعلم عن المياه الجوفية.
ويقضي الحل لتأمين الشفة لبيروت الكبرى، بانشاء سد بسري الذي يؤمن 130,000,000 متر مكعب في السنة، والمطلوب الاسراع في اكمال الدراسة وتأمين الاموال. السد يحتاج الى خمس سنوات من العمل، لكن المهم ان نباشر وبجدية مطلقة. وكذلك الاسراع في تنفيذ مشروع جر مياه الاولي والليطاني الى بيروت ويحتاج الى 3- 4 سنوات من التنفيذ. والعمل على تنفيذ سد الجنة والذي يؤمن 50,000,000 متر مكعب في السنة لبيروت الكبرى ولمنطقة جبيل ودراسته شبه جاهزة، لكن من المهم دراسة الجانب البيئي لهذا المشروع. وقال ان تكلفة مشاريع سد بسري وجر مياه الاولي وتحسين شبكة مياه بيروت تبلغ بين 400 و450 مليون دولار، تكلفة سد بسري بالاسعار الحالية تقدر بنحو 200 مليون دولار، ولكنها كلها تعتبر حاجات ملحة، وهذه المنطقة تضم أعلى نسبة من سكان لبنان. وهذه التقديرات تعتمد معدل استهلاك للفرد يقدر بـ 125 ليترا يوميا، مع العلم انه يرتفع في الدول المتقدمة الى 150 - 200 ليتر يومياً.
ويمكن لخط ألأولي-بيروت (المرحلة الأولى من تأمين مياه الشفة الى بيروت الكبرى): الجر بالجاذبية نحو 250،000 متر مكعب في اليوم (3 أمتار مكعبة في الثانية) الى منطقة بيروت الكبرى، خلال فترة الشح.
أما سد بسري (المرحلة الثانية): فبامكانه جر كمية إضافية تبلغ نحو 500،000 متر مكعب في اليوم (6 أمتار مكعبة في الثانية) عبر خط الجر الأولي-بيروت خلال فترات الشح.
واعتبر قباني أنه يمكن ملاحظة جوانب ايجابية في تجربتي خصخصة قطاع المياه في الشمال والبقاع، إلا أننا لا نستطيع إعطاء المؤسسات خصخصة بالكامل، هذا الأمر برمته يجب أن يدرس بعناية، لأن المياه موضوع استراتيجي، ولذلك يجب أن تبقى هناك رقابة، وربما يكون من المفيد أن تكون هناك شراكة في ادارة المياه، في لبنان.
وفي ما يشبه النقد الذاتي، قال قباني عموماً نحن لوثنا مياهنا نتيجة الفوضى في الجور الصحية، نهر الليطاني وبحيرة القرعون، تحولا الى مجارير ورمي القاذورات، هناك تلوث في الينابيع أيضاً.
ورغم زيادة نسبة مادة الكلور في مياه بيروت والتي قد تؤثر في صحة الانسان مستقبلاً، قال قباني تبقى مياه بيروت نظيفة مع المراقبة الدائمة لها من خلال مختبر متطور بلغت تكلفته نحو مليوني دولار، وهناك تقارير تصدرها شهرياً مؤسسة مياه بيروت حول سلامة المياه، عازياً نسبة الكلور المرتفعة الى الخوف من قدم الشبكة وتأثيراتها على الصحة العامة، ولضمان وصول المياه نظيفة الى المواطنين، إلا أن ذلك يجب ألا يستمر!!!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.